بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » بــنــت بــريــدة » مساءٌ بِنكهةِ الموتْ .

بــنــت بــريــدة بنت بريدة - القسم خاص بالنساء -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 25-08-2010, 03:03 PM   #1
رايسل
عـضـو
 
صورة رايسل الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
البلد: أقترب جدًا مني !
المشاركات: 2,405
مساءٌ بِنكهةِ الموتْ .


هنا بالضبط .. كان مكانكِ يا جدتي جلوسكِ وسفرتكِ , وضوءكِ وسجادة صلاتكِ
الكرسي الأخضر وتحته أناء ممتلئ بالحنـاء !
هنا بالضبط عمركِ ما بعد الخمسين مبعثر في مكان واحد محصور ..

كـَ شريط الأخبار يمر سريعًا رغم ثقل محتواه ويعلق في الذاكرة !
هنا حين ناديتني في المرة الأخيرة وأعطيتني مفتاح معقود بِقماش أحمر باقِ من ثوبك القديم ,
لِجلب صرة "المرة" و"الحلتيته" و"الكمون" من صندوقكِ الحديدي فـَ رغبتكِ في توفير
ما يقضي على الداء حين يزورنا أكبر من توفيره لـِنفسكِ و وجعكِ .
هنا حين أنحنيت لـِ أقبل رأسك قبلة الوداع ورائحة الحناء تسبق وصولي إليكِ !
هنا حين تمدي يدكِ وتقولي : "أييه بنيتي , مديها " حين يعجبكِ ردٌ ما لي .
هنا حين أمر بجواركِ فـَ تهتفين :" ياربِّ كبر حظها وأسعدها "
هنا نوقد النار معًا في " الوجار " فـِ يجلب دخانه خالي ليأتي غاضبًا ويصرخ :
لِمَ نوقده فـ ضرره أكبر من نفعه , هكذا يقول دائمًا وردة فعلكِ اتجاه ثابتة بأن لا شيء سيحصل وأن المدفئة لا تدفأ أكثر من هذه "الوجار" ..
بعد رحيلكِ أيقنت بأن الدف لا يُدثر القلوب العارية وأن كان مصدره مدفئة كهربائية أو الوجار أو حتى أشعة شمس أغسطس !
هنا حين نمر سريعًا حتى لا نلفت انتباهكِ صوبنا فهناكِ دومًا شيء ما مخبأ عنكِ .
هنا سمعتِ الكثير ما يعجبكِ ومالا يعجبكِ , وتصمتِ .

.
.
أرأيتيهذه النخلة -التي أمامكِ بالضبط- قبل أربعة عشر سنة كان خلفها أرجوحة وكنت لا أغادرها أبدًا ,
ففيها نسجت أمنياتي وزخرفتها وكنتُ دومًا أحتار مابين أن أكون منشدة أو شاعرة أو مديرة شركة .
أرأيتي الغباء .. مستوطن فيِّ من صغري !
كبرت أكثر من عمري ياجدتي .. وعرفت بأن أمنياتي جدًا سـاذجة رغم أنها لم تتحقق !
ما قبل النخلة على اليسار تمامًا كان هناك جدار فيه ثقب صغير لم يشاهده أحدًا قد اتخذته مخزن لي ,
ففي ليالِ رمضان أخبئ فشار "النسمة" حتى أقضي عليه في عصره وأظل أمامكم البنت الطفلة الجيدة لأني صمت اليوم بأكمله .
لم أعلم بأن الكذب كان ينمو معي منذ صغري !
مممم أتذكري .. ذاك الحائط المزخرف بالحجرات الثلاثة ؟!
كنت أنا من يساعد خالي في بناءه في كل عصر , ويعطيني مقابل ذلك
فرشة وقليل من الدهان ولي أن أعبث بفرشتي فيما أشاء .
أرأيتي كم كنتُ بسيطة يرضيني أقل الأشياء/أسخفها !

.
.
في زيارتي الأخيرة لكِ كنتِ قد أخبرتي خالي -ككل مرة- بأني أقرضتك مبلغًا من المال وعليه أن يرده لي الآن !
كان يعلم بأني لم أقرضكِ شيء وإنما هي هباتك التي توزيعها علي دائمًا .
بعد ذلك بيومين – قبل رحيلكِ بـثلاث أيام- اتصلتِ بي وتقولي : "أتصلي على خالك وقولي أمي هيلة متسلفة مني 100 ريال وأبيها قبل ما أرجع للرياض " .
أغلقت السماعة منكِ , ابتسمت لأمي وحكيت لها -أتصورني وأنا أتصل به في مكتبه فأضحك بصوت عالي -
ما أطيبكِ ياجدة .. ما أطيبكِ !

.
.
9/8
دخلتِ للمستشفى ,"لم تكن المرة الأول دخولها " هكذا كنا نطمئن أنفسنا وغاب عن خاطرنا بأنها الأخيرة !
دخلتِ وكلانا أنقبض قلبه وضاق به المكان , أذكر أمي جيدًا وسواد وجهها و توعدها بأنه ستجلب لكِ كذا وكذا , ثم تصمت !
أيقنت بأن الموت حين يقترب من أحدانا يجلب معه غمام سوداء تظللنا وتمهد لنا الحزن وأن السُوء الغير منتظر قادم .

ولأن دقائق الانتظار موجعة أكثر من الوجع نفسه , أصرت أمي أن نسير لبريدة دون إي تأخير !
وقبل أن نغادر مدينتا يأتيني اتصال من ابنتك , أهاتفها لكن لا أسمع إلا صراخ وبكاء وصوت آخر قادم أمي ماتت !
أجهشت بالبكاء فأمرت أن أكف عن البكاء أو أن أبكي بصمت حتى لا تشعر أمي بشيء !
كيف لي أن أجرع البكاء , كيف لي أن أصمت ؟!
أرسلت رسالة لأخي أن يقف قبل الخروج من المدينة وأن يجد عطل بالسيارة , وفعل ما أردت .

( محطة أبانمي ! )
كانت محطة وقوفنا وتجمعنا مع أبنائك وبناتكِ , محطة لـِ تغيير ملامحنا وزيادة كفة الفقد لدينا .
هناك أذكر رجل يبيع مخلط عطور وينادي لِبضاعته لكن حين وقفنا ونظر إلينا صمت وأعينه فقط أخبرتنا بما يجب عليه أن يقوله الآخر لنا في وقتها .
عرفت حينها بأن الموت حين يحضر يبصم على جبينا وشم العزاء ويلبسنا رداء الحزن فحين يبصرنا شخص آخر -حتى وأن كنا من وراء حجاب-
يتمتم بينه وبين نفسه "ربي يصبرهم ويثبتهم" .

.
.
ماذا بعد رحيلك ؟!
لم تعد الأماكن كما هي مهيأة للسكن أو حتى العبور فيها !
هذا البيت الكبير والفناء الخارجي والمزرعة المتصلة به منذ رحيلكِ ضاااااااق ولم يعد يسعى إلا لـِ ...شخص واحد دون ظله !
بعد رحيلكِ .. أعيد ترميم هذا البيت لإخفاء ملامحكِ المرسومة على كل جدار !
أعيد ترميمه لِيتسنى للجميعِ الحضور والتجول بهِ دون أن تسلب أفراحهم ذكراكِ أو بقعةً من بقعكِ الطاهرة ..


سأخبركِ بشيء ..
لازلت أحتفظ بِرقم هاتف تاجر المواشي حتى إذا اتصلتِ بي تجدينه معي -يخيل لي بأنكِ سـتتصلي ظهر يوم مًا وتطلبي مني الاتصال بهم-!
وأمي لم تزل تحتفظ بثوب لكِ وغطاء قد حفظتهم في الغرفة العلوية حتى لا تبكيك بـِ استمرار فـ تفقد لذة بكاءكِ .
أختي هي أيضًا تحتفظ بعلبة الفلفل الأحمر , لم تزل العلبة وما بداخلها في بيتها وتبكيها بين الحين والآخر !
أختي الأخرى تحتفظ بمفتاح ذاك الصندوق , فقد سقط بيدها أيام عزاك فـَ حفظته لكِ حتى تجزلين عرفانكِ لها .
هل مازلنا نحتاج لـِ أشياء تذكرنا بكِ -بحالِ أن غبتِ عن خاطرنا مثلًا- ؟!
وأنتِ قد تركتي لنا حقيقة كبرى تذكرنا بكِ دائمًا , أبنكِ حبيبكِ الذي لم يغادركِ أبدًا طول حياتكِ
ولم يغادر بعدك ذاك البيت , أتصدقين ذلك ؟!
ففي كل يوم يحاول أن يغير من ملامح البيت وأن يخفيك من عالمه لكن عبثًا يحاول .
بعد رحيلك ياجدة كبر عشرة سنين وباتت البسمة دومًا بِشفاه ذابلة كـ وجه أمي حين تزور أماكنكِ من بعدكِ !

.
.
قبل أيام كنتُ هناك -حيث ألتقطُ هذه الصورة- أتصدقينني القول يا جدة ..
بأن ملامحكِ مغروسة بـِ أرواحنا لا بالجدارِ وأننا لسنا بحاجة لشيء باقِ منكِ ليذكرنا بكِ !
وأن رائحتكِ -رائحة الموت- مازالت عالقة بأنفي حتى الآن !







مافي الأعلى محتوى رسالة أرسلت وتعذرت بالوصول لـِ صاحبه !
كـ عادة رسائلي المتعثرة دومًا.
__________________

لم تمت يارفيقي ، فـَ صوتكَ حيِّ يدفعني لـِمدائنك كل ليلة !
5-6-1427 هـ

[MP3]http://www.5oo2.com/up//uploads/files/5oo2.com-56d2f25847.mp3[/MP3]

آخر من قام بالتعديل نيران; بتاريخ 28-08-2010 الساعة 05:58 AM. السبب: تم /
رايسل غير متصل   الرد باقتباس


 

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 10:45 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)