بريدة في السبعينات الهجرية 1370هجري
من فوق ساحة الجردة واشاهد أعمدة من دخان النار تتصاعد من فواهات المنازل الطينية الواقعة في الضفة الغربية لشارع الخبيب ، وفي جهة الجنوبية اشاهد قطيع من الغنم يعود الى حضيرته بعد أن قضى يوماً كاملاً في مراعي ( سعة الله الجميلة) . الهدوء يخيم على المدينة ولا أسمع الا صوت مكائن ( اللستر) في مزارع البوطه والتي تشكل بتداخلات اصواتها مقطوعة موسيقية .
كم هي جميلة بريدة المزارع تحيط بها إحاطة السوار بالمعصم لتكون سياجاً يحميها من لهيب حرارة الصحراء وكلما شاهدت النساء المتلفعات بمروطهن الساحبات ذيولهن والبنيات الصغيرات بظفائرهن احسست أني أعيش في احضان التاريخ العربي القديم .
أهل بريدة أهل تجارة ويعشقون الترحال ويشتهرون بشدة تمسكهم بالدين ولذا كانوا من أخلص أتباع دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ـ رحمه الله ـ بل التاريخ يحدثنا أن الإمام محمد بن عبدالوهاب طلب الـعـلم على يد شيخ من اهالي بريدة أسـمـه ( عبدالرحمن بن أحمد ) وأول من تولى القضاء في بريدة هو الشيخ (عبدالعزيز العريني) من ابرز تلامذة ابن عبدالوهاب رحمه الله وبعد سقوط الدرعية هاجر بعض انصار الدعوة الى بريدة وعلى رأسهم ( آل سليم ) لذا فليس من المستغرب أن ترا رواج العلم الشرعي فيها فمدارس العلم الشرعي وحلق الذكر تغص بطلاب العلم .
يحدثنا التاريخ أنه في عام 1353هـ توجه أكثر من 50 طالب علم من بريدة للمناطق الجنوبيه في السعودية بأمر من الملك عبدالعزيزـ رحمه الله ـ وذلك للقيام بالتدريس والتعليم والقضاء والارشاد هناك .
ذكر لي احد المطلعين ان في بريدة في كل بيت طالب علم ومجالس العامة تعج بالقضايا الساخنه والدليل والأستشهاد والاستباط .
ولوقوع بريدة في شمال نجد ادا الى عدم اختلاط سكانها بغيرهم من المجتمعات فإنغلاق المجتمع جعله يحافظ على هويته التي ينشأ فيها الفرد على تقاليد المجتمع الأصيلة ممايجعل التقارب بين الناس يزداد ويصبح هناك مايسمى بالردع الأجتماعي ضد أي ظاهرة بغيظة تنشأ ، كما أن بريدة ليس مجمعاً جغرافياً للجهات الرسمية العامة فالهجرة اليها نادرة ممايؤدي الى أختفاء ظاهرة الغريب الذي يعيش بلا رقيب.
|