الفرق بين الافتراق والاختلاف أمر مهم جدًا ، وينبغي أن يُعنى به أهل العلم ؛ لأن كثيرًا من الناس خاصة بعض الدعاة وبعض طلاب العلم الذين لم يكتمل فقههم في الدين ، لا يفرقون بين مسائل الخلاف ومسائل الافتراق ، ومن هنا قد يرتب بعضهم على مسائل الاختلاف أحكام الافتراق ، وهذا خطأ فاحش أصله الجهل بأصول الافتراق ، ومتى يكون هذا ؟ وكيف يكون ؟ ومن الذي يحكم بمفارقة شخص أو جماعة ما ؟
من هنا كان لابد من ذكر بعض الفروق بين الاختلاف وبين الافتراق ، وسأذكر خمسة فروق على سبيل المثال لا على سبيل الحصر :
الفرق الأول : أن الافتراق أشد أنواع الاختلاف ، بل هو من ثمار الخلاف ، إذ قد يصل الخلاف إلى حد الافتراق ، وقد لا يصل ، فالافتراق اختلاف وزيادة ، لكن ليس كل اختلاف افتراقًا . وينبني على هذا الفرق الثاني .
الفرق الثاني : وهو أنه ليس كل اختلاف افتراقًا ، بل افتراق اختلاف ، فكثير من المسائل التي يتنازع فيها المسلمون هي من المسائل الخلافية ، ولا يجوز الحكم على المخالفة فيها بالكفر ولا المفارقة ولا الخروج من السنة .
الفرق الثالث : أن الافتراق لا يكون إلا على أصول كبرى ، أي أصول الدين التي لا يسع الخلاف فيها ، والتي ثبتت بنص قاطع أو بإجماع ، أو استقرت منهجًا عمليًا لأهل السنة والجماعة لا يختلفون عليه ، فما كان كذلك فهو أصل ، من خالف فيه فهو مفترق ، أما ما دون ذلك فإنه يكون من باب الاختلاف .
فالاختلاف يكون فيما دون الأصول مما يقبل التعدد في الرأي ، ويقبل الاجتهاد ، ويحتمل ذلك كله ، وتكون له مسوغات عند قائله ، أو يحتمل فيه الجهل والإكراه والتأول ، وذلك في أمور الاجتهاديات والفرعيات ، ويكون في بعض الأصول التي يعذر فيها بالعوارض عند المعتبرين من أئمة الدين ، والفرعيات أحيانًا قد تكون في : بعض مسائل العقيدة التي يتفق على أصولها ، ويختلف على جزئياتها ، كإجماع الأئمة على وقوع الإسراء والمعراج ، واختلافهم وتنازعهم في رؤية النبي - e - لربه فيه ، هل كانت عينية ، أو قلبية ؟
الفرق الرابع : أن الاختلاف قد يكون عن اجتهاد وعن حسن نية ويؤجر عليه المخطئ ما دام متحريًا للحق ، والمصيب أكثر أجرًا ، وقد يحمد المخطئ على الاجتهاد أيضًا ، أما إذا وصل إلى حد الافتراق فهو مذموم كله ، بينما الافتراق لا يكون عن اجتهاد ، ولا عن حسن نية ن وصاحبه لا يؤجر عليه ، بل هو مذموم وآثم على كل حال ، ومن هنا فهو لا يكون إلا عن ابتداع أو عن اتباع هوى ، أو تقليد مذموم ، أو جهل مطبق .
الفرق الخامس : أن الافتراق يتعلق به الوعيد ، وكله شذوذ وهلكة ، أما الاختلاف فليس كذلك ، مهما بلغ الخلاف بين المسلمين في أمور يسع فيها الاجتهاد ، أو يكون صاحب الرأي المخالف له مسوغ أو يحتمل أن يكون قال الرأي المخالف عن جهل بالدليل ولم تقم عليه الحجة ، أو عن إكراه يعذر به قد لا يطلع عليه أحد ، أو عن تأول ولا يتبين ذلك إلا بعد إقامة الحجة .