|
|
|
|
25-09-2008, 01:14 PM | #1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 41
|
ليلة في ظلام الدويقة
جثث متعفنة وأصابع تحفر الصخر. ضباط يتفرجون ومجندون متعبون
ليلة في ظلام الدويقة: أحمد شلبي ملايين المصريين يقضون ليلتهم بين زيارات وفسح وفرجة علي التليفزيون، والنوم علي مراتب قطن أو إسفنج أو ريش نعام، وتأتيهم أحلام ربما سعيدة وربما مؤلمة.. ولكنهم في النهاية ينامون في منازل تغطيها أسقف.. قد لا يكون بها تكييف أو مروحة.. ولكنها مكان آمن علي الزوجة والأطفال.. يحميهم من برودة الجو ونظرات الآخرين.. وسط هؤلاء الملايين عشرات من الناس، ستعرفونهم إذا ذهبتهم إلي منطقة الدويقة، يعيشون في الخلاء بين الصخور.. ينتظرون صوت مجند يناديهم «تعالوا إحنا استخرجنا جثة ابنكم».. هؤلاء قضينا معهم ليلة في الدويقة.. رصدنا الألم والأحزان.. والحسرة التي ارتسمت فوق وجوه غطتها أتربة الصخور. علي بعد دقائق في طريق صلاح سالم، ستجدها.. منطقة عشوائية، مزدحمة تري فيها كل شيء لم تره في حياتك.. عند مدخلها ستجد عددًا كبيرًا من مجندي الأمن المركزي يصطفون في الشارع، بعد أن تناولوا وجبة الإفطار بالتناوب، وخلفهم عدد ليس بقليل من الضباط برتب مختلفة من ملازم أول إلي لواء.. وضعوا عددًا من الكراسي وجلسوا يشربون الشاي «والحاجة الساقعة». المجندون ومعهم ضابط لا يتركون كبيرة ولا صغيرة إلا وأوقفوها.. يسألون كل من يدخل إلي المنطقة عن هويته وسبب حضوره إلي المكان.. من بين عشرة مواطنين تمكن واحد فقط من الدخول بعد الاطلاع علي البطاقة الشخصية والوظيفة ومعرفة السبب.. وإذا كنت صحفيا أو لك علاقة بالعمل الإعلامي فمن المستحيل أن يتركوك تمر.. سيعللون ذلك بأنها «أوامر»! وفي هذه اللحظة يمكنك أن تبحث عن طريق آخر أو أحد الأهالي ليصطحبك إلي طريق آخر يمكنك الدخول منه. في حالة نجاحك في الدخول إلي منطقة العمليات ستصطدم منذ اللحظة الأولي برائحة تجعلك تضع يديك فوق أنفك وفمك.. إنها رائحة الموتي، الذين تحللت جثثهم تحت الأنقاض.. ستبتعد قليلاً عن المكان حتي تستعيد توازنك وتدرك أن كارثة ومأساة تعيشها أسر الضحايا والمجندون والعمال في المنطقة، وبمجرد أن تفيق من الصدمة ستشاهد ما لم تره العين من قبل، بالتأكيد ستكون ليلة مختلفة.. تحتاج بعدها سنوات حتي تنسي تلك المشاهد وتستطيع النوم في منزلك. علي بعد أمتار من المكان، الذي يعمل فيه المجندون ويواصلون جهودهم لاستخراج الجثث، لن تري شيئًا، المنطقة مظلمة، تسمع أصواتًا تعلو تارة وتنخفض تارة أخري.. ما بين مجند ينادي علي زملائه: «تعالوا هنا.. ارفعوا معي» وشاب يقول: «حسبي الله ونعم الوكيل».. وآخر يبكي «ابني محمد.. تحت الحجارة مين يطلع جثته». بين الحين والآخر، تشاهد شعاع نور من كشافات العمال والمجندين يقطع الظلام، ويكشف عن أهالي ارتموا علي الأرض واحتموا بالصخور التي قتلت أبناءهم وحطمت أجساد إخوتهم، سألنا أحدهم، عم سليمان، عن ذويه الذين راحوا في الحادث دون أن يرفع رأسه إلي أعلي ليري من يحدثه.. تكلم ليس من أجل الإجابة عن سؤالنا.. ولكنه تكلم ليهون عن نفسه - ربما يستريح صدره -: «ابني سعيد وزوجتي وحفيدتي إيمان.. كلهم ماتوا تحت الصخور.. ولم يستخرجوا جثتهم حتي الآن، ٩ أيام مرت علي الحادث.. وأنا أجلس في هذا المكان في انتظارهم.. أحضروا لنا الخيم والطعام والشراب.. ولكن كيف آكل وأشرب وهم تحت الصخور، كيف أتركهم وأذهب إلي الخيمة.. لن أرحل إلا بعد استلام جثثهم». شاب آخر جلس فوق صخرة.. لم نشاهد من ملامحه سوي دخان سيجارة أشعلها.. دون أن أسأله عن أهله الذين فقدهم، قفز بسرعة من أعلي الصخرة، وأشار بيده إلي المنطقة التي يعملون بها قائلاً: «عاوزين يردموا عليهم.. علشان يروحوا.. علشان يرجعوا بيوتهم ويتركونا نتعذب ونتألم علي أهلنا.. إحنا مش عاوزين منهم حاجة.. عاوزنهم بس يتركونا نبحث عن أهلنا تحت الصخور بمعرفتنا». اقتربنا قليلاً من المكان.. الرائحة تزداد صعوبة.. عدد من الأهالي يجلس علي الصخر.. ومجندون وعمال أمامهم يشربون المياه.. وظلام تقطعه الكشافات بين الحين والآخر. وسيارات إسعاف تقف علي بعد أمتار من المكان، تنتظر أن يخرجوا بجثة من تحت الأنقاض، لتنقلها إلي مشرحة زينهم تمهيدًا لتسليمها لذويها. مرت ساعة ونصف الساعة تقريبًا من الليل، المشهد كما هو مجندون يرفعون الأنقاض، ومن خلفهم وإلي جوارهم أهالي يساعدون وينتظرون، فجأة انطلق صوت أحد الشباب: «فيه حد هنا»، تجمع العمال والمجندون، تعاونوا حتي أخرجوا جثة لطفل في العقد الثاني، عدد كبير من الأهالي الذين ينتظرون جثث ذويهم، التفوا حول الجثة، طلبوا من العامل الذي يمسك بكشاف النور أن يقترب قليلاً ليتعرفوا علي هوية الجثة بعد أن غطتها الأتربة. إلا أن صوت الضابط أنهي كل شيء، وطلب من المجندين نقل الجثة إلي سيارة الإسعاف.. وطلب من الأهالي التوجه للمشرحة للتعرف عليها. صرخ أحد الأهالي: «إحنا مع كل جثة هنجري وراها إلي المشرحة.. ولو اتضح إنها لا تخصنا.. نرجع تاني.. ايه العذاب ده.. هو انتوا والزمن علينا.. حرام عليكم».. انطلقت سيارة الإسعاف بالجثة إلي المشرحة ليعود الحال إلي ما كان عليه. خلف صخرة كبيرة، شاهدنا عمال يخلعون أحذيتهم، أتعبهم العمل طوال النهار والليل.. أكدوا أنهم يعملون بأقصي جهد لديهم، يقدرون حجم المأساة التي تسكن في قلوب الأهالي.. إلا أن الرائحة بدأت تصيبهم بالألم.. دقائق وعاد العمال يرفعون الأنقاض علي أمل الوصول إلي باقي الجثث. وفي المقابل، الأهالي لم تهدأ قلوبهم لحظة، انتشروا في المكان.. كل يلف حول منزله المنهار، يحاول أن يستخرج جثث ذويه من تحت الأسقف المنهارة.. يحفرون بأصابعهم تحت الصخور.. ربما يجدونهم، جاءت الثانية صباحًا، واعتقدنا أن الأهالي سيعودون إلي الخيم التي وفرتها لهم المحافظة ليستريحوا فيها حتي الصباح، علي أن يعودوا في اليوم التالي بحثًا عن الجثث، انتظرنا تلك اللحظة التي يترك فيها الأهالي المنطقة، إلا أنها لم تأتِ.. ظلوا يحفرون في الصخر طوال الليل.. سألناهم.. فأجابوا «كيف نترك أهلنا تحت الأنقاض ونستريح في الخيم؟! سنرحل بعد أن ندفهم في مقابرنا».. لاح نور الصباح علي المكان والمشهد كما هو.. مجندون متعبون يبحثون عن الجثث، والأهالي يحفرون بأصابعهم علي أمل. *** أطفال الدويقة يطاردون المسؤولين بالمظاهرات في موقع الكارثة عمر حسانين وهاني رفعت وفاروق الدسوقي وفاطمة أبوشنب أوقفت أجهزة الإنقاذ أعمالها في البحث عن جثث ضحايا كارثة الدويقة، ولم تفلح محاولات أهالي الضحايا معهم بالهتاف ضدهم وضربهم ببعض الحصي لإرغامهم علي المواصلة، حيث بدأت قوات الشرطة وأجهزة الدولة حشد كل طاقتها لمواجهة الوقفة الاحتجاجية، المقرر تنفيذها بعد إفطار أمس والتي تنظمها أحزاب ومنظمات حقوقية بالاشتراك مع المضارين وأهالي الضحايا، ومقرر أن تستمر الوقفة في مكان الحادث إلي منتصف الليل. وشهدت المنطقة مظاهرات قادها الأطفال والنساء، حيث تزعمت الطفلة منار خميس عدداً من أقاربها، طاردوا المسؤولين بالهتافات والدعاء عليهم، وطالبوهم بإنقاذهم من النوم في العراء والتعرض للموت تحت أحجار الجبل، وطالبت كل من أسماء حمدالله وسميرة أحمد وزاهية أبوالمجد وصابرة فراج، نائب المحافظ بإعادة معاينة منازلهم التي تهدمت بسبب الانهيار، ورفض موظفو الحي إثباتها أثناء المعاينات، وقيدوها أنها ورش لأنهم لم يدفعوا لهم رشاوي - حسب قولهم. وتحول ليل جبل منشأة ناصر إلي رعب دائم، حرم علي المنكوبين النوم خلاله، فاندلعت المظاهرات في كل مكان واشتدت أمام الحي بعدما عجز منكوبون عن الحصول علي وحدات سكنية، رغم استحقاقهم إلا أن جنود الأمن المركزي حالوا دون دخولهم إلي مقر الحي، وسرت شائعات أن صخرة سقطت علي ثلاثة من جنود الإنقاذ ودفنتهم تحتها، مما أدي إلي حالة من الاستياء والتخوف بين باقي أفراد الإنقاذ، وأعلن عدد من سكان مخيمات الإيواء اعتصامهم اعتراضاً علي عدم نقلهم إلي الوحدات السكنية، التي أعلن عنها المسؤولون. وقال محمد فؤاد إن منزلهم لا يبعد عشرة أمتار عن الجبل، وتقرر إخلاؤه ولم يعد لهم مأوي سوي الشارع ينامون فيه، لكن الرعب تمكن من الجميع، فإذا سقط كيس قمامة أو حدث أي مصدر صوت، اندفع الجميع إلي الشارع فارين بحياتهم. وفي حوالي الحادية عشرة والنصف من مساء أمس الأول سمع صوت ارتطام شديد وصرخ الأهالي بأن انهياراً جديداً حدث فتحولت الشوارع إلي مشهد من يوم الحشر، حيث تدافع الجميع بعضهم يحمل أطفاله وآخر يحمل أمتعته حتي هدأ الموقف وعادوا إلي المنازل من جديد. وأخلي الحي قرابة ٢٠ منزلاً جديداً، وحتي الآن لم تتوفر مساكن بديلة. وأجري محمد صدقي مدير نيابة حوادث غرب القاهرة اتصالاً تليفونياً برئيس حي منشأة ناصر لسماع أقواله حول الواقعة ومعرفة ما إذا كان هناك تراخيص بناء للمساكن التي سقطت عليها الصخور أسفل الجبل، وسألت النيابة عن عمليات تهذيب الجبل التي كان يقوم بها مقاول، بالاتفاق معهم، وأكد مدير مكتب رئيس الحي أن هناك اتفاقاً بين الحي والمقاول علي تهذيب الجبل وإزالة بروز في السطح، وأن المقاول كان يمارس عمله وقت الانهيار. وارتفع عدد قتلي قرية بني صالح في الفيوم من ضحايا انهيار الدويقة، حيث استقبلت المدافن جثامين ٥ من أبناء القرية ليرتفع عدد الضحايا إلي ٢٨ قتيلاً، بينا استقبلت قرية الإعلام جثامين ضحايا آخرين ليصل عدد ضحاياها إلي ١٣ ضحية، وعدد القتلي من الفيوم حتي الآن ٤١ ضحية. واستدعت النيابة بإشراف المستشار عمرو قنديل المحامي العام الأول لنيابات غرب القاهرة مدير الإسكان بحي منشأة ناصر لسماع أقواله حول الحادث. *** حشد لواءات و٨ أكمنة تحاصر الدويقة.. وقوات علي الأسطح للمراقبة أحمد عبداللطيف ومحمد عبدالرازق خصصت أجهزة الأمن ٨ أكمنة تضم ضباط المباحث وعناصر من أمن الدولة والأمن المركزي ومخبرين سريين، حولت بهم منطقة الدويقة إلي ثكنة عسكرية، ونشرت أعداداً من أمناء الشرطة علي أسطح المنازل المحيطة، لإحكام السيطرة علي المكان. يبدأ الكمين الأول عند مدخل حي منشأة ناصر، يقوده ضابط برتبة لواء ويستخدم ٦ حواجز للتحكم في المرور عبر الكمين، وتفتيش من يريد الدخول ومراجعة أوراق تحقيق الشخصية. وتهتم القوات بالبحث عن كاميرات التصوير، وممثلي وسائل الإعلام غير الحكومية، وقبل أن تصل إلي شارع السلام ستجد ٤ سيارات أمن مركزي عند ٦ حواجز حديدية يتولي مسؤولية التأمين فيها ضابطان، أحدهما برتبة عميد والآخر مقدم. المنطقة قرب موقع الانهيار تضم نقطة القيادة، حيث تتمركز قيادات قطاع أمن القاهرة، اللواءات: عبدالجواد أحمد، مساعد الوزير حكمدار العاصمة، وفاروق لاشين مدير الإدارة العامة للمباحث وأمين عز الدين، مدير المباحث الجنائية، بالإضافة إلي ضباط أمن الدولة والبحث الجنائي، وإذا نجحت في الإفلات من الأكمنة الثلاثة. وهناك كمين آخر عند «سن الجبل» يضم ٤ حواجز ويقوده ضابطان برتبة رائد، وضباط مباحث يرتدون الملابس المدنية، يتولون مراجعة المتجهين إلي مناطق الإيواء. الأكمنة الأربعة الأخري، أحدها يسيطر علي منطقة مساكن سوزان مبارك، والثاني أمام مخيم النادي والثالث علي الطريق المؤدي إلي مدينة نصر، والأخير عند المنطقة الخلفية، وأعلي أسطح المنازل يجلس أمناء شرطة لمراقبة محاولات نصب كاميرات علي الأسطح، بعضهم يحمل أجهزة اتصال لاسلكية، يعطي البلاغات بصوة دائمة إلي النقطة الرئيسية. |
25-09-2008, 07:42 PM | #2 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 41
|
رحم الله المتوفين جميعا وعوض صبرهم الجنه وان لله وان اليه راجعون
|
الإشارات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
طريقة العرض | |
|
|