الهدي النبوي في الاعتكاف
الهدي النبوي في الاعتكاف
هَدْي النبي - صلى الله عليه وسلم - هو أكمل الهَدْي، واختياره لنوافل العبادات في أوقات دون أوقات هو أفضل الاختيار، ونحن متعبدون لله - تعالى - باتباع سُنَّته، والتزام هديه، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].
وقد خَصَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - رمضان بعبادات فَعَلَها وشَرَعَها لأمته؛ اغتنامًا لفضيلته، واكْتِسابًا لِغنيمتِه، فقام بالناس جماعة في المسجد ليالي عدة، ثم تَرَكَ الاجتماع على ذلك خشية أن يفرضَ على الناس، فكان قيام رمضان جماعة في المساجد من سُنته - عليه الصلاة والسلام.
واختص - صلى الله عليه وسلم - عشر رمضان الأخيرة بمزيد عمل واجتهاد، حتى كان - عليه الصلاة والسلام - يعتزل الناس، وينقطع في المسجد، خاليًا عن كل الصوارف والعلائق، مُعَلقًا قلبه بالله - تعالى - يَتَحَرَّى ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر؛ كما روت عَائِشَةُ - رَضيَ اللهُ عَنْهَا - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَعْتَكفُ العَشرَ الأَواخِرَ من رَمَضَانَ حتى تَوَفَّاهُ الله، ثمَّ اعْتَكَفَ أَزواجُهُ من بَعدِهِ؛ متفق عليه.
إن الاعتكاف سُنة فَعَلَها النبي - صلى الله عليه وسلم - وَوَاظَبَ عليها، وشَرَعها لأمته، حتى قاَلَ الزُّهْريُّ - رَحِمهُ اللهُ تَعَالى -: "عَجَبًا للمسلمين، تركوا الاعْتِكَافَ، وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يَتْرُكْهُ منذ دخل المدِينَةَ، كُلَّ عَامٍ في العَشْرِ الأَوَاخِرِ حتَّى قَبَضَهُ اللهُ - تَعَالى".
هذا؛ وكان هديه - صلى الله عليه وسلم - في الاعتكاف أكمل الهدي، بعيدًا عن غلاة المغالين، وجفاء المقصِّرين.
إن الانقطاع عن الدنيا كان موجودًا عند كثير من أرباب الدِّيانات الأخرى، وفيه من الرَّهبنة والغلو ما فيه، فمنهم من كان ينقطع في الأديرة والمغارات، أو يهجر الناس إلى الأدغال والغابات العمر كله، أو سنوات تطول أو تقصر؛ ولكن الاعتكاف الذي شرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - يُحَقِّق المقصود مِن صفاء القلب وجمعه، ويعيده إلى تخليته لِرَبِّه - سبحانه - بعد عام منَ الانشغال بالأهل والوَلَد والدُّنيا، وَيَتَكَرر ذلك في كل عام عددًا منَ الليالي هي أفضل الليالي.
|