[التدمرية]

مدرهم ) و ( سفر ) أخوان عاشا في القرية قبل عقود من الزمن .. جمعهما سقف بيت واحد بعد وفاة والديهما .. فكانا يقتسمان الكد والسعي في مناكب الأرض ويقتسمان رغيف العرق .. (مدرهم) شخصية طيبة تلقائية يقدر أخاه الأكبر ويعده بمثابة الوالد .. فكان يقبل رأسه ويجيبه مسرعا على أطراف الأقدام كلما سمع صوته بـ ( سم طال عمرك ) .. ومع مرور الأيام صار ( سفر ) يقسو على أخيه ويسترخي بواجباته تجاهه وتجاه متطلبات المنزل .. وصار يؤمن أن ما يعمله ( مدرهم ) هو جزء من واجباته التي يفترض أن يقدمها بين يدي أخيه كلما ( هب ) نفس تنهيدة أو حان إلتفاتة يمنة أو يسرة من أخيه .. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه إلى أن اتخذ (سفر) مجلساً في ناحية من الحقل الذي يكد ويشقى فيه ( مدرهم ) ليل نهار .. يدعو فيه الضيوف كل ليلة و يأمر ( مدرهم ) أن ( يستدني ) نهاية كل أسبوع واحدا من الخرفان التي كان يربيها ( مدرهم ) في الحقل ليذبحه و يطبخه ويقدمه للضيوف تحت ترحيب و ( تهلية ) العم ( سفر ) الذي أصبح أهل القرية يثنون على كرمه ونهر عطائه .. شيئاً فشيئاً حتى أصبح المقدم فيهم .. وكما يقولون : ( لتستحي العيون املأ البطون ) ..
ظلت الحكمة سنين عديدة تنام تحت وسادة الطيب ( مدرهم ) : ( اللي يذبح مدرهم واللي يهلي سفر ) .. وظل أبناء ( مدرهم ) يتكاثرون .. وأبناء ( سفر ) أيضا يتكاثرون .. إلى أن اخترعوا ( البشوت ) وأسبغوها على ظهورهم .. وأصبحوا يندسون بيننا في صدور المجالس .. بينما ظل نسل الطيب ( مدرهم ) يوارون في ( المطابخ ) بين قدور العمل .. وظل المطبخ بلا نوافذ ( عدا مروحة شفط صغيرة ) ثبتت أعلى الجدار قرب السقف .. تسحب روائح أحفاد ( مدرهم ) المنتنة ليشمها المتفرجون في الخارج .. بينما ظل المجلس بواجهة زجاجية ثبتت قبالتها مرايا في الحيطان المقابلة تضخم الأحجام ! وبقي التاريخ يعيد سيرته : ( اللي يذبح مدرهم واللي يهلي سفر ) وظلت الجغرافيا تعيد نفس المكان / الحقل .. وبقي السيد ( البشت ) معلقاً في صدر المجلس !.

سليمان الفايز
مساعد مدير التعليم بمنطقة القصيم

[صافي النية]

بورك فيك على هذه القصة..

دمت بخير..