[الطومار]

كنت في رحلة علاجية كمرافق مع والدي لأحد الدول التي تحترم معنى كلمة إنسان معنى الجسد معنى الروح معنى الحياة مهما كانت عقيدة وما تؤمن به روح المريض فدخل هذا المريض للعناية المركزة في ذلك المستشفى المشرق بوجوه طاقمه المبتسم ليس كطاقم تخصصي بريدة الذي يجبرك أن تحمل معك على الأقل سلاح أبيض لتأمن من شر حراس الأمن بالإضافة إلى غطاء بلاستيكي شفاف لتغطي وجهك كي لا يصيب عينك دهان الجل الذي يغطي رؤوس ممرضي الطوارئ وغيرهم حتى الأطباء من الممكن أن يمد يده اتجاهك بلطمه كف لو حاولت أن تستشف منه مدى الحصيلة والثقافة الطبية لديه . نعود للعناية هناك بالبلد الأوروبي فقد كان جالسا مع مريضي طيلة لياليه بالعناية طبيب كهل ملأ الشيب رأسه قلت في قرارة نفسي ذهب عمره وهو "طبيب مقيم" قلت هذه الجملة قياسا على تخصصي مدينتي الجميلة فعنايتها من المستحيل والمحرم أن يدخلها استشاري , وطيلة الليل أفكر فيه حتى أغرق نومي تفكيري , صحوت باكرا باحثا عن إجابة ذلك السؤال فصعقت من هول الإجابة التي رأتها عيني على بطاقة عمل الطبيب الكهل "consultant" استشاري سألته هل أنت فعلا استشاري وعيانك لم ترقد من أمس فقال نعم لأنه مريضك يحتاجني فأثرت السهر على راحته فقلت في قلبي (هدا الله قلبك للإسلام قبل موتك ) أنظر للفرق بين وحدة العناية المركزة هنا وهناك أنا لست متفرنجا أو تعجبني أجسامهم أو كلامهم بل يعجبني عملهم وإخلاصهم ودقتهم في وضع الرجل المناسب بالمكان المناسب . فقد سئمنا من رائحة "زيت دابر" في المستشفى من كثرت بنو بنقال .


أتعلمون لمن قيل البيت " إذا كان رب الدار للدف ضاربا **** فما شيمة أهل الدار سوى الرقص " قيل بوزارة الصحة قبل أن تشئي فقد علق إستخدامة حتى ظهرت , تقولون كيف ؟ أخبركم : إذا كان وزارة الصحة ممثلتا بمديرياتها الصحية المتفرقة بالمملكة يقودها ويعمل بها ناس كأمثال من يقبعون بالمبنى الواقع على طريق الطرفية عندنا منهم من هو غارق في حب ناديه إذا رأيت شفاهه تتحرك تضنه يستغفر وهو يردد " ناديك يناديك " "سنفوز" , ومنهم من هو لا ينام بعد الفجر بل يذهب للسوق ليصرخ ملايين الصرخات على كومة قرع فتأتي الساعة التاسعة وهو لم يصل لعمله ومنهم يأتي لعمله مبكرا ليتمكن من أخذ قيلولته ماقبل الساعة الحادية عشر صباحا يغرد فيها مع شيشته أحلى الحان فيروز إذا كان المسجل صيني والمكرات قد ملأها التراب , ولا ننسى أن غالبيتهم مدخنين من الطراز الأول يعني طبيب مايدخن صعبه نقبله عندنا , وليس كل العاملين هم يتصفون بما قلته لكن كلامي بات يشكل ظاهرة واضحة خاصة في قطاع ينظر له أنه هو القدوة للحياة الصحية وليس لحياة الأغاني والنوادي ولعب الورق والدخان .