|
|
|
|
16-03-2014, 08:45 AM | #1 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
شذرات المقالات ..
مائه فائده من شرح الاربعين النوويه للعصممي .. موقع صيد الفوائد
1- الجامع من الكَلِم: (ماقل مبناه وعَظُم معناه) جوامع الكلم التي خص بها النبي: أ- القرآن ب- ماوقع على الوصف المتقدم 2- (رُوِّينا) بضم أوله وكسر ثانيه مشددا أي:روى لنا شيوخنا. و يضبط أيضا بفتح أوله وثانيه من غير تشديد (رَوَيْنَا) ولكل منهما مقامه المناسب له: فمن تفضل عليه شيوخه، فرَوَوا له عَبَّر عنه (رُوِّينَا). ومن اجتهد واستنبط مَروِيَّ شيوخِه عبَّر عنه (رَوَيْنَا). وذكر بعض المتأخرين ضبطا ثالثا وهو ضم أوله وكسر ثانيه مخففا (رُوِينِا) وهو بمعنى الأول . 3- (من حَفِظ على أمتي أربعين حديثاً) الحديث مُعتمد جماعة ممن صنفوا الأربعينات إلا أنه ضعيف مع كثرة طرقه. 4- ما ذكره المصنف من اتفاق أهل العلم على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال فيه نظرٌ من وجهين: أ- أن في حكاية الاتفاق نظر،فالمخالف فيه جماعة من الأئمة الكبار كمسلم بن الحجاج، ولو قيل:أنه قول الجمهور كان أقرب. ب-أن الصحيح عدم جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ما لم يقترن بما يدعو إلى ذلك كقول صحابي أو إجماع. 5- هذه الأربعين شاملة لأبواب الدين أصولا وفروعا وقد ترك شيئا للمتعقب بعده فزاد عليه من زاد كأبي الفرج بن رجب. 6- كل حديث قاعدة عظيمة من قواعد الدين،وقد وصفه العلماء بأن مدار الإسلام عليه أو أنه نصف الإسلام مما يبين علو شأنه. 7- معظم هذه الأحاديث في صحيحي البخاري ومسلم، وعدة ما فيها من أحاديث من الصحيحين اتفاقا وافتراقا تسعة وعشرون حديثا 8- (الأسانيد فضلة لا يحتاج إليها في المبادئ) المجازفة بالخوض فيها في مبادئ الطلب توّرث عدم فلاحة فاعله عادة . 9- الحديث الأول (حديث عمر) لا يوجد بهذا السياق التام في كتاب البخاري ولا في كتاب مسلم،بل هو ملفق من روايتين منفصلتين للبخاري. 10- (إنما الأعمال بالنيات) إعلام بتعلق النيات بأعمال أصحابها،وأن العمل لا يصح إلا بنية وهي إرادةا لقلب العمل تقربا لله. 11- (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) تتضمن خبرين: الأول:خبر عن حكم الشريعة على العمل الثاني:على العامل 12- الهجرة في الشرع: (ترك ما يكرهه الله إلى ما يحبه الله ويرضاه, ومنها الهجرة إلى الله ورسوله). 13- الهجرة نوعان: أ- هجرة الأبدان وهي التي يذكرها الفقهاء في كتبهم, وأعلاها الهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام. ب-هجرة القلوب:وهي أعظم الهجرتين, فهجرتها إلى الله بالإخلاص, وإلى النبي صلى الله عليه وسلم بالاتباع. 14- )و وضع كفيه على فخذيه( وضع كفيه على فخذي النبي صلى الله عليه وسلم مبالغة في إظهار حاجته. 15- أركان الإيمان الستة جُمِعت مقرونة بالسنة،أما القرآن فلم تأتِ مجموعة بكَلّكَلِها في سياق واحد بل أُفرد القدر عنها في غير آية. 16- حقيقة الإحسان:إتقان الباطن والظاهر بعبادة الله بالشرع المنزل على محمد على مقام المشاهدة أو المراقبة. 17- س/هل يمكن أن توجد عبادة دون كونها في مقام المشاهدة والمراقبة؟ ج/نعم،وهي العبادة المصحوبة بالرياء. 18- معنى(الرب)عند العرب: المالك السيد المصلح للشيء القائم عليه. وكل هذه المعاني مندرجة في قوله صلى الله عليه وسلم: (أن تلد الأمة ربتها) 19- ما يقع من ذكر سادس لأركان الإسلام الخمسة كالجهاد أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فمراده التعظيم لا الركنية. 20- (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) الركن منها: الشهادة لله عز وجل بالتوحيد ولمحمد بالرسالة. 21- (إقامة الصلاة) الركن منها: صلاة اليوم والليلة التي هي خمس صلوات وما عداها ولو قيل بواجبه كعيد وكسوف لا يدخل فيها 22- (إيتاء الزكاة) الركن فيها: الزكاة المفروضة المُقَدّرة في الأموال 23- (حج البيت) الركن منه: حج الفرض في العمر مرة واحدة. 24- الركن منهصوم رمضان) صوم شهر رمضان في كل سنة. 25 - (معرفة الأحكام يرفع الغلط الواقع في الإبهام) 26- يجمع الله خلق الجنين في الأربعين الأولى جمعا خفيا ،فتتميز فيها صورة الجنين إجماليا لا تفصيليا ، ذكر هذا ابن القيم. 27- النطفة:اسم لاجتماع ماء الرجل والمرأة العلقة:القطعة من الدم المضغة:القطعة الصغيرة من اللحم. 28- العلقة:جمعها (عِلَق) وفيها يبدأ تفصيل إجمال خلق الجنين كما جاء مصرحا بها في حديث حذيفة عند مسلم وفي هذا الطور (العلقة) يتبين خلق الجنين أذكر هو أم أنثى. 29- كتابة المقادير تقع مرتين في الرحم: أ- بعد الأربعين الأولى في أول الثانية وقد جاء ذكرها في حديث حذيفة عند مسلم. ب- بعد الأربعين الثالثة،أي:بعد أربعة أشهر،وقد جاء ذكرها في حديث ابن مسعود وهذا هو الذي تدل عليه الأدلة وتجتمع, فتكون كتابة المقادير مرتين في الرحم اختاره بن القيم في (التبيان)و (الشفاء العليل) وفي(حاشية تهذيب سنن أبي داوود). والمُراد من تكرار كتابتها: تأكيد وقوع المقادير ، وأن أمر الله نافذ لا يتخلف بأي حال. 30- (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة...إلخ) باعتبار ما يبدو للناس ويظهر لهم جاء مصرحا به في حديث سهل بن سعد في الصحيحين. فهو يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس،وفي قلبه خسيسة توجب له سوء الخاتمة عند الموت فيدخل النار. والآخر يعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس،وفي قلبه خصيصة صالحة توجب له حسن الخاتمة عند الموت فيدخل الجنة. 31- المرء في خاصة أمره بينه وبين الله ما يرفعه ويخفضه: فيرفعه من الأعمال ما يُشرِّف ويخفضه من الأعمال ما يُقرِّف 32- الأحكام الشرعية الطلبية من جهة ظهورها نوعان: أ- بَيِّنٌ جَليّ.مثل: (حِلِّ بهيمة الأنعام وحُرمة الزنا) ب-مُشتبهٌ مُتشابه (ما لم يتضح معناه ولا تبينت دلالته) 33- الناس فيما يشتبه عليهم من الأحكام الشرعية: أ- من كان متبيّنا لها،عالما بها ب- من لم يتبيّنها ولا علم حكم الله فيها 34- (لا يعلمهن كثير من الناس) يدل على أن منهم من يعلمها ولا تبقى مشتبهة عليه؛لأنه نفى العلم عن كثير منهم وليس جميعهم. 35- من لم يتبين حكم الله في الشبهات قسمان: أ- المُتقي للشبهات التارك لها. ب-الواقع فيها الراتع في جنباتها. 36- الواجب على من يتبين له حكم المشتبه أن يتقيه: أ- استبراءً لدينه وعرضه بسلامتهما ب- أن من وقع في الشبهات جرّته إلى المحرمات. 37- الشُبهة سبيلٌ مُفضِ إلى الحرام، والتباعد عنها ملجأ آمن يتقي به العبد الولوغ فيما حرّمه الله عز وجل. 38- من مُزلات القدم وزيغات القلم في هذه الأعصار: تسارع الناس إلى الشبهات،وعدم اتقائها،وتركهم ما أمرهم به رسول الله. 39- الشريعة ليس من طريقتها نهي المُحرم لذاته فقط،بل هي تنهي عن العبد المحرم لذاته وتنهاه عن كل ما يوصله إليه. 40- أصل الولاية هي ولاية الحكم، فإذا أُطلِق إمام المسلمين منفردا انصرف للسلطان والحاكم. 41- شرائع الإسلام نوعين: أ- ما يثبت به الإسلام وهو:الشهادتين. ب- ما يبقى به الإسلام وأعظمه:إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة. 42- العصمة نوعان: أ- عصمة الحال:يُكتفى بها بالشهادتين ب- عصمة المآل:الإتيان بحقوق الشهادتين من أركان الإسلام. 43- لا تنتفي العصمة إلا بحق الإسلام: أ- ترك ما يبيح دم المسلم من الفرائض. ب- انتهاك ما يبيح دم المسلم من المحرمات. 44- المأمورات معلّقة بالاستطاعة, فمن عجز عن فعل كل المأمور وقدر على بعضه أتى بما أمكنه منه. 45- الطيب من الأعمال ما اجتمع فيه أمران: أ- الإخلاص لله تعالى ب- متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم. 46- (فأنَّى يُستجاب لذلك؟) المراد بالحديث: التبعيد لا الجزم بعدم الوقوع،فإن الله يستجيب دعاء الكافر وهو أشد حالا منه. 47- الواردات على القلب: أ- ما وَلدَّ الريب في النفس،وهو قلقها واضطرابها وهو(الإثم) ب- الوارد الذي لا يريب وهو (البِر) 48- الأمور البيِّنة من حلال وحرام لا يَرِد فيها الريب عند مَن صَح دينه، وقوي يقينه من المسلمين. 49- الريب في النفس هو قلقها واضطرابها, اختاره جماعة من المحققين كأبي العباس بن تيمية وبن القيم وبن رجب رحمهم الله 48- أكثر ما يقع في النفوس من أفراد الريب هو( الشك ) و ورود الريب يكون في الأمور المشتبهة والواجب على المسلم أن يدعه.. 49- أصول ما لا يعني العبد أربعة: المحرمات – المكروهات - المشتبهات في حق من لا يتبينها - فضول المباحات التي لا حاجة لها. 50- ينبغي أن يتحرز الإنسان من الخوض في فضول المباحات؛ لأنها تجر إلى المحرمات. 51- الخير المطلق محله أمور الدين، فيجب أن تحبه لأخيك كما تحبه لنفسك, أما الخير المقيد فمحله أمور الدنيا فإن علمت أن فيه صلاحا له،وجب عليك أن تحبه له كما تحبه لنفسك, وإن علمت أن فيه شر له،وجب عليك كراهيتك له. 52- أصول ما يُحِل دم المسلم ثلاثة: انتهاك الفرج الحرام - سفك الدم الحرام - ترك الدين ومفارقة الجماعة . 53- طريقة الشرع فيما يتعلق بحقوق العباد أنها موكولة إلى العرف،لاختلافه باختلاف الأزمنة والأمكنة. 54- حَدُّ الجوار من الدار لم يصح فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيرجع تقديره إلى العُرف. 55- الضيف: كل من مال إليك،ونزل بك،ممن يجتاز البلد وليس من أهلها أما من كان من البلد فلا يسمى ضيفا وإنما يسمى زائرا 56- الزائر يسَعُك رَده، أما الضيف فلا يسعك ذلك , وإضافة الضيف من باب الواجبات والله اعلم. 57- نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الغضب يشمل: النهي عن تعاطي الأسباب الموصلة إليه - النهي عن إنفاذ مُقتَضى الغضب. 58- الذي يُنهى عنه من الغضب ما كان انتقاما للنفس، أما إذا غضب لانتهاك حرمات الله فهذا علامة كمال الدين وصحة الديانة. 59- من أعظم المقامات، مقام الغضب لله فيجب أن تنظر في كيفيته لأنه عبادة. 60- من أراد أن يصيب الإحسان في أمر ما، فلينظر للمأمور به شرعا فيمتثله، فإذا امتثله أصاب الإحسان فيه. 61- جمعت وصية رسول الله لمعاذ بين أمرين: حقوق الله (التقوى،اتباع السيئة الحسنة) حقوق العباد (معاملتهم بالخلق الحسن) 62- التقوى شرعا: أن يتخذ العبد وقاية بينه وبين ما يخشاه بامتثال خطاب الشرع, سَأل الشيخ: لماذا لم نقل بينه وبين عذاب الله؟ الجواب/لأن ذلك يشمل كل ما أمر الله باتقائه في القرآن: (اتقوا ربكم) (فاتقوا النار). 63- حقيقة التقوى: اتخاذ وقاية: أ- أن تكون الوقاية حائلة بين العبد وما يخشاه ب- أن تحصيل الوقاية متوقف على امتثال خطاب الشرع. 64- إتباع السيئة الحسنة له مرتبتان: 1-الإتباع بقصد إذهاب السيئة 2-الإتباع من غير قصد الإذهاب والمرتبة الأولى أكمل، لما فيها من شهود مقام السيئة وخوف شرها،فهو يرى سيئته ويخاف شرها عليه، وهذا مقام يحمد عليه العبد. 65- المراد بحفظ الله المذكور في قوله صلى الله عليه وسلماحفظ الله) : أي: حفظ أمره. 66- أمر الله نوعان: أ- الكوني القدري،وحفظه:بالتجمل بالصبر وعدم السخط ب-الديني الشرعي،وحفظه:بتصديق الخبر وامتثال الطلب 67- يتحقق للعبد من جزاء حفظ أمر الله شيئان: تحصيل حفظ الله له (وقاية) ومحلها: دفع المكروهات عنه تحصيل نصره وتأييده (رعاية) وحلها: إمداده بأنواع المحبوبات 68- معرفة العبد ربه نوعان: أ- معرفة الإقرار بربوبيته،يشترك فيها المؤمن والكافر ب- معرفة الإقرار بألوهيته، وتختص بأهل الإسلام. 69- معرفة الله سبحانه لعبده: معرفة عامة (شمول علم الله العبد واطلاعه عليه) معرفة خاصة (معرفة الله عبده بتأييده ونصره) 70- باب المعرفة عملاً وجزاءا باب عظيم, تُهَذب به النفوس وتصلح القلوب, وقد تكلم فيه أهل الذوق والوجد من أهل الحديث قديما, بما جمعوه من الأحاديث والآثار في كتب الزهد, ككتاب الزهد لابن حنبل, والزهد للسجستاني, والزهد لوكيع. فينبغي أن يعتني طالب العلم بهذه الكتب درسا تفهما فإن انتفاعه بمثلها عظيم,وهي من مُستَجلبَات العلم وأسباب الفتح والبركة على العبد. 71- الحياء خلق كريم، وهو من خصال المؤمنين وأحق الناس به هم الراغبون في طلب العلم. 72- حقيقة الاستقامة: طلب إقامة النفس على الصراط المستقيم الذي هو الإسلام. 73- (أحللت الحلال:فعلته معتقدا حله) قيد الفعل الذي ذكره المصنف فيه نظر لتعذر إحاطة العبد بأفراد الحلال لكثرتها. والواجب على العبد اعتقاد حِلِّها فقط لا تعاطيها جميعا. 74- (وحرّمت الحرام) اعتقدت حرمته مع اجتنابه. 75- في الحديث الثاني والعشرون أُهمِل ذكر الزكاة والحج وهما من أجلّ شعائر الإسلام الظاهرة. و أحسن ما يقال فيها: أن ذلك وقع باعتبار حال السائل, فقد علم النبي من حاله الظاهر أنه لا مال له فيزكيه، ولا قدرة على الحج فيحج. 76- (الطهور شطر الإيمان) هذه الجملة لها معنيان صحيحان فالمراد بالطهارة هنا: 1-طهارة حسية 2-طهارة معنوية 77- إذا كانت الطهارة حسية فالمراد بالإيمان: 1-أنه الصلاة لأن الله عز وجل سماها إيمانا (وما كان الله ليضيع إيمانكم) 2-شرائع الدين،وتكون الطهارة الحسية تطهيرا للظاهر،وسائر شرائع الدين وخصال الإيمان تطهيرا للباطن. وهذا القول هو أصح القولين لأن الطهارة لا تبلغ من الصلاة شطرها . وإذا كان المراد بالطهارة (الطهارة المعنوية )التي هي طهارة القلب من نجاسة الشهوات والشبهات والتطهر منها بالكف عنها, وجاء التصريح في بعض الروايات بما يدل على أن الطهارة في الحديث هي الطهارة الحسية،وعليه جرى عمل كبار الحفاظ. 78- وقع في رواية النسائي وابن ماجه (والتسبيح والتكبير ملء السماء والأرض) وهذه الرواية أشبه بالصواب رواية ودراية. فأما الرواية:فلأن رواية النسائي وابن ماجه أصحُّ طريقا وأوثق رجالا، فالمحفوظ رواية الحديث بهذا اللفظ. وأما الدراية: فلأن ملء الميزان أعظم مما يملأ ما بين السماء والأرض. 79- (الصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء) تمثيل لقدر هذه الأعمال بمقادير الأنوار؛فهذه الأعمال الثلاثة كلها لها نور الصلاة نور مطلق كامل. الصدقة برهان وهو:الشعاع الذي يلي وجه الشمس محيطا بقرصها وهو أقل رتبة من النور المطلق. الصبر ضياء وهو: النور الذي يكون معه حرارة وإشراق دون إضرار وإحراق. 80- شبهت بالنور باعتبار الحال والمآل: منفعتها للأرواح في الحال،لذة وأنس العمل منفعتها للخلق بأجورها عند المآل. 81- الثواب لا يقع على المباح إلا إذا اقترن به نية صالحة في القربة، وهو قول جمهور أهل العلم 82- الصلاة وقت الضحى براءة من الغفلة، فالعمل يعظم أجره وقت الغفلة ومكانها 83- الناس حال الضحى: عاملون يسعون في أمور دنياهم - بطالون كسالى يغطون في مراقدهم, فهو وقت غفلة عن عبادة الله. 84- الشكر له درجتان: 1- درجة فريضة.و جماعها:الإتيان بالفرائض واجتناب المحارم، فهذا شكر مفروض لازم للعبد في كل يوم. 2-درجة نافلة.و جماعها:التقرب بفعل النوافل، وترك المكروهات.وهذه درجة نافلة على العبد. 85- (استفتِ قلبك) أمر باستفتاء القلب، وهو مخصوص بمحل الاشتباه المتعلق بتحقيق مناط الحكم وليس مسلطا على الحكم نفسه, فلا يُستفاد من فتوى القلب تحليل ولا تحريم،بل مرجعها إلى الأدلة الشرعية. 86- استفتاء القلب في تحقيق مناط الحكم يكون في حق من حسن إسلامه واستقام إيمانه، وكان معافى من سلطان الشهوة والشبهة. 87- (ثكلتك أمك) أي:فقدتك، وهذا دعاء لا تُراد حقيقته،فإنها كلمة تجري على ألسنة العرب يُراد بها تنبيه المخاطب. 88- ترك تناول المباح ليس زهدا، والمذموم من تناول المباح هو فضوله وليس أصله فتناول فضول المباحات يقدح في زهد العبد. 89- الحديث الثاني والثلاثون لم يخرجه ابن ماجه في (السنن) مسندا من حديث أبي سعيد الخدري كما عزاه إليه المصنف، وإنما أخرجه هكذا الدارقطني في (السنن) ولا يثبت موصولا. 90- (لا ضرر ولا ضرار) أكمل من قول الفقهاء (الضرر يزال) لانحسار عبارتهم في الضرر الواقع المحتاج إلى رفعه. 91- ضابط المدعي عند الفقهاء: (من إذا سكت تُرِك لأنه صاحب المطالبة والادعاء) والمدعى عليه هو: (من إذا سكت لم يُترَك؛ لأنه المطالب بموجب الدعوى). 92- تغيير المنكر ثلاث مراتب: باليد- باللسان- بالقلب )والمرتبتان الأُوليَان شُرِط لوجوبهما الاستطاعة وبدونها تسقطان ( 93- إنكار المنكر بالقلب واجب لكل أحد على كل حال، لثبوت القدرة عليها في حق كل أحد وذلك أضعف الإيمان المطلق. 94- تغيير المنكر بالقلب يكون بكراهيته للمنكر وبغضه إياه، ولا يلزم ظهور آثارها بتَمعّرُ وجه الإنسان أو تقطيب جبينه. 95- وجوب تغيير المنكر على مراتبه الثلاث مشروطٌ برؤيته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا) ويدخل في ذلك السماع المُحَقق الذي يكون بمنزلة الرؤية. 96- حقيقة الحسد: كراهية العبد جريان النعمة على غيره، سواء اقترن بالكراهية تمني زوالها أم لم يقترن. 97- أصل (النَجَش) في لسان العرب: إثارة الشيء بالمكر والاحتيال والخداع. 98- الهجر نوعان: أ- هجر لأجل أمر دنيوي،فلا يحل فوق ثلاث ب-هجر لأمر ديني، فتجوز الزيادة على ثلاث لحديث: (الثلاثة الذين خلفوا) 98- من الدعاوي الكاذبة أن يزعم الإنسان استقرار التقوى في قلبه، مع فراغ لسانه وجوارحه من آثارها. 99- الناس في الستر قسمان: أ- من لا يُعرف بالفسق ولا شُهِر به، فهذا متى زلت قدمه بمقارفة الخطيئة سُتِر عليه وحرم بث خبره. ب- من كان مُشتهِرا بالمعاصي،منهمكا فيها،معلنا لها، فمثله لا يُستَر عليه بل يرفع أمره إلى ولي الأمر قطعا لشره. 100- يُستَباح من عرض المشتهر بالمعاصي ما يحقق الغرض المقصود من حسم شره وصد غائلته،فما زاد عنه فهو باقٍ على حرمته الأصلية. 101- من وقف به عمله عن بلوغ المقامات العالية في الآخرة،فإن نسبه لا ينفعه،ولا يُبلّغه ما يَروم لأن النظر للقلوب والأعمال وليس للنسب والأموال. 102- تندرج الفرائض والنوافل في اسم الحسنة،وتختص السيئة بالمُحرَّم دون سائر المنهيات، فليس فعل المكروه سيئة. 103- الاستغفار: أقله: استغفر الله , وأكمله: استغفر الله العظيم وأتوب إليه . |
16-03-2014, 08:47 AM | #2 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
مجموعة تغريدات الشيخ د. عوض القرني - عن الحرب على أهل السنة والجماعة تحت شعارات نفاق مختلفة المشارب .. موقع صيد الفوائد
د. عوض القرني @awadalqarni بسم الله الرحمن الرحيم مجموعة تغريدات الشيخ د. عوض القرني - عن الحرب على أهل السنة والجماعة تحت شعارات نفاق مختلفة المشارب ١: إن الحرب الضروس التي تشن على أهل السنة في كل مكان لن تستثني في النهاية أحدا إلا أهل الأضرحة والمنافقين لكن تكتيكات الحملة يحددها بعض العوامل ٢: إن الحرب على أهل السنة تستهدف في النهاية الإسلام النقي غير البدعي كمنهج حياة وهوية وثقافة شعوب وتستبدله بتدين طقوسي بدعي تلفيقي خانع للتبعية ٣: إنهاحرب قذرة لامعقولة ستسقط فيها كل الأقنعة وتنكشف كل الإدعاءات وتضرب كل ثوابتهم التى تغنى بها أدعياؤها زمنا فلا ديمقراطية ولالبرالية ولاقومية ٤: أنهاحرب ستسجل في صفحة واحدة مع الحملات الصليبية والطوفان المغولي والاجتياح الإستعماري الغربي العلماني لكنها ستنتهي بإذن الله كما انتهت سابقاتها ٥: حلف صهيوني صليبي مادي سيختلف في كثير من الأمور لكن ليس منها قرار تنحية الإسلام كمنهج وحضارة وليس منها منع أي وحدة إسلامية ولازوال إسرائيل ٦: ستكون أدوات هذه الحملة العالمية على أهل السنة : عباد الشهوات ومتديني البدعيات وجهلة الوطنيين وغلاة وحاقدي المستغربين ومن ابتز بكرسي أو وعد به ٧: سيكون من لافتات أدبيات هذه الحملة الغلو في الوطنية حتى تصبح صنما يزيح مفهوم الأمة الواحدة ويلغي أخوة الإيمان وفي تناقض مكشوف النداء بالعولمة ٨: وسيكون من لافتات أدبيات هذه الحملة إثارة النعرات وإشعال العصبيات وتقسيم المقسمات وإغراق الجيل في توافه وهامشيات لمزيد من الإستهلاك والتفكيك ٩: سيكثر الإفتراء وتلفق التهم وتشوه السمعة وتشتغل ماكينات الإعلام المسترزق أباطرته والمتعيش ديناصوراته من قوت الشعوب ليلطخوا مبادئها ويضللوها ١٠: ستتكاثر ألسنة متفاصحة واقلام متحاذقة متصدرة بدعاوى تمثيل شعوب وهم لايمثلونها لا فكرا ولا خلقا ولاسلوكا سينادي بالإصلاح مفسد ويدعي النزاهة خائن ١١: وليس من أسى على شيءمن ذلك فهي سنة ماضية ونتيجة لمقدمة سالفة وثمرة لبذور سابقة ليحي من حيي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة ويميز الله الخبيث عن الطيب ١٢: وإن ذلك كله لمؤذن بإذن الله بانبلاج فجر جديد للإسلام وأهله يصلح به الخلل ويدفع به الشقاء وينال به كمال الشفاء وتجمع به الأمة وتعم به الرحمة ١٣: إن أمتناالممتدة من شرق أسيا إلى غرب إفريقيا وتكاد أن تصبغ قارات جديدة بصبغتها لانتشار الإسلام تعيش أوضاعا غير طبيعية على كل صعيد وهذا شذوذ لا يطول ١٤: ومما يجب على كل مسلم اليوم أن يقوي صلته بالله وأن يتفقه في دينه وأن ينشر العلم والوعي بين الناس وأن يكون نموذجا بخلقه ورحمته وحفظ مصالح أمته ١٥: أحبتي تحملوا من أخيكم نفاث مصدور أرقه وأمرضه ما يصيب أمته من مصائب وما أصاب أوطانها من دمار وماعراها من تفكك وإختلاف وجهل لكنه لم ييأس يوما ١٦: رحم الله الإمام أحمد الذي قال: وددت أن الله يقبلني فداء لأمة محمد بنفسي أعراض تنتهك وأشلاء تمزق وأطفال ترعب وتيتم وتغتال ومساجد تدمر ومصاحف تمزق ١٧: اللهم ألف بين قلوبنا وأنر بصائرنا وأصلح أحوالنا وتول أمرنا واهد ضالنا والطف بنا وارفع البأس والبلاء عن كل مظلوم وأقر أعيننا بنصرة دينك يا الله |
16-03-2014, 08:54 AM | #3 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
مفاتيح الحياة الاسرية
للكاتبه اريج الزهور الاسره نموذج يحتاج لكثير من العمل المنظم للوصول الى ما هو مطلوب وناجح في خط مستقيم وخصوصا في بداية الحياة الزوجيه ومن بعد ذلك تسير الامور حسب ما تم التخطيط له منذ البدايه ،حيث ان اي مشكله تحدث يكون الوصول لحلها بطريقه أسهل و أفضل. وهنا نستعرض بعض المفاتيح التى ممكن ان تساعد على تحقيق السعاده الاسريه،فقد يكون هناك مفاتيح كثيرة حيث نجد ان كل فرد يعتقد ان هناك صفات تحقق السعادة حسب وجهات النظر ولا نختلف بذلك طالما ذلك يحقق السعادة الاسريه.. ومن تلك المفاتيح : المفتاح الاول الوازع الديني يجب ان تكون الاسرة حريصة على وجود هذا العنصر الضروري داخل الاسرة، وذلك لاهميته في ا لمحافظه على استقرارها وتوفير الجو المناسب ، خاصة اذا اتخذ افراد الاسره ماينص به القرآن الكريم والاحاديث النبويه من تعاليم شرعية منهاجا لهم في الحياة ، وتطبيق ذلك على الاسرة حيث ان كثيرا من النصوص في ديننا الحنيف تحث على العلاقات الاسريه والتوافق بين الزوجين ، وتوضح الواجبات والحقوق لكلا ا لطرفين وطرق التعامل فيما بينهما .. المفتاح الثاني الحب الحب صفه موجودة لدينا بالفطره ولكن لها درجات وطرق مختلفه في اظهار مشاعر الحب بين كل فرد وآخر ، فأحيانا يكون الزوج اقل من الزوجه في اظهار تلك الصفه وذلك لطبيعة وصفات الرجل .. المفتاح الثالث الثقه هذ ا الجانب جدا مهم خصوصا بين الزوج والزوجه ، فإذا كانت الثقه موجوده بين الطرفين فتلك الصفه تساهم في التقليل من نسبة المشاكل ، حيث ان اغلب المشاكل تكون نابعه من عدم الثقه بين الطرفين ، فالثقه اساس البنيان فهي تبدأ مع بداية الحياه الزوجيه حتى تصل الى القمه .. المفتاح الرابع الصراحه لا يمكن ان تخلو الحياة الاسريه من المشاكل خصوصا في السنوات الاولى من الزواج ، وذلك لاختلاف الطرفين في وجهات النظر والاطباع والميول ، فيجب علينا تقدير ذلك ولكن المطلوب منا الصراحه في العلاقات الزوجيه ، وخصوصا في لحظة حدوث أي مشكله فيجب علينا طرح الاسباب والمناقشه ثم الحلول بكل وضوح وصدق حتى يتم تلافي تكرار حدوث هذه المشكله مره اخرى في المستقبل .. المفتاح الخامس المشاركه يجب على جميع افراد الاسره المشاركه في جميع المناسبات سواء مناسبات مفرحه او حزينه فتلك المشاركه تقوي الروابط والالفه والمحبه ، حيث لها انطباعا جيدا على جميع الافراد وتشعرهم بالحنان والعاطفه ، وايضا المشاركه لا تنتهي لمجرد انتهاء المناسبه .. المفتاح السادس الاحترام والتقدير الاحترم من الصفات المطلوب توافرها في محيط الاسره ويجب عدم تجاهل الاحترام سواء بين الزوجين او الابناء ، لان مجرد فقدان الاحترام بين الاطراف يثير كثيرا من المشاكل وهذا لا يدل على صلاحية تلك البيئه الاسريه ، فالاحترام مطلوب خصوصا في المناقشه بحيث يحترم كل طرف رأي الطرف الاخر والاعتراض يكون بطريقه منطقيه حتى تسير الامور بالمسار الصحيح. اما بخصوص التقدير ونقصد به ان لكل طرف داخل الاسره ظروف مختلفه عن الطرف الاخر سواء كانت ظروف وظيفيه او نفسيه . فمثلا على حساب طبيعه العمل التي يقوم بها احد الطرفين وخاصه اذا كان هذا العمل يأخذ بعض الوقت فيجب التقدير والمراعاة للحاله النفسيه التي من الممكن ان يتعرض لها احدهما ,فنجد ان المرأه تمر بالكثير من الامور النفسيه وذلك لطبيعتها الحساسه وخصوصا ان كان لديها ابناء.. ما أحوج الاسره الى الثقه ..ليولد الحب ..وما احوجها للحب ليولد الاحترام..وما أحوجنا للاحترام لتولد الاســـرة |
16-03-2014, 08:59 AM | #4 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
كيف يمكن للشخص أن يغير طريقة تفكيره ؟؟؟ و للاجابة على هذا السؤال نحن بحاجة الى معرفة كيف يعمل العقل لنتمكن من تغيير طريقة التفكير الى الأفضل ؟؟ قسم العلماء العقل افتراضيا الى قسمين هما : ( 1 ) العقل الواعي ( المدرك ) ( 2 ) العقل الباطن ( غير المدرك ) و لكل منهما خصائص و مهام فالعقل الواعي : يقوم على اساس المنطق ، فيحلل و يستنتج و يرجح و يختار و يصدر الأحكام الى غير ذلك من اساليب التفكير . و أيضا فالعقل الواعي يستقي المعلومات عن طريق الحواس و بعد أن يعمل فيه بالتفكير يصدر الأحكام ثم يرسل المعلومة الى العقل الباطن و الذي بدوره يأخذها ( جاهزة ) . و لكن العقل الواعي يعمل ضمن مرشحات فيستقبل المعلومات من الحواس و من ثم يمررها عبر المرشحات و هي عبارة عن معتقدات دينية أو أعراف انسانية أو تجارب سابقة و نحو ذلك . و العقل الواعي يتحكم في الحركات الا رادية . اما العقل الباطن: فهو طاقة جبارة محايدة يقبل كل مايأتيه من العقل الواعي دون تمحيص فكل ما يرسله العقل الواعي يعتبر حقيقة لا يجادل فيها العقل الباطن . والعقل الباطن يتحكم في الحركات االلا ارادية و الحركات الارادية . والعقل الباطن يعمل على مستوى المشاعر و الأحاسيس و الا نفعالات و العواطف و نحو ذلك مثـــــــــــال :: أما يحصل أن بعض الناس يقع في الزنا مثلا ، و عندما يقال له لم فعلت هذا الامر المشين أما تعلم أنه خطير و محرم ؟ أما تخشى الفضيحة ؟ فيقول : بلى أعلم ذلك ! و لكنني لا أكاد أصدق ما حصل لقد كنت مندفعا بشكل عجيب ! لم استطع مقاومة الاغراء مطلقا !! .......ان الذي أمده بهذه العواطف الجياشة المندفعة هو عقله الباطن . وأيضا يعمل العقل الباطن كمخزن عظيم للذاكرة تخزن فيه الاصوات و الصور و الأسماء و الأ حداث و المشاعر و المواقف و التجارب السا بقة الى غير ذلك . الم يحدث أن تسأل عن شئ فتحاول أن تتذكره بعقلك الواعي و لكن دون جدوى رغم أنك متأكد أنك تعرف هذا الشئ !! و فجأة و دون مقدمات بعد أن تكون قد أهتممت بأمر آخر و اذا بك تتذكر هذا الشئ !! ان الذي ساعدك على تذكره ذلك هو عقلك الباطن . ويعتبر العقل الباطن كمنجم ضخم للطاقات و القدرات و الا بداع يقول د . جوزيف ميرفي : السر هو تلك القوة العجيبة الموجودة في عقلك الباطن التي تحقق المعجزات ، و هي آخر مكان ينشده أغلب الناس ! و العقل الباطن يعمل في حال الاستيقاظ و في حال النوم ، و ينظم التفاعلات و الحركات داخل الجسم ، كدقات القلب أما يحصل أنك تقوم بانجاز عمل ما بينما أنت في الحقيقة منشغل ذهنيا بأمر آخر لا علاقة له بما تعمل و مع ذلك يتم عملك بشكل سليم . كمن يقود السيارة و هو يفكر في أمر آخر وبعد أن يصل يتعجب كيف قطعت كل هذا الطريق عبر الشوارع و لم أشعر بذلك لقد كنت منشغلا بأمر آخر . أن عقلك الباطن تولى الأمر . ويستطيع العقل الباطن أن يمدنا بقدرات و طاقات هائلة جدا ، اذا وفقنا الى اجادة استخدامه و قد يكون هذا الأمر بقصد منا كمن تعلم كيفية الا ستفادة من قدرات عقله الباطن أو بدون قصد كمن نشأ في بيئة سليمة ناجحة فتعلم تلقائيا هذا الأمر ،مما يخلق في الانسان الثقة و الشجاعة و التفاؤل و الابداع و غير ذلك من الخصال الحميدة وفي المقابل قد يكون العقل الباطن عامل هدم خطير وذلك اذا اسيئ استخدامه كمن ينشأ في بيئة أو ظروف سيئة فاسدة مما يشل حركة الانسان و يدمر طاقاته و يسلمه للفشل و الاحباطات و الامراض يقول انتوني روبنز : ومن خلال اتقانك لفهم بسيط لكيفية عمل مخك فسيمكنك أن تكون معالج نفسك و مستشار نفسك الخاص . اذا مما سبق نعلم أن العقل الواعي هو المسؤل عن المعلومات التي تدخل الى العقل الباطن. أن العقل الباطن يقبل جميع الرسائل دون جدال .إن الرسائل التي تأتي الى العقل الباطن كلما تكررت كلما كانت اشد ترسخا حتى تطبع في العقل الباطن كمعتقدات و مبادئ مطبوعة ( أي تكون طبعا في الانسان ) فيشرع العقل الباطن على تنفيذها حرفيا . إن العقل الباطن قوة هائلة جدا اذا طبع فيه معتقد فان العقل الباطن ينفذها بقوة جبارة تتحكم في الحركات اللاارادية و الارادية في الانسان . اذا فالعملية بكل بساطة هي برمجة أي أن كل انسان قد تبرمج بالرسائل التي طبعت في عقله الباطن فكل انسان يعمل ضمن معتقدات مطبوعة فيه مع مرور الزمن سواء شعر بذلك أم لم يكن يشعر مسبقا به . دعونا نرى كيف يتم تنفيذ هذه البرمجة لدى الشخص الخجول ! قد يدعى الشخص الخجول الى مناسبة اجتماعية أو أن يطلب منه القاء كلمة أما م بعض الناس , قد يقول الخجول لاداعي للقلق ، ثم يذهب الى هذه المناسبة و لكنه يتفاجأ حين و صوله للجمع أو عند بدأ كلمته أن الخوف بدأ يدب في عقله دون مقدمات و أن دقات قلبه قد زادت و أنه بدأ يرتجف أو تظهر عليه علامات الخجل بطريقة دراماتيكية فيزداد ارتباكه و يشعر بالفشل و الدونية و الخيبة .مالذي حرك كل هذه المشاعر السلبية و بهذه القوة التي لا تقاوم؟؟ إنه العقل الباطن لأنه طاقة محايدة قد طبع فيها مبدأ الأحساس بالخجل فشرعت في تنفيذه بقوة جبارة تحكمت في اعضاء الجسم و تفاعلاته كيف ترسخ هذا المبدأ ؟ انها الرسائل التي كانت ترسل من العقل الواعي الى العقل الباطن بطرق و أشكال مختلفة تكررت حتى طبعت كمبدأ . متى كان هذا ؟؟؟؟ ربما من الصغر جدا من خلال البيئة الفاسدة أو الاحداث السابقة التي ضعضعت ثقة الخجول بنفسه و كانت هذه الرسائل تمر و تدخل الى العقل دون وعي منا إما بسبب صغر السن أو الجهل بخطورة هذه الرسائل . ( من أمثلة رسائل الخجل : أنه كان يسمع هذا طفل خجول ). = اذا يجب علينا من الآن فصاعدا أن نقف على باب العقل الواعي و نتفحص كل رسالة شفهية كانت أو بصرية أو تصورية و تخليلة لكي نتأكد من خلوها من الرسائل السلبية التي تقوي مبدا الخجل ....بل نبدأ باستعمال كل الوسائل لتوليد الرسائل الايجابية التي تزرع في عقلنا الباطن مبدأ الثقة بالنفس . |
16-03-2014, 09:03 AM | #5 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
علم منطق .. ملقتى اهل الحديث ( الفقرة الأولى ) بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المنطق: مسائل يبحث فيها عن أحوال التعريف والدليل. وفائدته: صون الذهن عن الخطأ في أثناء صياغة التعريف أو الدليل. بمعنى أن التعريف والدليل لا غنى عنهما للإنسان إذْ هما الطريق للكشف عن أي مجهول ذلك أنه تارة يجهل الإنسان معنى شيء من الأشياء فيطلب العلم به وذلك بتعريفه كأن يجهل ما هو الغاز أو الماس أو الفيزياء أو الفقه أو المتواتر أو المنطق فيقال له هو كذا وكذا فهذا الجواب يسمى تعريفا لأنه يعَرِّفك بالشيء الذي تجهله. وتارة لا يجهل معنى شيء من الأشياء ولكن يريد أن يعرف أهو صحيح أو لا كأن يجهل هل أن الابتعاد عن الدين سبب لنهوض الأمة أو هل أن الفاعل مرفوع أو هل أن الله واحد أو هل أن لمس المرأة ينقض الوضوء فيطلب ما يثبت له صحة تلك القضايا وهذا هو الدليل وسمي دليلا لأنه يدلك ويرشدك إلى المطلوب. فعلم أنه تارة يواجه الإنسان مفردا يجهل معناه وتارة تواجهه قضية لا يعرف صحتها. فالمجهول الأول يرتفع بالتعريف والثاني يرتفع بالدليل. ثم إن التعريف والدليل كثيرا ما يتطرق إليهما الخطأ فلا يحصل معهما الإنسان على العلم فاحتيج إلى علم يبحث عن كيفية صياغة التعريف والدليل بشكل صحيح وتبيين الشروط اللازمة لذلك كي يتجنب الوقوع في الزلل فلذا وضعوا علم المنطق. مثال: حينما تدرس المنطق فستعلم أن من مسائله هي: ( أن التعريف الصحيح للشيء لا بد أن يكون مانعا من دخول غير المعرّف في التعريف ). فإذا قيل لك ما الصلاة ؟ فقلت هي: عبادة ذات وضوء، فقد صار التعريف قاصرا وغير مانع لأن الطواف بالبيت الحرام عبادة ذات وضوء أيضا مع أنها ليست من الصلاة فحصل الخلل وهو دخول غير المعرف في التعريف أي دخول الطواف في تعريف الصلاة مما يسبب للمخاطب الخطأ وهو أنه سيفهم أن الطواف صلاة مع أنها ليست كذلك لأن القصد من التعريف هو جعله علامة على المعرّف يعرف به ما يدخل في التعريف وما لا يدخل. مثال آخر: حينما تدرس المنطق فستعلم أن من مسائله هي: ( أنه يشترط في الدليل أن لا ينتقض ) أي لا توجد صورة ومثال يوجد فيها الدليل ولا يوجد معها المدلول. فإذا قال النصراني: إن عيسى إله والدليل عليه هو أنه خُلق من غير أب فدل على أنه ليس مثل البشر. قلنا فيلزم على دليلك هذا أن يكون آدم إلها أيضا لأنه خلق من غير أب بل ومن غير أم ولا قائل بإلوهيته فدل على أن خلق الإنسان من غير أب لا يدل على إلوهيته. فهنا أبطلنا الدليل ببيان تخلفه وهو المسمى بالنقض. وهنا نصل إلى نقطة مهمة وهي ما حاجتنا لدراسة المنطق؟ والجواب: إن الحاجة تكمن في وضع ضوابط علمية للتعريف والدليل تمنع الزلل فيهما. فإن قيل: فإذا كانت حاجته بهذه الأهمية فلم استغن عنه السلف؟ والجواب: لاستقامة عقولهم وصحة فطرهم وهذا بخلاف من جاء بعدهم فقد زاغت كثير من العقول عن النهج السليم في التفكير، وذلك نظير النحو فقد استغنى الصحابة عن تدوينه لاستقامة ألسنتهم فلمّا تطرق الخلل للنطق وضِع علم النحو. فإن قيل: فلم ذمه كثير من السلف؟ قلنا: لاختلاطه في بدايته بمسائل فلسفية مبنية على عقائد اليونان التي تخالف عقيدة المسلمين. فإن قيل: ولكنه أيضا بعد أن صفاه المسلمون واجه نقدا قويا من قبل بعض العلماء وألفوا كتبا في الرد على المنطق؟ قلنا: لم نجد عالما طعن في المنطق إلا وهو يعترف بأن بعض مباحثه ومسائله هي حق وإنما انتقد بعض أبحاثه ورأى أنها مجانبة للصواب فحينئذ نقول لهم: لا بأس ارفعوا المبحث الفلاني من المنطق وضعوا بدله المبحث الذي ترونه صوابا فكان ماذا!!. والخلاصة هي أننا مع نقد المنطق اليوناني ولكننا لسنا مع هدمه من أساسه بل مع منطق إسلامي لا يستطيع أن ينقده حتى الكارهين له لاستقامة أبحاثه وتوافقها التام مع النقل والعقل. فإن قيل: لا يوجد منطق إسلامي ومنطق يوناني المنطق هو المنطق وهو ضلال. قلنا: قد عرفت في المقدمة أن أبحاث هذا العلم تدور حول تصحيح الفكر في التعريف والدليل فهل يخالف واع حاجتنا إلى مثل هذه الأبحاث وهل يستغني عنها أحد وهل تجد علما من العلوم يستغني عن التعاريف والأدلة كل ما في الأمر أن بعض الأبحاث غير مستقيمة عندك فارفعها وضع بدلا عنها مبحثا مستقيما. فإذا تم هذا فحينئذ سيكون المنطق خادم العلوم كلها على وجه الحقيقة فتأمل يرحمك الله. ( مباحثات ) 1- في ضوء ما قرأت أين تكمن أهمية المنطق؟ 2- في ضوء ما مر عليك هل ترى أن الصواب في ترك دراسة هذا العلم؟ وهل ترى أن المناقشة المذكورة مقنعة؟ 3- اذكر بعض التعاريف البديلة للمنطق وناقشها إذا أمكن؟ |
16-03-2014, 09:04 AM | #6 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
( الفقرة الثانية ) " التصور والتصديق " قد علمتَ أن الإنسانَ تارةً يجهل مفردا لا يعرف معناه فيطلب تعريفا يشرحه له فيتصور حينئذ ذلك الشيء ويحصل له العلم به. وتارة يجهل قضية لا يعرف صحتها فيطلب لها دليلا فيحصل له حينئذ التصديق بمضمونها والعلم بها. أي أنك تارة تجهل تصور شيء ما فتطلب تصوره بالتعريف. وتارة تجهل صدق قضية ما فتطلب التصديق بها بواسطة الدليل. فما هو التصور، وما هو التصديق؟ التصور هو: إدراك المفرد. والتصديق هو: إدراك القضية. والإدراك هو: العلم والمعرفة بالشيء. مثال: إذا أدركت أن الصلاة عبادة ذات أقول وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم فهذا تصور لأنك قد أدركت معنى ( الصلاة ). مثال: إذا أدركت وجزمت وحكمت في نفسك أن الله واحد فهذا تصديق لأنك أدركت صحة مضمون هذه القضية ( الله واحد ). مثال آخر: زيدٌ قائمٌ. هنا إذا عرفتَ معنى زيد ما هو وهو شخص معين، وقائم ما هو وهو أنه واقف على رجليه فهذا يسمى تصوّرا. فإذا حكمتَ بأن زيدا قائم أي صدقت بمضمون هذه القضية بأن علمت أن زيدا في الواقع هو قائم فعلا فهذا يسمى تصديقا. وكذا إذا حكمتَ بأن زيدا ليس بقائم أي كذبت بمضمون هذه القضية فهذا يسمونه في المنطق تصديقا أيضا. فالتصديق إما أن يكون بالإثبات لمضمون القضية، أو بالنفي لمضمونها. وبعبارة أخرى نقول: إن التصور هو إدراك المعنى، والتصديق هو إدراك الصدق أو الكذب. فإدراكك لمعنى مفرد يسمى تصورا، وإدراكك لصدق محتوى قضية أو كذبها هو التصديق. فالتصديق هو إدراك وقوع مضمون القضية في الواقع أو إدراك عدم وقوعه. فتلخص أن الإدراك ينقسم إلى قسمين: 1- تصور. 2- تصديق. ومتى ما جهل الإنسان تصور شيء ما فيكون عنده مجهول تصوري ولكي يرفع هذا الجهل عن نفسه لا بد من معلوم تصوري وهو التعريف. ومتى ما جهل الإنسان التصديق بقضية ما فيكون عنده مجهول تصديقي ولكي يرفع هذا الجهل عن نفسه لا بد من معلوم تصديقي وهو الدليل. ثم إن القضية وهي الجملة الخبرية لها ثلاثة أجزاء هي: 1- الموضوع. 2- المحمول. 3- النسبة. مثال: زيد قائم. فزيد هو الموضوع. وقائم هو المحمول. وثبوت المحمول للموضوع أي ثبوت القيام لزيد هو النسبة. فالموضوع هو المسند إليه أي الذي يسند إليه شيء وهو هنا زيد لأنه أسند ونسب إليه القيام. والمحمول هو المسند أي هو الشيء الذي يسند إلى الغير كالقيام فقد أسند إلى زيد. وأما النسبة فهي الارتباط الحاصل بين المحمول والموضوع فهي ليست أمرا لفظيا كما هو الحال في الموضوع والمحمول بل هي أمر عقلي لأنك حينما تقول: زيدٌ قائمٌ يفهم العقل أنك تثبت القيام لزيد فالنسبة إذاً هي ثبوت المحمول للموضوع، أو نفي ثبوت المحمول الموضوع. لأن القضية قد تكون مثبتة وتسمى بالموجبة مثل زيد قائم وقد تكون منفية وتسمى بالسالبة مثل زيد ليس بقائم. فإدراك زيد وفهم معناه تصور. وإدراك قائم وفهم معناه تصور. وإدراك ثبوت القيام لزيد تصديق أي حكمك بأن زيدا قائم هو التصديق، فالتصديق إذاً هو الحكم. فالتصور= إدراك المفرد ( موضوع أو محمول ). والتصديق= إدراك النسبة ( أي النسبة بين الموضوع والمحمول). وإليك بعض الأمثلة كي يرسخ المعنى لديك: الله أحدٌ. هذه قضية موجبة فـ الله أي لفظ الجلالة موضوع، وأحد محمول. فإدراك معنى الله تصور، وإدراك معنى أحد تصور وحكمك بثبوت الأحدية لله هو التصديق. محمد رسول الله. هذه قضية موجبة فـ محمد صلى الله عليه وسلم موضوع، ورسول الله محمول. فإدراك معنى محمد هو الموضوع وإدراك معنى رسول الله محمول وإدراكك اليقيني بثبوت الرسالة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تصديق. ليس كمثله شيء. المعنى ليس شيء مثل الله. فهي قضية سالبة فـ شيء موضوع وكمثله محمول، وليس هنا أداة دالة على السلب والنفي. فإدراك معنى شيء تصور، وإدراك معنى كمثله تصور، وإدراك معنى ليس تصور، وحكمك بأنه ليس شيء كمثله سبحانه تصديق. ( مناقشات ) 1- في ضوء ما مرّ عليك ما الفرق الواضح بين التصور والتصديق؟ 2- هل يمكن أن يوجد التصديق بدون تصور ولم؟ 3- كيف تميّز بين القضية الموجبة والقضية السالبة؟ ( تمارين ) ميّز التصور من التصديق في الأمثلة التالية: 1- الإنسان. 2- غلام زيد. 3- الحمد لله رب العالمين. 4- إنما الأعمال بالنيات. |
16-03-2014, 09:10 AM | #7 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
الفقرة السابعة )
( شرط الدلالة الالتزامية ) قد علمتَ أن الدلالة اللفظية الوضعية تنقسم إلى ثلاثة أقسام: مطابقة، وتضمن، والتزام. ولدلالة الالتزام شرط رئيسي في المنطق هو أن يكون التلازم ذهنيا بين الملزوم واللازم. لأن اللازم ثلاثة أقسام: 1- لازم ذهني فقط. ( معتبر ) 2- لازم خارجي فقط. ( غير معتبر ) 3- لازم ذهني وخارجي معا. ( معتبر ) فاللازم الذهني: ما كانت الملازمة بينه وبين الملزوم في التصور وعالم الذهن. واللازم الخارجي: ما كانت الملازمة بينه وبين الملزوم في الواقع الخارجي دون التصور الذهني. واللازم الذهني والخارجي معا: ما كانت الملازمة بينه وبين الملزوم في التصور وفي الواقع الخارجي معا. ( فضابط اللازم الذهني فقط يتحقق في العدم والملكة أي في عدم الصفة ووجود تلك الصفة ) مثال: العمى فهو عدم البصر فهذا عدم، والبصر مَلَكَة أي وجود. فمن تصور معنى العمى في عقله وهو ( عدم البصر ) فيلزم أن يحصل في ذهنه تصور البصر بلا شك لأن العمى معناه أن هنالك بصرا قد ذهب فصار أعمى - نسأل الله العافية - فحيث تصور الذهنُ العمى تصور معه البصر. والعمى ملزوم والبصر لازم، وهذا التلازم في الذهن فقط وإلا فبينهما في الخارج تعاند وتنافي فكيف تصير العين عمياء ومبصرة بنفس الوقت هذا محال. والقصد أن معنى العمى المطابق هو عدم تلك الحاسة ومعناه اللازم له هو البصر وهذا التلازم بين العمى والبصر تلازم في داخل العقل فقط وإلا فيستحيل اجتماعهما في خارج العقل في محل واحد. مثال: الخرس وهو عدم النطق وملكته النطق. فمتى تصور واستحضر شخص في عقله الخرس سيستحضر معه النطق لأنه عدم النطق. والخرس ملزوم والنطق لازم والتلازم في الذهن فقط إذْ كيف يجتمع النطق وعدمه في محل واحد. مثال: الجهل وهو عدم العلم وملكته العلم. فمتى تصور شخص الجهل سيتصور معه العلم لأنه عدم العلم. والجهل ملزوم والعلم لازم والتلازم في الذهن فقط، إذْ كيف يجتمع الجهل بالشيء والعلم به في محل واحد في وقت واحد. وهكذا ففي كل هذه الأمثلة يوجد تلازم بين العدم والملكة وهو تلازم داخل الذهن فقط ويستحيل وجوده في الخارج. ( وضابط اللازم الخارجي والذهني معا يتحقق في دلالة الفعل على الفاعل والمفعول ). مثال: الضرب فهو فعل وهو يدل بلا شك على مَن صدر منه الضرب وهو الضارب وعلى من وقع عليه الضرب وهو المضروب لأن الضرب معناه وقوع شيء على شيء فالشيء الأول فاعل والشيء الثاني مفعول. فإذا تصورت في ذهنك معنى الضرب استحضرت معه ضاربا ومضروبا فدلالة الضرب عليهما بالالتزام. ونوع اللزوم هو لزوم ذهني وخارجي معا لأنه كما أنه في الذهن يوجد تلازم ففي خارج الذهن يوجد تلازم أيضا فهل تجد في الواقع ضربا يصدر من دون ضارب ومحل يقع عليه الضرب!!. مثال: الخلق يدل على الخالق والمخلوق. فإذا تصورت في ذهنك الخلق فستتصور معه الخالق والمخلوق. وهذا التلازم في الذهن وفي الخارج أيضا. مثال: الإكرام يدل على المكرِم والمكرَم. فإذا تصورت الإكرام تصورت معه مكرِما ومكرَما. وهكذا ففي كل هذا الأمثلة يوجد تلازم بين الملزوم واللازم في الذهن والخارج معا. وهذان اللازمان أعني الذهني فقط والذهني والخارجي معا هما المعتبران في المنطق لأنه ينتقل الذهن فيهما بسهولة من الملزوم إلى اللازم وأما اللازم الخارجي فغير معتبر عندهم. ( وضابط اللازم الخارجي فقط يتحقق فيما يحتاج إلى دليل أو مشاهدة ). مثال: الحدوث للعالم. فثبوت الحدوث للعالم يفتقر إلى دليل. فالعالم ملزوم والحادث لازم. فهل إذا تصورت العالم - وهو كل ما عدا الله سبحانه - في ذهنك تصورت معه الحدوث؟ الجواب: كلا لأن ثبوت الحدوث للعالم يفتقر إلى برهان عقلي يثبت ذلك فليس مجرد تصور العالم كاف لتصور الحدوث معه. مثال: الوحدانية للإله. فثبوت الوحدانية له يحتاج إلى دليل. فالإله ملزوم والوحدانية لازمة. فهل إذا عرفت وتصورت الإله في ذهنك لزم أن تتصوره واحدا أحد؟ والجواب: كلا وإلا لما أشرك به أحد ولكان المشركون بمجرد أن يتصوروا معنى الإله في اللغة يحكمون بوحدانيته واستحالة التعدد. مثال: السواد للغراب. فثبوت السواد للغراب لازم له ولكن هذا اللزوم يحتاج إلى مشاهدات مسبقة فالناس رأوا أن كل غراب أسود فصاروا كلما ذكروا الغراب استحضروا السواد معه. فالغراب ملزوم والسواد لازم. ولو أن شخصا لم ير الغراب لأمكن أن يتصوره أبيض أو على لون آخر. فلا توجد ملازمة عقلية بين الغراب والسواد وإنما شاء الله سبحانه أن يجعله أسود. مثال: البياض للثلج. فثبوت البياض للثلج يتوقف على المشاهدة. ولو أن شخصا لم ير الثلج لأمكن أن يتصوره أسود أو على لون آخر. فلا توجد ملازمة عقلية بين الثلج والبياض وإنما شاء الله سبحانه أن يجعله أبيض. ففي كل هذه الأمثلة لا يوجد تلازم ذهني عقلي بل هو إما أن يفتقر إلى دليل وإما أن يكون بينهما توافق في العالم الخارجي مثل السواد والغراب ولا يوجد تلازم ذهني. والخلاصة هي: أن المنطقيين يشترطون لقبول الدلالة الالتزامية وجود التلازم الذهني بين الملزوم واللازم فلذا لا يعتدون بالسواد للغراب ونحوه. وهذا مجرد اصطلاح لهم قد لا تنفعنا مراعاته في العلوم الشرعية وغيرها فالأولى هو التعميم. قال الشيخ السنوسي رحمه الله: وأما في فن الأصول أو في البيان فإنهم لا يشترطون في دلالة الالتزام أن يكون اللزوم ذهنيا بل مطلق اللزوم بأي وجه كان، وبذلك كثرت الفوائد التي يستنبطونها بدلالة الالتزام من ألفاظ القرآن والسنة وألفاظ أئمة المسلمين. اهـ شرح المختصر في فن المنطق مع حاشية الباجوري. مطبعة التقدم العلمية ص 37. ( مناقشات ) 1- في ضوء ما تقدم كيف تفرق بين أنواع اللازم؟ 2- كيف يدل العمى على البصر مع أنهما لا يجتمعان ؟ 3- ما هو الفرق بين المناطقة وغيرهم في دلالة الالتزام؟ ( تمارين ) ما هو نوع اللازم في الأمثلة التالية : 1- الصمّ على السمع. 2- القتل على المقتول. 3- العسل على الشمع. 4- الطماطة على الحمرة. 5- الرمي على الرامي. |
16-03-2014, 09:11 AM | #8 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
الفقرة الثامنة )
" أقسام اللفظ " اللفظ هو: صوت مشتمل على بعض الأحرف. مثل زيد فإنه صوت مسموع بالأذن ويشتمل على الزاي والياء والدال. وينقسم إلى مفرد ومركب. فالمفرد: ما لا يدل جزئه على جزء معناه. والمركب: ما يدل جزئه على جزء معناه. مثال: ( غلام زيد ) هذا لفظ مركب لأن معناه غلام تابع ومملوك لزيد، فلفظ ( غلام ) يدل على شطر هذا المعنى، ولفظ ( زيد ) يدل على الشطر الثاني فيكون مركبا لأنه قد دل جزء اللفظ على جزء المعنى. وأما لفظ غلام أو لفظ زيد فهو مفرد لأنه لا يدل جزء اللفظ على جزء المعنى، فمثلا لفظ زيد متكون من ( الزاي- والياء- والدال ) فهل الزاي مثلا تدل على يد زيد والياء تدل على رأسه والدال تدل على الباقي؟ الجواب: كلا فهذا اللفظ ( زيد ) كوحدة كاملة يدل على زيد وليست أجزائه تدل على جزء معناه. والمركب متى ما صار علما صار مفردا. فعبد الله يراد به اسما لشخص هو مفرد لأنه لا يدل جزء اللفظ حينئذ على جزء المعنى. أما إذا أريد به غير العلمية كقوله تعالى: ( قال: إني عبد الله) فهو مركب. وهكذا أصول الفقه، ومصطلح الحديث، وأصول الدين إذا أريد بها أسماء علوم مخصوصة فهي مفردة وهي في الأصل مركبة من كلمتين. والمفرد ينقسم إلى ثلاثة أقسام هي: 1- كلمة وهي تسمى بالفعل عند النحاة مثل ضرب. 2- اسم وهو الاسم عند النحاة مثل زيد. 3- أداة وهو الحرف عند النحاة مثل في. فالمناطقة يسمون الفعل كلمة ويسمون الحرف أداة. والمركب ينقسم إلى قسمين: 1- مركب ناقص وهو: ما لا يحسن السكوت عليه. مثل غلام زيدٍ، وشجرة جميلة. لأن من قال غلام زيد وسكت لم يذكر كلاما مفيدا لأنه موضوع ولا محمول له. 2- مركب تام وهو: ما يحسن السكوت عليه. مثل زيد قائم، وقام زيد. والمركب التام قسمان: أ- خبر وهو: كلام يحتمل الصدق والكذب. ب- إنشاء وهو: كلام لا يحتمل الصدق والكذب. مثال: قامَ زيدٌ فهذا الكلام يسمى خبرا لأنه يحتمل الصدق والكذب لأنك إما أن تكون صادقا فيما قلته ويكون زيد قد قام فعلا، أو تكون كاذبا ويكون زيد لم يقم. مثال: إذا قلتَ لشخص قمْ فهذا كلام مركب من فعل وفاعل مستتر تقديره أنت و يسمى إنشاءً وهو لا يحتمل الصدق والكذب لأنه طلب، وهو ليس فيه صدق أو كذب؛ فلا يصح أن يقال لك: صدقت أو كذبت لأنك لم تخبر عن حدوث شيء بل أنت تنشأ أمرا وطلبا لشيء تريده فلا معنى للصدق والكذب، بل إما أن تطاع ويقوم الشخص الذي تخاطبه أو تعصى ولا يقوم من مكانه. فإذا علم هذا فالتصديق هو: إدراك النسبة التامة الخبرية على وجه اليقين أو الظن. وكل إدراك عدا هذا فهو من التصور، وحينئذ يكون للتصور عدة مصاديق هي: 1- إدراك المفرد مثل زيد، وضرب، وفي. 2- إدراك المركب الناقص مثل غلام زيد. 3- إدراك المركب التام الإنشائي مثل قم لأن الإنشاء لا يتعلق به إخبار عن الواقع وبالتالي يحكم بوقوعه أو عدم وقوعه فلا يتعلق به سوى تصور المعنى دون التصديق. 4- إدراك النسبة التامة، أي مجرد تصور معنى الجملة الخبرية فقط. 5- إدراك النسبة التامة على وجه الشك. 6- إدراك النسبة التامة على وجه الوهم. وباختصار التصور إدراك بلا حكم. وقد مرت أمثلة التصور مرارا. ( مناقشات ) 1- في ضوء ما تقدم ما الفارق بين أصول الفقه في حال العلمية وفي غير العلمية؟ 2- لم كان المركب الناقص لا يحسن السكوت عليه؟ 3- لم كانَ إدراك الإنشاء تصورا لا تصديقا؟ ( تمارين ) أولا: ميّز بين المفرد والمركب فيما يلي: ( المسجد الحرام- المدينة المنورة- محمد المختار- تصديق- تصور ). ثانيا: ميّز بين المركب الناقص والمركب التام خبرا أو إنشاءً فيما يلي: ( اتقوا الله - لا تقربوا الزنا- أقيموا الصلاة- الله أكبر- لا إله إلا الله- يوم القيامة ). |
16-03-2014, 09:11 AM | #9 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
الفقرة التاسعة )
" الجزئي والكلي " قد علمتَ أن اللفظَ إما مفردٌ وإمّا مركبٌ، ثم إن اللفظ المفرد ينقسم بحسب معناه إلى قسمين: أولا: كليّ. ثانيا: جزئيّ. فالكلي هو: الذي لا يمنع تصور مفهومه من وقوع الشِركة فيه. مثال: رجل، إذا تصورت مفهومه أي معناه في عقلك وهو الذكر البالغ فستجده ينطبق على كثيرين مثل زيد وعمرو وبكر وغيرهم، فمعناه ومفهومه لا يمنع الشركة فيه أي الاشتراك بل يشمل كثيرين. مثال: الصلاة، إذا تصورت مفهومها ومعناها في عقلك وهو عبادة ذات أقول وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم فستجد أنها تتناول كل صلاة ولا تختص بصلاة واحدة فمعنى الصلاة لا يمنع الشركة. مثال: كتاب، إذا تصورت مفهومه ومعناه في عقلك وهو صحائف مكتوبة فستجد أنه يشمل كل كتاب ولا يقتضي الحصر بكتاب واحدـ فمفهوم هذا اللفظ لا يمنع الشركة والتعدد. وأما الجزئي فهو: الذي يمنع تصور مفهومه من وقوع الشركة فيه. مثال: زيد، إذا تصورت مفهومه ومعناه في عقلك وهو إنسان معين فيستحيل حينئذ أن يصدق وينطبق على أكثر من واحد لأن مفهومه يأبى الشركة فيه فهو لا يدل إلا على واحد. مثال: هذه الصلاة، إذا تصورت مفهومها في عقلك وهي صلاة معينة مشخصة فيستحيل حينئذ أن تنطبق على غير تلك الصلاة. مثال: هذا الكتاب، إذا تصورت مفهومه في ذهنك وهو كتاب مشخص مشار إليه فيستحيل حينئذ أن يقبل الشركة بل لا يدل إلا على كتاب واحد بعينه. ثم إن الكلي يشمل ما له كثرة حقيقية في الخارج وما ليس كذلك. فمثال ما له كثرة ما تقدم من الرجل والصلاة والكتاب. ومثال ما ليس له كثرة كشمس فإن معناها كوكب مشتعل مضيء، فهذا المعنى ليس فيه قيد يمنعه من قبول الشركة، فكل كوكب مشتعل مضيء هو شمس. فإن قلت ولكن لا توجد سوى شمس واحدة فكيف تكون كلية؟ قلنا: لأن معناها ومفهومها غير منحصر فهو عام قابل للشمول لكثيرين، أي أننا لا ننظر إلى الواقع بل ننظر إلى نفس المعنى المتصور في العقل فإن كان عاما يشمل كثره فنعتبره عاما ولا ننظر للواقع لأن المصحح لكونه كليا أو جزئيا هو المفهوم الذهني وليس الواقع الخارجي. ولهذا فقد اكتشف العلم الحديث وجود كواكب مشتعلة مضيئة غير شمسنا هذه فسموها شموسا، ولو فرضنا أنه ليس في الكون إلا شمسنا لكانت كلية أيضا، وكذا قل مثل هذا على القمر. مثال: الغول: هذا لفظ لمعنى خيالي لا وجود له في الواقع ويعنون به حيوانا مخيفا بهيئة أسطورية لا واقع له. فهذا المعنى كلي أيضا وإن لم يوجد له أي فرد في الواقع لأن المصحح للكلية هو المفهوم بغض النظر عن الواقع. وبعبارة أخرى إن الكلي هو ذلك المفهوم الذي لا يمنع انطباقه على كثيرين ولو بالفرض، أي بافتراض أن له أفرادا متعددة. فتلخص أن المفهوم الذهني تارة يصدق على كثيرين وتارة لا يصدق إلا على واحد فما يصدق على كثيرين هو كلي، وما لا يصدق إلا على واحد هو جزئي. ثم إن المعنى الذهني يسمى مفهوما وما ينطبق عليه ذلك المعنى في الخارج يسمى مصداقا. فمعنى الرجل وهو الذكر البالغ يسمى مفهوما، وما ينطبق عليه هذا المفهوم في الخارج من زيد وعمرو وبكر وغيرهم يسمى مصداقا وأفرادا. ومعنى القلم وهو آلة الكتابة يسمى مفهوما وما ينطبق عليه هذا المعنى من الأقلام المحسوسة يسمى مصداقا وأفرادا. ومعنى زيد في الذهن وهو إنسان معين مشخص يسمى مفهوما، والشخص الخارجي الحقيقي يسمى مصداقا. وعلى هذا فقس. ( مناقشات ) 1- في ضوء ما تقدم كيف تفرق بين الكلي والجزئي عبّر عن ذلك بعبارة من عندك؟ 2- ما الفراق بين المفهوم والمصداق؟ 3- كيف يكون الغول كليا مع أنه شيء خيالي لا حقيقة له؟ ( تمارين ) ميّز بين الكلي والجزئي فيما يلي: ( مكة- بغداد - محمد- صيام- رسل- الكعبة - سعيد علما- سعيد وصفا- المؤمنون- بيت ). |
16-03-2014, 09:12 AM | #10 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
الفقرة العاشرة )
" الماهية " إذا نظرت إلى الواقع فستجد أشياء كثيرة تتمايز فيما بينها كالإنسان والفرس والكلب والشجر والحجر والذهب والفضة والماء والتراب والنار وغيرها، فكلها لها وجود خاص بها ومعان تستقل بها. فحينئذ يرد سؤال إلى الذهن وهو بأي شيء صار الإنسان إنسانا والفرس فرسا والماء ماء وهكذا؟ بعبارة أخرى ما هي الأشياء التي إذا وجدت وجد الإنسان والفرس والماء وغيرها؟ فإذا نظرنا إلى أفراد الإنسان مثلا كزيد وعمرو وبكر فنجد لكل واحد منهم أوصافا خاصة به كالعمر والشكل واللون والطول والوزن والعلم والجهل والكرم والشجاعة وغيرها. ولهم أيضا أوصاف مشتركة تجمعهم في الإنسانية فزيد إنسان وعمرو إنسان وبكر إنسان مع اختلاف الصفات التي تميز كل واحد من هؤلاء. فهنا نطرح هذا السؤال لم كان زيد وعمرو وبكر من أفراد الإنسان؟ أي بم صار هؤلاء الأفراد من فئة الإنسان ولم يصيروا من فئة أخرى؟ والجواب هو: لوجود أوصاف مشتركه فيما بينهم جعلتهم ينتمون إلى هذه الفئة دون غيرها. فهذه الأوصاف التي إذا وجدت وجد الشيء نسمها بالماهية. فالإنسان له ماهية أي حقيقة خاصة به وكذا الفرس والكلب والشجر والذهب والماء وغيرها. فإذا أردنا أن نعرف الماهية نقول هي: ما به يكون الشيء نفسه. فبها صار الإنسان إنسانا والفرس فرسا والشجر شجرا وهكذا. فعلمنا من ذلك أن للموجودات ماهيات وحقائق خاصة بها لولاها لما كان ذلك الشيء نفسه مثال: الإنسان ماهيته وحقيقته هي: حيوان ناطق، فمجوع الحيوانية مع الناطقية تجعل الشيء إنسانا ولا تجعله فرسا أو شجرا أو ذهبا أو غيرها. فالحيوانية والناطقية بها صار زيد إنسانا. مثال: الفرس ماهيته وحقيقته هي: حيوان صاهل، فمجموع هذين الوصفين هو الذي يجعل الشيء فرسا لا شيئا آخر. مثال: الخمر ماهيتها وحقيقتها هي: شراب مسكر، فمجموع هذين الوصفين هو الذي جعل الشيء خمرا ولم يجعله ماء أو عسلا أو شيئا آخر. وإذا أردنا أن نسلط الضوء على الماهيات ونحلل صفاتها نجد الآتي: أولا: تكون أوصافا مشتركة بين جميع الأفراد. فالحيوانية والناطقية مشتركة بين زيد وعمرو وبكر وغيرهم. فلا يصح إذاً أن تشتمل الماهية على أوصاف خاصة ببعض الأفراد، لأنها حينئذ لن تكون ماهية وحقيقة كل الأفراد بل ستمثل تعريفا قاصرا على البعض. مثل أن نقول في بيان ماهية الإنسان هو: حيوان ناطق ذكي جدا، فهذا لن يشمل الإنسان البليد، أو تقول هو حيوان ناطق ذو طول كذا، أو لون كذا أو يحب الخير أو غيرها من الأوصاف التي لا تشمل كل الأفراد. والخلاصة هي أن الماهية لا تبين صفات زيد أو عمرو بل تبين القدر المشترك المنطبق على جميع الأفراد. ثانيا: تكون ذات أوصاف أساسية بها يكون الشيء نفسه. أي أننا حينما نريد أن نبين ماهية شيء ما فلا نختار أي وصف مشترك بين الأفراد بل نختار أوصافا معينة فقط وهي تلك الصفات التي بها يكون الشيء نفسه. مثال: إذا أردنا أن نجمع أوصاف الإنسان الخاصة به نجد منها: الضحك، انتصاب القامة، النطق باللسان التفكير. ولكن هذه الأوصاف ليست على درجة واحدة في القوة ولا نقدر أن نقول أن جميع هذه الصفات هي التي تشكل حقيقة الإنسان بحيث لو فرضنا أن الله سبحانه وتعالى لم يهبه كل هذه الصفات لما كان إنسانا، فلو قدر أن الإنسان غير ضاحك، أو غير منتصب القامة فهل سيكون من فئة وحقيقة أخرى أو يبقى إنسانا ولا يضر ذهاب تلك الصفات في إنسانيته؟ الجواب: لا تضر في إنسانيته ويمكن أن نتعقله إنسانا وهو غير ضاحك أو غير منتصب القامة. بل الصفة الأساسية الجوهرية التي لها مدخل في حصول حقيقة الإنسان هو التفكير دون ما ذكرنا من صفات. والخلاصة هي أننا لا نكتفي في تبيين الماهية باختيار أوصاف مختصة بحقيقة وفئة معينة دون غيرها، فهذا القدر غير كاف في التحصل على الماهية بل لا بد من وضع اليد على الصفة الجوهرية الأساسية وهي تلك الصفة التي لو فرضناها ذهبت وفقدت من الشيء لم يكن هو نفسه بل سينتمي إلى حقيقة أخرى لا محالة. ثالثا: تكون تلك الصفات الجوهرية بعضها أعم منه وبعضها مساو له. أي تحتوي الماهية في تركيبها على وصف أعم، ووصف مساو للشيء، فالوصف الأول هو القدر الجامع بين هذه الحقيقية التي نحن بصدد تعريفها وبين غيرها من الحقائق، والوصف الثاني يمثل الوصف الخاص بتلك الحقيقة الذي يفصل تلك الحقيقة عن غيرها. مثال: الإنسان هو حيوان ناطق. فالحيوان هو: جسم نام حساس متحرك بالإرادة، فهذا وصف عام لأنه يشمل الإنسان وغير الإنسان كالفرس والكلب والأسد وغيرها فكلها أجسام نامية حساسة تتحرك بإرادتها. والناطق هو المفكر أي له قوة التفكير، فهذا وصف خاص بالإنسان ومساو له به فصلنا الإنسان عن بقية الحيوانات لأنها لا يوجد حيوان مفكر ذو عقل سوى الإنسان. مثال: الخمر شراب مسكر. فالشراب وصف عام يشمل الخمر وغيرها كالماء والعسل. والمسكر وهو المذهب للعقل وصف خاص بالخمر، به تحصلنا على حقيقة الخمر لأنه به فصلنا وميزنا الخمر عن غيرها من الأشربة. فذلك الوصف العام هو الِجنْس. وذلك الوصف الخاص هو الفَصْل. فالجنس هو: وصف جوهري عام. والفصل هو: وصف جوهري خاص. ونقصد بالجوهري هو ما بيناه من قبل وهو أن يكون وصفا أساسيا به يتحقق الشيء ولو تصورنا زواله من الشيء فستتغير حقيقته وينتمي إلى فئة أخرى. فالماهية= الجنس+ الفصل. ( مناقشات ) 1- في ضوء ما تقدم ما هي الماهية ؟ 2- ما هي شروط الماهية؟ 3- لمَ لا نعد الضحك من ماهية الإنسان؟ |
17-03-2014, 12:49 AM | #11 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
أ- معنى الأمل في اللغة:
الأمل في اللغة يعني الرجاء(1)؛ يقول صاحب مختار الصحاح: الأمل: الرجاء، يقال: أمّل خيره يأملُ بالضم أملاً بفتحتين، وأمّله أيضاً تأميلاً(1). 2- معنى الأمل في الاصطلاح: بعد بيان معنى الأمل في اللغة لابد لنا من معرفة معنى الأمل في الاصطلاح، وهذا ما نعرض له كما يأتي: عند النظر في معنى الأمل في الاصطلاح وجدت له المعاني الآتية: أ- قال المناوي: الأمل: توقُّعُ حصول الشيء، وأكثر ما يستعمل فيما يُستبعد حصوله(2). ب- وقال ابن الكمال: هو تَعلُّق القلب بحصولِ محبوبٍ مستقبلاً(3). جـ- وقال الإمام الراغب: هو ظنّ يقتضي حصول ما فيه مَسرّة(4). وبعد، فهذا ما وقفنا عليه من تعريفات للأمل عند أهل العلم، وعليه فيمكننا أن نعرف الأمل بقولنا: هو توقع حصول التمكين لهذه الأمة، والنصر لها على أعدائها، والجبر لكسرها، على الرغم مما أَلمَّ بها من ملمات وخطوب ومصائب أثقلت كاهلها، توقعاً أكيداً يزيد على الظن بمقدار زيادة اليقين في النفوس. تنبيه: وليعلم هنا أننا ما نريد بالأمل ذلك الأمل المذموم الذي حدث عنه ربنا فقالويلههم الأمل)(1) – الذي هو حبُّ الدنيا(2) والاغترار بشهواتها بما ينسي الآخرة وسعيها، وإنما نريد به هنا الشعلة التي يجب إيقادها في قلوب الناس بتوقع حصول الخير لهذه الأمة في قادمات الأيام بعون الله تعالى، بما يدفع الناسَ إلى حُسنِ يقينٍ بوعد الله تعالى لعباده المؤمنين، ومزيد تصديق لبشارات النبي صلى الله عليه وسلم بالنصر لهذه الأمة، والإقالة لعثْرتها، والجبرِ لكسرها؛ ليزيد ذلك من حسن ظن الناس بربهم ودينهم، وليكون عند الناس مزيدُ تعالٍ على جراحاتهم الدامية، وأحزانهم المُتَّقدة، وضعفهم الذي يتراءى للناس في زمان أُثخنت فيه أمتنا بالجراح، وكثرت في جسدها الندوب، وتوالت عليها الخطوب، حتى أنها أفقدت الحليم حلمه، وصاحب التجربة تجربته، ذلك لأن هذه الشعلة لابد لها من إيقاد في النفوس، ومتابعة حتى لا تذوي وتموت، حتى لا تطفئها رياح اليأس، وأعاصير الإحباط التي استحكمت في قلوب الناس، فلم يعد للأمل وحديثه مقام عند الناس في مجالسهم، ولا في منتدياتهم، بل ولا في حديث النفس عند كثير منهم. (2) حكم الأمل وشرعيته: بعد بيان معنى الأمل الذي نريده، لابد لنا من ذكر حكم الأمل في دين الله تعالى بالمعنى الذي ذكرناه، وهذا ما نذكره كما يأتي: الأمل بالمعنى –آنف الذكر- فرضٌ على كل مسلم، ووصفٌ لكل مؤمن، ولا يتم إيمانٌ إلا بتحقُّقِه، ولا تُقبل لنا طاعة إلا بوجوده. أدلة فرضية الأمل: نستدل على فرضية الأمل –بالمعنى الذي ذكرنا- بالأدلة الآتية: أولاً – من كتاب الله عز وجل: هناك أكثر من آية في هذا الباب تدل على المراد، نذكرها على النحو الآتي: 1- قول الله عز وجل على لسان نبيه يعقوب عليه الصلاة والسلامولا تايئسوا من روح الله إنه لا يايئس من روح الله إلا القوم الكافرون)(1). وفي معنى هذه الآية نعرض شذرة من كلام المفسرين: أ- قال الإمام أبو العباس أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى: "فيمتنع أن يكون للأنبياء يأسٌ من روح الله، وأن يقعوا في الاستيئاس، بل المؤمنون ما داموا مؤمنين لا ييأسوا من روح الله"(2). ب- وقال الإمام النسفي رحمه الله تعالى: "لأن من آمن يعلم أنه مُتقلِّبٌ في رحمة الله ونعمته، وأما الكافر فلا يعرف رحمة الله ولا تقلُّبه في نعمته فييأس من رحمته"(3). جـ- ويقول شيخ الإسم أبو زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى: "إنما ييأس من روح الله الكافر لا المؤمن؛ عملاً بظاهر الآية، فكل من أَيِسَ من روح الله فهو كافر حتى يعود إلى الإيمان"(1). د- ويقول العلامة البيضاوي في تفسيره: "فإن العارف المؤمن لا يقنط من رحمته في شيء من الأحوال"(2). هـ- ويقول الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: "وأمرهم أن لا ييأسوا من روح الله؛ أي: لا يقطعوا رجاءهم وأملهم من الله فيما يَرُومونه ويقصدونه، فإنه لا يقطع الرجاء، ولا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون"(3). و- ويقول الإمام ابن جُزَي الكلبي رحمه الله: "إنما جُعلَ اليأسُ من صفة الكافر لأن سببه تكذيب الربوبية أو جهلاً بصفات الله من قدرته وفضله ورحمته"(4). وحول كون الآية تدل على وجوب الأمل أقول: مفهوم الآية ينهانا عن اليأس، ويجعله من صفات الكافرين، ومنطوق الآية: (مفهوم المخالفة يأمرنا بالأمل ويجعله من صفات المؤمنين). وحول اتصاف المؤمنين بضد ما يتصف به الكافرون يحدثنا الأستاذ سيد قطب رحمه الله فيقول: "فأما المؤمنون الموصولةُ قلوبهم بالله، النَّديَّةُ أرواحهم بروحه، الشاعرون بنفحاته المُحْيية الرَّخيَّة، فإنهم لا ييأسون من روح الله، ولو أحاط بهم الكَرْب، واشتد بهم الضيق، وإن المؤمن لفي رَوْحٍ من ظلال إيمانه، وفي أُنسٍ من صلته بربه، وفي طمأنينة من ثقته بمولاه، وهو في مضائق الشدة ومخانق الكروب"(1). وعن الاستنباط من الآية يحدثنا العلامة عبد الرحمن بن سعدي –رحمه الله تعالى- فيقول: "ودلّ هذا على أنه بحسب إيمان العبد يكون رجاؤه لرحمة الله وروحه"(2). هذا ولا يفوتني أن أنبه هنا إلى أن اليأس من روح الله، والقنوط من رحمته قد عدّه كثير من أهل العلم كبيرة من الكبائر؛ وهذا صنيع القرطبي في تفسيره(1)، والذهبي في كتابه الكبائر(2)، والسيوطي في كتابه الإكليل(3)، وابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر(4). 2- قول الله تعالىومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون)(5). قال العلامة الراغب: "والقنوط هو اليأس من الخير"(6). وفي معنى هذه الآية يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى: "وبرزت معها الحقيقة الكلية أنه لا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون، الضالون عن طريق الله الذين لا يستروحون روحه، ولا يحسون رحمته، ولا يستشعرون رأفته وبِرَّهُ ورعايته؛ فأما القلب النديُّ بالإيمان، المتصل بالرحمان، فلا ييأس ولا يقنط مهما أحاطت به الشدائد، ومهما ادلهمت حوله الخطوب، ومهما غام الجو وتَلبَّد، وغاب وجه الأمل في ظلام الحاضر، فإن رحمة الله قريب من قلوب المؤمنين المهتدين)(1). 3- قول الله تعالىيريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)(2). 4- وقول الله تعالى: "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون"(3). وفي التعقيب على هذه الآية يقول الشيخ سعيد حوى، رحمه الله تعالى: "وفي الآية بشارة عظيمة لأهل الإسلام في عصرنا حيث يرون أن مراد دول الكفر وأممهم وأذنابهم في الداخل إطفاء نور الله، ولكن حين يتعارض مرادان: مراد الله ومراد خلقه، فإرادة الله هي النافذة، وإرادة الله إتمام نوره على رغم الكافرين، فالمستقبل إذاً لهذا الدين"(1). ويقول الأستاذ سيد قطب، رحمه الله تعالى: "ولقد كانت تلك الآيات حافزاً للمؤمنين المخاطَبين بها على حمل الأمانة التي اختارهم الله لها بعد أن لم يَرْعَها اليهودُ والنصارى، وكانت تطميناً لقلوبهم، وهم ينفذون قدر الله في إظهار دينه الذي أراده ليظهر، وإنْ هم إلا أداة، وما تزال حافزاً ومُطَمئناً لقلوب المؤمنين الواثقين بوعد ربهم، وستظل تبعث في الأجيال القادمة مثل هذه المشاعر حتى يتحقق وعد الله مرة أخرى في واقع الحياة بإذن الله"(2). ثانياً – من السنة: وردت في كتب الحديث الشريف جملة من الأحاديث النبوية الشريفة التي تبشر بنصر الإسلام، وامتداد ملك أهله، والتمكين لهم في الأرض، وهي بحمد الله كثيرة منتشرة في دواوين السنة المشرفة، نذكر هنا باقة منها: 1- عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله روى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإنّ أمتي سيبلغُ مُلكُها إلى ما زُويَ لي منها)(1)؛ زوي: أي جُمعَ(2). 2- عن تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلملَيبلغنَّ هذا الأمرُ ما بلغ الليلُ والنهار، ولا يترك الله بيتَ مدرٍ ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعزِّ عزيزٍ، أو بذلِّ ذليل، عزاً يعزُّ الله به دينَ الإسلام، وذلاً يذل به الكفر)(1). 3- عن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوللا يبقى على الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله الإسلام بعز عزيز أو بذل ذليل)(2). 4- عن أبي قبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو ابن العاص، وسئل أي المدينتين تُفتح أول: القسطنطينية أو روميا؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق، قال: فأخرج منه كتاباً، قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب، إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أول: القسطنطينية أو روميا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مدينة هرقل تفتح أولاً، يعني قسطنطينية)(1). 5- عن أُبيَ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلمبَشِّرْ هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة، والتمكين في الأرض، فمن عملَ منهم عملَ الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة من نصيب)(2). 6- وعن أبي عبيدة ومعاذ بن جبل قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلمإنَّ أول دينكم نُبوةٌ ورحمة تكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله جل جلاله، ثم يكون مُلْكاً عاضاً، فيكون فيكم ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعه الله جل جلاله، ثم تكون خلافةٌ على منهاج النبوة تعملُ في الناس بسنةِ النبي، ويلقي الإسلام بجِرانهِ في الأرض يرضى عنها ساكنُ السماء وساكن الأرض، لا تَدعُ السماء من قَطْرٍ إلا صبَّته مِدراراً، ولا تدع الأرض من نباتها وبركاتها شيئاً إلا أخرجته)(1). 7- وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلملا يزال هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابةٌ من المسلمين حتى تقومَ الساعة)(2). وبعد، فهذه طائفة من الأحاديث المبشرة بنصر الإسلام والمسلمين؛ وفي التعقيب على هذه الأحاديث وأمثالها يقول الدكتور عبد الله عزام رحمه الله تعالى: "هذه الأحاديث تُطمئن القلبَ أن هذا الدين سيعود لينقذ الإنسان المعذب، ليأخذ به من الهوة السحيقة إلى المرتقى السامق، سيطهره ويُريحه، ويقدم له إنسانيته التي فقدها، سيجد الإنسان أنه ولد من جديد، سيتذوق السعادة والطمأنينة ويشعر أنه مخلوق كريم إن شاء الله"(1). ثالثاً – دلالة الواقع: إن الأمم الجادة لا يمكن لها؛ بل ولا يجوز لها أن تيئس من تحقيق مطلوبها، على الرغم مما أصابها من مصائب ومحن وأزمات، فهذه كلها دافعة لها إلى أن تعمل للنصر، وتدفع أبناءها إليه. وما أخبار الأمم المستضعفة في هذه الأيام ببعيدة عن أسماع الناس؛ كما هو الحال في كمبوديا، وفيتنام –على كفر أهلها- إلا أنها حققت ما تريد بالرغم من قلة الإمكانات وقوة العدو؛ لكن الإرادة الصلبة لابد أن تنتصر، وأمتنا –بلا شك- أكثر رصيداً في الحياة، وأكبر إمكانات، وأنصع تاريخاً، وأكثر تجارب، ولهذا فهي مؤهلة لأن تعود جَذعةً فَتِيَّة يَهابها عدوها، ويحسب لها ألف حساب بعون الله عز وجل. رابعاً – إفلاس المبادئ الأخرى: لقد افلست المبادئ الأرضية وبان زيفها، وهذا مبشر من مبشرات الخير لهذه الأمة؛ فانحدرت الشيوعية إلى غير رجعة، وكفر بها أهلها، والعالم الرأسمالي يسير نحو الهاوية؛ فلم يبق إلا وَعْدُ الله ودينه الذي هو الدواء الناجع لعلل الناس أجمعين. ومن تبصر في هذا ونظر فيه، حرم عليه اليأس، ووجب عليه الأمل، وإلا فليس هو من هذه الأمة؛ يفرح لفرحها، ويحزن لحزنها، ويحدوه حاديها. وبناء على ذلك: فلا يجوز لأحد أن يبقي لليأس في قلبه مكاناً، بل لابد له من ملء قلبه بالأمل الواعد بأن النصر لهذه الأمة ولدينها –على وفق شرط ربها سبحانه وتعالى- فهو القائلإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)(1). (3) أهمية الأمل: وبعد ذِكرنا لأدلة فرضية الأمل لابد لنا من معرفة ما للأملِ من أهمية بالغة في حياة الناس، حتى يكون هذا دافعاً للأمل، ومُعرِّفاً به، وحاضاً عليه، وهذا ما نذكره بعون الله تعالى في النقاط الآتية: 1- الأمل مصدرُ تحريكٍ ودفعٍ للعمل، ذلك لأن العمل بحاجة إلى أداة دافعة محركة وهذه الأداة هي الأمل. وفي هذا يقول الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله: "الأمل قوة دافعة تشرح الصدر للعمل، وتُقوِّي دواعي الكفاح من أجل الواجب، وتبعث النشاط في الروح والبدن، وتدفع الكسول إلى الجد، والمداوم إلى المداومة على جده والزيادة فيه"(1). أقول: وإذا نظرتَ في واقع الحياة وجدت أن مَنْ فقدَ الأمل أصابه الخمول واليأس، وترك ما هو بصدده من العمل؛ بخلاف صاحب الأمل فهو مُجِدٌّ مِعطاء؛ فالمزارع مثلاً: لا يرمي بذوره في الأرض إلا وأملٌ كبير يملأ نفسه بأن هذه ستنبت بإذن الله تعالى؛ والطالب لا يدرس إلا وفي نفسه أن هذا سبيل النجاح؛ والمجاهد لا يجاهد إلا وفي نفسه أن الله سينصره. وإذا مات الأمل في نفس المرء أصابها الذبول وآثرتِ السكونَ على الحركة وفي هذا فتكٌ بها، وإفسادٌ لطاقاتها. 2- الأمل يعني التفاؤل والبِشْر في النفوس؛ ذلك لأن الآملَ متفائلٌ بما يلقاه في الحياة، مستبشر بأيامه القادمات يحمل ما يراه على المحمل الحسن، وهذا يؤدي به إلى مزيد عطاء، وانطلاقة خير. أما اليأس فهو عنوان التشاؤم الذي يؤدي إلى توقف العطاء وانعدام الخير والنظرة السلبية إلى الحياة ومجرياتها، وهذا –بلا شك- يُفوِّتُ على صاحبه الخيرَ الكثير والأجر العميم. 3- الأمل عنوان الإيجابية في الحياة؛ ذلك لأن صاحب الأمل مشرق النفس عالي الهمة، مُقتنصٌ للفرص؛ لا يدعُ فرصة مواتية للبذل والعطاء إلا اغتنمها وسارع إليها. بعكس صاحب اليأس الذي أظلمت نفسه وخَبتْ فيها نزعة الخير؛ ولذا فكم من فرصةٍ سانحة أضاع، وكم من عمل بَنَّاء توانى عنه، وكم من مجد نَكَصَ عنه، ولذا فللناظر أن يقارن بين الحالين، وليخترْ أحدَ الوصفين؛ وكلُّ امرئ حسيب نفسه. 4- الأمل عنوان التجدد والتغيير؛ فإذا نظرنا إلى صاحب الأمل وجدنا نفسه متوثبةً إلى كل جديد، ساعيةً إلى كل تغيير يعود بالنفع على المرء وما حوله؛ فهي نفس مشرقة مُحلِّقة لا تستقر في مكان، ولا تقف عند عقبة، تبحث عن التغيير لواقع صاحبها في كل مكان؛ فالتائب مثلاً: مغيرٌ لحاله، مجددٌ لواقعه، محرك لهمته، مُتلافٍ لتقصيره في السابق؛ وكذا كلُّ عامل في الحياة يَحدوهُ الأمل ويحدوه الرجاء. وإذا نظرنا إلى فاقد الأمل؛ أعني صاحب اليأس؛ فإننا نجد نفسه جامدة لا تقبل تغييراً ولا تطلب تجديداً، ولا تبحث عن دافع مُحرِّكٍ يحركها من مقامها التي هي فيه؛ فاليائس من رحمة ربه لا يُقبل بنفسه على التوبة، لأنه قد أُشربَ اليأسَ وقطع مسارب الأمل من نفسه؛ وكذا كلُّ متخلفٍ عن أي عمل دنيوي أو أخروي بسبب يأسه، تجده لا يغير نفسه، ولا يجدد قلبه ولا يعمل على تحريك ساكن حوله؛ فهو ميتٌ في ثوب حي. 5- الأمل عنوان القوة، واليأس عنوان العجز والضعف. والمسلم مامور بعدم العجز؛ فالمؤمن القوي خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.(1) والأمل ينافي العجز ويضاده، وصاحبه ممتثل لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، واليأسُ دافعه العجز، ولُحمْته وسداه الضعفُ، والله عز وجل يحب المؤمن القوي. وصاحب الأمل قويٌ في حياته وفكره، وفي نظرته إلى الحياة؛ ذلك لأن الأمل دافع للحركة، باعث عليها، والحركة والعمل عنوان القوة. فالقوي هو الذي يتحرك ويحرك، والضعيف هو الذي لا يتحرك ولا يعمل على تحريك غيره، وكلٌ أعمال الدنيا والآخرة تحتاج إلى تَوجُّه النفس لفعلها والإقدام عليها، ولا يكون ذلك إلا لنفسٍ يملؤها الأملُ ويحدوها الرجاء، وتملؤها القوة النابضة التي تعمل في معترك الحياة ولا تقبل بالسكون، ولا تستصعب شيئاً. 6- الأمل مصدر تَوثُّب النفس وتحليقها، وبما أن صاحب الأمل قويٌ متحرك وصاحب إرادة دفَّاعة فهو لا يرى لنفسه مكاناً يقرّ فيه، ولا يقبل المكث في مكان ما إلا لينطلق منه إلى ما سواه، تحدوه المعالي ويتراءى له العطاء، فهو باحث عن رفعة نفسه، وسَدادِ مسيره، وكثرة عطائه، وتغيير واقعه إلى الأفضل، مطلوبهُ العُلُوُّ، ونفسه توّاقة؛ كما قال الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: "إنَّ لي نفساً تواقة"(1). هذه حال صاحب الأمل، وأما صاحب اليأس فمتأخر عن أقرانه، في نفسه عُزوفٌ عن كل مَكْرُمة، راضٍ بما هو فيه –وإن كان الدُّون- غير مُبارحٍ لمكانه، مُحجِمٌ عند الإقدام، صامتٌ عند الكلام، ضعيف الهمة عند مقارعة الخطوب، مُتبرِّمٌ عند اشتداد الكروب، لا توثبَ في همته ولا تحليق في نفسه. وعلى العاقل أن يختار أعلى الهمتين، وأحسنَ الوصفين، وإلا كان حالهُ كحالِ هذه الأمة الآن، وقد استشرى فيها اليأس، وغاب عنها الأمل، فسكنت وما حركت ساكناً، ولا سرّت صديقاً ولا أوغرت صدرَ عدو، ولا تقدمت في مكرمة؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ولكأن لسان حالها يدندن بتلكم المقولة البائسة: (ليس في الإمكان أبدع مما كان) والله المستعان. 7- الأمل مصدر الأمن والسكينة عند المؤمن؛ فإذا نظرتَ إلى المسلم وجدته صاحب سكينة وأمن، وإذا بحثت عن سبب ذلك وجدته الأمل الذي يملأ نفسه وقلبه. وفي هذا يقول الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله: "ومن مصادر الأمن والسكينة لدى المؤمن ما يغمر جوانحه من أمل، ذلك الشعاع الذي يلوح للإنسان في دياجير الحياة فيضيء له الظلمات، وينير له المعالم، ويهديه السبيل، ذلك هو الأمل الذي به تنمو شجرة الحياة ويرتفع صرح العمران، ويذوق المرء طعم السعادة"(1). أقول: صاحب الأمل قوي لا يخاف، لأنه يرى أن ما حوله يتغير؛ ولا يبقى على ما هو عليه إلا الله، ولذا لِمَ يخافُ ويهلع؟ ولم يسكن ويضعف؟ طالما أن أمله الكبير بوعد الله أولاً –ثم بتغيير الواقع ثانياً- يملأ قلبه وينير طريقه ويطمئن نفسه ويسكن مضجعه. وهذا بخلاف اليائس الذي أعوزه الأمن وهربت منه السكينة، وأظلمت نفسه لغياب شعلة الأمل منه: فتوجَّسَ من كل ما حوله، وخاف حتى من النَّسمات، ووجَلَ حتى من البسمات، وهكذا. وبعد، فهذه كلمات أحسبُ أني قد كشفت بها عما للأمل من أهمية في حياة الناس الخاصة والعامة – أفراداً وجماعات، أمماً ومجتمعات، صغاراً وكباراً – بما يدفع إلى مزيد من أملٍ واعد بالخير، يذكر النفوس بوعد الله تعالى لهذه الأمة بالنصر والتمكين، لتعلو وتكون في مَصافِّ غيرها من أقرانها؛ فلا تتأخر عند السبق، ولا تُحجم عند الإقدام، ولا تَكْبُو عند النزال، ولا تنبو عند النضال. وعلّ في هذا ما يرشد إلى مزيد إطفاءٍ لنار اليأس المشتعلة في القلوب؛ تلك النار التي أحرقت كل عزيمة، وأورثت كل ضعف، وأَزْرتْ بكل كريم، وفَوَّتت كل مطلوب، وتَخلَّفت بصاحبِ النخوة عن مراده؛ والله المستعان. (4) حديث القرآن عن الأمل: لابد لمن يُحدِّثُ الناسَ عن الأمل وأهميته في الحياة من استجلاء حديث القرآن الكريم عنه؛ ذلك لأن القرآن الكريم معينُ الأمل ومصدره، فهو المذكِّرُ بوعد الله ووعيده –ترغيباً وترهيباً- وهو المربي للنفوس لتعلو على همومها وآلامها، وبناء على ذلك فقد حاولت تجلية هذا المقام، فظهر لي أن القرآن الكريم قد طرق موضوع الأمل بعرض الأمور الآتية: 1- المواءمة بين الترغيب والترهيب: إذا نظرت في كتاب الله تعالى وجدت أن فحوى نصوص القرآن، إما ترغيب في مطلوب عظيم هو الجنة، أو ترهيب من أمر عظيم هو جهنم أعاذنا الله منها، وهذا في حد ذاته حديث عن الأمل، ذلك من أمّلَ في الجنة وعملَ بعملها، فقد يئس من النار وهرب منها، وترك عملها. وكذا من يئس من الجنة وعملها، فقد أمل في النار وعمل بعملها، ولولا أن المرء يأمل في جنة الله تعالى ويخشى ناره سبحانه وتعالى ما أقدم أحد على عبادة، ولا عَمِلَ عَمَلَ خير. ولذا لو تفكرتَ في نفسك لوجدتَ أن أمل النجاة من السوء كالنار وغيرها –يَحدُوكَ في كل قُربةٍ ويدفعك إلى كل خير، ووجدت أن أمل الظفر بخير مطلوب في الفوز بالجنة والقبول مع أهلها، والخلود معهم- يدفعك أيضاً إلى كل خير ويحدوك إلى كل فضل. ولذا، فإن الناظر في كتاب الله تعالى يرى المراوحة بين الثواب والعقاب، والترغيب والترهيب، والجنة والنار، ليبقى عند الإنسان حسُّ الأمل المُرهف، فكلما خاف النار أمّل الجنة وسأل الله دخولها. 2- التعالي على الأحداث: من يتدبر القرآن يرى أنه يعمدُ إلى تربية المسلم على التعالي على الأحداث والخطوب والملمّات والمصائب والمصاعب الشديدة الجسيمة التي أصابته وأثقلت كاهله وأفسدت هِمَّته. انظر إلى قول الله عز وجلولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين * إن يمسسكم قرح فقد مسّ القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس)(1) ترَ أن الآية تُلطِّفُ على المسلمين مُصابهم وتدفعهم إلى الأمل، وتنهاهم عن الحزن والاستكانة، وتعد هذه من تربية القرآن للأمة بالحدث. يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله: "وفي خلال استعراض تلك السنن تحفل الآيات بالتشجيع على الاحتمال، والمواساة في الشدة، والتأسية على القرح الذي لم يُصِبهم وحدَهم، إنما أصاب أعداءهم كذلك، وهم أعلى من أعدائهم عقيدة وهدفاً، وأهدى منهم طريقاً ومنهجاً، والعاقبةُ بَعْدُ لهم، والدائرةُ على الكافرين"(2). وهكذا يقال في كل موقف أراد فيه القرآن رفعَ الناس من واقع اليأس والضعف والخور، إلى واقع الأمل والقوة، فأنت ترى تربية القرآن للأمة على الحدث؛ لتعلو على الآلام والجراح ولترتفع على الضعف والخور، ولذا، فمن نظر إلى الآيات التي نزلت عقيب المعارك التي أصاب المسلمين فيها شدة، أمثال غزوة الأحزاب، وغزوة حنين، وغزوة تبوك؛ عرف منهج القرآن في رفع الأمة على جراحها وآلامها، لتعود قوية فتية وكأنَّ الحدثَ ما أثَّر فيها، وكأن الخطوب ما أصابتها بشيء. 3- معالجة الضعف البشري: ابن آدم خَلقٌ ضعيف يقع في ما مُنع منه، ولكنه يعود فيتوب، وقد تعامل القرآن الكريم مع الإنسان وفق هذه الخلفية؛ فهو يريد أن يرفع الإنسان من ضعفه الذي هو فيه، وخطيئته التي وقع فيها، ليبثَّ في نفسه الأمل في قبول الله تعالى له بعد أن تاب، ورجع إليه وأناب، ولا يريد له أن يلقي اليأسُ بجرانه في نفسه، فيمنعه من تغيير ما هو عليه من الضعف، وتلافي ما وقع فيه من قصور ونقص. وفي هذا المعنى يقول الأستاذ محمد شديد: "ومنهج القرآن إزاء الضعف البشري منهج الرحمة والعفو والتربية، فلا يُجَّردُ من الإيمان، ولا يُطرد من الجماعة لمعصية ما دام صاحبها قد اعتراه الضعف، وهو في طريقه إلى الله يجاهد نفسه، ويصبرها على الطريق، فإذا عصى ذكر الله وندم وفاء، وعاد إليه تائباً منيباً"(1). وفي التعقيب على قول الله عز وجلولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون)(2). يقول الأستاذ محمد شديد: "وكذلك عامل القرآن مَنْ عصى أو ولّى الأدبار في أحد، فقد علم الله منهم صدقَ نياتهم، فرحم ضعفهم، وقبل توبتهم، ومنّ عليهم بعفوه ومغفرته"(3). ويقول أيضاً: "وفعلَ هذا الأسلوب التربوي في أنفس المؤمنين ما لا تفعله محاكمة ولا عقاب، فما إن عاد الرسول صلى الله عليه وسلم بالجيش إلى المدينة حتى أمر بالخروج لتعقُّبِ جيش المشركين حتى لا يفكروا في العودة، ومهاجمة المدينة، وأطاع المؤمنون الأمر، وخرجوا إلى القتال لم يتخلف منهم أحد، ولَمَّا يمضِ في المدينة بعد عودتهم من أُحد سوى ليلة، وما منهم إلا جريح تُقعده جراحاته عن السير والقتال، ولكنهم حملوا على أنفسهم طاعةً لله ورسوله في قوة استحقت ثناء القرآن"(1). هذا وصفٌ موجز لوصف حديث القرآن عن الأمل، وتربيته للمؤمنين عليه، وبهذا نصل إلى تأصيل فكرة الأمل على هدي القرآن الكريم وفي أفيائه، ونضع القلم هنا لننتقل إلى مبحث آخر من هذا الكتاب بعون الله تعالى. الفصل الثاني: نماذج تطبيقية من السنة في بعث الأمل تزخر السنة المشرفة بالنماذج التطبيقية التي تعمل على ترسيخ قاعدة الأمل في النفوس، وحمل الناس عليها، وسنضرب أمثلة ونماذج على هذا المقام من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها، ما يأتي: 1- يمرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بآل ياسر، وهم يعذبون بمكة من قبل كفار قريش، فيطلقها كلمة خالدة: (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة)(1). ولم تكن هذه الكلمة إلا بذرة أمل آتت أُكُلها وثمارها وأورقت، فكان من ثمارها استشهاد سمية أم عمار، وياسر أبي عمار، في سبيل الله عز وجل. وابنهما عمار بن ياسر رجلٌ مصابر مجاهد حتى يلقى ربه سبحانه وتعالى. أرأيت كيف أثمر الأمل وأورق؟ هذا في نطاق تلك الأسرة. ولاشك أن هذه الكلمة لها الأثر الكبير في كل نفس معذبة مستضعفة، فترتفع بها على آلامها، وتعلو بها على ضعفها، وتمسح جراحها، وتطمئن نفسها. 2- يأتي خباب بن الأرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوسِّدٌ بُرده عند الكعبة، ليشكو له ما فعله المشركون بالمسلمين، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل قبلكم كان يُمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب، ويُنشر بالمنشار فرقتين ما يَصرفُه ذلك عن دينه، والذي نفسي بيده لَيُظهرنَّ اللهُ هذا الأمرَ حتى يسيرَ الراكبُ من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)(1). رجلٌ مجلودُ الظهر، كثير الهمِّ يأتي قائده صلى الله عليه وسلم ليدعو له، فيوقد النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه شعلة الأمل؛ فأولاً: ما أصابكم من أذى وعذاب أقلُّ مما أصاب مَنْ قبلَكم من المؤمنين، وقد صبروا هم، فلتصبروا أنتم؛ وثانياً: سَيُظهر الله هذا الدين، وتَدينُ به العباد، وتُفتح به البلاد حتى يبلغ الأراضي الوعرة في أقصى جزيرة العرب، التي لا يأمنُ فيها المرء على نفسه، ولا على غنمه من قاطع طريق أو غيره، حتى يسودها الأمن، فيأمن المرء على نفسه وغنمه من بني آدم، فهي يومئذ أرض إسلام، فلا سلبَ فيها ولا قطعَ للطريق، ولا إخافة. وحتى يهز في نفسه استباق الثمرة، قال له: (ولكنكم تستعجلون)؛ إذ لابد لمرحلة الرخاء من مقدمات شدة، ولابد لطلوع الفجر من ظلام يحفُّ به، ولابد للنصر من تَبعات؛ جلدُ الظهور، وسفك الدماء، وترك المطعم الهنيء، وهكذا. ولا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحابته استعجال الثمار، فإن أخطر ما يواجه العامل أن يستعجل ثمرة عمله فيفسد هذا العمل بهذا الاستعجال، ولا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن تصدى لرد الشاردين إلى الله أن يستعجل الثمار، فإن هذا مفسدٌ للأعمال، مُذهبٌ للنتائج، موغرٌ للصدور، صادٌّ عن سبيل الله. ولعل ما يصيب المسلمين في هذه الأيام نابع في كثير من حيثياته من استعجال الثمار، ولنتذكر هنا مقولة الفقهاء: "مَنْ تعجَّلَ شيئاً قبل أوانه عُوقب بحرمانه". إذاً: أراد النبي صلى الله عليه وسلم زرعَ الأمل في نفس خباب أولاً، والأمة ثانياً؛ لكنه يريد الأمل الواثق وَئِيدَ الخطى، ولا يريد الأمل الذي تُستعجل به الثمار، وتفسد به الجهود. 3- وفي مسيرة الهجرة إلى المدينة يدرك سراقة بن مالك النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر الصديق، حتى يقترب من الركب، فيحميهما الله منه، وتسيخ قدما فرسه في الرمال ثلاثاً، فيعاهدهم بعدها بالرجوع إلى مكة، وعدم إفشاء أمر سلوكهما لهذا الطريق، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ارجع ولك سوارا كسرى)(1). وهذه بذرة أمل أخرى يغرسها رسول الله صلى الله عليه وسلم لِيُعلم من طارده، ومن رافقه في مسيره معنى الأمل –حتى في أحلك الظروف وأشدها وقعاً على الإنسان- فهل رأيتَ رجلاً طريداً مطلوباً لعدوه، وقد كان بين إمساكه وأسره قاب قوسين، ثم نجاه الله من عدوه، ثم يَعِدُ عدوه بأخص خصائص ثاني رجل مهم في عالم السياسة والحكم في تلك الأيام، الرجل الذي تخافه الناس، يعدُ سراقةَ بسواريه؛ إنه الأمل بوعد الله الذي يملأ قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى في مثل هذه الأوقات الحرجة. وفي التعقيب على هذا الموقف يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله: "والله وحده يعلم ما هي الخواطر التي دارت في رأس سراقة حول هذا العرض العجيب من ذلك المُطاردِ الوحيد إلا من صاحبه الذي لا يغني شيئاً عنه، والمهاجر سراً معه. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عارفاً بالحق الذي معه معرفته بالباطل الذي عليه الجاهلية في الأرض كلها يومذاك، وكان واثقاً من أن هذا الحق لابد أن ينتصر على هذا الباطل، وأنه لا يمكن أن يوجد الحق في صورته هذه، وأن يوجد الباطل في صورته هذه، ثم لا يكون ما يكون. كانت الشجرة القديمة قد تآكلت جذورها كلها بحيث لا يصلها ريٌّ ولا سماد، كانت قد خبثت بحيث يتحتم أن تُجتثَّ، وكانت البذرة الطيبة في يده هي المعبأة للغرس والنماء، وكان واثقاً من هذا كله –ثقة اليقين- نحن اليوم في هذا الموقف بكل ملابساته وكل سماته –مع الجاهلية كلها من حولنا- فلا يجوز من ثم أن ينقصنا اليقين في العاقبة المحتومة، العاقبة التي يشير إليها كل من حولنا على الرغم من جميع المظاهر الخادعة التي تحيط بنا"(1). 4- وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: (ضربتُ في ناحية من الخندق، فغلُظتْ عليّ صخرة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قريبٌ مني، فلما رآني أضرب ورأى شدة المكان عليّ نزل فأخذ المعول من يدي، فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برقةٌ، قال: ثم ضرب به ضربة أخرى، فلمعت تحته برقة أخرى، قال: ثم ضرب به الثالثة، فلمعت تحته برقة أخرى، قال: قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما هذا الذي رأيت لمع تحت المعول وأنت تضرب؟ قال: أَوَ قد رأيتَ ذلك يا سلمان؟ قلت: نعم. قال: أما الأولى فإن الله فتح عليّ بها اليمن، وأما الثانية فإن الله فتح عليّ بها الشام والمغرب، وأما الثالثة فإن الله فتح عليّ بها المشرق)(1). وهذه أيضاً غَرسة~ٌ أخرى من غِراس الأمل يزرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمان شدة وحصار، وتكالب خُطوب، وتجمعِ أعداء، وظهورِ نفاق، يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه البشارة العظيمة التي يتراءى الأمل المشرق من جنباتها، بالفتح الذي سيُفتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بفتح اليمن والشام والمغرب والمشرق، على الرغم مما ألمَّ بالناس في تلك الأيام من شدة وبلاء. وفي التعقيب على هذا الخبر يقول الدكتور القرضاوي: "في هذه الساعات الرهيبة التي يذوي فيها عود الأمل ويخبو شعاع الرجاء، ولا يفكر المرء إلا في الخلاص والنجاة؛ في هذه اللحظات، والنبي يُسهم مع أصحابه في حفر الخندق حول المدينة – يصدون بحفره الغزاة، ويعوقون الطامعين العتاة – يحدِّثُ النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن الغد المأمول، والمستقبل المرجو، حين يفتح الله عليهم بلاد كسرى بفارس، وبلاد قيصر بالشام، وبلاد اليمن بالجزيرة؛ حديث الواثق المطمئن الذي أثار أرباب النفاق فقالوا في ضيق وحنق: إن محمداً يَعِدُنا كنوزَ كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن إلى الخلاء وحده"(1). ويقول أيضاً: "ماذا تسمي هذا الشعاع الذي يبزغ في دياجير الأحداث من القلوب الكبيرة فينير الطريق، ويبدد الظلام، إنه الأمل؛ وإن شئت فهو الإيمان بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم"(1). نعم يريد لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعلو على الأحداث وأن لا نلتفت إلى الجراح، وأن لا نستكين عند الشدائد، بل ننظر إلى الغد المشرق المملوء بالأمل الذي يملأ القلوب، وينير النفوس عند إيقانها بوعدِ الله بالفتح على عباده؛ بفتح بلاد فارس والروم واليمن. وفي هذا دعوة لأمة المسلمين في هذه الأيام أن لا تستكين بسبب ما أصابها من خُطوب، وما وقع عليها من مصائب، وما يحاك لها من مكائد، بل تستعين الله عز وجل، وتتعالى على واقعها المرير، وتستشعر الأمل، وتسعى إليه. 5- وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: (كنتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار، فرأيت آثار المشركين، قلت: يا رسول الله لو أنَّ أحدهم رفع قدمه رآنا، قال: ما ظنُّك باثنين اللهُ ثالثهما)(2). وهذه أيضاً غرسة أخرى من غراس الأمل يزرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لتؤتي ثمارها في حياة الأمة، ذلك لأن المرء قد ينسى بدهيات نفسه عند اشتداد الأمور، وحصول الأزمات. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس كذلك؛ فقد آمن بالنجاة من قريش حتى ولو كانت على باب الغار؛ حتى لو أحاطت به إحاطةَ السوار بالمعصم، وآمن بقيام أمر هذا الدين وتمامه؛ حتى ولو كان في مثل تلكم الحال الشديدة التي تُنسي صاحبَ الرأي رأيه وصوابه؛ لكنه الأملُ يزرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس صاحبه ورفيقه أبي بكر الصديق أولاً، وفي نفوس المسلمين من أهل زمانه ثانياً، وفي نفس كل مؤمن ضاقت به نفسه، وتَلبَّدتْ في عينيه غيوم اليأس، ورأى تكالب الأعداء، وكثرة الخطوب، وضعف الحال ثالثاً. 6- وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك يا معاذ –إنْ طالت بك حياة- أن ترى ما ها هنا قد ملئ جِناناً)(1). وهذه أيضاً غرسة أخرى من غراس الأمل التي زرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفوس أصحابه، فالصحراء قاحلة، والحر شديد، والجوع قد ضرب أطنابه في الناس، والمسير طويل، والماء شحيح، وقد أجرى الله لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة ظاهرة في نبع الماء، وقد وعدهم نبيهم صلى الله عليه وسلم بأن هذه المنطقة ستصبح جناتٍ في يوم من الأيام، على الرغم من أن معطيات الواقع تشهد بغير ذلك؛ فماذا يريد النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك؟ إنه يريد تعليم الأمة الأملَ المشرق الذي تُخفيه غيومُ الواقع المتلبدة. ولو قُدِّرَ لمعاذ وإخوانه من الصحابة أن يروا مصداق الحديث في زماننا هذا لكان لمعنى الأمل في نفوسهم أثر جديد فوق ما كان فيها، فالأرض البور في زمانهم تصبح الآن خضراء فيها الزرع الكثير؛ فكلما نبت فيها نبتٌ وأورقَ، نبتَ في نفوسنا نبتٌ وأورقَ، وهكذا. 7- وعن عائشة –زوج النبي صلى الله عليه وسلم- أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشدَّ من يوم أُحد؟ قال: لقد لقيتُ من قومك، وكان أشد ما لقيتُ منهم يوم العقبة إذ عرضتُ نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يُجِبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلَّتني، فنظرتُ، فإذا فيها جبرائيل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قولَ قومك لك وما ردُّوا عليك، وقد بعثَ إليكَ ملكَ الجبال لتأمر بما شئتَ فيهم، قال: فناداني ملك الجبال وسلم ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك؛ فيما شئت، إنْ شئت أن أُطبقَ عليهم الأخشبين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو الله أن يُخرجَ من أصلابهم مَنْ يعبدُ الله وحده لا يشرك به شيئاً)(1). أقول: وهذه –أيضاً- غرسة أخرى من غراس الأمل التي زرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لتؤتي ثمارها في واقع الأمة، فقد خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم نزعةَ واقعهِ، وشدة ألمه، وصدمة الرد السيئ من هؤلاء، والتي جعلته يهيم على وجهه، وأمّل من الله أن يخرج من أصلاب هؤلاء من يوحِّد الله؛ وبالفعل، ما إنْ مضت سنوات قلائل حتى أخرج الله تعالى من أصلاب هؤلاء الصناديد رجالاً صادقين مؤمنين موحدين يحملون تَبِعةَ الرسالة، ويتحملون في سبيلها الشدائد. وهذا درس لكل داعية أن لا يقنط من رد الناس له وتجهمهم في وجهه، بل لابد أن يرافقه الأمل في مسيره هذا وإلا فلن يكتب لدعوته النجاح، ولن تؤتي هذه الدعوة ثمارها. وفي الحديث عن عبرة الأمل يقول الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين: "وانظر إلى أمل النبي صلى الله عليه وسلم الكبير، ونظره البعيد في أشد يوم وجده من قومه، وذلك يوم رجوعه عن الطائف حين دعاهم إلى الله تعالى فردوا دعوته، وأغروا به سفهاءهم، فلما بلغ قرن الثعالب، ناداه جبريل فقال: إن الله قد سمع قول قومك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فناداني ملك الجبال، فسلم عليّ ثم قال: يا محمد ذلك فيما شئت، إن شئت أن أُطبقَ عليهم الأخشبين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً"(1). وبعد، فهذه نماذج من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بث الأمل في النفوس، وزرعه في القلوب. وقد ذكرناها لتكون لنا نبراساً في حياتنا ومصباحاً يضيء لنا طريقنا، بما يعين على مزيد اقتداء به صلى الله عليه وسلم في هذا الباب المهجور، غفلةً منا عن هدي نبينا صلى الله عليه وسلم، وجهلاً منا بأحكام ديننا، وضعفاً منا عند مواجهة النكبات والخطوب، علَّ في هذا ما يدفعنا إلى مزيد أمل مشرق بوعد الله عز وجل، بالتمكين لهذه الأمة، والجبر لكسرها، ولمّ شعثها، وإقالتها من عثرتها؛ إنه على ما يشاء قدير. الفصل الثالث: مجالات الأمل وأثره وعوامله (1) مجالات الأمل: تعددت المجالات التي يدخل فيها الأمل، ويطلب تحققه فيها، حتى شملت حياة الإنسان بكل مناحيها. ولابد لمن يحدِّثُ الناسَ عن الأمل من وصف مجالاته التي يدخل فيها، وذلك حتى يُوسِّع نظرةَ الناس إليه، ويحدّث الحديث الواقعي عنه، ليكون هذا مفتاحاً لهم إلى قلوبهم ورسولاً إلى نفوسهم. ولذا، فعند النظر نجد أن المجالات التي يدخلها الأمل كثيرة متعددة نذكر من أهمها ما يأتي: 1- الدعوة إلى الله: لابدّ للداعية إلى الله عز وجل من نفحة أمل تملأ قلبه، وتنير له طريقه. ولولا بصيص الأمل هذا ما كان له أن يمضي في دعوته هذه، بل ربما نكس رأسه، وداخله من اليأس شيء كثير، ولكن مقام الدعوة لا يَجمُلُ فيه سوى الأمل، ولا يصحُّ فيه اليأس والقنوط، فلا بد أولاً من أمل في نفس الداعية، ولا بد للداعية نفسه من بث الأمل في النفوس لتعود فتيّة تكبر على آلامها وذنوبها وتقصيرها لتعود إلى الله تعالى، وحول وصف الداعية بالأمل، وتوظيفه له في دعوته. يحدثنا الدكتور محمد أبو فارس فيقول: "وكما أن الداعية لا ييأس، والأمل لا يفارقه لحظة واحدة في النصر، فإنه يجب أن يبث الأمل في نفوس الناس، ويدعم ذلك بالشواهد العملية والحجج المقنعة، وعليه أن يحارب اليأس والقنوط في النفوس، وينزعهما من القلوب، فالنصر قريب من المؤمنين وآتٍ لا محالة"(1). وعن ضرورة الأمل في الدعوة، واقترانه بالصبر، يحدثنا الدكتور محمد الصباغ فيقول: "والصبر إذا اقترن بالأمل عصمةٌ للداعية عن الانقطاع، ويقوده إلى أن يقوى على تحقيق كثير مما يريد"(1). ويقول الشيخ ابن عثيمين: "فإن الأمل دافع قوي للمضي في الدعوة، والسعي في إنجاحها، كما أن اليأس سبب للفشل والتأخر في الدعوة، ولهذا نجد الله سبحانه يفتح لنبيه صلى الله عليه وسلم أبواباً كثيرة من الأمل"(2). أقول: ولا أُبعد بك كثيراً؛ فما الدعوة إلا إيقادٌ لشعلة الأمل في نفس عاصٍ مذنب ليتوب من ذنبه، فيصلح حاله، ويعود إلى ربه؛ وفي نفس مقصر يائسٍ ليتوب من تقصيره، ويعود ليقوم بما قصر فيه، ويحمل الدعوة مع إخوانه؛ وفي نفس كسير القلب، مهيض الجناح، ضعيف الهمة –من واقعه الذي هو فيه- ليعود فتيَّ النفس، قوي القلب، مشحوذ العزيمة، مندفع الهمة، مقدماً على نشر الخير والأمل في حياة الناس الخاصة والعامة في شتى جوانبها، مرتفعاً عن القصور الذي نتج من تعلق نظره بواقعه القائم الذي لا يسر صديقاً، ولا يُوغِرُ صدرَ عدو. أليست الدعوة في لحمتها وسداها إلا بثاً للأمل من جديد في نفوس المدعوين؟. 2- التوبة من الذنوب: ذلك لأن المذنب إذا نظر إلى كثرة ذنوبه يَئسَ وقنط، وظنّ أنّ الله لن يتوب عليه، فإذا أمّل في رحمة الله، وطلب عفوه. خرج من طوق الذنوب، وأُسار اليأس الذي هو فيه، فانطلق قلبه متوجهاً إلى ربه، ولسانه تائباً من ذنبه. وإذا نظرت إلى التوبة وجدتها بصيصَ الأمل والرجاء في عفو الله وتجاوزه عن ذنوب عبده العاصي؛ فهي استنقاذ له من بحر الشهوات والمعاصي إلى بر الأمان باستحقاق تجاوز الله عن ذنب العبد، وإذا نظرت إلى إصرار العاصي على معاصيه وجدته عائداً إلى حالة اليأس من رحمة الله التي هو فيها، فقد ظنّ أن الله لن يغفر له؛ ومن الذي أخبره بذلك؟ ألم يعلم أن التوبة مفتوح بابها في حياة المرء ما لم يُغرغر، وفي حياة الناس ما لم تطلع الشمس من مغربها؟ ألم يعلم بأن الله تعالى يفرح بتوبة عبده، وأنه تعالى يبسطُ يدهُ بالليلِ ليتوبَ مسيء النهار، وبالنهار ليتوب مسيء الليل؟ وأنه أرحم بعباده من الأم بطفلها؟ وأنه قد تاب على من هو أعتى وأكثر ذنوباً من صاحبنا ذاك؟ فَلِمَ القنوط واليأس؛ ما دام أمر التوبة بهذه الدرجة من السهولة واليسر؟. 3- الإبداع والتعلم: لابد أن يُغرسَ الأملُ في نفس التلميذ والدارس والمبدع، لأنه هو المحرك له نحو العطاء، والدافع له نحو العمل. وإذا تخلف في نفسه لم يجد همة تدفعه إلى الدرس والبحث، وفقد جدّه ونشاطه، وأظلمت الدنيا في عينيه، وظنّ أنه لن يفلح في دراسته، ولن يحصل فيها شيئاً، وعندها؛ فلن تكون عنده القابلية للدرس والتحصيل، فتنطوي نفسه حزينة، ويتأخر عن أقرانه، وقد يفوته القطار في التحصيل؛ وكل هذا بسبب اليأس والقنوط. وفي هذا المعنى يحدثنا الدكتور يوسف القرضاوي فيقول: "مصداق هذا الكلام في الحياة جليّ واضح؛ فإذا يئس التلميذ من النجاح نَفرَ من الكتاب والقلم، وضاق بالمدرسة والبيت، ولم يعد ينفعه درس خاص يتلقاه، أو نُصح يُسدى إليه، أو تهيئة المكان والجو المناسب لاستذكاره، أو أو... إلى أن يعود الأمل إليه".(1) ولذا؛ فإن وظيفة المربين تحتم عليهم بث الأمل في نفوس طلبة العلم على مستوياتهم كافة، فكما أن التلميذ الصغير يخفق إذا أصابه اليأس، فإنك تجد العالم المبدع يُخفق كذلك إذا لم يجد التشجيع والأمل، وداخلَ اليأسُ قلبه، فكم من مبدع قد أحبطه أهله وأقرب الناس إليه؟ وكم من عالم قد أزْرى به ذووه، فانطفأت شعلةُ جده واجتهاده، وظنّ أنه لن يصنع شيئاً. وهل أُتينا في البحث والاختراع إلا من هذا الباب؟ فألقي في نفوسنا أن الغرب هو المبدع والمخترع والصانع، وأننا قوم بُلْهٌ لا نعرف شيئاً، مع العلم بأن مخترعاتهم ومصانعهم تعمل بأيدي أبناء المسلمين الذين أحبطتهم بلادهم، وأزرت بعلومهم، بتدبير المستعمر لها. ولو قدر أن تعود الكفاءات العلمية المختلفة من أبناء هذه الأمة إلى أوطانها، وتجد المكان المناسب الذي تعمل فيه، لكان لها شأن –وأي شأن- في رفعة هذه الأمة وتقدمها، ولكن وللأسف؛ فإننا نجد أن جهد غيرنا يُحفظ ويصان، وجهدنا يهدر ويهمل. فالعالم في الغرب تعمل أمته كلها على بعث الأمل في نفسه، فتعرف له قدره، وتيسر له الإمكانيات العلمية المؤسسية ليبدع، ثم تعمل على تكريمه وتخليد ذكره؛ أما عالمنا، فتعمل أمته على إطفاء شعلة الأمل في نفسه، والإزراء بقدره، وعدم التشجيع له، بل وتنفيره ليهرب، فيكون بين نارين: نار العيش –على شَظَفِ العيش وقسوة الحياة- ونار اعتزال مجتمعه والهجرة منه؛ وما حالُ هجرة الأدمغة عن واقعنا ببعيد، أو أن يعتزل علمه ومهنته ليجد له مهنة أخرى يتكسب منها ويأكل قوته، وهكذا.. ومن هنا فما أحوج العالم المبدع إلى الأمل ليبدع، وما أشد عقوق الأمة بعلمائها وأصحاب الرأي فيها، والله المستعان. 4- المرض: يتنازع المريض أمران: أولهما: عدم جدوى العلاج، وبالتالي الموت، وعندها تتعطل همته، وتُداخِلُ الوساوسُ قلبه، وتكثر عنده الظنون. وثانيهما: جدوى العلاج، والوعد بالشفاء، فتشرقُ في نفسه مسحة أمل باستمرار حياته، وتكون عنده الاستجابة السريعة للعلاج، فيشفى بعون الله عز وجل. والمأمول من الطبيب الحاذق تقوية الجانب الثاني في نفس المريض مهما كان مرضه، وتجنب التهويل الغربي الكافر للأمراض، والذي يدعي استحالة الشفاء من مرض ما، وعدم وجود العلاج المناسب له؛ وفي هذا قتلٌ لنفس المريض؛ وإهلاك له، وكذا لأهله وذويه؛ ذلك لأن المسلم يؤمن بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ما أنزل داء إلا وأنزل له دواء)(1). فَلِمَ التهويلُ المفتعل الذي تضعف به القلوب، وتهاب منه النفوس، ويفتُّ به في أعضاد الناس؛ بقياس حالنا على حالهم، وهم لا يرجون رباً شافياً؛ ونحن نرجو رّبَّاً شافياً، قريباً منا علَّمنا اللجوء إليه دائما، وعلمنا اتخاذ الأسباب من غير عبادة لها، ولا جعلها شريكاً لله عز وجل في حياة الناس، ولذا؛ فكم جنى حمقى الأطباء على مرضى، فقتلوا نفوسهم، وأضعفوا قلوبهم، وعطلوا إرادتهم، بهذا التهويل! خاصة أن المريض كالغريق يتعلق بكل ما قيل له، وإن لم يكن صائباً. 5- الإصلاح والتغيير الاجتماعي: لابد للمصلح من بذرة أمل تنبت في نفسه، لتشرق بيضاء نقية تعمل على دفعه إلى تحقيق ما يريد إصلاحه؛ فالمصلح امرؤ يعاكس التيار، ويسبح في الجهة المقابلة للريح، ولابد له من الأمل حتى يتصور. أولاً: إمكانية الإصلاح والتغيير. ثانياً: استمرارية الإصلاح. ثالثاً: اقتناع الناس بالإصلاح وجدواه. فإذا تحقق فيه ذلك –مع خطوات علمية مدروسة، ورفقةٍ صالحة تُعينه- تحقق الإصلاح، وإلا كان العكس. وأول ما يؤتى المصلح من قِبَلِ نفسه إذا لم يخرج اليأس منها، ومن رفاقه إذا لم يغادر الخَوَرُ قلوبهم، والفتور هممهم؛ فكم من مصلح أخفق في عمله لما فقد الأمل، وكم من تغيير وُئِدَ قبل أن يرى النور ليأس أصحابه، وعدم أملهم في حصول الإصلاح، وعدم اتخاذ الخطوات العملية المناسبة. وإنه مما ينبغي أن لا يفوت القارئ أن كل مجتمع مهما بلغ من التردي والانحطاط؛ فإنّ فيه قابلية للإصلاح، ومهما بلغ من الضعف؛ فإن فيه قابلية للقوة. وهذه صفحات تاريخ أمتنا تحدث بذلك؛ فقد ظهرت أمتنا على أعدائها في أيام، ثم ضَعُفَ جانبها، ونَبَا صارمها، وكبا فارسها، ونزلت مكانتها، فظهر العدو عليهم في أيام الصليبيين؛ حتى كان من فعلهم فيها ما حدث به أهل التاريخ، ثم إنها قامت بعد نوم، وقويت بعد ضعف؛ فاستبسل فرسانها، فطردت الصليبيين في مدة لم تتجاوز قرناً من الزمان. ثم أصابتها الغفلة بما كسبت يدها، فَكَبتْ ثانية، ونبا صارمها، وكبا فارسها، وطاش حلمها، وكانت غزوة التتار لها، والتي فعلت فيها الشيء الكثير، فقتل أبناؤها، واحتلت أرضها وساد بلاد المسلمين الضعفُ والخور، حتى قال قائل الناس بدمشق: لُوذُوا بالقبرِ يحميكم من التتر. وحتى وصف الحالَ المؤرخُ ابن الأثير فقال: لقد بقيتُ عدة سنين مُعرِضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها، وكارهاً لذكرها، فأنا أُقدِّمُ إليه رِجلاً، وأؤخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني متُّ قبل حدوثها، وكنتُ نسياً مَنسياً. إلا أنه حثني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها، وأنا متوقف، ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعاً؛ فنقول: هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى، والمصيبة الكبرى التي عقمت الأيام والليالي عن مثلها، وعمّت الخلائق، وخصت المسلمين، فلو قال قائل: إن العالم مذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم وإلى الآن لم يُبْتلوا بمثلها لكان صادقاً، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها، ولا ما يدانيها. ومن أعظم ما يذكرون من الحوادث ما فعله بخت نصر ببني إسرائيل من القتل، وتخريب البيت المقدس، وما البيت المقدس بالنسبة إلى ما خَرَّبَ هؤلاء الملاعين من البلاد التي كل مدينة منها أضعاف البيت المقدس؟ وما بنو إسرائيل بالنسبة إلى مّنْ قُتلوا؟ فإن أهل مدينة واحدة ممن قتلوا أكثر من بني إسرائيل، ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم، وتفنى الدنيا. إنهم لم يُبقوا على أحد، بل قتلوا الرجال والنساء والأطفال، وشقوا بطون الحوامل، وقتلوا الأجنة، فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم(1). هذا وصف ابن الأثير للحال، ثم لم تلبث هذه الأمة أن استبسل فارسها، واستقام مَنْسمها، وعلا نجمها، وظهرت على التتار، وهزمتهم بعون الله تعالى في وقعة شَقْحب بقيادة الإمام ابن تيمية بالشام، ووقعة عين جالوت بقيادة قطز، ثم لم تقبل أن تثوب حتى فتحت القسطنطينية، ثم إنها نسيت دينها، وضعف أمرها، وكبا فارسها، ونبا صارمها، وأصبحت نهباً لكل ناهب في هذا الزمان المتأخر؛ فأُكلت مقدراتها، واغتُصبت أرضها، وسُفكت دماؤها، وانتهكت أعراضها، حتى بلغ ما فُعلَ بها أضعاف ما فعله التتار بأهل بغداد، وما حصل لمسلمي أوروبا وروسيا وفلسطين والأندلس غير بعيد، وما يفعله النظام الأسدي في سورية منذ أكثر من سنتين وبمساعدة الروافض القادمين من إيران والعراق ولبنان وروسيا وسواها، يعجز الواصف عن وصفه، ولن يكون هذا سرمداً إلى يوم القيامة في هذه الأمة، بل سيعلو –بإذن الله- شأنها، ويستقيم منسمها، ويكون لها الظهور على أعدائها في سنوات قادمات –بعون الله تعالى- حتى تُحقِّقَ وعدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح الدنيا على المسلمين، هكذا نفهم من ديننا، ونوقن عن نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا يخالجنا أدنى شك في شيء من ذلك. وهكذا يجب أن نعلم أمتنا، وننفثَ في روعها، ليكون ذلك نافذةً لها على الأمل، تُطلُّ منها عليه، لتعالج بها قلوبها وأرواحها وعزائمها، بدل أن يوظف عامل اليأس المقيت الذي يضعف القلوب والهمم، ويفت في الأعضاد، ويلقي في النفوس الخور والضعف، فكأن القوة لغيرنا، والضعف مكتوب علينا من أجل أن تركع الأمة بكاملها، كلما أراد لها أعداؤها الركوع، ومن أجل أن تخنع كلما أرادوا لها ذلك. هذا ما نفهمه من ديننا؛ أنَّ أمتنا فيها خيرٌ، وهو كثير بحمد الله، وهي مقبلة على خير، على الرغم مما ألمّ بها من المصائب والخطوب. ومستقبلها مشرق –بعون الله تعالى-، وهذا دينٌ نَدينُ الله به، ولو تخلف هذا في قلوبنا لحظة واحدة لداخلها الكفرُ بالله، وعدم اليقين بقدرته –ومعاذ الله من ذلك- وهذا واجب الهداة الدعاة من علماء المسلمين، وأهل الخبرة والتجربة من أهل التربية فيهم؛ إذ عليهم أن يضربوا على هذا الوتر في قلوب الناس لتصحو، وهو واجب أهل السياسة والإعلام أن لا يعظموا الخطوب في قلوب الأمة، وأن لا يهولوا المصائب في واقعها، بل يخففوا من آلامها، ويعطوها الصورة التي لا تضعف قلباً، ولا تفتُّ في عزيمة، ولا تشمت عدواً، ولا تلقي خوراً. فنحن نَقتل، ويُقتل منا، وسنقتل بعون الله، ونغلبُ، ونُغلب، وهكذا، ونعمل على مقابلة هذا بمعرفة طبيعة العداء؛ فالأيام دول: فيوم لك، ويوم عليك؛ والزمان الذي يرعى فيه الذئب مع الحمل لم يأت بعد. 6- الخطابة: أمر الخطابة مهم جداً في حياة الناس؛ فالخطيب الناجح يحرك الأمة ويوجهها إلى كل ما فيه صلاحها في الدنيا والآخرة. ولابد –في الخطابة- من وجود الأمل في نفس الخطيب أولاً، وفيما يصدر عنه من كلام يؤثر في الناس ثانياً. لابد له من اجتناب إحباط الناس وتخذيلهم، بل لابد له من بث الأمل في نفوسهم؛ فالناس –على الرغم مما هم فيه- فيهم خيرٌ، ولا يجوز بحال من الأحوال أن يُحدِّثَ الناس بنفسٍ يائسة، ولا أن يشعل شعلة اليأس في قلوبهم. وفي هذا يقول الدكتور محمد أبو فارس: "إن على الخطيب أن يبث الأمل في النفوس، وليس هذا على سبيل المجاملة، وإنما على سبيل الحق؛ فإن الإسلام سيُنصر بإذن الله، بهذا جاءت النصوص الصحيحة في السنة النبوية المطهرة، والأمل أن نكون نحن من جند الإسلام العاملين، وحزبه الغالبين. ولا يعني هذا أن نحسن القبيح من أعمالهم، بل نترفق بهم في النصيحة، وندعو الله تبارك وتعالى لنا ولهم أن يشرح صدورنا لقبول الحق، ونضرع إليه سبحانه أن يطهر نفوسنا من كل درن، وأن يثبتنا على الطريق، وأن يكتب لنا النصر والتمكين"(1). قلت: وهذه قضية مهمة غفل عنها كثير من الخطباء، فركزوا على مساوئ الناس دون محاسنهم، وبثوا في نفوسهم اليأس، وعنوا ببث السلبيات من الأمور، فأثمر جهدهم هذا يأساً في الأمة، وفتاً في عضدها، ووهناً في عزيمتها وما على هذا أُخذَ عليهم العهد عند ربهم، ولا لهذا جلس الناس لسماع كلامهم، فليتقوا الله في هذا، وليحسنوا في جذب الناس لربهم، وإظهار محاسن دينهم، وليكونوا دعاةَ أملٍ وبناء في حياة الأمة، ولا يكونوا أداة تثبيط وهدم فيها(2). وبعد: فهذه أهم المجالات التي يدخل الأملُ فيها، ويكون له فيها الأثر الكبير في تحريك النفوس نحو معالي الأمور، وميادين الخير، وتخفيف ما يقع في قلوب الناس من إحباط، وما وقع في هِمَمهم من خورٍ وضعف، وما وقع في نفوسهم من هوان؛ بعد أن رأوا ملمات ألمت بهم، ومصائب وقعت عليهم، بما لعله يوجه نحو أملٍ مشرق بَنَّاءٍ بعون الله تعالى. (2) آثار ترك الأمل: لتركِ الأمل آثارٌ قاتلة للفرد والمجتمع، تفتك بالناس وهم لا يدرون، وتهدم بنيان مجتمعهم، وتهدُّ عزائمهم، ويمكن وصف هذه الآثار كما يأتي: 1- التسخط لقضاء الله وقدره: ذلك لأن تاركَ الأمل مُحبطٌ كثير التبرم بأقدار الله والتسخط لها، لسانُ حاله ومقاله التأففُ من القضاء، والاعتراض على الأقدار. وهذا الصنيع منه هادم للإيمان، مخرجٌ عن الملة، كيف لا؟ وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أركان الإيمان: الإيمان بالقدر خيره وشره؛ كما في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه(1). ولو أنصف هذا من نفسه لعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وما أصابه عائد إلى جريرة نفسه هو. 2- الإحباط: إذا نظرت إلى فاقد الأمل وجدته مُحبطَ النفس، سوداوي النظرة، لا يأمل بخير، بل لسان حاله لاهج بالشر مترقب له، وهذه حالة خطيرة، إذا وقعت في حياة فرد أهلكته، وعطلت قواه، فكيف إذا وقعت في حياة أمة بكاملها؟ هناك تكون المصيبة العظمى، والكارثة التي ما بعدها كارثة؛ حين يسود الإحباط أمة من الأمم؛ فلا ترى لها عزيمة، ولا تسمع لها رِكْزاً، وترى أشباحاً لا تسر صديقاً، ولا تغيظ عدواً. وإذاً: فكم يعاني المصلح في معالجة هذا المرض العضال الذي استشرى في الناس، فأبدلهم إحجاماً بدل إقدام، وضعفاً بدل قوة، وعزيمة خائرة ضعيفة بدل الهمة العالية. وما واقع أمتنا الحاضر، وما يراد لها عبر الإحباط ببعيد. 3- ضعف القلوب: ذلك لأن فاقد الأمل ضعيفُ القلب، قد ملأ الخوفُ قلبه فعطّل فيه مداخلَ الخير؛ فهو كالشاة التي تنتظر الجزار ليقوم بذبحها، يخاف من النسيم، ويرجف من الإشاعات، قد قطع أمله بالله ونصره، وقد جعل أفعالَ العباد ومخططاتهم قَدَراً كقدرِ الله لا يغيّر. ولسان حاله يقول: ليس في الإمكان أبدع مما كان. وإذا نظرتَ –عبدَ الله- إلى واقع أمتنا الحاضر تجلّى لك ذلك الوصف بوضوح، وخاصة فيما يتعلق بمسألة السلم والحرب، فقد ضعفت القلوب عن مجرد التفكير بالقتال، لَمَّا أُلقي فيها أن عدو الأمة لا يُقهر، وأن عنده ما ليس عندها، وأن معه ما ليس معها، وهذا والله جناية عظيمة على هذه الأمة ما بعدها جناية. وليس ذلك إلا بسبب ضعف إيمان الأمة، وقلة يقينها بوعد ربها. يقول العلامة أبو الأعلى المودودي رحمه الله: "ومع ذلك، فإن الإيمان بالله يربي الإنسان على كيفية نفسية قائمة على الثقة والرجائية لا تخذله بحال، ولا تدعه ليتغلب عليه اليأس والقنوط؛ إذ الإيمان كنز من الآمال الصادقة لا ينفد، ولا يزال يزود الإنسان برصيد غير منقطع من قوة القلب، وطمأنينة الروح"(1). 4- ضعف العزيمة: ذلك لأن فاقد الأمل ضعيف العزيمة، قد بلغ منه اليأس والخور مبلغه، وأصبح لا قابلية عنده لأي عمل؛ فهو مُنْطوٍ على نفسه، قد ضعفت عزيمته، فلا ترجو منه تغييراً لحال، ولا التفاتاً إلى مواقف رجال. وقد ألقي في نفسه أنه لا يمكنه فعل شيء؛ وإن كان عنده الشيء الكثير، وهذا حال يراد أن يفرض على أمتنا في الوقت الحاضر بدعوى تفوق غيرها عليها. والمشكلة أنها قد صدقت هذه الدعوى العريضة –أو كادت- وما درت أنّ عندها من الإمكانات ما يضاهي ما عند الدول الكبرى؛ ولكنها العزيمة الضعيفة التي بلغ من ضعفها أن أحجم الناس عن الالتفات إلى المجد وتحصيله، واكتفوا بالسكوت والسكون. 5- الإحجام عن معالي الأمور: فأنت ترى اليائس مُحْجِماً غير مُقدم، فما دعوته إلى أمرٍ إلا توانى عنه، ولا ندبته إلى فضل إلا تراخى عنه؛ فالطالب اليائس محجم عن درسه، والعاصي اليائس محجم عن توبته، والأمة اليائسة محجمة عن الإقدام نحو المجد والخطو نحو العلى، فهم يرون أنه لا تغيير لواقعهم، ولا تحريك لما سكن في الدنيا، ولا جدوى من أي فعل. وهل هذا إلا موت محقق؟ يرى الناس الرجل، فيظنون أنه من الأحياء، وما هو منهم؛ فهو ميت في ثوب حي، قد بلغ به القنوط مبلغه، فجرده حتى من مجرد التفكير بالعمل، فأضحى عاجزاً حتى عن مجرد تصور فعل من الأفعال. وهنا تكون المصيبة العظمى، والطامة الكبرى إذا أشربت الأمة هذا الإحجام في قلوبها، فلم تعمل على تغيير شيء في حياتها، ثم تلقي بضعفها وعجزها على أقدار رب العالمين، فيوسوس لها الشيطان أنها لن تستطيع تحريكاً لساكن، ولا همةً نحو مجد، ولا نهوضاً نحو علياء، ولا يريد منها هو وأعداؤها أكثر من ذلك؛ والله المستعان. 6- تفويت الفرص: ذلك لأن من فقد الأمل ضعفت نفسه، وكلّت عزيمته، وتأخر عن أقرانه، وفاته خلانه، وتأخر عن بلوغ الآمال، وتحصيل معالي الأمور. ولذا، فكم من فرصة سانحة قد فَوَّت؟ وكم من مقامِ خير قد نكل عنه؟ وكم من موقف شجاع قد أحجم عنه؟ فلسان حاله اليأس، وعنوانه القصور، ولا ينطق إلا بعدم جدوى أيِّ فِعل؛ فهو جامد ساكن لا يتحرك، والساكن لا يحافظ على خواصه الأصلية، بل يفقدها؛ والماء الساكن مدعاة للفساد؛ والهمة الساكنة مدعاة للنضوب. ولذا، فكم جنى اليائس على نفسه أولاً؛ وعلى أمته ثانياً؛ بالفتِ في عضدها، والإضعاف لقوتها، والإيغار لصدور أعدائها عليها، والتأخير لكل عمل خير فيها، وهكذا. وبعد: فهذه فيما نظنّ آثار ترك الأمل. وهي –بلا شك- مصائب متعاقبة، تنزل على الأمة، فتشلُّ حركتها، وتضعف قوتها، وتفرق ما جمعته، وتفوت الفرص الكثيرة التي لا غنى للأمة عن اقتناصها، والله المستعان. (3) العوامل المساعدة على الأمل: الأمل طاقة محركة للعمل، وقوة دافعة إلى العلى، ومصدر نشاط للنفس. ولابد لهذه الطاقة من مُولِّدٍ يولِّدها، ويسعى في تحصيلها. وعند النظر والتأمل في نصوص الشرع –كتاباً وسنة- وفي واقع حياة الناس بأجمعهم –مسلمهم وكافرهم، عربهم وعجمهم- فإننا نجد أموراً تساعد على الأمل، وترفع من همة اليائس، وتدفع عنه القنوط، وتأخذ بيده إلى ما فيه دفعٌ له إلى الإقدام بدل الإحجام، وقوة العزيمة بدل ضعفها، والتفاؤل بدل الإحباط، فتحيل المرء إلى طاقة متحركة، وهذه العوامل أذكرها هنا كما يأتي: 1- الإيمان: الإيمان عامل مهم لبعث الأمل في النفوس، وتقويته في القلوب؛ ذلك لأن من قَوِيَ إيمانُه بربه سبحانه وتعالى قلّ في نفسه الالتفات إلى فعل البشر، واتجه بكليته إلى اللجوء إلى الله تعالى، وتخلص من سيطرة اليأس على نفسه. يقول العلامة المودودي رحمه الله: "ومع ذلك، فإن الإيمان بالله يربي الإنسان على كيفية نفسية قائمة على الثقة والرجائية لا تخذله بحال، ولا تدعه ليتغلب عليه اليأس والقنوط؛ إذ الإيمان كنز من الآمال الصادقة لا ينفد، ولا يزال يزود الإنسان برصيد غير منقطع من قوة القلب، وطمأنينة الروح، ويلقي في روعه أنه لو طرد من كل باب من أبواب الدنيا، وتقطعت به الأسباب الظاهرة، وفارقته الوسائل المادية كلها، فإن الله غير خاذله أبداً، فعليه أن يظل في كل حين من أحيانه واثقاً بعفو الله، راجياً في نصرته وتأييده"(1). ويقول الدكتور عبد الكريم زيدان حفظه الله: "ومن ثمرات الإيمان العميق: الرجاء وعدم القنوط من رحمة الله؛ ذلك أن الله تعالى وعد عباده المؤمنين بما وعدهم به في كتابه المجيد، ومنعهم من القنوط؛ ومن شأن صاحب الإيمان العميق أن يؤمن بهذا الوعد الصادق من الرب القادر الرحيم"(1). قلت: وإن من وعد الله تعالى لعباده المؤمنين الصادقين النصر لهم على أعدائهم، والتمكين لدينه في الأرض، والإعلاء لكلمته في الحياة. والتصديقُ بهذا الوعد إيمان، ولا يحل لأحد من المؤمنين أن يخلو قلبه لحظة من ذلك، وينبغي أن نذكر هنا بأن قلة الأمل من قلة الإيمان، وزيادة الأمل من زيادة الإيمان. 2- الاعتبار بأحوال الناس: ذلك لأن من نظر في حياة الناس حوله، اعتبر بما فيها من عبر وعظات، وعَظُمَ في نفسه الرجاءُ والأمل، وضَعُفَ في نفسه اليأسُ والقنوط. وتنظر في حياة الناس فترى قوماً ضعافاً لم يمنعهم ضعفهم من تسنّم ذروة المجد، وترى إنساناً فقير الحال ولم يمنعه ذلك من بلوغ العلياء. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: أكان هؤلاء أقوى حالاً من أمتنا؟ أكان هذا الفقير أكثر حظوة من كل فرد في مجتمعاتنا؟ ما الذي حفز هؤلاء للعمل وتحقيق المراد؟. الذي حفزهم لهذا، وحركهم –العبرة التي أخذوها من مطالعة أحوال البشر وتقلباتهم، ولذا فإن من أغمض عينيه عن النظر إلى أحوال البشر، وملاحظة سنن الله في حياتهم، ولم يراوح مكانه، وجمد في موقفه- دلَّ الناسَ على عجزهِ؛ وأيُّ عجزٍ أكبر من أن لا تُحركك حركةُ الناس الجارفة التي تتراءى لعينيك صباح مساء؟ وأي عجز أكبر من عجز الإنسان عن مسايرة تيار الحياة الهادر الذي يدفع الكسولَ للحوقِ بالمجد، والمُحْجم إلى الإقدام، والصغير إلى متابعة الكبير؟ والله المستعان. 3- معرفة مصائر الظالمين: ذلك لأن الظالم حين يظلم غيره يظن هو ومن كان في حضرته أنه لا متصرف في حياة الناس إلا هو، وأن من وقع عليه الظلم قد انتهى، وذهب حقه. وما أن تمضي الأيام حتى يُطوى ذلك الظالم كما طُويت صفحة المظلوم، فقد ذهبا إلى الاحتكام إلى ملك عادل يرد الحقوق إلى أهلها، وينصف كل مظلوم ممن ظلمه. إن النظر في هذا وحده ليملأ قلب المرء بالتفاؤل والأمل، ذلك لأن حقاً في الحياة لن يضيع، وظلامة في الناس لن تذهب، وفي هذا المقام يقول الدكتور محمد أبو فارس: "ومما يبعث على الأمل في النفوس الحديث بصدق عن مصير الأعداء الأسود، إذ نقمة الله وغضبه سيلاحقهم في كل مكان؛ ومَنْ كان الله عدوه فلا ناصرَ له؛ ومن كان الله خاذله فلا معينَ له؛ ومن كان الله ناصره فلا خاذل له، هذا هو المنهج القرآني في محاربة اليأس في النفوس، الحديث عن مصائر الأعداء، ونصر الأولياء في النهاية عليهم"(1). 4- إفلاس المناهج الأرضية: إن الناظر في الحياة يجد أن البشر يلتفون حول مناهج وفكر ومبادئ أرضية، وهذه كلها ما أنزل الله بها من سلطان. وكانت هذه المناهج والمبادئ والفكر ديناً للناس وشرعة ومنهاجاً في حياتهم، ثم ما لبثت أن ذهبت، ولحقها الخواء، ولَفَّها الفناء، بالرغم من أنها قد استعلت في حياة الناس، وتجبر بها أهلها، وعملوا على فرضها على غيرهم من الناس. ذهاب هذه المبادئ إلى غير رجعة مقدمة لنتيجة طبيعية هي عودة الناس إلى أمر قد خَطَّهُ الله سبحانه لهم، ونَدَبهم إليه، وجعله الدواء الناجع لجميع أدواء البشرية حتى قيام الساعة. وهذا الأمر هو دين الله وشرعه الذي تكفل –سبحانه- بحفظه وتيسير تطبيقه في حياة الناس، والتمكين له في الأرض. والسؤال الذي يطرح هنا: أيتبع الناس العَرَضَ الزائل، والفكر الزائف، أم يتبعون الدين الذي له الخلود في الأرض؟ إن النظر والتأمل يدفعاننا إلى مزيد أمل، فطالما أن المناهج الأرضية في حياة الناس قد أفلست، فإن المكان قد خلا لحضارتنا وديننا ونهجنا دون سواه، وما هذا الإفلاس إلا من إرهاصات العود الحميد إلى هذا الدين العظيم، وما هو إلا انقشاعُ الزيف أمام الحقيقة الناصعة، وتطاير الهباء أمام النور الساطع، وإن كان الأمر كذلك،كان النظر في هذا دافعاً إلى الأمل، ومحركاً له، ومغذياً لجذوته في النفوس. وفي هذا المعنى يقول الدكتور محمد أبو فارس: "ومن هذا المنطلق ينبغي أن يركز الدعاة على إفلاس الحضارة الغربية فكرياً، فلم تعد قادرة على إسعاد الإنسان وإنقاذه من الأمراض النفسية والعصبية والعقلية والجنسية وغيرها من الأمراض التي فتكت به، وجعلت معيشته ضنكاً، وإن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يسعد الإنسان، وينقذه من الشقاء"(1). نعم إن إفلاس الآخرين من حولنا ليملأ قلوبنا أملاً بقرب تحقق وعد الله عز وجل في عودة الناس إلى دينهم، وتحقق النصر والتمكين لهذه الأمة على أعدائها، على الرغم مما يلقيه الواقع اليائس المحبط في نفوس الناس من اليأس والقنوط. 4- ظاهرة العودة إلى الإسلام: إن الناظر في حياة الناس في بلاد المسلمين بخاصة ليجد عودة حميدة إلى الإسلام، والتزاماً جاداً صادقاً بتعاليمه عند قطاع كبير من المجتمع؛ من الصغار والكبار، والرجال والنساء، وعلى كل المستويات. ولهذا الأمر دلالة واضحة على أن الخير في هذه الأمة لن ينقطع، وأن الناس مقبلون على ربهم، عائدون إليه، وهذا الأمر يملأ النفس أملاً وتفاؤلاً بقرب وعد الله لهذه الأمة، ويعمل على إخراج نبتة اليأس من القلوب، والإحباط من النفوس. وفي هذا المقام يقول الدكتور محمد أبو فارس: "ومما يبث الأمل في النفوس إقبال الشباب على الإسلام، وترددهم على بيوت الله، يؤدون فيها الصلوات الخمس جماعة، ويحرصون على ذلك، وانتشار الصحوة الإسلامية في شتى بقاع الأرض، وعلى جميع المستويات الثقافية والعلمية، وانتشار المصليات في المدارس والجامعات وكليات المجتمع والمعاهد، وانتشار المظاهر الإسلامية والعادات الإسلامية، وانحسار العادات السيئة في المجتمعات المعاصرة في بلاد المسلمين، كل هذا يمكن للداعية أن يستخدمه في محاربة اليأس، وبعث الأمل وبثه في النفوس"(1). 5- اليقين بالمبشرات النصية في الكتاب والسنة: هناك عامل مهم في تحصيل الأمل، وتقويته في النفوس، وهو اليقين والتصديق المطلق لما ورد في كتاب الله، والسنة النبوية الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مبشرات بنصر هذا الدين، وعلو مكانته، والتمكين له في الأرض. ولذا يجب علينا أن نعتقد بهذه النصوص اعتقاداً جازماً لا يقبل الشك أبداً، ولا تساوره الوساوس مطلقاً، ويجب تلقين هذا الأمر للناس كلهم؛ صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً، ليصبح ذلك عقيدة راسخة في قلوبهم، ولا نقبل بحال من الأحوال أن يُشكّك في هذه النصوص؛ لأن من شكك فيها فقد شكك في القرآن والسنة، وشكك في عقيدة كل مسلم، والتي من بدهياتها أن الله قادر، ومقتضى قدرته أن ينصر دينه، ويعز أولياءه، ويذل أعداءه؛ قال تعالىويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريباً)(1). هذا، ولا يفوتني هنا أن أذكر أن الإمام الغزالي رحمه الله قد ذكر من أسباب الرجاء استقراء الآيات والأخبار والآثار في الرجاء، وقال عنه: "فما ورد في الرجاء خارج عن الحصر"(1). وحول استشعار الداعية لقرب النصر ويقينه به يقول الدكتور عبد الكريم زيدان: "والداعي المسلم في رجاء دائم لا يقنط أبدا لأنه آمن بوعدِ الله للعالمين الداعين بالنصر والتأييد، والثواب الجزيل، فهو مضمون النصر والتأييد من الرب الجليل"(2). وبعد: فهذه هي العوامل المولدة للأمل في النفوس، التي تغذيه في القلوب –فيما أحسب وأظن باطلاعي القاصر- وقد نبهتُ عليها لتكون مُذكِّر خيرٍ لأمتنا ومنبه بشرٍّ لإخوتنا في الله، ولتكون هِجِّيرى المجالس، يخطب بها خطيبنا، ويعظ بها واعظنا، ويشير إليها معلمنا، ويدندن حولها مربينا، وينظّر بها مفكرنا؛ وهكذا في كل قطاع في الأمة. ولا يفوتني هنا أن أذكر أن هذه العوامل سهلة يسيرة على من يسرها الله عليه، إذا كانت عنده القابلية لتلقيها، والعمل بمقتضاها؛ وأمتنا بحاجة إلى قابلية لها لتعود المياه إلى مجاريها، وليعود الأمل مشرقاً في النفوس، نابضاً في القلوب، فتياً في الحياة، والله ولي التوفيق. (4) ضرورة اقتران الأمل بالعمل: قد حدثتك أخي القارئ عن الأمل وحكمه وضرورته ومولداته، وآثار تركه، حديثاً أَحسبُ أنه يملأ النفس بِشْراً، والقلب سروراً، ويحرك العاطفة طرباً لهذه المعاني. وحتى لا يذهب بنا الكلام بعيداً لابد من التنبيه إلى أن ما قلناه عن الأمل مشروط باقترانه بالعمل وإلا كان كلامنا هذا كأحلام اليقظة التي يحلّق فيها المرء بخياله، ويبني القصور في الهواء، ويجمع الأماني والأوهام، حتى إذا استيقظ عاد بخفي حنين، وقد تلاشت أحلامه، وتطايرت آماله. ولذا، لابد لنا من القران بين الأمل والعمل. وبناء على ذلك، فلا يكون الأمل مقبولاً من أحد من الناس ولا تترتب عليه ثماره إلا إذا اقترن به عمل نافع بناء. ولا أبعد بك، فما فائدة الأمل إذا لم يقترن به عمل؟ فما ينفع التلميذ أمله في طِيبةِ مُدَّرسهِ، ومعرفته له عند الامتحان دون دراسة؟ وما ينفع المريض أمله في الشفاء دون استعماله للعلاج الناجع؟. إن تربية الأمة على أمل مُحَلِّق بلا عمل، إنما هو قتلٌ لها، وتخريبٌ لنفوسها، وإهدار لأوقاتها، ودغدغة لعواطفها، ولذا لابد من اقتران الأمل بالعمل عند الأمة الجادة التي تنشد المجد، وتبحث عنه، وتدندن حول ظلاماتها، وتندب قتلاها في كل مكان، ليكون ذلك طريقاً لها إلى ما تريد. ولا يفوتني هنا أن أذكّر بمبررات اقتران الأمل بالعمل، ومنها: 1- أنه مطلوب ديننا وشريعتنا: فإن ربنا سبحانه وتعالى يطالبنا بالأعمال، ولا يقبل منا الآمال فقط؛ ولذلك قالويلههم الأمل)(1)؛ وفي تفسيرها يقول العلامة البيضاوي رحمه الله: "ويشغلهم توقعهم لطول الأعمار، واستقامة الأحوال عن الاستعداد للمعاد"(2)؛ فهم قوم قد اغتروا بأمل طول العمر، واستقامة الحال، وعفو ذي الجلال عن الاستعداد للآخرة بالأعمال. 2- وهو هَدْي سلفنا: فإن سلفنا الصالح –رضوان الله عليهم- ما ركن أحد منهم على مجرد الأمل، بل قرنوه بالعمل؛ وإليك شذرة من كلامهم في هذا الباب: أ- قال شاه الكرماني: "علامة صحة الرجاء: حسن الطاعة"(1). ب- وقال ابن القيم: "ولهذا أجمع العارفون على أن الرجاء لا يصح إلا مع العمل"(2). فما رأينا فيهم من يََدُع العمل –دنيوياً كان أو أخروياً- ويتعلق بالأماني الكاذبة، والأحلام الخادعة؛ ولذا سموا من رجا الرحمة بلا عمل صاحب الرجاء الكاذب، وماذا تسمي مَنْ يحدِّثُ الأمة عن مجدٍ تبحث عنه، وكرامة مفقودة – حديثَ الآمال فقط، ولا يوقظ فيها عضواً لحركة، ولا هِمةً لعطاء، ولا كريماً ليوم كرامة؟ إنه تغريرٌ بالأمة، ومخالفة لنهج سلفها أن تعلم الأمل بلا عمل، والوعد بلا تنفيذ. 3- وهو ضرورة الحياة: ذلك لأن الآمال وحدها لا تُشبع جائعاً، ولا تفيد دارساً، ولا تنصف مظلوماً، ولا تَردُّ ظُلامة، ولا تحقق مكسباً من مكاسب الحياة الدنيوية والأخروية؛ فلو حدثنا جائعاً وأمَّلناه بالطعام شهوراً وأياماً ماذا نفيده بهذا؟ ولو نام التلميذ عن درسه مع أمله بالنجاح فقط، لظن به الجنون. وأي جدوى للأمل والأمة لم تحقق مقدماته؟ فهي ترجو النصر، وأين مقدمات النصر فيها؟ فالنصر مشروط؛ قال الله تعالىإن تنصروا الله ينصركم)(1). ونصرة الله للعباد مشروطة بنصرتهم له؛ باتباعهم لدينه واقتدائهم بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ وهذا عمل. وترقب النصر بلا عمل مجرد أمان؛ إذ لابد من اقتران الأمرين معاً، فإذا تَخلَّفت نصرة العباد لربهم –وهي عمل يخلف عنهم النصر عند الله تعالى. ولذا، فحرامٌ على أهل التوجيه والتربية والسياسة والإعلام وغيرهم أن ينفخوا عواطف الأمة لتصبح أوعية مملوءة بالأمل الخادع بلا عمل، ثم تخرق هذه الأوعية والعواطف لتعقبها فترات من الإحباط واليأس تلفّ الناس بسوادها؛ فتفسد عمل المصلح، وتُوهِنُ العزائم، وتُضعف القلوب، وتوغر الصدور، وتفرق بين الإخوة. وأكثر الناس استفادة من هذا هم أعداء الأمة؛ يوم يعصف اليأس بالقلوب، ويستشري الإحباط في النفوس، وعندها يدق أعداؤنا على وتر ضعف الأمة وتفرقها وتمزقها، لتبقى كما يريدون كشاة تنتظر من يذبحها، ويقسمها على من يريد؛ وهذه هي الطامة الكبرى. فحقيق بكل من امتلأ قلبه حُرقة على هذه الأمة أن يراوح في حديثه بين الأمل والعمل، فلا ينادي بعمل يائس، ولا يدعو إلى أمل ناقص إن أراد لها الخير والتمكين والعز والنصر في حياتها، ومستقبل أيامها. 4- وهو صنيع العقلاء من كل أمة: فما علمنا أن عاقلاً في أمة من الأمم، ولا بلد من البلاد اتخذ الأحلام المحلقة، ولا الأماني الكاذبة مطية له في حياته، بل جمع القرينين، ووظَّفَ كل واحد منهما في المقام الذي يَجمُلُ توظيفه فيه، فقامت حياة الناس أجمع على هذين، وما تخلف العمل عن الأمل في حياة عاقل. ونحن قوم أولو رسالة، وأصحاب حضارة؛ فنحن صفوة الناس، وسادة الأمم، وقادة الشعوب. وأنه يجب علينا أن نكون –كغيرنا من عقلاء الأمم والشعوب- في اقتران آمالنا بأعمالنا على الأقل؛ إن لم يكن ذلك منا متابعة للأسلاف، والتزاماً بالشرع، ومراعاة لضرورة الحياة. الخاتمة وبعد: فلقد كان هذا حديثاً عن الأمل وأثره في حياة الناس، حديثاً نرجو به الأجر من الله أولاً، والفائدة لأمتنا ثانياً، ورزع الثمار في النفوس والقلوب ثالثاً، ومحض النصح لأمتنا؛ ذلك لأننا نعتقد أن هذه بذرة خير مغيّبة عن واقع الأمة وحياتها، ولا يراد لها أن تظهر، بل أن تطمس، لأنها جزء من هدي القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبشير خير من السلف إلى الخلف. ولما كان الأمر كذلك؛ كان لابد لأهل التوجيه في هذه الأمة من علمائها ومفكريها أن يبشروا بالأمل وضرورته وأهميته وموارده، ليكون حديث المجالس؛ ينشأ عليه الناشئ، ويموت عليه الكبير؛ جهداً عاماً يرد للأمة روحها، ويوقظها من نومها، ويقيلها من عَثْرتها، مع ضرورة اقتران ذلك بالأعمال الجادة البناءة، التي على رأسها إعادة دور علماء الأمة؛ فهم الموقعون عن الله، وهم حَملَةُ المشاعل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الهُداة إلى كل خير، وهم الدعاة إلى كل بر وفضل. فإذا عاد دورهم، وعادت قيمتهم، فهم سَدَنةُ الإصلاح، وأطباء القلوب. ولا يجوز بحال من الأحوال أن يكون هناك إصلاح إلا ويكون للعلماء وقوف عليه، ورأي فيه؛ فمن أولى منهم بذلك، ومن الذي يحرمهم من حقهم الطبيعي والتاريخي والشرعي في ذلك؟ إنّ كثيراً مما أصاب الأمة ويصيبها ما كان ليحدث إلا بسبب بعُْدِ أهلِ العلم الصادقين البررة عن واقع العمل، وعن دوّامة الأحداث، فهلا ساوى الناس بين هؤلاء العلماء وبين علماء أهل الملل الأخرى الذين لا يقطع رأي إلا بموافقتهم، ولا يدعى ليومِ كريهةٍ إلا بمباركتهم، وهكذا. أسأل الله عز وجل أن يعيد هذه الأمة إلى سالف عهدها، وتالد مجدها، وخير أيامها، وعز آبائها، وأن يبعد عنها كل سوء؛ إنه على ما يشاء قدير. والحمد لله رب العالمين |
16-03-2014, 09:14 AM | #12 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
الفقرة الحادية عشر)
" الذاتي والعرضي " قد علمتَ أن الماهية هي: ما به يكون الشيء نفسه، ولكي نحصل على ماهية الشيء لا بد من معرفة الأوصاف الجوهرية الأساسية التي بها يتحقق الشيء. فتلك الأوصاف الجوهرية تسمى بالذاتيات، وبقية الأوصاف غير الذاتية تسمى بالعرَضيات. فالذاتي هو: الوصف الأساسي الذي لو فقد فقدت الماهية. والعرضي هو: الوصف الثانوي الذي لو فقد لم تفقد الماهية. فلا تحقق للماهية بدون الذاتي. ولكن يبقى السؤال المهم كيف نفرق بين الوصف الأساسي، وغير الأساسي؟ وقد أجابوا عن ذلك بأن الذاتي لا يمكن تصور الشيء بدونه. والعرضي يمكن تصور الشيء بدونه. مثال: الإنسان لا يمكن تصوره إلا بالحيوانية والناطقية فيكونان وصفين ذاتيين. فلا يمكن أن نتصوره وهو غير حيوان أي غير جسم حي فحينئذ يكون ماذا هل هو صوت أو رائحة تشم أو لون يقوم بجسم، وكذا لا يمكن تصوره بدون أن يكون مفكرا عاقلا لأنه سينتمي إلى حقيقة وفئة أخرى. بينما يمكن تصور الإنسان في الذهن من دون أن يخطر على ذهنك أنه ضاحك، أو منتصب القامة. لأن ماهية الإنسان لا تتصور إلا بالذاتي، بينما العرضي لا دخل له في ذلك التصور. فمع كون التفكير والضحك لازمين للإنسان لا ينفكان عنه في الواقع الخارجي، إلا أنهم قالوا إن الذهن يفرق بين النطق فيجعله وصفا ذاتيا لا يتعقل الإنسان بدونه، ويجعل الضحك وصفا عرضيا لأنه يتأتى تعقل الإنسان في الذهن بدون تعقل كونه ضاحكا. مثال: الأربعة هي وحدات حاصلة من ضم 1+1+1+1. فحينئذ لا يتأتى تعقل الأربعة دون تعقل تلك الوحدات المضاف بعضها إلى بعض فتكون ذاتية جوهرية أساسية وبالتالي تكون جزء من ماهية الأربعة. بينما يمكن تعقل الأربعة بدون أن يخطر على الذهن أنها زوج. فمع كون الأربعة لازمة لزوما ذهنيا وخارجيا للأربعة إلا أنها تعتبر صفة عرضية ثانوية خارجة عن ماهية الأربعة. فتلخص من ذلك أن الماهية تضم مجموعة من الذاتيات، فما كان جزء من الماهية فهو ذاتي، وما خرج عن الماهية فهو عرضي. ( تعقيب ) إن التفرقة بين الذاتي والعرضي ليست بالمفيدة لطالب العم في العلوم الشرعية وغيرها، بل عليه أن يركز في استخراج الأوصاف الخاصة بالشيء لكي يحصل له التمييز بينها وبين غيرها من الحقائق. أما إشغال الذهن بالتفريق بين الشيء اللازم والذاتي فعقيم فإن القصد هو حصول المعرفة والتمييز بين الأشياء والمصطلحات وهو حاصل بغير هذه التفرقة. هذا مع اعتراف حذاق المناطقة بعسر التفرقة بين الذاتي واللازم الذهني الخارجي معا. وتعقب كثير من العلماء المناطقة في هذه التفرقة وقالوا: إنها لا دليل عليها وليس عندكم مقياس سليم للتفرقة بينهما. وما يتصوره بعض الأذهان على أنه ذاتي يمكن أن يتصوره غيره على أنه عرضي، وأدل دليل على ذلك كثرة الاختلافات في التعاريف بل حتى في تعريف الإنسان بأنه حيوان ناطق لم يسلم من اعتراضات المناطقة أنفسهم دع عنك غيرهم. ثم إن حقائق الأشياء الخارجية لا تكون تبعا لتصوراتنا الذهنية إن تصورناها كذا، كانت في الواقع كذا بل لها وجود مستقل عن إدراكنا وتصورنا لها. وأقوى من تعقبهم في ذلك هو الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. ( مناقشات ) 1- في ضوء ما تقدم كيف تفرق بين الذاتي والعرضي عند المناطقة؟ 2- من أين جاء عسر التفرقة بين الذاتي والعرض اللازم عند المناطقة؟ 3- ما هو رأيك في الخلاف الدائر بين مثبتي الذاتيات ونفاتها؟ |
16-03-2014, 09:15 AM | #13 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
الفقرة الثانية عشر )
( أنواع الذاتي ) قد علمتَ أن الذاتي هو الوصف الجوهري للماهية، ولا تتحقق الماهية بدون ذاتياتها، وهذه الذاتيات ثلاثة هي: أولا: الجنس. ثانيا: الفصل. ثالثا: النوع. فالجنس هو: جزء الماهية الأعم منها. ومعنى كونه أعم من الماهية أنه يصدق عليها وعلى غيرها من الماهيات والحقائق. مثال: الحيوان بالنسبة للإنسان. هو ذاتي له لا قيام للإنسان بدون الحيوانية. والحيوانية كما تحمل على الإنسان تحمل على غيره من الماهيات. نقول: الإنسان حيوان، فهنا حملنا الحيوانية على الإنسان. ونقول الفرس حيوان، والحمار حيوان، والكلب حيوان وغيرها، فهنا حملنا الحيوانية على غير ماهية الإنسان. فالحيوان جنس لأنه يحمل على ماهيات مختلفة كالإنسان والفرس والحمار والكلب والأسد والفيل والنسر والصقر والسمك والتمساح فهو لذلك أعم من الإنسان لأنه كما أن الإنسان جسم نام حساس متحرك بالإرادة، فكذلك بقية الحيوانات. مثال: المعدن بالنسبة للذهب. هو ذاتي له لا قيام للذهب بدون المعدنية. والمعدنية كما تحمل على الذهب تحمل على غيره من بقية المعادن. نقول: الذهب معدن، فهنا حملنا المعدنية على الذهب. ونقول: الفضة معدن، والرصاص معدن، والحديد معدن وغيرها، فهنا حملنا المعدنية على غير ماهية الذهب. فالمعدن جنس لأنه يحمل على ماهيات مختلفة كالذهب والفضة والرصاص والحديد والنحاس فهو لذلك أعم من الذهب. مثال: النبات بالنسبة للقمح. هو ذاتي له لا قيام للقمح بدون النباتية. والنباتية كما تحمل على القمح تحمل على غيره. نقول: القمح نبات، فهنا حملنا النباتية على القمح. ونقول: الشعير نبات، والرز نبات، والبرسيم نبات، والذرة نبات، فهنا حملنا النباتية على غر ماهية القمح. فالنبات جنس لأنه يحمل على ماهيات مختلفة كالقمح والشعير والرز والبرسيم والذرة فهو لذلك أعم من القمح. وأما الفصل فهو: جزء الماهية الخاص بها. ومعنى كونه خاصا بها أنه لا يصدق إلا عليها، فلا توجد ماهيات أخرى تتصف بهذا الفصل. مثال: الناطق بالنسبة للإنسان. هو ذاتي له لا قيام للإنسان بدون الناطقية. والناطقية مختصة بالإنسان فلا يشترك معه فيها بقية الماهيات التي تشترك معه بالجنس. أي أن الإنسان والفرس والأسد ونحوها تشترك مع الإنسان في الجنس الذي هو الحيوان ولا تشارك الإنسان في الناطق فهو قد انفرد عنها بالناطقية فلذا سمي فصلا لأنه يفصل كل ماهية عن الأخرى. مثال: الصاهل بالنسبة للفرس. هو ذاتي له لا قيام للفرس بدون الصاهلية. والصاهلية مختصة بالفرس فلا يشترك معه فيها بقية الحيوانات التي تشترك معه بالجنس. مثال: المسكر بالنسبة للخمر. هو ذاتي له لا قيام للخمر بدون الإسكار. والإسكار مختص بالخمر فلا يشترك معه فيها بقية الأشربة كالماء واللبن والخل والعسل التي تشترك معه بالجنس الذي هو الشراب. وأما النوع فهو: تمام الماهية. فهو مجموع الذاتيات الجنس والفصل. مثال: الإنسان هو نوع لأن ماهية الإنسان هي حيوان ناطق، أي أن الماهية تتم بهذين الوصفين فإذا وجدا وجد النوع الإنساني. مثال: الفرس هو نوع لأن ماهية الفرس هي حيوان صاهل، أي أن الماهية تتم بهذين الوصفين فإذا وجدا وجد النوع الفرسي. مثال: الخمر هي نوع لأن ماهيتها هي شراب مسكر، أي أن الماهية تتم بهذين الوصفين فإذا وجدا وجد نوع هو الخمر. ثم إن النوع يشتمل على الأفراد. فالجنس تحته النوع وتحت النوع الفرد. مثال: الحيوان جنس، والإنسان نوع، وزيد وعمرو وهند أفراد للإنسان. مثال: الحيوان جنس، والفرس نوع، وهذا الفرس وتلك الفرس أفراد. مثال: المعدن جنس، والذهب نوع، وهذا الذهب أو ذاك أفراد. مثال: النبات جنس، والقمح نوع، وهذا القمح أو ذاك أفراد. مثال: الشراب جنس، والعسل نوع، وهذا العسل أو ذاك أفراد. وعليه فقس. وهنا سؤال وهو: أن الجنس يشتمل على كثرة، والنوع أيضا يشتمل على كثرة فكيف نميز بينهما؟ مثال: الحيوان يشتمل على الإنسان والفرس والأسد ونحوه، والإنسان يشتمل على زيد وعمرو وهند ونحوهم. والجواب: إن الجنس تحته كثرة مختلفة في الماهية والحقيقة، والنوع تحته أفراد متفقة في الماهية والحقيقة. مثال: الحيوان تحته الإنسان والفرس والأسد وكلها مختلفة في الحقيقية، إذْ أن الإنسان: حيوان ناطق، والفرس حيوان صاهل، والأسد حيوان زائر. فالاختلاف في الفصل يعني الاختلاف في الحقيقة. أما النوع مثل الإنسان فيوجد تحته كثرة متفقة في الحقيقة فزيد وعمرو وهند كلهم حيوانات ناطقة فلا يختلفون في الماهية والذاتيات وإنما يختلفون في العرضيات ككون فلانا ذكرا والآخر أنثى وذاك ولد في عام كذا وذاك عربي وهذا فارسي ونحو ذلك. ( مناقشات ) 1- في ضوء ما تقدم كيف تفرق بين الجنس والفصل والنوع؟ 2- كيف نميّز بين الأشياء المشتركة في الماهية والأشياء المختلفة فيها؟ 3- لماذا لم يجعل الذكر والأنثى أنواعا للإنسان ؟ ( تمارين ) رتب الأجناس والأنواع والأفراد فيما يأتي: 1- ( الصلاة- الصوم- العبادة – هذه الصلاة - الحج - هذا الصوم العبادة- هذا الحج ). 2- ( الاسم – اللفظة المفردة- ضرب- الأداة- شجرة- الكلمة- في ). |
16-03-2014, 09:16 AM | #14 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
|
الفقرة الثالثة عشر )
( أقسام الجنس والفصل ) قد علمتَ أن الذاتي ثلاثة أنواع: جنس وفصل ونوع، وأن الجنس هو جزء الماهية الأعم منها ثم إن الجنس والفصل قسمان: 1- قريب. 2- بعيد. فالجنس القريب هو: ما تحته نوع. والجنس البعيد هو: ما تحته جنس آخر. مثال: الحيوان تحته أنواع هي الإنسان والفرس والأسد ونحوه، وتحت هذه الأنواع أفرادها فهنا الحيوان يسمى جنسا قريبا، لأنه أقرب جنس للإنسان وبقية الحيوانات. مثال: الجسم النامي هو جنس تحته أجناس هي الحيوان والنبات فكلاهما أجسام حية نامية ولهذا نقول في تعريف الحيوان جسم نام حساس متحرك بالإرادة، فالحساس والمتحرك بالإرادة يفصلان الحيوان عن النبات لأنه ليس حساسا ولا يتحرك بالإرادة. فيكون الجسم النامي جنسا بعيدا للإنسان ولبقية الحيوانات، وهنا ما تحت الجسم النامي أجناس وليست أنواعا، لأن الحيوان يحتوي على كثرة مختلفة في الماهية وكذا النبات. وبعبارة أخرى إن الجنس القريب هو أقرب الأجناس إلى النوع، وما فوق هذا الجنس يسمى جنسا بعيدا لأن النوع كالإنسان يتحقق وتتقوم ذاته بالحيوان والناطق، والحيوان تتقوم ذاته بالجسم النامي وما يدخل في ماهية الجنس يدخل في ماهية النوع بلا شك. وللتقريب نشبه ذلك بالإنسان وأبيه وجده، فالأب كالجنس القريب لابنه لأنه أصل له والجد هو أيضا جنس للحفيد ولكنه جنس بعيد، وجد الجد كذلك وما فوقه كذلك هم كالأجناس البعيدة. مثال: الجسم هو جنس تحته أجناس هي الجسم النامي، والجسم غير النامي كالجمادات مثل الحجر والخشب والمعادن فكلها أجسام ولكنها أجسام غير نامية إذْ هي جماد. فحينئذ يكون الجسم جنسا بعيدا للإنسان وبقية الحيوانات ولكنه أبعد من الجسم النامي. فترتيب الأجناس هكذا: جسم ....... جسم نام ....... حيوان ....... إنسان. جنس بعيد - جنس بعيد - جنس قريب - نوع. والجنس البعيد يكون ذاتيا للنوع أي يكون الجسم ذاتيا للإنسان. مثال: الصوت جنس تحته أجناس وهي اللفظ والصوت الخالي من الأحرف، ثم اللفظ يكون جنسا أيضا وتحته أجناس هي المستعمل والمهمل ثم اللفظ المستعمل المفرد والمركب، ثم المفرد جنس تحته ثلاثة أنواع هي الاسم والفعل والحرف وتحت هذه أمثلتها. فترتيب الأجناس هكذا: الصوت ....... اللفظ ....... المستعمل ....... اللفظ المفرد ....... الاسم. جنس بعيد - جنس بعيد - جنس بعيد - جنس قريب - نوع. والجنس البعيد يكون ذاتيا للنوع أي يكون الصوت ذاتيا للاسم. وأما الفصل القريب فهو: فصل النوع. والفصل البعيد هو: فصل الجنس الذي فوقه. مثال: الإنسان نوع وماهيته هي حيوان ناطق، فالحيوان جنس قريب له، والناطق فصل قريب لأنه فصله عن بقية الأنواع التي تشاركه في الحيوانية كالفرس والأسد. مثال: الحيوان جنس وماهيته هي جسم نام حساس متحرك بالإرادة، فالجسم النامي جنس له والحساس المتحرك بالإرادة فصل للحيوان فصله عن النبات التي تشاركه في الجنس الذي هو الجسم النامي. وحينئذ يكون الحساس المتحرك بالإرادة فصلا بعيدا للإنسان يفصله عن النبات ولا يفصله عن أنواع الحيوانات. والفصل البعيد يكون ذاتيا للنوع أي يكون الحساس المتحرك بالإرادة ذاتيا للإنسان. ولهذا لو أردنا أن نختصر قلنا الإنسان حيوان ناطق. ولو أردنا أن نفصل بحيث نذكر جميع ذاتيات الإنسان نقول هو جسم نام حساس متحرك بالإرادة ناطق، فهذه جميع ذاتياته. مثال: الجسم منه نام وهو النبات والحيوان وغير نام من الجمادات. فحينئذ يكون النامي فصلا للنبات والحيوان عن الجمادات. وهو فصل بعيد للإنسان يفصله عن الجمادات. مثال: الاسم نوع وماهيته هي كلمة دلت على معنى في نفسها ولم تقترن بزمن, مثل رجل. فالكلمة جنس الاسم ودلت على معنى في نفسها ولم تقترن بزمن فصل له يفصله عن الفعل والحرف، وهذا فصل قريب. مثال: اللفظ المستعمل المفرد الذي يسمى في النحو بالكلمة هو جنس تحته أنواع هي الاسم والفعل والحرف، فجنس الكلمة اللفظ المستعمل وفصلها هو المفرد. فحينئذ يكون المفرد فصلا بعيدا للاسم يفصله عن المركب. وعليه فقس. تنبيه: ذكرنا أن النوع هو الذي تحته كثرة متفقة في الحقيقة مثل الإنسان فتحته زيد وهند وهم متفقون في الحقيقة التي هي الحيوان الناطق، ويختلفان في العرضيات التي هي الذكورة والأنوثة فهذا يسمى بالنوع الحقيقي. وهنالك مصطلح آخر وهو النوع الإضافي وهو الجنس إذا قسناه إلى ما فوقه. مثال: الحيوان جنس للإنسان والفرس وهو نوع للجسم النامي. مثال: الجسم النامي هو جنس للحيوان والنبات، وهو نوع بالإضافة إلى ما فوقه وهو الجسم. مثال: اللفظ هو جنس للمستعمل والمهمل، وهو نوع بالإضافة إلى الصوت، وهكذا. ( مناقشات ) 1- في ضوء ما تقدم كيف تميز بين الجنس القريب والجنس البعيد ؟ 2- ما الفرق بين الفصل القريب والفصل البعيد؟ 3- ما علاقة الجنس البعيد والفصل البعيد للنوع؟ ( تمارين ) ميز بين الذاتي والعرضي مع ترتيب الأجناس والفصول من القريب إلى البعيد فيما يلي: ( الخمر جسم مائع مضر بالصحة مسكر شراب محرم شرعا فيه تبذير للمال ). أبو مصطفى البغدادي مشاهدة ملفه الشخصي البحث عن كافة المشاركات المكتوبة بواسطة أبو مصطفى البغدادي #47 25-10-11, 11:10 pm أبو مصطفى البغدادي وفقه الله تاريخ التسجيل: 14-08-11 المشاركات: 838 رد: ::دروس في شرح المنطق ( هل تريد أن تفهم المنطق وأنت جالس في بيتك ) تفضل بالدخول:: -------------------------------------------------------------------------------- ( الفقرة الثالثة عشر ) ( أقسام الجنس والفصل ) قد علمتَ أن الذاتي ثلاثة أنواع: جنس وفصل ونوع، وأن الجنس هو جزء الماهية الأعم منها ثم إن الجنس والفصل قسمان: 1- قريب. 2- بعيد. فالجنس القريب هو: ما تحته نوع. والجنس البعيد هو: ما تحته جنس آخر. مثال: الحيوان تحته أنواع هي الإنسان والفرس والأسد ونحوه، وتحت هذه الأنواع أفرادها فهنا الحيوان يسمى جنسا قريبا، لأنه أقرب جنس للإنسان وبقية الحيوانات. مثال: الجسم النامي هو جنس تحته أجناس هي الحيوان والنبات فكلاهما أجسام حية نامية ولهذا نقول في تعريف الحيوان جسم نام حساس متحرك بالإرادة، فالحساس والمتحرك بالإرادة يفصلان الحيوان عن النبات لأنه ليس حساسا ولا يتحرك بالإرادة. فيكون الجسم النامي جنسا بعيدا للإنسان ولبقية الحيوانات، وهنا ما تحت الجسم النامي أجناس وليست أنواعا، لأن الحيوان يحتوي على كثرة مختلفة في الماهية وكذا النبات. وبعبارة أخرى إن الجنس القريب هو أقرب الأجناس إلى النوع، وما فوق هذا الجنس يسمى جنسا بعيدا لأن النوع كالإنسان يتحقق وتتقوم ذاته بالحيوان والناطق، والحيوان تتقوم ذاته بالجسم النامي وما يدخل في ماهية الجنس يدخل في ماهية النوع بلا شك. وللتقريب نشبه ذلك بالإنسان وأبيه وجده، فالأب كالجنس القريب لابنه لأنه أصل له والجد هو أيضا جنس للحفيد ولكنه جنس بعيد، وجد الجد كذلك وما فوقه كذلك هم كالأجناس البعيدة. مثال: الجسم هو جنس تحته أجناس هي الجسم النامي، والجسم غير النامي كالجمادات مثل الحجر والخشب والمعادن فكلها أجسام ولكنها أجسام غير نامية إذْ هي جماد. فحينئذ يكون الجسم جنسا بعيدا للإنسان وبقية الحيوانات ولكنه أبعد من الجسم النامي. فترتيب الأجناس هكذا: جسم ....... جسم نام ....... حيوان ....... إنسان. جنس بعيد - جنس بعيد - جنس قريب - نوع. والجنس البعيد يكون ذاتيا للنوع أي يكون الجسم ذاتيا للإنسان. مثال: الصوت جنس تحته أجناس وهي اللفظ والصوت الخالي من الأحرف، ثم اللفظ يكون جنسا أيضا وتحته أجناس هي المستعمل والمهمل ثم اللفظ المستعمل المفرد والمركب، ثم المفرد جنس تحته ثلاثة أنواع هي الاسم والفعل والحرف وتحت هذه أمثلتها. فترتيب الأجناس هكذا: الصوت ....... اللفظ ....... المستعمل ....... اللفظ المفرد ....... الاسم. جنس بعيد - جنس بعيد - جنس بعيد - جنس قريب - نوع. والجنس البعيد يكون ذاتيا للنوع أي يكون الصوت ذاتيا للاسم. وأما الفصل القريب فهو: فصل النوع. والفصل البعيد هو: فصل الجنس الذي فوقه. مثال: الإنسان نوع وماهيته هي حيوان ناطق، فالحيوان جنس قريب له، والناطق فصل قريب لأنه فصله عن بقية الأنواع التي تشاركه في الحيوانية كالفرس والأسد. مثال: الحيوان جنس وماهيته هي جسم نام حساس متحرك بالإرادة، فالجسم النامي جنس له والحساس المتحرك بالإرادة فصل للحيوان فصله عن النبات التي تشاركه في الجنس الذي هو الجسم النامي. وحينئذ يكون الحساس المتحرك بالإرادة فصلا بعيدا للإنسان يفصله عن النبات ولا يفصله عن أنواع الحيوانات. والفصل البعيد يكون ذاتيا للنوع أي يكون الحساس المتحرك بالإرادة ذاتيا للإنسان. ولهذا لو أردنا أن نختصر قلنا الإنسان حيوان ناطق. ولو أردنا أن نفصل بحيث نذكر جميع ذاتيات الإنسان نقول هو جسم نام حساس متحرك بالإرادة ناطق، فهذه جميع ذاتياته. مثال: الجسم منه نام وهو النبات والحيوان وغير نام من الجمادات. فحينئذ يكون النامي فصلا للنبات والحيوان عن الجمادات. وهو فصل بعيد للإنسان يفصله عن الجمادات. مثال: الاسم نوع وماهيته هي كلمة دلت على معنى في نفسها ولم تقترن بزمن, مثل رجل. فالكلمة جنس الاسم ودلت على معنى في نفسها ولم تقترن بزمن فصل له يفصله عن الفعل والحرف، وهذا فصل قريب. مثال: اللفظ المستعمل المفرد الذي يسمى في النحو بالكلمة هو جنس تحته أنواع هي الاسم والفعل والحرف، فجنس الكلمة اللفظ المستعمل وفصلها هو المفرد. فحينئذ يكون المفرد فصلا بعيدا للاسم يفصله عن المركب. وعليه فقس. تنبيه: ذكرنا أن النوع هو الذي تحته كثرة متفقة في الحقيقة مثل الإنسان فتحته زيد وهند وهم متفقون في الحقيقة التي هي الحيوان الناطق، ويختلفان في العرضيات التي هي الذكورة والأنوثة فهذا يسمى بالنوع الحقيقي. وهنالك مصطلح آخر وهو النوع الإضافي وهو الجنس إذا قسناه إلى ما فوقه. مثال: الحيوان جنس للإنسان والفرس وهو نوع للجسم النامي. مثال: الجسم النامي هو جنس للحيوان والنبات، وهو نوع بالإضافة إلى ما فوقه وهو الجسم. مثال: اللفظ هو جنس للمستعمل والمهمل، وهو نوع بالإضافة إلى الصوت، وهكذا. ( مناقشات ) 1- في ضوء ما تقدم كيف تميز بين الجنس القريب والجنس البعيد ؟ 2- ما الفرق بين الفصل القريب والفصل البعيد؟ 3- ما علاقة الجنس البعيد والفصل البعيد للنوع؟ ( تمارين ) ميز بين الذاتي والعرضي مع ترتيب الأجناس والفصول من القريب إلى البعيد فيما يلي: ( الخمر جسم مائع مضر بالصحة مسكر شراب محرم شرعا فيه تبذير للمال ). |
الإشارات المرجعية |
|
|