بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » حـصـاد الإنـتـرنـت » فلسفة الروقيين

حـصـاد الإنـتـرنـت حصاد شبكة الإنترنت و المواضيع المنقولة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 28-05-2014, 08:53 AM   #1
الزنقب
كاتب مميّز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
فلسفة الروقيين



الفلسفة الرواقية ومعالمها
الأخلاق والصلة بين الطبيعة والعقل ونقد المذهب

ظهرت الفلسفة الرواقية - نسبة إلى المدرسة التي أنشأها زينون "264- 336 ق. م" بمدينة أثينا أوائل القرن الثالث قبل الميلاد، وهي إلى جانب كونها مذهبًا فلسفيًا - فهي كذلك "وقبل كل شيء أخلاق ودين"[1].

كان ظهور الرواقية إيذانًا بتغليب الفكر الشرقي أو حملة هذا الفكر إلى اليونان؛ إذ أن أغلب أنصار الرواقية من الشرقيين[2].

ويعني الرواقيون بالعناية الإلهية، وتعريفهم لها بأنها "الضرورة العاقلة التي تتناول الكليات والجزئيات"، مع تبرئتها من الشر. أما الشر الذي نراه في العالم فهو ضروري له كضد الخير. إن الله يريد الخير طبعًا، وقد يقتضي تحقيقه وسائل ليبست خيرًا من كافة الوجوه "أما الشر الخلقي أو الخطيئة فيعزونها إلى حرية الإنسان"[3].

ومن المفكرين من يعد أثر الرواقية من خطورة الشأن بحيث امتد أثرها حتى العصور الحديثة. يقول رودييه "إن الإنسانية المفكرة إنما عاشت على المذهب الرواقي حتى أدركت المسيحية ولبثت تتغذى منه بعدها حقبة من الزمان"[4]، بل إن لها سحرًا ما زال يجذب عقول المستنيرين في زمننا هذا[5].

ولئن كانت مبادؤها تختلف اختلافًا شديدًا عن المسيحية، إلا أن المفكرين المسيحيين أفادوا من أقواها في "الفضائل والرذائل وفي صفات الله وفي العناية الإلهية"[6].

والمتأمل في حياة زينون مؤسس المدرسة ليعثر على مادة مهمة تصلح لدراسة مدى اتصاله بالأفكار الدينية السابقة على ظهور الفلسفة اليونانية - ونعني بها الفكر الشرقي القديم، وكأنه أحياها من جديد في قلب بلاد الإغريق.

إن زينون ولد بجزيرة قبرص، ثم انتقل إلى أثينا، وكان موضع تقدير الأثينيين، حيث رثوه رثاء رسميًا على أثر وفاته بعد أن بلغ من العمر 98 عامًا، مستحقًا لتقديرهم لحثه الشباب على الفضيلة والحكمة، وكان أثناء حياته مثلًا أعلى للأخلاق الكريمة. لقد بلغ هذا الحكيم "من قوة الإرادة وطول الصبر وضبط النفس والعفة والسيطرة على الهوى مبلغًا أدهش معاصريه، فكان الأثينيون يضربون به المثل قائلين "أضبط لنفسه من زينون"[7].

وفي مذهب زينون عنصر مميز عن فلسفة الإغريقيين، فهو يتصل بالفينقيين، - أو تقاليد الساميين - مما جعله يختلف في آرائه وأخلاقه عن فلاسفة اليونان، حتى قيل إنه أقرب إلى مثال النبي الشرقي منه إلى مثال الفيلسوف اليوناني[8].

وبالمقارنة بين زينون وأفلاطون مثلًا تزداد صحة هذا الاحتمال إذا كان أفلاطون على العكس من زينون - يحاول استخلاص الحقيقة الكامنة فينا بالاستنباط، والدليل العقلي، بينما اتجه زينون في إعلان نتائجه مقتديًا بالأنبياء، إذ يكشف الحقيقة على نقيض طريقة الفلاسفة - بالتأمل والإلهام - ولأن النبي يعلن هذه النتائج باعتباره مرسلًا من عند الله، وكان زينون - في اقتراب نغمة صوته من نغمة الأنبياء "يشعر أنه مكلف برسالة يريد أن يؤديها وأن يأخذ الناس بها كاملة"[9].

الفلسفة أو الحكمة الرواقية:
إن الفلسفة في الرواقية هي "محبة الحكمة ومزاولتها"، ويتضح من هذا التعريف الناحية العملية في هذه الحكمة حيث تشترط العمل والمزاولة. كما يظهر من التعريف التالي أيضًا الاهتمام بالإلهيات، فالحكمة أيضًا هي "علم الأشياء الإلهية والإنسانية"[10].

كذلك يتضح أيضًا أن هدف الرواقيين هو تجاوز نظرة سقراط القاصرة على الأمور الإنسانية، حيث أضافوا إليها النظرة في الأمور الإلهية[11].

وتتضح أيضًا الصبغة الأخلاقية للفلسفة الرواقية التي تحتل فيها الأخلاق المكان الأول، "فالفلسفة عندهم أيضًا هي ممارسة الفضيلة بحيث يمكن القول بأنها في صميمها مذهب أخلاقي"[12]، أو بعبارة أخرى تجعل من الأخلاق الغاية والثمرة، فالحكمة عندهم تشبه "حقلًا أرضه الخصبة العلم الطبيعي وسياجه الجدل، وثماره الأخلاق".

ومن أجل ذلك أيضًا، سنفصل القول في مذهبها الأخلاقي.

الأخلاق في المذهب الرواقي:
رأينا مما تقدم أن سقراط دعا إلى السعادة القائمة على تغليب العقل على دوافع الشهوة ودواعي الحس، كما عرفنا من اتجاه كل من أفلاطون وأرسطو أنهم يرون أيضًا فكرة السعادة في ضبط النفس.

ثم جاء زينون "270 ق. م" فرأى ضرورة العمل على "قمع الأهواء ووأد الشهوات ومحاربة اللذات والإشادة بحياة الزهد والحرمان، تحقيقًا للسعادة الرواقية"[13].

إن من يدرس الفلسفة في المدرسة الرواقية، يتبين له أن الرواقية في صميمها مذهب أخلاقي، فما هو هذا المذهب وما هي سماته الرئيسية؟
إن ما يدل على أن الأخلاق تحتل المرتبة الأولى في المذهب الرواقي هو تعريفهم للفلسفة ذاتها، فهي عندهم "ممارسة الفضيلة، والفضيلة صناعة واحدة لا تتجزأ، وهي أشرف الصناعات متصلة، وهي تلائم طبيعة البشر ملاءمة خاصة"[14] إن البحث في الطبيعيات والمنطق عندهم أداة لخدمة الأخلاق، والحكمة هي رأس الفضائل وتصدر عن الحكمة الفضائل الرئيسية الأربعة: الاستبصار والشجاعة والعفة والعدالة[15].

ويوحد أهل الروائي بين الفضيلة والسعادة، فالسعادة تنحصر في فضائل عقلية هي (ضبط النفس) و (الاكتفاء بالذات)، و (الحكمة) وقد اكتسبت هذه الفضائل الثلاث صبغة عقلية، وأصبحت الفضيلة عندهم عبارة عن التخلص من الرغبة والتحرر من الانفعال، حيث يظهر معنى الفضيلة بصفة خاصة عند مناداتهم بالاكتفاء بالذات باعتباره فضيلة أساسية من فضائل الرجل الحكيم فإنهم في الحقيقة يشيرون إلى حالة رجل لم يعد يعوزه شيء، أو بعبارة أخرى تنازل وتخلى تمامًا عن كل شيء[16].

ويظهر لنا وجه الاختلاف هنا بينهم وبين أرسطو، أنه لم يطالب بالعمل على استئصال الشهوات وقمعها، بل اكتفى بإخضاعها لحكم العقل وسيطرته، لأن الشهوات لها مكانها في الطيعة الإنسانية، ووقف الرواقيون على الضد، فاحتقروا الأهواء واعتبروها مخالفة في جوهرها لمنطق العقل مطالبين باجتثاثها وإبادتها بقدر الإمكان[17].

ومن أجل ذلك وضعوا الحكيم في صورة مثالية إذ أصبح في نظرهم أشبه الناس بشخص معصوم، يتقن كل أفعاله، لا سلطان للأهواء عليه، فلا يتأثر بشيء "لا يحس ألمًا، ولا يستشعر شجنًا، ولا يعرف همًا، ولا يساور قلبه وجل ولا أسف ولا رجاء، هو الغني من غير مال، والملك من غير مملكة، إنه بالإجمال الفرد العالم الذي يحيط بكل فن ويتقن كل صنعة ويعلم الأمور الإلهية والإنسانية جميعًا"[18].

وستتضح معالم الأخلاق عند الرواقيين بصورة أعمق إذا تكلمنا عن الصلة في مذهبهم بين الطبيعة والعقل.

الصلة بين الطبيعة والعقل:
إذا كانت الطبيعة تتجه إلى غايتها بلا شعور في الجماد والنبات، وبالغريزة والشعور في الحيوان، فإنها تتخذ في الإنسان طريقًا آخر هو العقل، فهو أكمل الطرق لتحقيق أسمى الغايات، ووظيفة الإنسان "أن يستكشف في نفسه العقل الطبيعي وأن يترجم عنه بأفعاله، أي أن يحيا وفق الطبيعة والعقل"[19].

ولذا أطلق زينون عبارته المشهورة "الحياة وفقًا للطيعة" ومعناها أولًا أن يعيش الإنسان على وفاق مع العقل، فاستخدم لفظ الطبيعة مرادفًا للقانون الكبير الذي يحكم العالم، ومن ثم فإن سعادة الإنسان تتحقق إذا عاش وفيًا للطبيعة الكلية، ويوضح لنا هذا التفسير العبارة التي قالها أحد الرواقيين: "كل شيء يلائمني إذا لاءمك أيها العالم. وما جاء في الوقت الملائم بالنسبة إليك، فليس متقدمًا ولا متأخرًا بالنسبة إلي، وكل ما جاءتني به فصولك أيتها الطبيعة فهو تارة عندي، كل شيء يأتي منك، وكل شيء فيك، وكل شيء يعود إليك"[20].

الطبيعة إذن بمعناها في العبارة الآنفة الذكر هي قوانين الوجود، وبمعناها الضيق المتصل بسلوك الإنسان هي العقل، وهما أمر واحد في نظر الرواقيين "لأن العالم يسير وفاقًا لقانون العقل، والإنسان الذي يتبع طبيعته العاقلة يتشبه بالعالم الأكبر، والإنسان لا يملك عصيان قوانين الوجود، ولكنه ككائن عاقل - هو الوحيد الذي يطيع هذه القوانين عن وعي وتعمد وإدراك، ابتغاء تحقيق السعادة"[21].

ولكن كيف تتحقق هذه السعادة؟
وللإجابة على هذا السؤال علينا أن نتبين:
أولًا: الطريقة التي رأوا اتباعها لتحرير النفس من أوهام الأحكام.

ثانيًا: التمييز بين الإحساس الجسماني والموقف النفساني.

وفيما يتعلق بالشق الأول، فإنهم نظروا إلى الشرور نظرة ذات شقين: إحداهما باطنية كالخطأ وزعزعة الإيمان والأسفل والندم والحزن والجهل. وخارجية: كالفقر والرق والمرض والبؤس والإهانة والأذى والتشهير. وعالجوا المشكلة علاجًا عقليًا إذ ذهبوا إلى أن الأشياء الخارجية لا تؤثر بذاتها فينا ولكن المؤثر الحقيقي هو الاستعداد النفسي الذي يجعلنا نحكم عليها لنصفها بالحسن أو القبح بالخير أو الشر، وهذه الأحكام هي سبب شعورنا بالسعادة أو بالشقاء. ولكي نحقق السعادة علينا أن نتحرر من أوهام الأحكام بواسطة إرادتنا. مثال ذلك ما حدث لسقراط الذي أقدم على الموت بلا مبالاة، ويوضح لنا موقفه بقوله "إن الذي يصيب الناس ويؤثر في حياتهم ليست هي الأشياء نفسها، بل آراؤهم عن الأشياء، فلو كان سقراط يرى الموت شرًا لوقع الرعب منه في قلبه، لكن سقراط لم يكن يرى الموت شرًا، فأقدم عليه غير مبال"[22].

ثانيًا:
ولكن الانفعالات المتولدة في النفس أمر خارج عن سلطان وللإرادة أو الأحكام العقلية، كاللذة والألم أو الخوف أو الرجاء، هذا هو الاعتراض الذي شغل الرواقيين، إنهم يقرون بأن الانفعالات النفسية هي حجر عثرة في طريق السعادة، وفي سبيل تذليل هذه العقبة فرقوا بين الإحساس الجسماني الذي لا قدرة لنا عليه، وبين الموقف النفساني الذي نتخذه عقب الإحساس وهو يتصل بقدرتنا وإرادتنا.

ومع الاعتراف بأن الألم يصيب المرء فيحتمله تارة ويضنيه أخرى، فإن هذا يدل على أنه يستطع أن يقرر بحريته إذا كان من اللائق به الاستسلام للألم. ويسري على باقي الانفعالات كالحزن والخوف وغيرها ما يسري على الألم. وعلاج المسألة في نظرهم بالرجوع إلى العقل الذي يوضح لنا أن أحداث الكون كلها ضرورية لأنها خاضعة للقدر[23]، والرجل الفاضل الحكيم هو الذي "يقبل طوعًا كل ما يأتي به القدر من أحداث، حتى المصائب والنكبات، معتقدًا أنها داخلة في النظام الكلي والقضاء الإلهي"[24].

ولعل أفضل مثال يوضح لنا تصورهم لتحقيق السعادة - ما قاله أحدهم وهو أبكتيتوس[25] - وكان يعمل بما يقول كحال أكثر الرواقية، إذ روي عنه أنه قال: "إذا قدر لي أن أموت فلن أجد في الإقدام على الموت ما يدعو إلى التأوه والتألم، وإذا قدر لي أن أزج إلى السجن فلن أذهب إليه باكيًا منتحبًا، وإذا قدر لي أن أعاني مرارة النفي فلن أذهب إلى منفاي مكتئبًا متخاذلًا وإذا طلب إلي طاغية أن أفشي سرًا وهددني بأن يقيدني بالأصفاد، قلت له إنك تقيد ساقي ولا تملك أن تمس إرادتي بسوء وإذا أرسلني إلى السجن أمكنك أن تتحكم في جسدي دون أن تمتد قدرتك إلى نفسي، وإذا أنذرتني بفصل رأسي عن جسدي قلت لك ساخرًا: أنا الإنسان الوحيد الذي يستحيل قطع رأسه"[26].

نقد الرواقية:
إن طريقة حياة الحكيم الضابط لنفسه كما يريدها أهل الرواق تدخل في روعنا صورة كائن صناعي متضخم العقل على حساب الروح والعاطفة، وليس الإنسان كذلك بل هو مزيج من العقل والوجدان والعاطفة، ولا تتحقق سعادته الأرضية إلا بالموازنة بين هذه العناصر لتتحقق الوسطية بينها فينتج عنها السعادة، وهو المنهج الذي رسمه الإسلام بتشريعه المحدد للسلوك الإنساني في دائرة "الحلال" دون "الحرام" مستجيبًا لدواعي الفطرة في الإنسان وضابطًا لنوازعها بلا تفريط ولا إفراط.

ومما يقرب إلينا فهم ميزة الإسلام في هذا الصدد أن نتدبر العبادات ودورها في تقويم السلوك وتربية الضمير، وأهمها الصلاة قال تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾ [البقرة: 45] وفي دور الصلاة واستيعابها لحياة المسلم اليومية يقول الشيخ محمد الراوي "إن القرآن العظيم جعل الإنسان دائمًا مرتبطًا بالواجبات منوطًا بالتبعات وهو يرسم له في يومه الذي هو وحدة زمنية متكررة منهجًا يستوعب اليوم كله، واليوم عنده يبتدئ من مطلع الفجر الصادق حيث تقام الصلاة ويلتقي الناس على ذكر الله، وهو يطلب دائمًا أن يكون اليوم أفضل من الأمس، ومن استوى يومه بأمسه فهو مغبون.

وهكذا فإن المنهج اليومي بالنسبة للصلاة خمس فرائض، أولاها تبعثه من نومه وتوقظه، وآخرها تودعه إلى مرقده وتحفظه، وثلاث تأتي في وسط النهار وآخره، تمتزج مع السعي ونتائجه فتستقيم بها حياة الروح والجسد، وبهذا الامتزاج تنشأ آداب السلوك التي تضبط كل حركة من حركات الإنسان بضابط الخلق ورقابة الضمير"[27].

إن الإسلام إذن بعقيدته وعباداته - وأهمها الصلاة - يصحح لنا الموقف الأخلاقي للرواقية، فقد صورت لنا هذه المدرسة الإنسان الحكيم وكأنه معصوم من الوقوع في الزلل والخطأ فأين نجد هذا الإنسان في حياتنا اللهم إلا في أشخاص الرسل والأنبياء؟ وحتى هؤلاء، فقد خاضوا حياتهم كاملة ولم يكتفوا بحياة التأمل والنظر في النفس وضبطها - بل حملوا الرسالات التي ناءت بها كواهلهم على ثقلها، مع تميزهم أيضًا بأفضل الأخلاق وأحسنها.

خاتمة:
من الحق أن يقال: إن البحث الأخلاقي عند اليونان لم يكن بدءً غير مسبوق بمقدمات تسلم إليه، فإن في حكمة الشرق الضاربة في أغوار الماضي السحيق اتجاهات أخلاقية واضحة المعالم، في تراث مصر والهند والصين واليابان صور مختلفة من التفكير الأخلاقي الأصيل نبتت في ظله فلسفة الأخلاق في أعمق اتجاهاتها[28].

ونحن نرى أن الرسالات السماوية قامت على الدعوة - بعد معرفة الله تعالى وتوحيده وتطبيق شرعه - إلى مكارم الأخلاق ومعاليها.

لذلك فإن النتائج الأخلاقية الصحيحة للفلاسفة ما هي إلا صدى بعض رسالات الرسل والأنبياء.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/48382/#ixzz32yzyUVmC
الزنقب غير متصل  


قديم(ـة) 28-05-2014, 08:54 AM   #2
الزنقب
كاتب مميّز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132

الفلسفة الرواقية قريبة من الفلسفة البوذية التي تولّد عنها فكر الزهد والتصوف, ويبدو أن زينون وغيره من الرواقيين متأثرين بالفلسفات الشرقية الأقدم منهم, وفي هذه النقطة هي على طرف نقيض مع الفلسفة الأبيقورية القائمة على أن الخير في اتباع المتعة والشر في الألم.

يقول الرواقيون أن الحياة يجب أن تعاش وفق الطبيعة, لكنهم لم يفسروا ما يقصدون بالطبيعة.

المعرفة عند الرواقيين معرفة حسية، وهم بهذا يشبهون "جون لوك" وأن المعرفة آتية من الحواس والإنسان يولد ورقة بيضاء بلا عقل. وهذه نظرة مادية متناقضة مع فلسفة الزهد ومتناقضة مع الأخلاق, لأن اعتبار الحواس هي المصدر للمعرفة والأخلاق عندهم مبنية على معرفة؛ إذن الأخلاق مادية ونتيجة مصالح –حسب هذه الفلسفة- ! وعلى هذا الأساس المادي: من أين جاء رفض المتعة واللذة ما دامت المعلومات كلها مادية؟ هذه النظرة المادية تناسب الأبيقوريين، وتناسب الأبيقوريون الجدد من الملاحدة في هذا العصر, الذين ينظرون أن كل شيء مادة، وأن المتعة هي التي تحدد علاقتنا بالمادة، وما الأخلاق إلا نتيجة للمتعة والمصلحة!

أما ما يقال أن مصدرهم الثاني للمعرفة وهو التصورات الكلية المأخوذة من عدة تصورات حسية، فهم اعتبروه مصدراً ثاني بينما هو نتيجة للمصدر الأول، فلو انعدمت الحواس لانعدمت المعرفة, وهذا غير صحيح, هذا الكلام ينطبق على المعرفة المادية فقط لكن لا ينطبق على المعرفة المعنوية, لأن المولود الصغير يعرف معنى الابتسام والعبوس ومعنى الوحشة والألفة وغير ذلك, وهذا من أين حصل عليه؟

هناك شيء اسمه شعور فطري في الإنسان هو أساس المعرفة وهو أساس العقل, وما الحواس إلا رابط له بالعالم الخارجي, وهو أساس الحواس أيضاً وليست الحواس أساسه, فالحواس تنقل إليه, وهو الذي يقيّم ما تنقله الحواس, وإذا كان الشعور منشغلاً بشيء آخر فإن الإنسان لا يستفيد من الحواس في تلك اللحظة.

ليس كل ما تقدمه الحواس نعرفه، فالمسألة ليست كاميرات أو آلات تسجيل, هذا غير أننا نعرف ما لم تقدمه الحواس، بدليل أننا ندفع الحواس للمعرفة من دون أن نأخذ إشارة من الحواس, فأكثر ما نفعله من قراءة أو اطلاع أو تفرج على التلفاز هي عملية حث للحواس، لا أن هذه الأشياء وقعت على حواسنا ثم بحثنا عن معرفتها، فالبداية كانت منا, بدليل أن الطفل يحرّك عينيه ويبحث هو عن شيء ليراه, فهو يبحث عن أشياء يريد أن يراها، لا لكي يرى أي شيء. المعرفة غاية عند الإنسان في فطرته وليس أنها سقطت عليه بالصدفة من خلال الحواس, بدليل أن من يفتقر إلى بعض الحواس تجده يعوّض.

لو كانت الحواس هي مصدر المعرفة لعرف المجنون ذو الحواس الكاملة مثلما يعرف السليم عقلياً, كذلك الحيوان الذي عنده حواس أدق من حواس الإنسان!

يقول زينون الرواقي أن مراحل المعرفة هي:
أفكار حقيقية – تصديق – فهم – علم
السؤال: كيف يكون التصديق يسبق الفهم؟! ثم ما هو العلم إذن؟ وهل ما يُعرف إلا الأفكار الحقيقية؟ هناك معرفة تقوم على أفكار غير حقيقية أيضاً! ثم ما أسموه بالعلم هذا تطبيق واستفادة؛ لأن العلم تم بحالة الفهم.

وفيما يلي اقتباسات من مقال يتحدث عن الفلسفة الرواقية مع تعليق عليها:
اقتباس:
((يسعى المنطق الرواقي إلى أن يحدد تضمن الحوادث وفقا للحقيقة ولا يهتم بدراسة دمج التصورات بعضها إلى بعض. فالقضية عند الرواقيين ليست حكما حملياً تسند محمولات إلى موضوع نحو(الغزال حيوان) بل هي قضية تعبر عن حوادث (الشمس ساطعة) أو (السماء ممطرة)، بمعنى آخر، القضية عند الرواقيين هي صدور فعل عن فاعل (سقراط يتكلم) وليست وضع نسبة بين معنيين كما هي حالها عند أفلاطون وأرسطو. فالاستدلال الأرسطي يقوم على دمج مفاهيم في نموذج معروف: (كل إنسان فان ـ سقراط إنسان : سقراط فان).
أما الاستدلال الرواقي فيستند أساسا إلى تضمن العلاقات الزمانية: (إذا كان في ثديي هذه المرأة حليب، فذلك لأنها ولدت). هكذا أحل الرواقيون منطق اللزوم أو الاستتباع مكان منطق التلازم أو الاستغراق. فمعرفة العلاقات الزمانية وروابط الضرورة بين مقدم وتال هي المهمة الأولى للإنسان الذي يريد أن يعيش وفق العقل أي وفق الطبيعة. هنا نجدنا أمام فكرة القانون بدلاً من فكرة الماهية. ))

التعليق:
هذا يعني أن كل من الرواقيين وسقراط عندهم نقص في الإحاطة تشمل كلا الحالتين, فكلا الوضعين موجود في الواقع. بشكل عام نظرتهم للمنطق سطحية, فتقسيمهم للمنطق على أنه ديالكتيك أو خطابة هي نظرة للشكل أكثر من المضمون, بينما أرسطو ينظر لمضمون المنطق أكثر.

يبدو أن الفلسفة الرواقية تقبل الأشياء كما هي، لهذا تبنتها الدولة الرومانية؛ لأنها تساعد على إخضاع الناس وقبول الواقع, والفكرة تسربت أيضاً إلى الفكر الديني لاحقاً, مثلما ظهر في بني أمية فكرة الجبرية.

اقتباس:
((شعار الرواقية كما قدمنا هو العيش في وفاق مع الطبيعة، فإذا كان الحكيم لا يستطيع أن يغير من سنن الكون شيئاً فبوسعه أن يتقبل بكل الرضا جميع ما يحمله قدره إليه فلا يجزع أو يحزن على أحد مهما كانت صلته به، وبوسعه أن يستأصل من نفسه كل ما يخالف منطق العقل من ألم وخوف وأوهام. لكن ما هو حيز الحرية المتروكة للإنسان أمام هذه الجبرية المطلقة؟ ألم يسخر الأبيقوريون مما يراه البعض قدرا وأن الإنسان نفسه هو سيد هذا العالم ولا سيد له؟
الانفعال إذا هو الصادر عن رضا النفس أو نفورها بإزاء إحساس ما أو حدث ما. فليس حكمنا بأن موت الصديق مصيبة هو الذي يحرك النفس بل حكمنا أنه من اللازم أن نحزن لهذا المصيبة، فإذا أردنا أن نستبعد الحزن وجب أن نستبعد هذا الحكم الأخير. ينقل عنهم شيشرون: (( كيف لا نقوم بأحكام خاطئة؟ لقد علمونا ذلك منذ طفولتنا. إذا ما تعثرنا بحجر وبكينا تنهال المربية التي تعلمنا المشي بالضرب على الحجر بدلاً من أن توبخنا. إيه ربي، ما ذنب هذا الحجر المسكين؟! هل كان عليه هو أن يخمن أننا سنتعثر به وأن يغير مكانه؟! عندما نصبح كباراً ونكلف بالوظائف نجد أنفسنا كل يوم أمام أسئلة مشابهة. هو ذا السبب في أننا نعيش ونموت أطفالاً(...) ندعو في الحياة طفلاً من لا يعرف كيف يعيش ولا يمتلك آراء سليمة ))


التعليق:
فكرة عدم الفرح وعدم الحزن لأي حدث فكرة تخالف الطبيعة البشرية، في حين أنهم ينادون بالالتزام بنظام الطبيعة, لكنهم ينظرون للطبيعة المادية ولم ينظروا للطبيعة الإنسانية بأي نظرة, وهذه الفكرة الرواقية أيضاً نجدها تتسرب إلى بعض المفكرين والشعراء كما قال المتنبي:
أنا لا أرى الأحداث مدحاً ولا ذماً
ورددها المعري كثيراً في مثل قوله:
غير مجدٍ في ملتي واعتقادي *** نوح باكٍ ولا ترنم شادي

كل الفلسفة اليونانية والغربية هي محاولات للتأقلم مع عدم فهم الإنسان, هم لم يفهموا الإنسان بل يدورون حول الإنسان, كل الحكمة القديمة والحديثة والفلسفة تدور حول الإنسان وليس داخله. حتى فلسفة أرسطو في المنطق الصوري هو وصف، لكنه لا يذكر لماذا ولا من أين جاء. هؤلاء فلاسفة ظواهر الإنسان وكيف نتعامل معها, أحدهم يقول: اكبتها، وآخر يقول: أطلقها، فالرغبات مثلاً أحد يقول اكبتها وأحد يقول أطلقها, وتستطيع أن تقسم هذا على كل الفلاسفة.

المعرفة نفسها بعضهم يقول أنها موجودة على شكل ذاكرة في ملفات الإنسان، مثل سقراط، وأن التعليم عبارة عن تذكير, وبعضهم يقول: كلا بل يولد ورقة بيضاء والحواس تطبع فيه. وهذا كله وصف من الخارج ولا أحد منهم يؤصل من داخل الإنسان.

لهذا اقتضت الحاجة لدراسة الشعور الإنساني، وهو مصدر معرفة الإنسان, هم يدورون حول سلوكات الإنسان وحركاته، لكن السؤال: أين مرجعها؟ وهنا يبدأ الاختلاف.

يتعاملون مع الإنسان كأنه فراغ في داخله, والحقيقة العكس تماماً, هو من الداخل يطبع على الخارج، قال تعالى: {فألهمها فجورها وتقواها} وقال: {علّم الإنسان ما لم يعلم} , بينما هم لا يؤمنون أن الإنسان يفهم من نفسه ويحكم على الخارج.

كل هذه نظرات مادية, الفلسفة اليونانية مغرقة بالمادية, بل إن نصفها يعتبر مادياً خالصاً كالفلاسفة الذريين، والنصف الآخر من يسمون مثاليين، هم عقلانيون، والعقلانية بنت المادة أيضاً! فالغرب ليس مادياً من الآن بل من الأساس.

اقتباس:
((السعادة نتيجة للفضيلة، والفضيلة كائن حي، فهي من حيث الماهية بالفكر تكون، لنقل أنها رصانة عقلية. يقول ديوجينس اللارسي: (( إن من أغضبك ليس ذلك الشخص بل رأيك أنت، فاسع قبل كل شيء ألاتترك نفسك تنجرف مع خيالك، لأنك إذا ما تمهلت وترويت سيسهل عليك أن تكون سيد نفسك)). أما أبيكتيتوس فيتساءل قائلاً: (( ماذا يجعل الطاغية مخيفاً؟)) يتابع: ((إنهم أصحابه وأتباعه المسلحون بالسيوف والرماح. لكن الطفل يقترب منهم دون أن يخافهم. لماذا؟ لأنه لا يعرف الخطر. وأنت عليك ألا تعرفه وتزدريه)).


التعليق:
وهذا ما ظهر في فلسفة "جان جاك روسو" الذي يقول: دع الطفل يفعل ما يشاء ويتعلم من نفسه ولا تخوفه من شيء. وهذا ينم عن جهل عما في داخل الإنسان, هو لا يريد معاناة الخوف لكن داخل الإنسان يريد أن يخاف لكي يبقى، والخوف أكبر مؤثر في الإنسان.

ثم كيف تمسح المعرفة؟؟ هو يتصور أنها تمسح, لا يمكن أن تمسح معرفة عرفها الإنسان من شعوره، مع أنه قد تمسح معالمها المادية من عقله؛ لأن الشعور لا ينسى.

مشكلة الفلاسفة عدم معرفتهم بالشعور، فمعرفة الشعور وقوانينه تنسف كل الأبحاث التي تريد أن تفهم الإنسان من خارج الإنسان, كل الفلسفات قديمها وحديثها تشبه محاولات الوصول إلى مدينة لكنها لم تنجح, فلسفة المنهج الطبيعي الإٍسلامي هي الوحيدة التي وصلت إلى المدينة أو على الأقل دخلت مشارفها.

اقتباس:
((فليس حكمنا بأن موت الصديق مصيبة هو الذي يحرك النفس بل حكمنا أنه من اللازم أن نحزن لهذا المصيبة، فإذا أردنا أن نستبعد الحزن وجب أن نستبعد هذا الحكم الأخير. ))
التعليق:
الرواقية تنظر للمشاعر الإنسانية على أنها أفكار مستقاة من الآخرين، وهذا وهم كبير , لأن المشاعر من الشعور الفطري الموجود عند الجميع, هو لا يريدك أن تحزن إذا مات صديقك على اعتبار أن الفكرة السائدة تقول عليك أن تحزن! هذا يدل على أنهم يتصورون الإنسان كعقل فقط فيه معلومات، وليس له شعور خاص ومشترك بين الجميع, كل ما عليك أن تزيل هذه الفكرة حينها سترتاح من الحزن على صديقك! لكن السؤال لهم: لو وضعنا مكانها فكرة أن نفرح لموت صديقنا؟! هذا منسجم منطقهم! وبالتالي تقيم حفلة راقصة لموت صديقك لأنك غيرت الفكرة!!

و هذا الأساس الرواقي نجده عند جماعة البرمجة العصبية, التي تنادي بتغيير الأفكار بطريقة البرمجة. كل هذا سببه عدم معرفة أن للإنسان شعور مشترك لا يتغير, والدليل هو فشل كل هذه الأفكار والفلسفات بتغيير الإنسان. هؤلاء لم يسألوا أنفسهم إذا كانت هذه أفكار, من الذي أخرجها؟ من الذي أوحى للناس احزنوا إذا مات صديقكم ونشرها بينهم بهذه الدرجة؟!

اقتباس:
((عند الرواقيين السعادة ليست فردية ولا يمكن لها أن تكون كذلك بل هي جماعية، فما ليس بنافع للخشرم (جماعة النحل) ليس بنافع للنحلة. فالاجتماع الإنساني هو بحد ذاته موافق للطبيعة وهو صادر عن الأسرة التي هي جماعة طبيعية بامتداد التعاطف إلى خارج نطاقها. أما الأعراف والقوانين المختلفة بين الشعوب فهي عرفية بحتة ولا ينبغي أن يقف التعاطف بين الناس عند حد ولا أن يتفرقوا مدنا وشعوباً فجميعهم أخوة وليس بينهم أسياداً أو عبيداً. وعلى الحكيم الرواقي بالتالي ألا يعلن نفسه مواطناً أثينياً وحسب بل مواطناً في العالم أجمع. هنا تكرس الرواقية مفهوم المواطنة العالمية وتسجل نقلة نوعية لمفهوم المساواة))
التعليق:
النظرة إلى أن السعادة لا تكون إلا جماعية ولا تكون فردية، وبناءً على ذلك تعظيم الأسرة والمجتمع وتشبيهه بالنحل، هذا يشير إلى الفلسفات الشرقية خصوصاً الكونفوشية, مع أن الواقع لا يؤيد هذا الكلام, فقد يكون الفرد سعيداً في وسط مجموعة شقية وقد يكون مطمئناً في وسط جهلة كما كان الأنبياء.

كل ما سبق يجعل الرواقية مناسبة للطبقات الحاكمة، يؤيده فكرة عدم الفروق بين الناس كي تناسب دولة تجمع شعوباً متعددة كروما، وتحاول صهرهم في بوتقة رومانية واحدة. وكانت الرواقية مؤهلة للتسلل إلى أي تدين سياسي كما كانت مناسبة في أصولها في الصين والهند.


.................................................. .......

أما بالنسبة للمنطق الصوري فوجدت هذا المقال الذي يتحدث عنه على هذا الرابط
http://www.ta5atub.com/t9141-topic

التعليق:
لماذا فقط هذه البديهيات الثلاثة للعقل؟ والتي هي أًصلاً مأخوذة من الشعور, هناك غيرها الكثير ولا يقل عنها قيمة, وكيف يفصل الشيء عن غيره إلا بمجموعة من القوانين؟! ما ذكره أرسطو هو عبارة عن قانون واحد في الحقيقة، فالقانونين الثاني والثالث هما عن بعض حالات هذا الشيء, أيضاً الشيء نفسه قد يكون مفرداً وقد يكون مركباً أو قد يكون مجموع مركبات, مفرد مثل طالب، ومركب مثل فصل، ومجموع مركبات كمثل كلية، وهكذا..

وهل الشيء الواحد واحد فعلاً؟ القلم هو قلم بالنسبة للكاتب لكنه عود من الحطب لمن أراد أن يشعل ناراً, أو وسيلة كأن يستخدم كسلاح! إذن لا يمكن أن يحدد الشيء تحديداً كاملاً إلا نسبياً.

أيضاً الشيء لا يمكن أن يوجد إلا في وسط، لا يوجد شيء لوحده، وهذا من قوانين الأشياء. وأيضاً لابد من علاقة بينه وبين الأشياء, وهكذا الصفات لا تنتهي للموصوف الواحد, فلماذا حُددت بثلاث؟! مع أن هذه الثلاث صحيحة إلى حد ما. إذا كان العلم ممتداً فكذلك المنطق ممتد ولا قفل له, لأن المنطق عبارة عن علم ثابت تحوّل إلى مقاسات يعلم بها غيرها, وتستعمل في التفكير, والتفكير هو إٍسقاط المنطق على المعلومات, والمنطق نفسه عبارة عن معلومات قياسية.
أرسطو لم يذكر من أين جاءت، أي من أين جاء فهمها، مما يدل على أنها معلومات عرفها الشعور وتكررت معرفتها له وثبتت بالتجربة.

إذا أردنا أن نرجع لأساسات التفكير فليست هذه الثلاث قوانين أساساتها, بل الأساس {وعلّم آدم الأٍسماء كلها} أي من التمييز الذي هو من الشعور, فتأخذ الأشياء أسماءها ومن ضمنها هذا الشيء الواحد.

دون تمييز لا تستطيع أن تفكر؛ لهذا الحيوان لا يفكر إلا في ما يميّزه وهو ما يتعلق بغرائزه, فلما أعرف أن هذا شخص وهذا هواء وهذه شجرة...الخ, بعد هذا أستطيع أن أفكر, والتفكير قائم على الميزات, فهذا إناء مجوف وغير مسرِّب إذن أستطيع أن أضع فيه الماء, لأنني ميزت صفاته, قال تعالى: {وعلّم آدم الأسماء كلها} الأسماء هي الذوات والأساسات, الحيوان لم يعلّم الأسماء؛ لذلك لا يفرق بين الذوات إلا ما له علاقة بغرائزه, لهذا الحيوان لا يفكر مثل الإنسان.

وقوانين أرسطو تنطبق على الحيوان فيما يتعلق بغرائزه، فالقط ينظر إلى جسم صغير يتحرك ويقول: إما أن يكون فأراً أو لا يكون, فإذا عرف أنه فأر عرف أنه لن يكون كلباً أبداً ولا قرداً ولا دباً, أي لا يكون الشيء نقيضه, أي عرف أن (أ) هو (أ) , بدون هذه البديهيات لا يستطيع أن يعيش لا الإنسان ولا الحيوان.

إذن أساسات المنطق الصوري لم تميّز الإنسان عن الحيوان, والذي يميزه هو أن الإنسان يستطيع أن يميز ما ليس له علاقة بحياته على خلاف الحيوان. وهذا الذي يصلح أساس التفكير عند الإنسان، وليس القوانين الثلاثة. هذه ميزة خاصة لآدم أنه عُلّم الأسماء كلها, فالأسماء تعني الذوات المفصولة عن بعضها, لهذا أهم شيء في دراسة أي لغة هو الأسماء، أما الباقي فتوابع لها كالأفعال والحروف, واللغة ما هي إلا عبارة عن موصلات للأسماء مبنية على المنطق اللغوي العام. وكل اسم يحمل الصفات في داخله وإلا لم يعط اسماً لولا ميزاته, انظر إلى تدرجات أسماء الرياح والهواء في اللغة أو أسماء مراحل نمو الإنسان أو الحيوان ... وهكذا, كل اسم مبني على تمييز, إذن علم الله آدم التمييز العام مثلما علم الحيوان التمييز الخاص. والقرآن دائماً هو المرشد الحقيقي الذي لا يخطئ لمعرفة الإنسان والحياة.

لاحظ أن أول قانون وضعه أرسطو هو الهوية والذي يشير إلى التمييز وإلى {وعلم آدم الأسماء}.
الزنقب غير متصل  
قديم(ـة) 28-05-2014, 08:57 AM   #3
الزنقب
كاتب مميّز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132

من مدونة الوراق

دفاعًا عن المنطق واحترامًا لعقولنا - لا دفاعًا عن الإلحاد والعلمانية الدنيوية، ولا تهجمًا على الإيمان والدينية الآخروية ..
قلتم: (( ولاحظ أن البهائم لا تجد فرقاً بين الخير والشر وهذه من أسس الإلحاد والعلمانية الدنيوية ، فانظر إلى دقة التشبيه.)) !!
وهل ترى أن هذا منطق إله؟ .. أن يُشبِّه بالبهائم أناسًا هو الذي خلقهم لعبادته ..، وهو الذي كرمهم في آية أخرى!!
ألا ترى أن هذا منطق بشري؟
أليس الصانع مسئولاً عن صناعته؟
أم أن إلهكم ليس قوة مطلقة، إنما هو كائن بشري مثلنا؟
أليس الذي جعل البهائم لا تجد فرقًا بين الخير والشر، هو ذاته الذي جعل الملحدين العلمانيين لا يجدون فرقًا بين الخير والشر – حسب زعمكم وفهمكم للخير والشر؟
يعني تقصدون أن البهائم قد تصنع يومًا واقعًا مثل واقع الإلحاد والعلمانية الدنيوية الذي صنعه البشر الجهلاء في هولندا والسويد وسويسرا وأمريكا وكندا .. الخ ..
وأن الملحدين والعلمانيين قد يعقلون يومًا ويصنعون واقعًا إنسانيًا إيمانيًا آخرويًا مثل الواقع الإيماني الإسلامي الذي مازال يصنعه البشر العقلاء في العراق وسوريا منذ عهد معاوية وعلي والحسين وإلى يومنا هذا ..، والواقع الإنساني العقلاني في اليمن وأفغانستان والصومال ولبنان وليبيا ..، أو باختصار في كل بلاد البشر العقلاء الذين قادتهم عقولهم أو بالأصح قادهم السيف وحد الرِدَّة فأصبحوا بفضل الله مؤمنين مسلمين عقلاء ..
يعني تقصدون بسلامة إيمانكم الذي هو دليل سلامة عقولكم وفهمكم أن الإنسانية والعقلانية واللا بهيمية هي ما فعله ويفعله المسلمون منذ عهد رسولهم إلى عهد طالبانهم وبوكو حرامهم والقاعدة وأبناؤها من أنصار شريعة وداعش وغيرها ، من كسر لخواطر الناس بسبي نسائهم وأطفالهم وقتل رجالهم واختطاف غافلين وطائرات وتفجير مؤسسات .. لإكراه العلمانيين والملحدين على دخول الإسلام كي يتحولوا إلى بشر عقلاء ..
أفسحوا المجال يا أخي أمام عقول المؤمنين كي تعمل بحرية، وارفعوا عن رقابهم سيف الردة وسياط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتهديد والوعيد في كل جمعة وكل مناسبة وكل مادة تربية إسلامية ..،
توقفوا عن تلويث فطرة الأطفال بتخويفهم بالنار وإغرائهم بالجنة ..
دعوهم أحرارًا حتى يبلغوا سن الرشد ثم اعرضوا عليهم إيمانكم ..
ودعونا نرى كم سيتبقى من المؤمنين المسلمين؟
لا تقل لي إن الإيمان أو الإسلام ليس مسئولاً عن سلوك الغاب البهيمي الذي يتميز به المسلمون على مر تاريخهم .. وصولاً إلى سنة السبي الحميدة التي تطبقها بوكو حرام اليوم في نيجيريا بسبي الطالبات من مدارسهن والفتيات الصغار من بيوتهن لبيعهن وتزويجهن للمجاهدين رغمًا عنهن ..
إذا تسمم الكل وقد شربوا من ذات الإناء، فمن التغابي والوهم والعبث تبرئة الإناء واتهام كل الأمعاء !!!

الرد :


البهائم أفضل سلوكا ، لأنها لا تخرج عن فطرتها ، ولا تدمّر البيئة، ولا تنادي بالشذوذ, ولا تحرم غيرها من الحياة الحرة الكريمة, ولا تعبث بمصائر الشعوب, ولا تكيل بمكيالين, وليست أفضل خلقة و غاية, أليس هذا شيئا واقعيا عند الحيوان؟ هل هذه الدول التي تمدحها فعلت هكذا ؟ أم أنها دول الإمبريالية والاستعمار و الراسمالية البغيضة والعنصرية واحتقار الشعوب ؟ هل البهائم تفعل هكذا ؟ كن عِلمياً .. ألم يكن بإمكان هذه الدول أن تكون مصدرا للخير و السلام؟ لا مصدرا ومسوقا للأسلحة الفتاكة وأجهزة التعذيب والتصنت؟ و أنا هنا لا أدافع عن كل من ينتسب إلى الإسلام، ولا أهاجم كل من ينتسب للغرب و الإلحاد, بل في المسلمين من هو احقر سلوكا .. والاية تنطبق على كل من خالف أوامر الله حتى من المسلمين وكل من لم يجد فرقا بين الخير والشر وكل من كانت الاطماع واستغلال الآخر هي هدفه، لأن الأنعام لا تفعل هكذا ولا تفسد الارض ولا تمتلك اقوات غيرها. بل لا تجد حيوانا يستغل حيوانا آخر أو يمنع عنه غذائه وشرابه, والأسد ليس ملكا للغابة كما يسمى ظلما, فهو يتصرف بغيره فقط يأكل ليعيش.



أيهما أفضل : مجتمعات دول الغرب أم مجتمعات النمل أو النحل ؟ الأقل ضررا لغيره وللبيئة هو الأرقى منطقيا.



ثم على ذكر الحيوان : ألستم أنتم من ينادي بحيوانية الانسان وأن الإنسان قرد مطوّر؟ وأن مرجعكم هو ما يفعله الحيوان؟ ما الذي تغير؟ المفروض أن تفرح كما يفرح داوكنز الملحد إذا قيل أنت حيوان! و يطرح سؤال مهم عنده لمن يسجل في منتداه هل أنت إنسان أو حيوان حتى يميز بين الملحد والمؤمن! حتى إنكم تبحثون عن الشذوذ الجنسي عند الحيوان حتى يكون مشرعا؟ انتم من جعل الحيوان مصدر التشريع و جدكم الاول .



ثم : انت تتكلم عن الله بموجب فهمك العلماني، تتصور ان الله خلق الناس ليعبدوه وعجز عن جعلهم كذلك ! متناسيا أن الله خلق الناس وكرمهم وأنعم عليهم و أعطاهم حرية الاختيار والوعي، واعطاهم حرية التفريق بين الحسن والقبيح ، و ارسل اليهم الرسل، ليهلك من هلك عن بنية، وينجو من نجا عن بينة، و بحرية اختيار كاملة دون إلزام. فكيف تكون هذه الفكرة بشرية؟! الأفكار البشرية تريد أن تلزم, والقرآن يقول {لكم دينكم ولي دين}, مثلما العلماني يريد ان يلزم الناس بعلمانيته ويفرض عليهم تنحية الدين, لأن فكرته بشرية.



الإنسان الشرير أسوأ من البهائم في سلوكها ويفسد الحياة حتى على البهائم، وهذا شيء منطقي ولا تستطيع أن تثبت خطأه. أما كيف أصبحوا أضل من الأنعام، فلأنهم اختاروا العمى على الهدى والشر على الخير، وتكبروا على الحق. ويشبهون البهائم بأنها لا تهتم إلا بأكلها ونومها وغرائزها، ويزيدون عنها سوءا في أنهم يفسدون ويخالفون الفطرة ويعتدون على غيرهم بطرق مباشرة او ملتوية. هذا كله منطقي وواقعي، ولا تستطيع أن تخطئه {ويكتمون الحق وهم يعلمون}.. وصدق الله حين قال (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس) ولم يقل غير المسلمين، فمن المسلمين من يفسد أيضا لأن روحه علمانية داخلة في الدين, ففساده من علمانيته لا من دينه. مليار حيوان بحري يموت سنويا فقط بسبب اكياس البلاستيك .. هذا غير ما يموت بسبب النفايات الكيميائية والتلوث الهوائي والمائي والذري وتلوث التربة ، هذا غير ضحايا الحروب والاسلحة الفتاكة وعوادم السيارات والجراثيم المصنعة لأغراض سوق الأدوية .. 50 مليون فدان من الغابات المطيرة تتدمر سنويا، بسبب الإسلام طبعا وليس بسبب الراسمالية المقيتة ..



على مدى قرنين من الزمان : أكثر الحروب في العالم تقوم بها الدول الغربية ذات العلمانية و الالحاد بطريق مباشر او غير مباشر..لا توجد حرب ليس للغرب فيها طرف في العالم، هل يجرئك هذا أن تقول : أن العلمانية والالحاد سبب للشرور في العالم ؟ أم أنها لا تكفي ؟ الحضارة الغربية في القرن العشرين دمرت من الطبيعة ما لم تدمره البشرية منذ وجودها. ويبقى الاسلام هو المسؤول أما العلمانية فكلٌ يمثل نفسه وليست مسؤولة عن أي شر! وبعيد الشر عنها! يحيا الإنصاف العلماني الملحد! صاحب مبدأ "اكذب و اكذب حتى يصدقك الناس" ..



السؤال: مادامت هذه الشرور من مسلمين تُرصد وتُنسب للإسلام, لو سألتك لماذا لقلت لأني أكره الشر! ولن تقول بسبب العنصرية ضد المسلمين, إذن عليك أن ترصد الشرور الأخرى وترجعها إلى مصادرها الدينية أو الأيديولوجية كما فعلت مع الإسلام, لكن الملحد لا يفعل هذا! إذن سقط الطرح من أساسه لعدم الإنصاف, مع العلم أن الشرور التي وقعت من غير المسلمين أكبر وأفظع وعلى مدى لتاريخ, لكنها شرور مجهولة الهوية! أما الشرور التي فعلها المسلمون فلا إنها معروفة الهوية وبالضبط! هل هذا عدل وأخلاق أو احترام للعلم والموضوعية؟ أم أنه تحدي سافر وكراهية مكشوفة وكيل بمكيالين؟ "عين السخط تبدي المساوئ" عليك أن تكمل بحثك الخيّر الفاضل عن مصادر الشرور الأخرى في العالم وتجمع الشرور التي أنتجتها العلمانية و الشرور التي أنتجتها الشيوعية والإلحاد والشرور التي أنتجتها اليهودية والشرور التي أنتجتها المسيحية وهكذا, لا أن تقف عند المسلمين فقط, وكأن غيرهم لم يفعل شرا قط! حتى يُحترم عقلك وتصدق في أنك تكره الشر! أما الانتقائية فهي عمل مستهجن وشر بحد ذاتها فكل انتقائية من الشر هي شر ولأجل الشر, ولا يوجد دين ولا فلسفة لم يقع أتباعها في أخطاء وشرور. أنت لا تنتقد المصلح السياسية التي تستغل الإسلام, ولا تششير إليها من قريب ولا من بعيد, مع أنك تعرف أن المصالح هي سبب الصراع دائما وليست الأديان, وما الأديان إلا غطاء مثلها مثل الحرية ونشر الديموقراطية وغيرها من المبادئ الفاضلة يجري استغلالها. و صدق جبران حين قال: أيتها الحرية كم من الدماء أريقت باسمك؟!



أنا أمام شخص ذو قضية اجتماعية ليس إلا ، ولستُ أمام مفكر يقابل الفكر بالفكر, شواهده كلها ليست منطق ولا افكار ، بل وقائع منتقاة بعناية ومصخمة دون التعريج على أسبابها، يلخّص بها قصة حياة مليار من البشر و من كان قبلهم منذ ألف سنة و من بعدهم! أليس هذا ظلم؟ كل الاسلام هو عملية وقعت في نيجيريا أو نيويورك وانتهى الامر ! هل هذا طرح عقلاني يستحق الاحترام؟



متى كانت الانتقائية من العقل؟ هل أغلبية المسلمين وقعت منهم هذه الأشياء أم من أقلية ؟ لا شك أنها من أقلية نادرة، ألا تعلم أن اغلب المسلمين يرفضون مثل هذه الاحداث؟ وهم من ضحاياها ايضا ؟ تعرف ان الاغلبية ترفض و لم تشر إلى ذلك، و معهم أدلتهم من الإسلام . أنت تفرح بالشاذ من سلوك المسلمين وتريد ان تعممه على الجميع، وتجعل الاسلام مسؤولا عنه بدلا من المسلمين، عملية تبديل ادوار، لأنك تكره الإسلام فتريد أن تجعله هو المسؤول وتركض إليه بسرعة عند أي مشكلة تكون من مسلم، هل تركض إلى الإلحاد عندما يخطئ ملحد أو إلى العلمانية عندما يخطئ علماني؟ طبعا لا, إذن طرحك لا قيمة له و يعاد إليك بكامله لأنه غير مقنع لنقص احترام العقل والأخلاق فيه مقابل زيادة العنصرية والكراهية لأمة بكاملها هي من أكثر سكان الأرض! الفاعلين من المسلمين تبرئهم لأنم ضحايا الإسلام الذي غرر بهم! عندما قال: {لا إكراه في الدين}! هذه جريمته! عندما تقع هذه الأفعال من أقلية مسلمة و ترفضه الأكثرية المسلمة، فالنتيجة عندك أن الإسلام يؤدي الى العنف و الارهاب، معتمدا على راي الاقلية لا على راي الاكثرية. أما القرآن وهو مصدر الإسلام الأساسي فلا يأمر إلا بالعدل والإحسان, ولا يلزم أحداً بدخوله ولا بالبقاء عليه. قال تعالى (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ، هذا هو الإسلام ، فهل طبّقه المسلمون؟



لو جاء منصف لقال : أكثرية المسلمين ترفض الإرهاب، اذن الاسلام يرفض الارهاب، بناء على الأكثرية, هذا يفعله صاحب النية السليمة والعقل العادي. اذن من يفعل مثل ما فعلت هو لا يملك نية سليمة ولا منطقا سليما. انت لم تناقش الاسلام في افكاره، انت تريد أن تحمّل الاسلام بعض السلوكات من اتباعه. ولو رايت سلوكا حسنا لتغاضيت عنه ولم تنسبه للاسلام, وتبحث عن السلوك السيء لتجعل الاسلام مسؤولا عنه وتبرئ ساحة المسلمين، وكأن المسلمين ليس لهم حرية اختيار بين الخير والشر ولا بين الحق والباطل، وكأن البشر آلات، ما صبغت بلون اخضر تستمر خضراء وما صبغت بلون احمر تستمر حمراء ..



لو سالتك عن الملحدين قلت : فيهم وفيهم، أما المسلمين فكلهم فيهم! حتى المعتدل لا قيمة له عندك لأنه قد يتحول إلى متطرف في أي لحظة, لكنك لا تقول قد يتحول متطرف إلى معتدل في أي لحظة! فما أجملك وأنت تمارس الانصاف! لو اخبرتك عن الارهابيين الملاحدة لقلت : يمثلون انفسهم ، لو سألتك عن افعال ستالين وقتله 50 مليون بحروب دينية تحت راية "لا اله والحياة مادة" لقلت : هذا يمثل نفسه ولا يمثل الالحاد، ولو سألتك عن "مفجر الجامعات" الملحد تيد (كازنسكي) لقلت : يمثل نفسه ولا علاقة للالحاد ابدا بافعاله! بل حتى في كتاب Dying to win لروبرت بيب (دكتور في جامعة شيكاغو) يؤكد من خلال احصائيات ودراسات أن أكثر من قام بعمليات إنتحارية إرهابية خلال العقدين الماضيين هم نمور التاميل العلمانيون الملاحدة الماركسيون، أي أكثر من المسلمين، مع عدم المقارنة في العدد بين التاميل والمسلمين في العالم ، وفي أمريكا وحسب إحصائيات موقع FBI أن العمليات الإرهابية التي قام بها يهود أكثر من العمليات التي يقام بها مسلمون في أمريكا. ولو نظرت الى الفئات التي تذكرها من المسلمين، تجدها منخرطة في السياسة، والسياسة تعني مصالح، والمصالح علمانية تستغل الدين.



أما طالبان لديك فتمثل القرآن 100%! وبوكو حرام هي الإسلام عينه ! كما نزل على محمد ! فيا للانصاف والاستخفاف بعقول الناس من رجال دين شيطاني إلحادي لا يجد أي فرق بين الخير والشر ..



لا عاقل يصدقكم فأريحوا أنفسكم، لأنكم بكل بساطة غير صادقين ولا منطقيين ولا تطبقون ما تقولون على إلحادكم. المنطق هو ما يُعمّم على الكل، هيا حاسب الالحاد على كل اخطاء الملاحدة وعمّم هذه الافكار ولا تكلها بمكيالين ! لن تفعل .. لكنك تحاسب الاسلام على اخطاء مليار من المسلمين !! هل هذا عدل ؟ بل هل هذا عقل ؟ و تريد أن تـُقنع ؟ أنت تكلف نفسك أكبر من طاقتك ..



القنابل الذرية التي ألقيت على مدن بكاملها ، تُحاسب بها من ؟ هل تحاسب بها المادية و الالحاد والعلمانية ؟ أم تـُحسب على المسلمين ومحمد ؟



طائرات بدون طيار تمارس الإرهاب بشكل يومي ومن عشرات السنين، ونسبة المطلوبين في ضحاياها 10% فقط ! و في قرى تعاني من الفقر والمرض أصلا .. صواريخها تخلط دماء الأطفال بألعابهم .. من المسؤول عنها ؟ الإسلام ؟! أم العلمانية والالحاد ؟



حربين عالميتين مدمرتين : تُحاسب بها من ؟ هل قام بها مسلمون ام علمانيون ؟ ضحاياها تقارب 100 مليون وليست 100 شخص او 200 .. و أظنها أفظع و اشنع من هذه العمليات الجزئية ! أين الإنصاف ؟ طبعا ستنسب الحرب العالمية الثانية كلها الى شخص اسمه "هتلر" لا يمثل الا نفسه ! ترى لو كان هتلر مسلماً ! ماذا ستقول ؟ ستقل راساً إنها تعاليم محمد التي توصي بالابادة الجماعية ! أما من ينتسب للإسلام فكل أفعاله أمر بها القرآن ! ولا يوجد مسلم من وجهة نظرك يخالف الإسلام ابداً !! كلهم مطيعون متّبعون ! بينما "هتلر" متأثر بأفكار "نيتشه" عن عنصرية السوبرمان الالماني المتفوق الملحد ، وهتلر قتل العجزة والضعفاء كما طالب نيتشه، وقال : "الإشتراكية القومية والدين لا يمكن أن يجتمعا معا" (علماني) .

وقال : "إن اقوى ضربة تلقتها البشرية هي ظهور المسيحية" (ملحد) (وطبعا هتلر لم يُسلِم..)

وقال " البلشفية هي الإبن الغير شرعي للمسيحية، وكلاهما اختراع يهودي" ..

وقال : "المسيحية ابتكار عقول مريضة" ..

لماذا لا تنسب فضائع النازية الى الالحاد ؟ أو العلمانية على الاقل ؟ خصوصا و أن نيتشه عمقٌ للقومية الالمانية .. هذا خطاب نتشوي ملحد واضح و نفّذ مطالب نيتشه ، وهو الملهم للنازية .. و هتلر قتل من المسيحيين أكثر من اليهود، بل قتل رجال دين وقساوسة.



هل رأيت الوحش الإلحادي الذي لا يفرق بين الخير والشر و يسخر من القيم و الاخلاق الانسانية كما سخر ستالين الملحد من الرحمة والاخلاق ؟ مثلما سخر منها الاب الروحي للالحاد نيتشه ؟ بينما الإسلام يدعو للرحمة و يحث على التسامح ، و هذا فرق في المبدأ الاخلاقي بين الاسلام والالحاد ..



اساس أي دين هو المحبة و الخير ، و اساس الإلحاد هو المصلحة والتفوق وسحق الاخر والسوبرمان .. دعنا من الإستغلال العلماني للدين، انظر الى الاساس ..



كذلك العمليات الاستعمارية التي لا تتوقف : تحسب على من ؟ هل تحسب على الاسلام ؟ أم أنها لا تحسب على أحد ؟ فقط زلات المسلمين هي التي ترصد وتضخم ؟ وبقية الجرائم تقيّد ضد مجهول ! أو لا تسميها جرائم ، فقط الجرائم ما يفعله المسلمون ! هذا هو التحدي المشين الذي يُذهب الثقة بعقل قائله ..



الالحاد هو الذي لا يمكن أن يأتي بخير، أما الدين فقد يأتي بالخير وقد يُستغل للشر، مثله مثل أي فضيلة، اما الالحاد فهو مبني على اساس من الرذيلة .. لأنه مبني على الصراع والبقاء للاقوى واعتبار الاخلاق ضعف وأن الاخلاق نسبية ولا يوجد فاصل بين الخير والشر الا المصلحة ، ويرفض كل الاديان بما فيها من خير ، ولا يؤمن الا بالمادة ..



اذا كان في الدين خير و شر، ففي الالحاد شر و شر ، و إن فعل ملحد خيرا فهو خارج أوامر الالحاد و محسوب على الدين .



هذا الخطاب الذي تقوله خطاب كراهية عنصري دعائي إسلامفوبي لا قيمة له عند العقلاء .. وأنا يعنيني العقلاء فقط . فوجّه هذا الخطاب الرديء عقليا لمن يهمّه ويهتم به ، لأنه خطاب عاطفي متشنج غير منصف يقدّم الملاحدة ملائكة و المسلمين شياطين معتمدا على الانتقاء البغيض ..

الزنقب غير متصل  
قديم(ـة) 28-05-2014, 08:58 AM   #4
الزنقب
كاتب مميّز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
يعتبر زينون القبرصي مؤسس المدرسة الرواقية سنة 342 ق.م درس العديد من المذاهب الفلسفية حيث درس فلسفة الكلبيين وطرائق حياتهم العلمية كما درس الفلسفة الميغارية هذا فضلاً عما تأثر به من تعاليم سقراط وأفلاطون فتناول تلك الآراء جميعاً

وأراد زينون أن يحيا حياة فاضلة تقوم علي أساس من الخلق القويم,ولكن من له بهذا الإحساس, وأين يجده؟ انه يريد عماداً ثابتاً وطيداً لا تتزع قوائمه مع اختلاف الزمان والمكان فالتمس مبادئه في البداية من المدرسة الكلبية عسي أن يصادف عندهم الهدف المنشود ,ورافق كراتس الكلبي زمناً طويلاً حتى اخطأ فريق من أتباع زينون فاعتبروا أنفسهم ورثة للفلسفة الكلبية التي تفرعت عن فلسفة سقراط وكانوا يتخذون سقراط وديوجنيس أمثلة عليا لما يجب أن يكون عليه الحكيم,واذن فقد كان غرضهم الاسمي هو فرض المدرسة الكلبية بذاته:سعادة الإنسان واستقلاله بفضيلته وكان تعريف الفلسفة هو تعريفها عند المذهب الكلبي ,عمل الفضيلة وقاسوا قيم الأبحاث النظرية بمقدار اشتراكها في بناء الحياة الأخلاقية .

ولكن فات هذا الفريق ان مذهب زعيمهم زينون لم يكن هو بذاته مذهب المدرسة الكلبية ولا هو تهذيبه بحسب بل انه شئ آخر جديد خلقه زينون خلقا وأنشأه إنشاء ,وان يكن قد استقي عناصره من سابقيه.

الأخلاق عند الرواقيين:

تعاليم الرواقيين مؤسسه علي مبدأين هما:-

1-إن العلم محكوم بقانون شامل ثابت ليس فيه استثناء.

2-إن طبيعة الإنسان الأساسية طبيعة عاقلة,فصاغوا آرائهم الأخلاقية في هذا المبدأ"عش علي وفاق الطبيعة"يعني بذلك شيئين:-

1-يجب ان يعمل الناس علي وفاق الطبيعة بمعناها الواسع اعني علي قوانين الطبيعة التي تحكم العالم.

2-أن يعملوا علي وفاق الطبيعة بمعناها الضيق ,اعني حسب أهم شئ في طبيعتهم لا وهو الجزء العاقل ,فيسير الإنسان علي حسب ما يرشد إليه العقل خاضعاً لقوانين العالم تكون حياته حياة أخلاقية فالفضيلة هي السير حسب العقل والإنسان الحكيم هو من يخضع حياته لحياة العالم ويعد نفسه ترساً في تروس الدائرة والخضوع للعقل قال فيه أفلاطون وأرسطو من قبلهم وإنما الفرق شرح الرواقيين لهذا المبدأ فأرسطو مثلاً, عد أهم جزء في الإنسان عقله كما قال الرواقيين, لكنه عد الشهوات جزءاً من الإنسان لها مكانة ولم يتطلب محاربتها وإنما تطلب ضبطها بواسطة العقل ,أما الرواقيين فعدوها شراً محضاً يجب أبادته, وصوروا الحياة حياة حرب بين العقل والشهوات يجب فيها ان ينتصر العقل ويظفر بشهوات بقدمها ,ومن ثم كانت نظراتهم تنتهي بالتقشف والزهد والتوازن بين قوي الإنسان.

قد جعل أرسطو الفضيلة اكبر ذو قيمة, ولكنه مع هذا جعل للمال والظروف والأشياء التي حولنا قيمة في الحياة.أما الرواقيين فقالوا:لا خير في الوجود إلا الفضيلة ولا شر إلا الرذيلة , وما عداهما فشئ تافه لا قيمة له,فالفقر والمرض والألم والموت ليست شروراً والغني والصحة واللذة والحياة ليست ذات قيمة,وعلي الإنسان إلا يبحث عن اللذة فالسعادة الحقة في الفضيلة والإنسان يجب ان يكون فاضلاً لا للذة ولكن لأنه الواجب ولكن لأنه الواجب,وليس هناك درجات للفضائل ولا للرذائل ,فكل الفضائل خير ومتساوية في الخيرية, وكذلك الرذائل.

الفضيلة مؤسسة علي شيئين:-العقل والمعرفة لهذا كان المنطق والطبيعة ونحوها من العلوم ليست لها قيمة ذاتية وإنما قيمتها في أنها أساس الفضيلة,وأساس الفضائل كلها الحكمة,ومن الحكمة تنبع فضائل أساسية اربع هي:-

1-بعد النظر والشجاعة. 2-وضبط النفس او العفة

3-والعدل 4-والحكمة

وإذا كانت الحكمة أساس هذه الفضائل كان من حازها حاز كل شئ ,ومن فقدها فقد كل شئ والإنسان أما فاضل بكل ما تدل عليه الكلمة وإما الشرير بكل ما تدل عليه الكلمة,وليس في العالم إلا اثنان حكيم ومغفل,ولا شيء بينهما,وليس هناك تدرج من الشر إلي الخير,فالحكيم هو الكامل, وهو الحر والغني,وهو الملك حقاً,وهو الشاعر وهو الفنان والنبي ,وليس للمغفل إلا البؤس والقبح والفقر,وهؤلاء الحكماء في الدنيا قليلون وكلما تقدم الزمان زادوا قلة.

وقد وضع الرواقيين,قواعدهم هذه كانت قاسية جافة وبعد ذلك اخذوا يعدلونها ويستثنون منها حسب ما ألجأتهم إليه الظروف فعدلوا نظرهم في ابادة الشهوات لما رأوا أن ذلك مستحيل ,وان كان ممكناً فهو يؤدي الي الفناء العاجل,والعجز عن العمل فقالوا:-إذن ان الحكيم لا يفقد شهواته ولا يستأصلها ولكن لا يسمح بنموها-كذلك عدلوا قولهم بان كل شيء عدا الفضيلة والرذيلة لا يُؤْبَهُ له ,فلما رأوا أن هذا لا يسير مع الحياة العملية أعلنوا إن من الأشياء التي لا يُؤْبَهُ لها ما بفضل بعضه بعضاً,فإذا خير الإنسان بين الصحة والمرض اختار الصحة , وقالوا ان ما عدا الفضيلة والرذيلة ينقسم إلي ثلاثة أقسام :ما يفضل,وما يستحب,وما يهمل فلا يهم _كذلك عدلوا رأيهم في الإنسان أما حكيم وإما مغفل,فقد رأوا أن أبطال العالم ورجال التاريخ والسياسة ينطبق عليهم ما ذكروه عن المغفلين لأنهم ليسوا حكماء علي الإطلاق فهم كثير ما ينغمسون في الرذائل ,حتى الرواقيين أنفسهم لا يخلون ممن يرتكب الأخطاء أحيانا,وفضائلهم لا يصح أن يقارنوا بسقراط وديوجنيس فاعترفوا بان من الناس من ليسوا فضلاء ولكنهم يقربون من الفضلاء وقالوا:ومهما بلغ الإنسان من استقلاله من استقلاله عن العالم الذي يحيط به واستغناؤه عن كل شيء مكتفياً بنفس عاقلة يدرك انه جزء من الكون,وانه مضطر لذلك إلي العمل مع الجميع ومدرك كذلك ان الكائنات العاقلة لا تختلف عنه نوعاً ولا تقل عنه فيما لها من حقوق, وأنهم يخضعون لنفس القانون العقلي الذي يخضع له هو ,ويدرك أيضاً أن الطبيعة إنما أرادت بهؤلاء جميعاً ان يعيشوا معاً في مجتمع واحد, يعمل الواحد من اجل الأخر فقد جبلت في الإنسان غريزة الاجتماع الذي لابد لنشاته وقيامه من شطرين: العدالة والحب بين الأفراد,وبغيرهم لا يرجي لمجتمع دوام البقاء, ولذا فلا مندوحة للحكيم أن يصادف الحكماء جميعاً,وان يبادلهم حبا بحب.

ويري الرواقيون إن هذه الصلة بين أفراد الإنسان لا يجوز أن تقتصر علي أبناء الوطن الواحد فالعالم كله أمه واحده ل افرق بين رجل ورجل,ولقد تابع زينون بهذا الرأي المدرسة الكلبية متابعة وفيه لم يغير في رأيهم شيئاً حتى قيل عن الكتاب الذي ألفه زينون تحت عنوان "في الدولة"انه انه كتب علي ذيل كلب "إشارة إلي انه تأثر في كتابه هذا بآراء الكلبين خطوة بخطوة.

فلم ير الرواقيون مبرراً للتفريق بين بني الإنسان في المعاملة ما داموا ينتمون جميعاً إلي اصل واحد وهم أعضاء جسم واحد ويخضعون لقانون واحد ,فيجب وجوباً لا مفر منه ان نعامل كل إنسان كائناً من كان, معاملة حسنة طيبة لا تستثني من ذلك العبيد ,فهم كذلك جديرون منا بكل عناية وتقدير .

والدين الحق عند الرواقيين هو الخضوع لقوانين الكون وتلبية حاجات المجتمع وخدمته,والتقوى هي عبادة الآلهة ومحاكاتهم حتى نرتفع الي ما هم فيه من كمال وهي صفاء القلب ومضاء العزيمة,فليس الإيمان الصحيح والدين القويم إلا الحكمة والفضيلة وهذا يعني ان الدين والفلسفة شيء واحد.

ومن هذا نري ان الرواقيين لم يأتوا بجديد كثير وإنما اقتبسوا من أقوال من قبلهم وكانوا قساة من تعاليمهم لا ينظرون إلا من جانب واحد وقصروا الفلسفة علي الفلسفة التي تتعلق بأنفسهم فما يفهم من الفلسفة عندهم هو الإجابة عن السؤال "كيف أعيش"ومن محاسنهم التي لا شك فيها أنهم راقوا الشعور بالواجب ودعوا إلي سمو النفس فوق سفا سف الحياة
الزنقب غير متصل  
قديم(ـة) 28-05-2014, 09:01 AM   #5
الزنقب
كاتب مميّز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
فلسفة كانط الأخلاقية (الواجب)

نشأ إمانويل كانط "1724- 1804م" في بيئة متدينة إذ كان والداه ينتميان إلى شيعة بروتستانتية تستمسك بالعقيدة اللوثرية، وتؤمن بأن موضع الدين الإرادة لا العقل، وأنه لابد من أن يؤيد الإيمان بواسطة الأعمال، وتنظر إلى المسيحية إلى أنها تقوى ومحبة لله بينما ترى في اللاهوت "علم الكلام المسيحي" تفسيرًا مصطنعًا أقحم على المسيحية، وقد تأثر كانط بهذه العقيدة في فلسفته، وقال في فلسفته "أردت أن أهدم العلم بما بعد الطبيعة لأقيم الإيمان"[1].

وفي مذهبه الأخلاقي استبعد مذهب السعادة الشخصية، لأنه يرد الخير إلى اللذة والمنفعة، كما أنه يعجز عن استخراج قانون كلي ضروري من أنواع الحساسية الجزئية المتغيرة، ولا يضع تمييزًا بين بواعث الرذيلة، ولم يوافق أيضًا على مذهب العاطفة الأخلاقية مع اعترافه بالفضيلة أولًا وبالذات، ولكنه في الوقت نفسه استبدل بالمنفعة الحسية الرضا النفسي، ولجأ أنصاره إلى العاطفة ليأسهم من العقل "ولم يقدروا أن العاطفة متغيرة نسبية لا تصلح مقياسًا للخير والشر"[2].

إنه مع تسليمه بأن الإنسان يسعى إلى بلوغ السعادة، إلا أن فكرة السعادة قد بلغت من عدم التجديد مبلغًا جعل كل إنسان يعجز عن التعبير عما يشتهيه بالرغم من رغبته في تحقيق السعادة لنفسه، ذلك لأن العناصر المختلفة للسعادة مستمدة من التجربة، ومن ثم فإنه من المستحيل على كائن متناه - وهو الإنسان - وإن ظن أنه أحكم المخلوقات وأشدها قوة أن يكون فكرة محددة عما يريده على وجه الدقة من وجوه على هذه الأرض، فإن أراد الثروة مثلًا فإنه سرعان ما يتعرض للحسد والدس والوقيعة، وإذا سعى إلى المزيد من المعرفة والبصيرة، فربما أدى ذلك إلى أن يزيد بصره نفاذًا إلى الشرور التي تتوارى عنه في حالته الراهنة، وإذا اشتهى عمرًا طويلًا، فمن يضمن له ألا يكون شقاء طويل الأجل؟ وكذلك في طلبه للصحة، فربما كان اعتلال الجسد عاصمًا من إفراط كان سببًا في وهن الصحة الكاملة "إنه على الجملة عاجز عن أن يحدد بيقين تام، وبمقتضى مبدأ من المبادئ ما يمكن أن يوفر له السعادة الحقة، لأنه سيحتاج حينئذ إلى المعرفة الكلية التي تحيط بكل شيء، وإذن فليس في استطاعة الإنسان لكي يحصل على السعادة أن يراعي في أفعاله مبادئ محددة وإنما عليه أن يتبع نصائح تجريبية"[3].

لقد كان كانط في مقدمة القائلين بوجهة النظر المثالية، فأراد أن يحرر السلوك الأخلاقي من قيود الميول والأهواء، ولهذا استبعد اللذة والمنفعة والسعادة غاية قصوى لأفعال الإنسان الإرادية، إذ جعل الباعث يقوم في الإرادة نفسها، وبذلك ارتدت عنده الأخلاقية إلى مبدأ الواجب[4].

ويقدم لنا بعض الواجبات بحعسب تقسيمها إلى واجبات نحو أنفسنا وواجبات نحو غيرنا وهي:
1- لنضرب مثلًا حالة رجل بلغ به اليأس حدًا قرر معه أن يضع حدًا لحياته، فإذا ما بحثنا إن كان من الممكن أن يصير فعله قانونًا طبيعيًا عامًا؟

والمشكلة حينئذ هي أنه هل يمكن أن يتحول مبدأ حب الذات هنا إلى قانون طبيعي عام؟ "ولكن اللإنسان سرعان ما يدرك أن الطبيعة التي يهدف قانونها إلى تحطم الحياة عن طريق الإحساس الذي تقوم وظيفته على دفع عجلة التطور في الحياة، إنما تناقض نفسها بنفسها ولا يمكن أن تحتفظ تبعًا لذلك بما يجعلها طبيعية، وأن من المستحيل على تلك المسلمة أن تصبح قانونًا طبيعيًا، وأنها نتيجة لذلك كله تناقض المبدأ الأعلى للواجب مناقضة تامة"[5] أي أن الانتحار يستحيل أن يصبح قانونًا طبيعيًا.

2- الحالة الثانية: حالة امرئ احتاج إلى اقتراض مبلغ من المال بينما يعلم أنه لن يتمكن من سداده، وتتنازعه الرغبة في عدم السداد، ولكن سرعان ما يقف في وجهه وازع الضمير لينبهه إلى تحريم الالتجاء إلى هذه الطريقة لحل ضائقته المالية.

وحتى إذا كان هذا المبدأ عادلًا، فإنه لن يصبح بأي حال من الأحوال قانونًا طبيعيًا عامًا "وذلك لأن التسليم بقانون عام مؤداه أن كل إنسان يعتقد أنه في ضائقة يستطيع أن يعد بما يخطر على باله، مع النية المعقودة على عدم الوفاء بهذا الوعد سيجعل الوعد نفسه والغاية التي يطمع في تحقيقها عن طريقه أمرًا مستحيلًا، إذ لن يصدق أحد ما يبذل له من وعود"[6].

3- أمر ثالث: يتمتع بكثير من المواهب ويحتاج معها إلى التثقيف والتهذيب ولكنه يهملها ساعيًا وراء اللذات بدلًا من بذل الجهد في تنمية استعدادته الفطرية وتحسينها، ثم سرعان ما يتبين له أن نزعته الطبيعية إلى التمتع باللذات لا تتفق مع ما يسمى بالواجب. كما لا يمكن أن تصبح قانونًا طبيعيًا عامًا "ذلك لأنه بما هو كائن عاقل، يريد بالضرورة أن تنمى جميع ملكاته لكونها نافعة له، ولأنها أعطت له ليبلغ ألوانًا عديدة من الغايات والأهداف"[7].

4- أما الرابع: الذي توافرت له أسباب الحياة الرغدة فإنه ينظر إلى من حوله من المكافحين دون أن يمد لهم يد المساعدة مع مقدرته على ذلك، بل لا يرغب في تحقيق السعادة لهم بمعاونتهم بالمال أو الوقوف إلى جانبهم في أوقات الشدة إن مجرد إرادة أن يتحول ذلك التصرف إلى قانون طبيعي عام تناقض نفسها بنفسها "فقد يحدث في كثير من الحالات أن يحتاج مثل هذا الإنسان إلى حب الآخرين وعطفهم، وأن يجد نفسه محرومًا من كل أمل في الحصول على المساعدة التي يتمناها، إذ يحول بينه وبينها ذلك القانون الطبيعي المنبثق من إرادته ذاتها"[8].

ومن هنا نستطع أن نتبين أفعال الواجب التي يحددها كانط على النحو التالي:
إن محافظة الإنسان على حياته واجب، والإحسان واجب، وتأمين الإنسان لسعادته الذاتية واجب غير مباشر، ومحبة الجار ولو كان عدوًا واجب[9].

وهكذا فإن الأفعال الإنسانية لا تكون خيرًا إلا إذا صدرت عن واجب، لا عن ميل مباشر أو رغبة في تحقيق مصلحة شخصية، فإذا أدى الإنسان واجبًا - كإنقاذ غريق - فإنه لكى يصبح تصرفه أخلاقيًا ينبغي أن يكون باعث الواجب من بين عدة بواعث هو الكافي للإقدام على الفعل، ومع إقرار العواطف النبيلة كعامل مساعد لإتيان الأفعال الخيرة فإن غرسها في النفس يعد واجبًا أيضًا "فإن العالم يفتقد من اتخاذ السعادة غاية مباشرة لأفعالنا. إن علينا واجبًا غير مباشر يقضي بالبحث عن سعادتنا"[10].

تعريف الواجب:
ولكن ما هو تعريف كانط للواجب؟
إنه يصفه بأنه "ضرورة القيام بفعل عن احترام للقانون"[11].

والإنسان ليس في حاجة إلى علم ولا فلسفة لكي يعرف ما ينبغي عليه أن يفعل لكي يكون أمينًا وخيرًا[12]، وإن معظم أفعالنا تتفق مع الواجب[13] ذلك لأن المبادئ الأخلاقية هي مبادئ قبلية بحتة "خالصة من كل عنصر تجرييي، وأنه لا يمكن أن نجدها أو نجد أقل جزء منها إلا في تصورات العقل الخالصة"[14].

ومن السهل علينا أن نفرق بين الأفعال التي تصدر عن شعور بالواجب والأخرى التي تنبع عن حرص أناني على المصلحة. مثال ذلك أن التاجر الفطن يتحاشى رفع سعره ويحافظ على مستوى سعر ثابت للجميع بحيث يستطيع أن يشتري بها الطفل وأي إنسان آخر، وهنا لا محيص من الاعتراف بأنه يعامل المشترين بأمانة، ولكن لا يكفي هذا للاستدلال عن صدور فعله التزامًا بمبادئ الواجب، لأن مصلحته قد اقتضت ذلك، ولا نستطيع افتراض أنه يتصرف مع عملائه بوحي من عاطفته نحوهم "وإذن فلم يصدر هذا السلوك لا عن واجب، ولا عن ميل مباشر، بل كان الباعث عليه هو المصلحة الذاتية وحدها"[15].

وعلى العكس من ذلك - كما تبين لنا آنفًا أن محافظة الإنسان على حياته واجب بالرغم من إحساسه أحيانًا بالتعاسة والهزيمة والهوان وتمني الموت، فمحافظته على حياته بالرغم من كل هذه الظروف صادر عن مسلمة ذات مضمون أخلاقي.

وكذلك الإنسان الذي يحسن إلى الغير منفلتًا من همومه الذاتية التي تقضي على كل مشاركة وجدانية للآخرين، وصرفه معاونتهم عن الانشغال بشقائه الشخصي فإن تصرفه هذا يصدر عن شعور بالواجب. وكذلك يأتي تأمين الإنسان لسعادته من قبيل الواجب بطريق غير مباشر "ذلك لأن عدم رضا المرء عن حاله وتزاحم الهموم العديدة عليه ومعيشته وسط حاجات لم يتم إشباعها قد تكون إغراء قويًا له على أن يدوس على واجباته"[16] ولكن لابد من أن تكون قاعدة تحقيق السعادة مصحوبة بأضرار تلحق ببعض الميول؛ ويصدر التصرف إذن لا عن ميل بل عن إحساس بالواجب[17].

ومن هذا يتضح أن السمات الرئيسية للواجب تتحدد وفقا للقواعد الثلاث الآتية:
أولها: أنه تشريع كلي وقاعدة شحاملة، وتكمن قيمة الواجب في صميم الواجب نفسه بصرف النظر عن أية منفعة أو فائدة أو كسب مادي، وعلى هذا فإن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يفعل مع معرفته بأن "قيمة الفضيلة إنما تزيد كلما كلفتنا الكثير، دون أن تعود علينا بأي كسب"[18].

الثانية: أن الواجب منزه عن كل غرض، فلا يطلب لتحقيق المنفعة أو بلوغ السعادة وإنما ينبغي أن يطلب لذاته، أي ينبغي أن نؤدي واجبنا "فليست الأخلاق هي المذهب الذي يعلمنا كيف نكون سعداء بل هي المذهب الذي يعلمنا كيف نكون جديرين بالسعادة"[19].

والسمة الثالثة: للواجب أنه قاعدة غير مشروطة لفعل، أي أنه قانون سابق، أو حكم أولي سابق على التجربة[20].

ويشترط للواجب شرطين هما الحرية وازدواج الطبيعة البشرية:
الحرية وازدواج الطبيعة البشرية:
يذهب كانط إلى القول بأن الالتزام الخلقي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالشعور بالحرية، وينبغي علينا أن نوضح كيف وصل هذا الفيلسوف إلى فكرته عن الحرية بتحليله للطبيعة البشرية وإثبات ازدواجها.

إن الحديث عن مصدر الإلزام في فلسفته وثيق الصلة بفلسفته الميتافيزيقة في تصور الكون. فالعالم عنده عالمان:
أحدهما: عالم الأشياء كما هي في ذاتها.

والعالم الثاني: هو عالم الأشياء التي تبدو لنا وهو يختلف عن الأول، مثال ذلك أن الرجل الذي ولد على عينيه منظار أزرق اللون مثلًا يرى كل شيء مصطبغًا بهذا اللون، وكذلك العقل، فإنه يضيف إلى الأشياء صفات الكم والكيف كون الشيء علة أو معلولًا، يشغل حيزًا من المكان أو الزمان "بهذا لا ندرك قط شيئًا على حقيقته، وإنما ندركه كما يبدو لنا"[21].

والإنسان لا يخرج عن نطاق العالم الذي أنشأه وصوره له عقله أو على الأقل ساهم في إنشائه.

وبالمقارنة بين العالم والإنسان، فإن للإنسان بدوره مظهرين أحدهما: يتمثل في ذاته التجريبية التي تربطه بعالم الأشياء كما تبدو.

والإنسان بهذه الصفة له طبيعة مزدوجة أي يخضع مع غيره من المخلوقات لقوانين العلية التي تحكم العالم الفيزيقي "أي الطبيعي" والعومل الجبرية تتصل باستعداداته السيكلوجية والفسيولوجية والجنس الذي انحدر عنه، والطبقة المنتمي إليها والبيئة التي نشأ فيها والتربية التي تدرج بها، ولكن مع هذا، فإن الإنسان ليس كالجماد والحيوانات التي لا تستطيع بطبيعتها أن تتصرف على غير الذي تصرفت عليه فعلًا، وإنما هو يتميز عنهما - كما يتميز عن الظواهر الطبيعية - بظاهرة ينفرد بها دون غيره من الكائنات، لأنه الكائن الوحيد الذي يعد من جهة خاضعًا للسنن الطبيعية ونظمها خضوعًا كاملًا ويعد من جانب آخر مزود بدوافع ورغبات تملي عليه ما يأتيه من تصرفات. إنه يتميز بالشعور "بما ينبغي" أن يفعله، أي أن الإنسان وحده "هو الذي يشعر بإلزام يوجب عليه أن يتصرف وفقًا لمبدأ"[22].

وهنا يبدو المظهر الثاني للإنسان، وهو انتماؤه إلى عالم الحقائق في ذاتها، وحينما يشعر الإنسان بالإلزام الخلقي، إنما يستلهمه من مثل أعلى متحررًا من آثار الوراثة وقيود البيئة ومواضعات الظروف، متجردًا عن العالم الطبيعي، متخلصًا من الجانب الذي يربطه بالعالم كما يبدو، مرتفعًا إلى عالم الحقائق في ذاتها "وعندئذ يتصرف ككائن أخلاقي، فيخضع سلوكه لمبدأ الواجب، ويزاول أفعاله بإرادة حرة، ولا يتقيد بغير نفسه التي تعتنق مبدأً أخلاقيًا تدين له بالولاء"[23].

نقد المذهب:
يتجاهل كانط الغالبية من البشر بمكوناتهم المذهبية والعاطفية الذين يسعون بتصرفاتهم وسلوكهم إلى غايات تختلط فيها الأهداف بتحقيق منافع أو بحث عن سعادة، أو تحكم أعمالهم دوافع الرجاء أو الخوف، وتتعدد واجباتهم بتعدد الأحوال والعلاقات.

إن قانون الواجب الصارم يصلح فقط لقلة خاصة من ذوي الإرادات الحديدية الذين لا يحققون من سلوكهم إلا عمل "الواجب فحسب، حتى لو أدى ذلك إلى تضحيات بالمال والوقت والراحة وغيرها".

إن هذه الصيغة الكانطية التي تقيم الإلزام على أساس "شكله المحض" المجرد عن مادته[24] هذه الصيغة يصعب الانقياد لها في كل الأحوال.

ويقول الدكتور دراز "الواجب الكلي العام، فلنقبله، ولكن ينبغي أن نفرق بين درجات كثيرة من العمومية فإن لها امتدادًا بقدر ما لها من مفاهيم:
الواجب الأبوي والأموي، والزوجي، والبنوك، واجبات الرياسة والصداقة والمواطن والإنسان واجب العمل وواجب التفكير وواجب المحبة".

ويتساءل بعد ذلك "وهل من حقنا أن نقول لرئيس أن يعامل من هم أعلى منه رتبة معاملته لمرؤسيه؟ وأن نطلب إلى زوج أن يعامل كل نساء الدنيا كما يعامل زوجته والعكس؟"[25].

ثم يطرح لنا البديل في تنفيذ أوامر الشرع ونواهيه وهي التي تجعل المؤمن لا يذعن للواجب "كفكرة" أو "ككائن عقلي" ولكنه يذعن له من حيث هو صادر عن الله تعالى الذي زودنا بالعقل وأودع فيه الحقائق الأولى، بما في ذلك الحقيقة الأخلاقية في المقام الأول.

وبذلك نكون قد انتهينا من عرض بعض المذاهب الأخلاقية عند الفلاسفة، ويصبح موضوعنا في الباب الثاني عن المذاهب الأخلاقية في الفكر الإسلامي.
zz32z22iOLH
الزنقب غير متصل  
قديم(ـة) 28-05-2014, 09:03 AM   #6
الزنقب
كاتب مميّز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 2,132
[SIZE="4"
]فلسفة الجمال فِي الفكر الإنساني
(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)

مَا إن يتأمَّل الإنسان إشراقة الشمس، حتَّى يدرك معنى الجمال الموسوم في لوحات النَّفس، بألوان حيويَّة متدفِّقة، الجمال ينبلج مِن كوَّة النُّور والضِّياء؛ لتُحيل الحياة إلى ظلِّ لحظات يتَّحد فيها القلب مع القلب، فيستحيل إلى فيض مِن معانٍ متلألئة.

وإذا كانت الرِّياضة تغذِّي الجسم، والعبادة تقوِّي الرُّوح، والعلم ينمِّي العقل، فإنَّ الجمال يُحيي الوجدان، ويَسمو بالإنسان إلى أرقى المراتب.

والجمال، ينقسم إلى جمال روحي، وآخر مادِّي، فالجمال الرُّوحي راحة وسكينة؛ حيث تكون النَّفس كالسَّماء الزَّرقاء، وقد انقشعت عنها سحائب القلق والحيرة، وهذا الإحساس الجميل، يعبِّر عن خلاص الإنسان مِن مؤثِّرات الحياة السَّلبيَّة، ويُنقِّيه مِن الأحقاد، فلا يفعل إلا ما يُمليه عليه ضميره، فهو صاحب خُلُق جميل، الجمال إذن "مقدرة على مقاومة النَّفس الَّتي تأمُر بالقبح، فهو يقترن بالفضيلة وصدْق المشاعر".

أمَّا الجمال المادِّي، فهو منحوت على صفحات الطَّبيعة وسطورها، يُعلن عن نفسه دون مشقَّة أو أقنعة زائفة،يعبِّر عن ذاته بذاته.

وإذا كان الإنسان خليفةً في الأرض في صورة تقويميَّة، فإنَّه مِن مُنطلق الواقعيَّة، أن يَحرص على جمال الرُّوح والعقل والوجدان.

والأحكام الرُّوحيَّة في مجملها تستهدف تغيير مفاسد الأخلاق إلى محاسنها، وهذا هو محور فلسفة التَّشريع، وربُّنا - عزَّ وجلَّ - ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ [السجدة: 7] سخَّر لنا ما سخَّر، في أنفسنا وفي أرضنا وفي سمائنا، وأذِن لنا في الجمع والتَّوفيق بين الانتفاع والاستمتاع بما في الطَّبيعة؛ يقول الله - عزَّ وَجلَّ - : ﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 5 - 8]، ويقول - عزَّ وَجلَّ - : ﴿ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ ﴾ [النمل: 60]، بل لقد جاء التَّكليف بأن ننظر ونتأمَّل في مناظر الجمال ويانع الثِّمار: ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ﴾ [ق: 6]، ولنتأمَّل قول الله - عزَّ وَجلَّ -: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 -20]، إنَّه نظرٌ وتفكُّر يجمع بين الإيمان والفائدة، وبين الجمال والابتهاج؛ بل لقد أُمر بنو آدم باتِّخاذ زينتهم أمرًا مباشرًا، ولا سيِّما في مواطن العبادة؛ ﴿ يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31].

جمالُ التَّعبير:
وجمال التَّعبير هو أوسع أنواع الفنون وأكثرها أثرًا في حياة النَّاس وتعاملاتهم: خطابًا، وأسلوبًا، وأمرًا، ونهيًا، ودعوة، وتوجيهًا، وتعليمًا، وتربية، وهذا تنبيه وتوجيه لأهل العِلم والتَّربية والتَّثقيف؛ لكي يقصدوا إلى الجاذبيَّة في الأسلوب، والجمال في التَّعبير: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159].

فحياة النَّاس جُبلت على حبِّ الرِّفق وطلاقة الوجه، وفُطرت على الخُلق العالي وجمال اللَّفظ.

إنَّ المعلِّم والمُوجـِّه، والمرشِد والنَّاصح، والكاتب والمثقَّف، وغيرهم وغيرهم، كلُّ هؤلاء ينبغي أن يكونوا أهلاً للقول الجميل، والصَّبر الجميل، والصَّفح الجميل، والهجر الجميل.

وهذا الجمال الجميل، لا يمكن أن يكون فوق الحقِّ، فلا يكون الجمال في الكذِب، ولا يكون الفنُّ في الفسوق، ولا يجوز أن يُستساغ بجمال التَّعبير اختلاق الأباطيل مِن القول والتَّزوير. وعندما يكون الجمال وسيلة لهدم الحقِّ ينبغي إيقافه، فالذَّريعة إلى الممنوع ممنوعة.

ذلكم هو الجمال، وتلكم هي الزِّينـة، وذلكم هو الفنُّ والإبداع في ظاهره وباطنه.

ومِن الحماقة أن يكون بعض النَّاس حَسَن الهندام، حريصًا على جمال الصُّورة، بينما هو في حديثه وسلوكه قبيح العبـارة، دميم الذَّوق، سليط اللِّسان، غليظ التَّعامـل؛ ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 32 - 33]، وتذوُّق الجمال يرتبط بالإطار الذي يوجد فيه الإنسان، وقد يوجد الجمال في "صخرة، أو شجرة، أو نَهر"، وقد يكون الجمال إبداعًا منفردًا ممَّا له أثر على التقاء الفكرة بالحسِّ، وقد يكون الجمال مُبتكَرًا بلغة تَحمِل الأثر الجميل، كقصيدة أو رواية أو نثر أو نصٍّ مسرحي.

ولكي يبقى الشَّيء جميلاً؛ لا بدَّ أن يكون سالِمًا مِن النَّقائص، ولا بدَّ أن يكون مُتناسِقًا مُنتظمًا مُنضبطًا.

وجمال القاضي بعدله وإنصافه، وجمال الحاكم باهتمامه بشؤون رعيَّته، وسهره لأمنهم وراحتهم، وجمـال الغنيِّ بصدقته وإنفاقه، وجمال الفقير بكدِّه وعمله.

ولقد خاطبنا الخالق بالجمال، وأمرنا أن نرحل إليه وإلى منازله العليا، ونسير إليها سيرًا لا ينقطع، حتَّى يدركنا اليقين، ولا ينبغي للإنسان الكيِّس أن تعميه أغاليط المبتدعين عن محاسن الدِّين.

تلازمٌ مَع الحقّ:
والجمال عادة يتلازم مع الحقِّ والخير في مواءمة وتناسق وانسجام، والخالق هو الحقُّ الأعلى الَّذي لا يقـارب أحقيَّته حق، فهو الأوَّل والآخـر والظَّاهر والباطن، وهو بكلِّ شيء عليم.

والرُّسل الَّذين أكرمَنا الله بهم، كانوا صادقين أمناء، لا تأخذهم في الله لومة لائم، والكتب الَّتي أُنزلت عليهم ذِروة سامِقة مِن جمال.

وبما أنَّ القيَم الثَّلاث: الحق والخير والجمال، مُلتقية في الإله المعبود، وفي الرُّسل، وفي الكتب المنزَّلة؛ فإنَّ أحسنَ الأحوال أن تكون هذه القيم مُتداخِلة في حياة البشر.

والدَّعوة إلى الخير لا تكون إلا على الحق، ولا تقترن إلا بالحسن والجمال، والدَّعوة لا تكون إلا بالكلام الجمـيل الَّذي تأنَس به المسامع، وتطمئنُّ إليه القلوب؛ ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83].

الجمال - إذن - قرين الحقِّ والخير، وونحن نرى أنَّ مهمَّة البلاغة: الكشف عن الحق، ولا توجد البلاغة إلا حيث يوجَد الجمال، وما خلا مِن الجمال فإطلاق البلاغة عليه مُحال.

النص المعجز:
والنَّص القرآنـيُّ هو أحد موضوعات الجمال، يدعو الإنسان إلى التَّفكُّر؛ ﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ﴾ [الحجر: 16].

والمعجزة القرآنيـَّة وضعتنا أمام وعي جماليٍّ جديد، نجد تجلِّياته في الفكر واللُّغة والسُّلوك والفنّ، ينطلق هذا الوعي مِن خالق الجمال البديع الَّذي ينبثق جمال الوجود كله مِن آثار جماله، فللّه - عزَّ وجلَّ - جمال الذَّات، وجمـال الصِّفات، وجمال الأسماء والأفعال.

ومِن كمال محبَّة الله: محبَّة الجمال والسَّعي إلى إدراكه؛ بل إنَّ منتهى جزاء الآخرة عند المؤمن رؤية وجه الله - عز وجل - الَّذي يفيض على وجوه النَّاظرين إليه نَضرة وجمالاً؛ ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة:22 - 23].

وإلى جانب معجزة جماليَّته، فإنَّ القرآن الكريم - في الوقت ذاته - مُعجزة عقليَّة، مِن حيث عمْق بيانه، وروعة أسلوبه.

والحديث النَّبويُّ امتاز بغاية الجمال، ها هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لمن يَطلُب منه وصيَّة: ((لا تغضب))[1] ، ويقول - عليهِ الصَّلاة وَالسَّلام - لرجل آخر: ((قل آمنت بالله، ثمَّ استقم))[2].

كتابٌ عَظيم:
إنَّ الجمال كتاب عظيم، واضِعه مزيِّن الأرض والسَّماء، والمعرفة جمال، والذَّكاء جمال، والتَّضحية جمال، والحبُّ جمال، والإبداع جمال، وسحر قطرات النَّدى على وجه زهرة نَضِرة جمال، ودمعة طفل بريء على خدَّيه جمال، وبسمة الرُّوح جمال.

والجمال شعلة أخَّاذة تفتن الوجدان؛ لأنَّه إكسير الحياة الَّذي يتدفَّق في الشَّرايين كالسَّيل، ويَغمر الأرض، ويعدها بثوب فسيفسائيٍّ رسمته ريشة الإبداع.

الجمال ينبثق معبِّرًا عمَّا هو إنساني، وما أكثر ما ندَّد البيان الإلهيُّ بالموقف القبيح! يقول القرآن عن الطُّغاة مِن أمثال فرعون وهامان وقارون وغيرهم: ﴿ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ ﴾ [القصص: 42].

ولقد انعدمت قيمة الإحساس الجمالي لدى العابثين؛ لأنَّ حياتهم خالية مِن المعنى، شخص يَحسُّ بالقبح، نفسيته قاتِمة، وأخلاقه سيئة، وكثيرًا ما يتحوَّل إلى مُنحرِف لا يِمتلك عاطفة؛ لأنَّه يرى صور الحياة قبيحة، في حين أنَّ النَّفس الإنسانيَّة التي تُضيئها شموع الجمال في إطار حالِم، تنشِّئ "هسيس" الحياة، وتضفي على الآخرين رونقًا يَزخر بعطْر الجمال المضمخ بالعاطفة وصاحب النَّفس المضيئة يحبُّ الطَّبيعة؛ لأنَّه يقرأ فيها المعاني والأوزان والحركة والشِّعر والموسيقا والرَّسم، فالبحار والرِّياح كائنات تُصدِر موسيقا، وتَطرب بها ولها، وتلك هي صور الحياة الَّتي يَعيها الإنسان مِن خلال العيش بطريقة فنيَّة مُبتكَرة.

وحوى القرآن الكريم آيات كثيرة عن الجمال، مِن ذلك: ﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ﴾ [المعارج: 5]، والصَّبر الجميل هو الَّذي يُضاف إليه الرِّضا وسَعة الصَّدر، الصبر الجميل هو الَّذي تَزدَان النَّفس فيه باليقين والثِّقة، وتمتلئ بالأمل، والرَّجاء، وتكون بمنأى عن الجزع والسَّخط على القضاء.

وجاء ذكر الصَّبر الجميل في موضعين آخرين مِن القرآن الكريم، كلاهما في سورة يوسف، الموضع الأوَّل جاء على لسان يعقوب - عليه السلام - وقد جاءه أبناؤه يُخبرونه بأنَّ يوسف قد أكله الذِّئب، وبرهنوا على قولهم بدمٍ كذب على قميصه، وبرغم الفاجعة الرَّهيبة على قلب الأب المؤمن، واجَه الأمر بأناة بالِغة، وثقة عظيمة، جعلته يَحسُّ أنَّ الأمر على غير ما صوَّر أبناؤه، وتذرَّع بالصَّبر الجميـل؛ يقول تعَالى حكاية عنه: ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18].

والموضع الثاني عن الصَّبر الجميل جاء أيضًا على لسان يعقوب، عندما جاءه نبأ احتجاز ابنه الثَّاني في سجن العزيز بمصر، فقال: ﴿ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 83].

والصَّفح في القرآن الكريم يتَّسم بالجمال، والصَّفح مِن أسمى الصِّفات؛ إذ هو يعني التَّغاضي عن إساءات الآخرين، وقد طلبه الله - تبارَك وَتعَالى - مِن نبيّه في مواجهة المُعرضين المُكذِّبين مِن قومه، مُبيّنًا له أنّه صاحب رسالة مهمَّتها الهداية، وعقاب الضَّالين مرجِعه لربِّ العالمين، والسَّاعة آتية لا ريب فيها؛ فقال تعَالى: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾ [الحجر: 85].

والصَّفحُ في حدِّ ذاتِه شيء جَميل، وعندما يتَّصف بالجمال يكون صفحًا لوجه الله، لا يَجعله صاحبه حديثًا يُذكر به بين النَّاس.

والهجْر في القرآن يتَّسم بالجمال: ﴿ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ﴾ [المزمل: 10].

وذُكرَ السَّراحُ الجميل مرَّتين في مُحكم التَّنْزيل، وكلتاهما في سورة الأحزاب، أولاهما: في تخيير النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لزوجاته عندما سألْنَه التَّوسعة في النَّفقة، فقال ربُّ العالمين لنبيِّه:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 28].

وثانيتهما: مطالبة الأزواج الَّذين يطلِّقون الزَّوجات قبل الدُّخول، بأن يمتِّعوا الزَّوجات، والمُتعة كسوة ملائمة لمكانة المرأة ومستواها الاجتماعي، ثمَّ السَّراح الجميل دون بغي على الحقوق؛ قال تعالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 49].

وسراح المرأة: أنْ تكون في حلٍّ مِن رابطة الزَّوجيَّة، فهو الطَّلاق، وهو أبغض الحلال إلى الله، لكنَّه مع وقْعه الأليم على النَّفس، فإنَّه عندما يقترن بالجمال نَحصل على ثمراته.

وبعد، يبقى الجمال الحقيقيُّ جمال النَّفس الذي يظهر في التَّعابير، ويدلُّ على النُّبل والتَّسامح، ويكون بمثابة سمفونيَّة تتسلَّل إلى باطن الإنسان، فتُحيي ملكة ذوقه، وتفتح قريحته، وتستحوذ على مشاعره، وتُنعشه برغبة البقاء مِن خلال توقه في تسلُّق دروب النَّقاء.[/SIZE]


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/publications_c...#ixzz32z2UYdgG
الزنقب غير متصل  
موضوع مغلق

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 05:16 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)