بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » فتى الأدغال يقول: ؟.. (معلومات تفصيلية) من البريد

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 07-10-2005, 01:27 AM   #1
أبوفارس الخالدي
عـضـو
 
صورة أبوفارس الخالدي الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
البلد: واحة النجوم
المشاركات: 3,304
فتى الأدغال يقول: ؟.. (معلومات تفصيلية) من البريد

كانَ يُخالجُني شعورٌ أنَّ حروفَ مقالتي السابقةِ ، سيكونُ لها وقعٌ وأثرٌ ، ويتجاذبُها طرفان ِ مُتباينان ِ ، ما بينَ مادح ٍ وقادح ٍ ، وراض ٍ وساخطٍ ، ولم أكنْ لأتبرّمَ بذلكَ ، أو أعبأ لهُ ، فالنّاسُ مشاربُ شتّى ، وآراءُ مختلفة ٌ ، يجمعهم النظرُ ، ويفرّقهم الفهمُ ، فيعيبُ هذا من ذاك ، ما رآهُ الآخرُ صواباً ، وتعتركُ الأفهامُ ، وتتباينُ القرائحُ ، وقلَّ أن تتفقَ النّاسُ على شيءٍ ، بل لا زالوا رهنَ الخلافِ والاختلافِ ، غيرَ أنَّ " البعضَ " ! اغتالَ تلكَ الحروفَ وسطورها ، بتصنيفاتٍ جائرةٍ ، وهجوم ٍ سافر ٍ ، وتمادى حتّى شكّكَ في الكاتبِ ، وطعنَ في نزاهةِ بعض ِ الكتّابِ الآخرينَ .
وكنتُ أنتظرُ أثناءَ ذلكَ رجلاً عاقلاً حكيماً حصيفاً ، يأسو الأمرَ ، ويرقعُ ثلمهُ ، ويجمعُ مبدّدهُ ، ويُصلحُ خَلّتهُ ، وتريّثتُ حتى تنقضيَ الفورة ُ ، وتنجليَ الهبوة ُ ، فطالَ انتظاري ، وخشيتُ أن تخرجَ القضيّة ُ – وقد خرجتْ - إلى الطعن ِ والتشكيكِ ، أو القدح ِ والتصنيفِ ، وما أسرعَ دبيبِ ذين ِ إلينا ! ، وما أقسى وطأهما علينا ! .

وخشيتُ – كذلك - أن يطولَ العهدُ بالموضوع ِ ، وأستمهدَ الرّاحة َ ، فيعتاصَ ويتوعّرَ ، ويغدو الإيضاحُ صعبَ المرام ِ ، بعيدَ المتناول ِ ، وهو الآنَ على حبل ِ الذراع ِ ، وطرفِ الثمام ِ ، فاستعنتُ باللهِ وأخذتُ المُبادرة َ والزّمامَ ، وآثرتُ أن أكتبَ أسطراً ، تجمعُ ما تفرّقَ ، وتضمُّ ما تشتّتَ ، وتنتظمُ الشملَ ، وتضعَ النقاطَ على مهمل ِ الحروفِ .

ومن أعطى القيادَ لعقلهِ وعلمهِ ، وغالبَ هواهُ ، فقد نجا ، وأراحَ نفسهُ من حيثُ تعبُ الكثيرونَ ، ممّنَ سايروا أهوائهم ، وتابعوا مآربهم ، فاتسعتْ الهوّة ُ ، وزادَ الخلافُ ، وكلُّ ذلكَ مدخلٌ من مداخل ِ الشيطان ِ ، يوغرُ بهِ الصدورَ ، ويزيدُ بهِ العنتَ ، ونحنُ مُتعبّدونَ بحُسن ِ الظنِّ ، وحمل ِ الكلام ِ على أوفى محاملهِ وأوفرها ، والتروّي والتريّثِ قبلَ الحكم ِ ، وقبلَ خلع ِ النعوتِ الجائرةِ ، والأوصافِ الظالمةِ .

وإنّي – إن شاءَ اللهُ تعالى – لستُ مُتصنّعاً ما لا أنويهِ ، ولا مُتحليّاً بما لا أعتقدهُ ، ولستُ عريّاً عن العلم ِ ، عاطلاً من الفهم ِ ، بل أكتبُ ما أكتبهُ عن ثقةٍ فيهِ ، وقناعةٍ بهِ ، وقد وقفتُ على حقيقةِ كثير ٍ من الأمور ِ ، وبدتْ لي شواكلُها ، واستبنتُ الرُّشدَ فيها ، فالحمدُ للهِ على توفيقهِ وفضلهِ .

أمّا العلمُ – بفضل ِ اللهِ وتوفيقهِ – فقد جالستُ - في سبيل ِ مدارستهِ وطلبهِ – كِبارَ أهلهِ العارفينَ بهِ ، والحاذقينَ لهُ ، وروّيتُ من مشاربهمِ غليلي ، وأبللتُ منهم صدايَ ، فمن أولئكَ الأشياخ ِ الكرام ِ : شيخُنا العلاّمة ُ : عبداللهِ بنُ عبدالرحمن ِ بنُ جبرين ٍ – أسعدُ اللهُ أيّامهُ - ، والشيخُ الفقيهُ المُفسّرُ الأصوليُّ : عبداللهِ بنُ بيّهْ الشنقيطيُّ – أعلى اللهُ قدرهُ - ، وكذلكَ شيخُنا العلاّمة ُ الأصوليُّ : مُصطفى أبو جيّابٍ – برّدَ اللهُ مضجعهُ وأعلى درجتهُ - ، وشيخُنا الفقيهُ النسّابة ُ : محمّدٌ الطيّبُ الشنقيطيُّ – نوّرَ اللهُ قبرهُ وأعلى منزلتهُ - ، وكذلكَ شيخُنا المحدّثُ المُسندُ العلاّمة ُ المُعمّرُ : محمّدُ بنُ عبداللهِ الصوماليُّ – برّدَ اللهُ مضجعهُ ونوّرَ ضريحهُ - ، وشيخُنا العلاّمة ُ اللغويُّ الشهيرُ : محمّدٌ الحبيبُ الأنصاريُّ – رحمهُ اللهُ رحمة ً واسعة ً - ، وشيخُنا العلاّمة ُ الفقيهُ النحْويُّ : محمّدُ بنُ سُليمانَ البسّامُ – متّعهُ اللهُ بالعافيةِ وألبسهُ ثيابَ الصحّةِ - ، والشيخُ الفقيهُ القاضي : عبدالمُحسن ِ الخيّالُ – أمدَّ اللهُ في عمرهِ - ، والشيخُ اللغويُّ النحْويُّ المؤدبُ : محمّدٌ المختارُ ولد سيدي الشنقيطيُّ – رفعَ اللهُ درجتهُ وأجزلَ مثوبتهُ - ، وشيخنُا المُحدّثُ الفهّامة ُ : إبراهيمُ اللاحم ِ – حفظهُ اللهُ - ، وشيخُنا الأصوليُّ : أحمدُ بنُ محمّدٍ النيجريُّ – أحسنَ اللهُ إليهِ - .

ويأتي على رأس ِ كلِّ أولئكَ شيخُنا الفقيهُ الواعظُ الأصوليُّ المُفسّرُ الزّاهدُ النّابغة ُ: مُحمدٌ بنُ محمّدٍ المختار ِ الشنقيطيُّ – أسعدَ اللهُ أيّامهُ ورفعَ ذكرهُ وأعلى قدرهُ - ، فهو ذو أيادٍ بيضاءَ عليَّ ، ولم أرَ في حياتي مثلهُ في دماثةِ خلقهِ ، وسماحةِ سجيّتهِ ، ولطافةِ طبعهِ ، وغزارةِ علمهِ ، ودقّةِ فهمهِ ، فهو بحرٌ لا يُنزفُ ، وغمرٌ لا يُسبرُ ، ولكلامهِ وقعٌ يأخذُ بمجامع ِ القلوبِ ، ويُلتمسُ في بيانهِ نوادُّ الحكمةِ ، أسألُ اللهَ الكريمَ العظيمَ أن يُديمَ عليهِ وعلى بقيّةِ الأشياخ ِ سوابغَ نعمهِ ، وقرائنَ مننهِ ، وتواليَ فواضلهِ ، وأن يجزيهُ عنّي وعن أمّةِ الإسلام ِ أوفر الجزاءِ ، وأحسنَ العطاءِ .

هذا عدى جمهرةٍ أخرى جالستهم ، وذاكرتهم ، وحضرتَ من مجالسِهم ما حضرتُ ، وإن لم أختصَّ بهم ، وذكرهم يحتاجُ إلى فُسحةٍ من الوقتِ ، وفراغ ٍ من الشغل ِ .

وجميعُ هؤلاءِ المشايخ ِ الكرام ِ ، هم من أهل ِ العلم ِ المعتبرينَ ، ورجالاتِ الفهم ِ المعدودينَ ، " كيفَ لا وهم إن ذُكرَ الشرفُ أهلُ بجدتهِ ، أو العلمُ فهم عاقدوا بُردتهِ ، أو الدينُ فهم ساكنوا بلدتهِ ، أو الجودُ فهم لابسوا جلدتهِ " – كما أبدعَ البديعُ في وصفِ نظرائهم - .

وإنّما ذكرتُ مشايخي – أحسنَ اللهُ إليهم – لأدفعَ عن نفسي سُبّة َ الجهل ِ ، وعثرَ الرأيِّ ، ممّا رماني بهِ – عفا اللهُ عنهُ – أحدُ الكتّابِ هنا ، وأخذُ يلمزُني بذلكَ ، و أنّهُ كذلكَ – بحولِ اللهِ - لن تؤتوا من قبلي بسوءٍ من الفهم ِ ، أو خبثٍ في الطويّةِ ، أو دغل ٍ وغِشٍّ .

وحتّى لا أنتحي جانباً عن لُبُّ الموضوع ِ ، وأحيدَ عن صلبِ القضيّةِ ، أقولُ :

إنَّ هنا أموراً أربعة ً لا بُدَّ من طرحها ، وجعلِها أصولاً ، لنكونَ – جميعاً – على بيّنةٍ من أمرنا ، ونحصرَ دائرة َ الحوار ِ حولها ، ونستبينَ فيها مستكنَّ الآراءِ ، ونجعلها معتركَ النقاش ِ ، فإنَّ اتفقنا فهو الحسنة ُ المنشودة ُ ، والضالّة ُ المفقودة ُ ، وإن كانَ لأحدنا رأيٌّ آخرُ ، كشفَ لنا عن حجّتهِ ، وبيّنَ لنا مسلكهُ ، فلربّما خفيَ لنا من الأمر ِ ما بدا لهُ ، وغُمَّ علينا ما اهتدى إليهِ : ( وفوقَ كُلِّ ذي علم ٍ عليمٌ ) .

أمّا أوّلها : فهو أنّني كنتُ أدينُ اللهِ تعالى – ولا زلتُ - ، بحرمةِ التفجير ِ في هذه البلادِ ، مهما كانتِ الدوافعُ والمبرّراتُ ، سواءً قُصدَ بذلكَ مسلمٌ ، أو كافرٌ ، وأنَّ هذا الفعلَ ليسَ من الجهادِ في شيءٍ ، وإنّما هو عبثٌ واعتداءٌ ، وأرى أنَّهُ جريمة ٌ نكراءُ ، وفعلة ٌ شنعاءُ ، وهو مؤذنٌ بفتح ِ بابِ الفتن ِ العظيمةِ ، ومؤدٍّ إلى الفوضى والقلاقل ِ ، فهو محرّمٌ أصلاً وفصلاً ، ذريعة ً وقصداً ، وهذا من الأصول ِ التي دلّتْ عليها السنّة ُ النبويّة ُ ، وتبرّأتْ من فاعلهِ ، كما ثبتَ في صحيح ِ الإمام ِ مسلم ٍ من حديثِ أبي قيس ِ بن ِ رياح ٍ ، عن أبي هريرة َ رضيَ اللهُ عنهُ ، عن النبيِّ – صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ – أنّهُ قالَ : " ومن خرجَ على أمّتي يضربُ برّها وفاجرها ، ولا يتحاشَ من مؤمنها ، ولا يفي لذي عهدٍ عهدهُ ، فليسَ منّي ولستُ منهُ " .

ثانيها : أنَّ أي طائفةٍ امتنعتْ بنفسها ، وحملتِ السلاحَ على المسلمينَ ، وقصدتْ إليهم بالترويع ِ ، وأعلنتْ عليهم العصيانَ ، فإنَّ تلكَ الطائفة َ باغية ٌ ، يجبُ كفُّ شرِّها ، وكبحُ جماحها ، وأنَّ القصدَ إلى دفع ِ أذاهم بالقوّةِ مشروعٌ بل واجبٌ على من ولاّهُ اللهُ أمرَ المسلمينَ ، حتّى يئوبوا إلى طائفةِ المُسلمينَ وجماعتهم ، ويكفّوا شرّهم وأذاهم ، وهذا منطبقٌ برمّتهِ على هذه الطائفةِ الموجودةِ لدينا ، فلا مناصَ من لحوق ِ هذا الأمر ِ عليهم ، ولصوقهِ بهم .

وإن رامتْ هذه الجماعة ُ أوغيرُها ، أن تجعلَ من سيفِ الحقِّ عدوّاً لها ، فإنَّ سيفَ الحقِّ لا تنبو مضاربُهُ ، ولا تكلُّ غواربهُ ، ولا يخونُ في كريهةٍ ، ولا ينبو عن ضربةٍ ، ولا تقي منهُ الدروعُ المُضاعفة ُ ، ولا الحللُ الوافية ُ ، وسيأتيهم منهُ شيءٌ لم يخطرْ ببالهم ، ولا تحرّكتْ بهم خواطرهم ، وهم وإن سالمتْهم الأيامُ حيناً ، وهادنتهم صروفُ الدهر ِ زماناً ، فإنَّ القدرَ المحتومَ بهم نازلٌ ، وسيدركهم شؤمُ فعالهم ، ويعركهم عرْكَ الأديم ِ ، ويطحنهم طحنَ الرَّحا ، وسيُقذفونَ من كلِّ جانبٍ دحوراً .

ثالثُها : أنَّ هذهِ الفرقة َ التي خرجتْ علينا بالقتل ِ والتفجير ِ ، إنّما حملها على ذلكَ فكرٌ خاطيءٌ ، وسلوكٌ مُنحرفٌ غيرُ سويٍّ ، تغافلَ عنهُ – فترة ً – بعضُ أهل ِ العلم ِ والفكر ِ ، وسكتوا عن أهلهِ ، حتى ازدادَ الأمرُ سوءً ، ووقدتْ جمرتهُ ، واستحكمتْ شكيمتهُ ، واستشرى شررهُ ، الأمرُ الذي يدعو إلى إعادةِ النظر ِ في ذلكَ ، وبيان ِ حقيقةِ الأمر ِ ، وكشفِ الشبهِ عنهُ وعن أهلهِ ، حتّى تؤمنَ غوائلهُ ، وتُحجبَ سبلهُ ، ويُحاطَ بسياج ٍ فكريٍّ متين ٍ ، يستعصي على من رامَ كسرهُ أو الولوجَ إليهِ ، وكما فرّطنا سابقاً ، يجبُ علينا التصدّي لذلكَ لاحقاً ، وتداركُ ما أمكنَ ، والتجلّدُ في مواجهةِ الثمراتِ المرّةِ ، والمكاشفة ُ الصريحة ُ للنفس ِ ، وأن لاتمنعنا سلطة ُ العوامِّ ، أو خوفُ النقدِ ، من بيان ِ الحقِّ والصدع ِ بهِ .

فهما يدان ِ من حديدٍ دونَ العبثِ بالأمن ِ والأنفس ِ : يدُ القوّةِ ، ويدُ الفكرُ والعلم ِ ، فلا بُدَّ أن يجتمعا ، ويتظافرا ، ويكونا عوناً على النوائبِ ، ولا غنى لأحدهما دونَ صاحبهِ ، وليسَ من الحكمةِ مواجهة ُ السلاح ِ والتهديدِ بالفكر ِ والحوار ِ فقط ، بل لا بُدَّ من دفع ِ القوةِ بالقوّةِ ، والصولةِ بالصولةِ ، كما قالَ مُلهِمُ الشعراءِ ، وأميرُ الأدباءِ أبو الطيّبِ المُتنبّي :

ووضعُ النّدى في موضع ِالسيفِ بالعُلى ********** مُضرٌّ ، كوضع ِ السيفِ في موضع ِ النَّدى

رابُعها : الوقوفُ مع هذه البلادِ المباركةِ وقادتهاِ وعلماءها ، في وجهِ الدسائس ِ الغادرةِ ، والمكائدِ الحاقدةِ ، الداخليّةِ والخارجيّةِ ، وإظهارُ التماسكِ والتلاحم ِ ، وردُّ كيدِ الحاسدِ والباغي ، وأن نكونَ يداً واحدة ً على من خالفنا ، بخاصّةٍ ونحنُ نرى هذه الهجماتِ الماكرة َ ، والطعناتِ الفاجرة َ، من العدوِّ والصديق ِ ، والقريبِ والبعيدِ ، من صهاينةِ الغربِ والعربِ ، ودهاقنةِ المكر ِ والخديعةِ ، ممّا يستوجبُ الوقفة َ الصادقة َ والجادّة َ في وجهها ، وعدمَ إصغاءِ السمع ِ لدعاةِ التفرقةِ والهدم ِ ، " فالوطنُ محبوبٌ ، والمنشأ مألوفٌ ، واللبيبُ يحنُّ إلى وطنهِ ، حنينَ النجيبِ إلى عطنهِ ، والكريمُ لا يجفو أرضاً بها قوابلهُ ، ولا ينسى بلداً فيها مراضعهُ :

أحبُّ بلادِ اللهِ ما بينَ منعج ٍ ********** إليَّ وسلمى أن يصوبَ سحابُها

بلادٌ بها حلَّ الشبابُ تمائمي ********** وأوّلُ أرض ٍ مسَّ جلدي تُرابُها "

كيفَ لا ونحنُ بيضة ُ الدين ِ ، وحوزة ُ الحقِّ ، وحِمى الإسلام ِ ، وموطنُ الرسالةِ ، ومهوى أفئدةِ المُسلمينَ ، وأهلُ هذه البلادِ هم حضَنة ُ الإسلام ِ ، وأعضادُ الملّةِ ، فإن انفرطَ عقدنا ، فقدَ اختلَّ نظامُ العالم ِ الإسلاميِّ كلّهِ ، وإن طُعنّا في أرضنا وعرضنا ، فإن جميعَ ديار ِ المسلمينَ ستثعبُ دماً ، وتسيلُ جراحاً .

ولن أكونَ – بحول ِ اللهِ – ممرَ عبور ٍ لشيعةِ الباطل ِ ، وجسر ِ الشيطان ِ ، ولسباع ِ الغارةِ ، وكِلابِ الفتنةِ ، وأهل ِ الفرقةِ والزيغ ِ ، أو عوناً لهم ، والموتُ على هذه الأرض ِ المباركةِ ، وفي أكنافِ أهلها ، أحبُّ إليَّ من العيش ِ الرغيدِ في أعطافِ عدوّها ، ومغاني مناوئيها ، ولئنَ كانَ الدفاعُ عن الوطن ِ والمحتدِ ذنباً وعاراً ، فلا معروفَ في الدنيا أبداً ، ولئنَ كانَ جناية ً وجُنحة ً ، فقدَ فنيَ الخيرُ وانتهى البرُّ .

فإن كانتْ هذهِ الأربعة ُجناياتٍ ، فيالها من جنايةٍ شريفةٍ ! .

وإن كانتْ عيوباً ، فأطيبْ بها من عيبٍ غير ِ معيبٍ ! .

إذا محاسني اللائي أدِلُّ بها ********** كانتْ ذنوبي فقلْ لي كيفَ أعتذرُ !

وأمّا دعاة ُ التغريبِ ، وأنصارُ العقلانيّةِ ، وسُعاة ُ الفتنةِ ، من أصحابِ المذاهبِ الهدّامةِ ، والأفكار ِ الزائغةِ ، فالوقوفُ في وجهِ شرّهم وكيدهم ، وكشفُ شبههم ، شرفٌ وفخرٌ ، وما كنتُ لأتركَ طريقاً سلكتهُ وكنتُ يوماً أحدَ جنودهِ : ( وما كانَ اللهُ ليضيعَ إيمانكم ) ، بل سأمضي فيهِ سائراً ثائراً ، حتّى أبلغَ المقصدَ – إن شاءَ اللهُ - أو أهلِكَ دونهُ .

هذا ما أردتُّ بيانهُ وإيضاحهُ ، وهي دونكم بعجرها وبجرها ، فمن رأى فيها ما يعتقدُ خطأهُ فليصوّبني ، فنحنُ نكمّلُ بعضنا ، ونسترُ عيبنا ، ونُصلحُ فاسدنا ، واللهُ المسئولُ أن يُصلحَ ما تغيّرَ من أحوالنا ، وأن يسللَ سخيمة َ قلوبِنا ، ويوهي بأسَ عدوّنا ، وأن يجمعَ قلوبنا على الحقِّ والخير ِ ، إخواننا متحابّينَ ، غيرَ متخاذلينَ ولا متهاجرينَ .

دمتم بخير ٍ .

أخوكم : فتى .

==========

تموتُ النفوسُ بأوصابِها ********* ولم تدر ِ عوّادُها ما بِها

وما أنصفتْ مُهجة ٌ تشتكي ********* أذاها إلى غير ِ أحبابِها

منقول من البريد.

كانَ يُخالجُني شعورٌ أنَّ حروفَ مقالتي السابقةِ ، سيكونُ لها وقعٌ وأثرٌ ، ويتجاذبُها طرفان ِ مُتباينان ِ ، ما بينَ مادح ٍ وقادح ٍ ، وراض ٍ وساخطٍ ، ولم أكنْ لأتبرّمَ بذلكَ ، أو أعبأ لهُ ، فالنّاسُ مشاربُ شتّى ، وآراءُ مختلفة ٌ ، يجمعهم النظرُ ، ويفرّقهم الفهمُ ، فيعيبُ هذا من ذاك ، ما رآهُ الآخرُ صواباً ، وتعتركُ الأفهامُ ، وتتباينُ القرائحُ ، وقلَّ أن تتفقَ النّاسُ على شيءٍ ، بل لا زالوا رهنَ الخلافِ والاختلافِ ، غيرَ أنَّ " البعضَ " ! اغتالَ تلكَ الحروفَ وسطورها ، بتصنيفاتٍ جائرةٍ ، وهجوم ٍ سافر ٍ ، وتمادى حتّى شكّكَ في الكاتبِ ، وطعنَ في نزاهةِ بعض ِ الكتّابِ الآخرينَ .
وكنتُ أنتظرُ أثناءَ ذلكَ رجلاً عاقلاً حكيماً حصيفاً ، يأسو الأمرَ ، ويرقعُ ثلمهُ ، ويجمعُ مبدّدهُ ، ويُصلحُ خَلّتهُ ، وتريّثتُ حتى تنقضيَ الفورة ُ ، وتنجليَ الهبوة ُ ، فطالَ انتظاري ، وخشيتُ أن تخرجَ القضيّة ُ – وقد خرجتْ - إلى الطعن ِ والتشكيكِ ، أو القدح ِ والتصنيفِ ، وما أسرعَ دبيبِ ذين ِ إلينا ! ، وما أقسى وطأهما علينا ! .

وخشيتُ – كذلك - أن يطولَ العهدُ بالموضوع ِ ، وأستمهدَ الرّاحة َ ، فيعتاصَ ويتوعّرَ ، ويغدو الإيضاحُ صعبَ المرام ِ ، بعيدَ المتناول ِ ، وهو الآنَ على حبل ِ الذراع ِ ، وطرفِ الثمام ِ ، فاستعنتُ باللهِ وأخذتُ المُبادرة َ والزّمامَ ، وآثرتُ أن أكتبَ أسطراً ، تجمعُ ما تفرّقَ ، وتضمُّ ما تشتّتَ ، وتنتظمُ الشملَ ، وتضعَ النقاطَ على مهمل ِ الحروفِ .

ومن أعطى القيادَ لعقلهِ وعلمهِ ، وغالبَ هواهُ ، فقد نجا ، وأراحَ نفسهُ من حيثُ تعبُ الكثيرونَ ، ممّنَ سايروا أهوائهم ، وتابعوا مآربهم ، فاتسعتْ الهوّة ُ ، وزادَ الخلافُ ، وكلُّ ذلكَ مدخلٌ من مداخل ِ الشيطان ِ ، يوغرُ بهِ الصدورَ ، ويزيدُ بهِ العنتَ ، ونحنُ مُتعبّدونَ بحُسن ِ الظنِّ ، وحمل ِ الكلام ِ على أوفى محاملهِ وأوفرها ، والتروّي والتريّثِ قبلَ الحكم ِ ، وقبلَ خلع ِ النعوتِ الجائرةِ ، والأوصافِ الظالمةِ .

وإنّي – إن شاءَ اللهُ تعالى – لستُ مُتصنّعاً ما لا أنويهِ ، ولا مُتحليّاً بما لا أعتقدهُ ، ولستُ عريّاً عن العلم ِ ، عاطلاً من الفهم ِ ، بل أكتبُ ما أكتبهُ عن ثقةٍ فيهِ ، وقناعةٍ بهِ ، وقد وقفتُ على حقيقةِ كثير ٍ من الأمور ِ ، وبدتْ لي شواكلُها ، واستبنتُ الرُّشدَ فيها ، فالحمدُ للهِ على توفيقهِ وفضلهِ .

أمّا العلمُ – بفضل ِ اللهِ وتوفيقهِ – فقد جالستُ - في سبيل ِ مدارستهِ وطلبهِ – كِبارَ أهلهِ العارفينَ بهِ ، والحاذقينَ لهُ ، وروّيتُ من مشاربهمِ غليلي ، وأبللتُ منهم صدايَ ، فمن أولئكَ الأشياخ ِ الكرام ِ : شيخُنا العلاّمة ُ : عبداللهِ بنُ عبدالرحمن ِ بنُ جبرين ٍ – أسعدُ اللهُ أيّامهُ - ، والشيخُ الفقيهُ المُفسّرُ الأصوليُّ : عبداللهِ بنُ بيّهْ الشنقيطيُّ – أعلى اللهُ قدرهُ - ، وكذلكَ شيخُنا العلاّمة ُ الأصوليُّ : مُصطفى أبو جيّابٍ – برّدَ اللهُ مضجعهُ وأعلى درجتهُ - ، وشيخُنا الفقيهُ النسّابة ُ : محمّدٌ الطيّبُ الشنقيطيُّ – نوّرَ اللهُ قبرهُ وأعلى منزلتهُ - ، وكذلكَ شيخُنا المحدّثُ المُسندُ العلاّمة ُ المُعمّرُ : محمّدُ بنُ عبداللهِ الصوماليُّ – برّدَ اللهُ مضجعهُ ونوّرَ ضريحهُ - ، وشيخُنا العلاّمة ُ اللغويُّ الشهيرُ : محمّدٌ الحبيبُ الأنصاريُّ – رحمهُ اللهُ رحمة ً واسعة ً - ، وشيخُنا العلاّمة ُ الفقيهُ النحْويُّ : محمّدُ بنُ سُليمانَ البسّامُ – متّعهُ اللهُ بالعافيةِ وألبسهُ ثيابَ الصحّةِ - ، والشيخُ الفقيهُ القاضي : عبدالمُحسن ِ الخيّالُ – أمدَّ اللهُ في عمرهِ - ، والشيخُ اللغويُّ النحْويُّ المؤدبُ : محمّدٌ المختارُ ولد سيدي الشنقيطيُّ – رفعَ اللهُ درجتهُ وأجزلَ مثوبتهُ - ، وشيخنُا المُحدّثُ الفهّامة ُ : إبراهيمُ اللاحم ِ – حفظهُ اللهُ - ، وشيخُنا الأصوليُّ : أحمدُ بنُ محمّدٍ النيجريُّ – أحسنَ اللهُ إليهِ - .

ويأتي على رأس ِ كلِّ أولئكَ شيخُنا الفقيهُ الواعظُ الأصوليُّ المُفسّرُ الزّاهدُ النّابغة ُ: مُحمدٌ بنُ محمّدٍ المختار ِ الشنقيطيُّ – أسعدَ اللهُ أيّامهُ ورفعَ ذكرهُ وأعلى قدرهُ - ، فهو ذو أيادٍ بيضاءَ عليَّ ، ولم أرَ في حياتي مثلهُ في دماثةِ خلقهِ ، وسماحةِ سجيّتهِ ، ولطافةِ طبعهِ ، وغزارةِ علمهِ ، ودقّةِ فهمهِ ، فهو بحرٌ لا يُنزفُ ، وغمرٌ لا يُسبرُ ، ولكلامهِ وقعٌ يأخذُ بمجامع ِ القلوبِ ، ويُلتمسُ في بيانهِ نوادُّ الحكمةِ ، أسألُ اللهَ الكريمَ العظيمَ أن يُديمَ عليهِ وعلى بقيّةِ الأشياخ ِ سوابغَ نعمهِ ، وقرائنَ مننهِ ، وتواليَ فواضلهِ ، وأن يجزيهُ عنّي وعن أمّةِ الإسلام ِ أوفر الجزاءِ ، وأحسنَ العطاءِ .

هذا عدى جمهرةٍ أخرى جالستهم ، وذاكرتهم ، وحضرتَ من مجالسِهم ما حضرتُ ، وإن لم أختصَّ بهم ، وذكرهم يحتاجُ إلى فُسحةٍ من الوقتِ ، وفراغ ٍ من الشغل ِ .

وجميعُ هؤلاءِ المشايخ ِ الكرام ِ ، هم من أهل ِ العلم ِ المعتبرينَ ، ورجالاتِ الفهم ِ المعدودينَ ، " كيفَ لا وهم إن ذُكرَ الشرفُ أهلُ بجدتهِ ، أو العلمُ فهم عاقدوا بُردتهِ ، أو الدينُ فهم ساكنوا بلدتهِ ، أو الجودُ فهم لابسوا جلدتهِ " – كما أبدعَ البديعُ في وصفِ نظرائهم - .

وإنّما ذكرتُ مشايخي – أحسنَ اللهُ إليهم – لأدفعَ عن نفسي سُبّة َ الجهل ِ ، وعثرَ الرأيِّ ، ممّا رماني بهِ – عفا اللهُ عنهُ – أحدُ الكتّابِ هنا ، وأخذُ يلمزُني بذلكَ ، و أنّهُ كذلكَ – بحولِ اللهِ - لن تؤتوا من قبلي بسوءٍ من الفهم ِ ، أو خبثٍ في الطويّةِ ، أو دغل ٍ وغِشٍّ .

وحتّى لا أنتحي جانباً عن لُبُّ الموضوع ِ ، وأحيدَ عن صلبِ القضيّةِ ، أقولُ :

إنَّ هنا أموراً أربعة ً لا بُدَّ من طرحها ، وجعلِها أصولاً ، لنكونَ – جميعاً – على بيّنةٍ من أمرنا ، ونحصرَ دائرة َ الحوار ِ حولها ، ونستبينَ فيها مستكنَّ الآراءِ ، ونجعلها معتركَ النقاش ِ ، فإنَّ اتفقنا فهو الحسنة ُ المنشودة ُ ، والضالّة ُ المفقودة ُ ، وإن كانَ لأحدنا رأيٌّ آخرُ ، كشفَ لنا عن حجّتهِ ، وبيّنَ لنا مسلكهُ ، فلربّما خفيَ لنا من الأمر ِ ما بدا لهُ ، وغُمَّ علينا ما اهتدى إليهِ : ( وفوقَ كُلِّ ذي علم ٍ عليمٌ ) .

أمّا أوّلها : فهو أنّني كنتُ أدينُ اللهِ تعالى – ولا زلتُ - ، بحرمةِ التفجير ِ في هذه البلادِ ، مهما كانتِ الدوافعُ والمبرّراتُ ، سواءً قُصدَ بذلكَ مسلمٌ ، أو كافرٌ ، وأنَّ هذا الفعلَ ليسَ من الجهادِ في شيءٍ ، وإنّما هو عبثٌ واعتداءٌ ، وأرى أنَّهُ جريمة ٌ نكراءُ ، وفعلة ٌ شنعاءُ ، وهو مؤذنٌ بفتح ِ بابِ الفتن ِ العظيمةِ ، ومؤدٍّ إلى الفوضى والقلاقل ِ ، فهو محرّمٌ أصلاً وفصلاً ، ذريعة ً وقصداً ، وهذا من الأصول ِ التي دلّتْ عليها السنّة ُ النبويّة ُ ، وتبرّأتْ من فاعلهِ ، كما ثبتَ في صحيح ِ الإمام ِ مسلم ٍ من حديثِ أبي قيس ِ بن ِ رياح ٍ ، عن أبي هريرة َ رضيَ اللهُ عنهُ ، عن النبيِّ – صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ – أنّهُ قالَ : " ومن خرجَ على أمّتي يضربُ برّها وفاجرها ، ولا يتحاشَ من مؤمنها ، ولا يفي لذي عهدٍ عهدهُ ، فليسَ منّي ولستُ منهُ " .

ثانيها : أنَّ أي طائفةٍ امتنعتْ بنفسها ، وحملتِ السلاحَ على المسلمينَ ، وقصدتْ إليهم بالترويع ِ ، وأعلنتْ عليهم العصيانَ ، فإنَّ تلكَ الطائفة َ باغية ٌ ، يجبُ كفُّ شرِّها ، وكبحُ جماحها ، وأنَّ القصدَ إلى دفع ِ أذاهم بالقوّةِ مشروعٌ بل واجبٌ على من ولاّهُ اللهُ أمرَ المسلمينَ ، حتّى يئوبوا إلى طائفةِ المُسلمينَ وجماعتهم ، ويكفّوا شرّهم وأذاهم ، وهذا منطبقٌ برمّتهِ على هذه الطائفةِ الموجودةِ لدينا ، فلا مناصَ من لحوق ِ هذا الأمر ِ عليهم ، ولصوقهِ بهم .

وإن رامتْ هذه الجماعة ُ أوغيرُها ، أن تجعلَ من سيفِ الحقِّ عدوّاً لها ، فإنَّ سيفَ الحقِّ لا تنبو مضاربُهُ ، ولا تكلُّ غواربهُ ، ولا يخونُ في كريهةٍ ، ولا ينبو عن ضربةٍ ، ولا تقي منهُ الدروعُ المُضاعفة ُ ، ولا الحللُ الوافية ُ ، وسيأتيهم منهُ شيءٌ لم يخطرْ ببالهم ، ولا تحرّكتْ بهم خواطرهم ، وهم وإن سالمتْهم الأيامُ حيناً ، وهادنتهم صروفُ الدهر ِ زماناً ، فإنَّ القدرَ المحتومَ بهم نازلٌ ، وسيدركهم شؤمُ فعالهم ، ويعركهم عرْكَ الأديم ِ ، ويطحنهم طحنَ الرَّحا ، وسيُقذفونَ من كلِّ جانبٍ دحوراً .

ثالثُها : أنَّ هذهِ الفرقة َ التي خرجتْ علينا بالقتل ِ والتفجير ِ ، إنّما حملها على ذلكَ فكرٌ خاطيءٌ ، وسلوكٌ مُنحرفٌ غيرُ سويٍّ ، تغافلَ عنهُ – فترة ً – بعضُ أهل ِ العلم ِ والفكر ِ ، وسكتوا عن أهلهِ ، حتى ازدادَ الأمرُ سوءً ، ووقدتْ جمرتهُ ، واستحكمتْ شكيمتهُ ، واستشرى شررهُ ، الأمرُ الذي يدعو إلى إعادةِ النظر ِ في ذلكَ ، وبيان ِ حقيقةِ الأمر ِ ، وكشفِ الشبهِ عنهُ وعن أهلهِ ، حتّى تؤمنَ غوائلهُ ، وتُحجبَ سبلهُ ، ويُحاطَ بسياج ٍ فكريٍّ متين ٍ ، يستعصي على من رامَ كسرهُ أو الولوجَ إليهِ ، وكما فرّطنا سابقاً ، يجبُ علينا التصدّي لذلكَ لاحقاً ، وتداركُ ما أمكنَ ، والتجلّدُ في مواجهةِ الثمراتِ المرّةِ ، والمكاشفة ُ الصريحة ُ للنفس ِ ، وأن لاتمنعنا سلطة ُ العوامِّ ، أو خوفُ النقدِ ، من بيان ِ الحقِّ والصدع ِ بهِ .

فهما يدان ِ من حديدٍ دونَ العبثِ بالأمن ِ والأنفس ِ : يدُ القوّةِ ، ويدُ الفكرُ والعلم ِ ، فلا بُدَّ أن يجتمعا ، ويتظافرا ، ويكونا عوناً على النوائبِ ، ولا غنى لأحدهما دونَ صاحبهِ ، وليسَ من الحكمةِ مواجهة ُ السلاح ِ والتهديدِ بالفكر ِ والحوار ِ فقط ، بل لا بُدَّ من دفع ِ القوةِ بالقوّةِ ، والصولةِ بالصولةِ ، كما قالَ مُلهِمُ الشعراءِ ، وأميرُ الأدباءِ أبو الطيّبِ المُتنبّي :

ووضعُ النّدى في موضع ِالسيفِ بالعُلى ********** مُضرٌّ ، كوضع ِ السيفِ في موضع ِ النَّدى

رابُعها : الوقوفُ مع هذه البلادِ المباركةِ وقادتهاِ وعلماءها ، في وجهِ الدسائس ِ الغادرةِ ، والمكائدِ الحاقدةِ ، الداخليّةِ والخارجيّةِ ، وإظهارُ التماسكِ والتلاحم ِ ، وردُّ كيدِ الحاسدِ والباغي ، وأن نكونَ يداً واحدة ً على من خالفنا ، بخاصّةٍ ونحنُ نرى هذه الهجماتِ الماكرة َ ، والطعناتِ الفاجرة َ، من العدوِّ والصديق ِ ، والقريبِ والبعيدِ ، من صهاينةِ الغربِ والعربِ ، ودهاقنةِ المكر ِ والخديعةِ ، ممّا يستوجبُ الوقفة َ الصادقة َ والجادّة َ في وجهها ، وعدمَ إصغاءِ السمع ِ لدعاةِ التفرقةِ والهدم ِ ، " فالوطنُ محبوبٌ ، والمنشأ مألوفٌ ، واللبيبُ يحنُّ إلى وطنهِ ، حنينَ النجيبِ إلى عطنهِ ، والكريمُ لا يجفو أرضاً بها قوابلهُ ، ولا ينسى بلداً فيها مراضعهُ :

أحبُّ بلادِ اللهِ ما بينَ منعج ٍ ********** إليَّ وسلمى أن يصوبَ سحابُها

بلادٌ بها حلَّ الشبابُ تمائمي ********** وأوّلُ أرض ٍ مسَّ جلدي تُرابُها "

كيفَ لا ونحنُ بيضة ُ الدين ِ ، وحوزة ُ الحقِّ ، وحِمى الإسلام ِ ، وموطنُ الرسالةِ ، ومهوى أفئدةِ المُسلمينَ ، وأهلُ هذه البلادِ هم حضَنة ُ الإسلام ِ ، وأعضادُ الملّةِ ، فإن انفرطَ عقدنا ، فقدَ اختلَّ نظامُ العالم ِ الإسلاميِّ كلّهِ ، وإن طُعنّا في أرضنا وعرضنا ، فإن جميعَ ديار ِ المسلمينَ ستثعبُ دماً ، وتسيلُ جراحاً .

ولن أكونَ – بحول ِ اللهِ – ممرَ عبور ٍ لشيعةِ الباطل ِ ، وجسر ِ الشيطان ِ ، ولسباع ِ الغارةِ ، وكِلابِ الفتنةِ ، وأهل ِ الفرقةِ والزيغ ِ ، أو عوناً لهم ، والموتُ على هذه الأرض ِ المباركةِ ، وفي أكنافِ أهلها ، أحبُّ إليَّ من العيش ِ الرغيدِ في أعطافِ عدوّها ، ومغاني مناوئيها ، ولئنَ كانَ الدفاعُ عن الوطن ِ والمحتدِ ذنباً وعاراً ، فلا معروفَ في الدنيا أبداً ، ولئنَ كانَ جناية ً وجُنحة ً ، فقدَ فنيَ الخيرُ وانتهى البرُّ .

فإن كانتْ هذهِ الأربعة ُجناياتٍ ، فيالها من جنايةٍ شريفةٍ ! .

وإن كانتْ عيوباً ، فأطيبْ بها من عيبٍ غير ِ معيبٍ ! .

إذا محاسني اللائي أدِلُّ بها ********** كانتْ ذنوبي فقلْ لي كيفَ أعتذرُ !

وأمّا دعاة ُ التغريبِ ، وأنصارُ العقلانيّةِ ، وسُعاة ُ الفتنةِ ، من أصحابِ المذاهبِ الهدّامةِ ، والأفكار ِ الزائغةِ ، فالوقوفُ في وجهِ شرّهم وكيدهم ، وكشفُ شبههم ، شرفٌ وفخرٌ ، وما كنتُ لأتركَ طريقاً سلكتهُ وكنتُ يوماً أحدَ جنودهِ : ( وما كانَ اللهُ ليضيعَ إيمانكم ) ، بل سأمضي فيهِ سائراً ثائراً ، حتّى أبلغَ المقصدَ – إن شاءَ اللهُ - أو أهلِكَ دونهُ .

هذا ما أردتُّ بيانهُ وإيضاحهُ ، وهي دونكم بعجرها وبجرها ، فمن رأى فيها ما يعتقدُ خطأهُ فليصوّبني ، فنحنُ نكمّلُ بعضنا ، ونسترُ عيبنا ، ونُصلحُ فاسدنا ، واللهُ المسئولُ أن يُصلحَ ما تغيّرَ من أحوالنا ، وأن يسللَ سخيمة َ قلوبِنا ، ويوهي بأسَ عدوّنا ، وأن يجمعَ قلوبنا على الحقِّ والخير ِ ، إخواننا متحابّينَ ، غيرَ متخاذلينَ ولا متهاجرينَ .

دمتم بخير ٍ .

أخوكم : فتى .

==========

تموتُ النفوسُ بأوصابِها ********* ولم تدر ِ عوّادُها ما بِها

وما أنصفتْ مُهجة ٌ تشتكي ********* أذاها إلى غير ِ أحبابِها

منقول من البريد.

كانَ يُخالجُني شعورٌ أنَّ حروفَ مقالتي السابقةِ ، سيكونُ لها وقعٌ وأثرٌ ، ويتجاذبُها طرفان ِ مُتباينان ِ ، ما بينَ مادح ٍ وقادح ٍ ، وراض ٍ وساخطٍ ، ولم أكنْ لأتبرّمَ بذلكَ ، أو أعبأ لهُ ، فالنّاسُ مشاربُ شتّى ، وآراءُ مختلفة ٌ ، يجمعهم النظرُ ، ويفرّقهم الفهمُ ، فيعيبُ هذا من ذاك ، ما رآهُ الآخرُ صواباً ، وتعتركُ الأفهامُ ، وتتباينُ القرائحُ ، وقلَّ أن تتفقَ النّاسُ على شيءٍ ، بل لا زالوا رهنَ الخلافِ والاختلافِ ، غيرَ أنَّ " البعضَ " ! اغتالَ تلكَ الحروفَ وسطورها ، بتصنيفاتٍ جائرةٍ ، وهجوم ٍ سافر ٍ ، وتمادى حتّى شكّكَ في الكاتبِ ، وطعنَ في نزاهةِ بعض ِ الكتّابِ الآخرينَ .
وكنتُ أنتظرُ أثناءَ ذلكَ رجلاً عاقلاً حكيماً حصيفاً ، يأسو الأمرَ ، ويرقعُ ثلمهُ ، ويجمعُ مبدّدهُ ، ويُصلحُ خَلّتهُ ، وتريّثتُ حتى تنقضيَ الفورة ُ ، وتنجليَ الهبوة ُ ، فطالَ انتظاري ، وخشيتُ أن تخرجَ القضيّة ُ – وقد خرجتْ - إلى الطعن ِ والتشكيكِ ، أو القدح ِ والتصنيفِ ، وما أسرعَ دبيبِ ذين ِ إلينا ! ، وما أقسى وطأهما علينا ! .

وخشيتُ – كذلك - أن يطولَ العهدُ بالموضوع ِ ، وأستمهدَ الرّاحة َ ، فيعتاصَ ويتوعّرَ ، ويغدو الإيضاحُ صعبَ المرام ِ ، بعيدَ المتناول ِ ، وهو الآنَ على حبل ِ الذراع ِ ، وطرفِ الثمام ِ ، فاستعنتُ باللهِ وأخذتُ المُبادرة َ والزّمامَ ، وآثرتُ أن أكتبَ أسطراً ، تجمعُ ما تفرّقَ ، وتضمُّ ما تشتّتَ ، وتنتظمُ الشملَ ، وتضعَ النقاطَ على مهمل ِ الحروفِ .

ومن أعطى القيادَ لعقلهِ وعلمهِ ، وغالبَ هواهُ ، فقد نجا ، وأراحَ نفسهُ من حيثُ تعبُ الكثيرونَ ، ممّنَ سايروا أهوائهم ، وتابعوا مآربهم ، فاتسعتْ الهوّة ُ ، وزادَ الخلافُ ، وكلُّ ذلكَ مدخلٌ من مداخل ِ الشيطان ِ ، يوغرُ بهِ الصدورَ ، ويزيدُ بهِ العنتَ ، ونحنُ مُتعبّدونَ بحُسن ِ الظنِّ ، وحمل ِ الكلام ِ على أوفى محاملهِ وأوفرها ، والتروّي والتريّثِ قبلَ الحكم ِ ، وقبلَ خلع ِ النعوتِ الجائرةِ ، والأوصافِ الظالمةِ .

وإنّي – إن شاءَ اللهُ تعالى – لستُ مُتصنّعاً ما لا أنويهِ ، ولا مُتحليّاً بما لا أعتقدهُ ، ولستُ عريّاً عن العلم ِ ، عاطلاً من الفهم ِ ، بل أكتبُ ما أكتبهُ عن ثقةٍ فيهِ ، وقناعةٍ بهِ ، وقد وقفتُ على حقيقةِ كثير ٍ من الأمور ِ ، وبدتْ لي شواكلُها ، واستبنتُ الرُّشدَ فيها ، فالحمدُ للهِ على توفيقهِ وفضلهِ .

أمّا العلمُ – بفضل ِ اللهِ وتوفيقهِ – فقد جالستُ - في سبيل ِ مدارستهِ وطلبهِ – كِبارَ أهلهِ العارفينَ بهِ ، والحاذقينَ لهُ ، وروّيتُ من مشاربهمِ غليلي ، وأبللتُ منهم صدايَ ، فمن أولئكَ الأشياخ ِ الكرام ِ : شيخُنا العلاّمة ُ : عبداللهِ بنُ عبدالرحمن ِ بنُ جبرين ٍ – أسعدُ اللهُ أيّامهُ - ، والشيخُ الفقيهُ المُفسّرُ الأصوليُّ : عبداللهِ بنُ بيّهْ الشنقيطيُّ – أعلى اللهُ قدرهُ - ، وكذلكَ شيخُنا العلاّمة ُ الأصوليُّ : مُصطفى أبو جيّابٍ – برّدَ اللهُ مضجعهُ وأعلى درجتهُ - ، وشيخُنا الفقيهُ النسّابة ُ : محمّدٌ الطيّبُ الشنقيطيُّ – نوّرَ اللهُ قبرهُ وأعلى منزلتهُ - ، وكذلكَ شيخُنا المحدّثُ المُسندُ العلاّمة ُ المُعمّرُ : محمّدُ بنُ عبداللهِ الصوماليُّ – برّدَ اللهُ مضجعهُ ونوّرَ ضريحهُ - ، وشيخُنا العلاّمة ُ اللغويُّ الشهيرُ : محمّدٌ الحبيبُ الأنصاريُّ – رحمهُ اللهُ رحمة ً واسعة ً - ، وشيخُنا العلاّمة ُ الفقيهُ النحْويُّ : محمّدُ بنُ سُليمانَ البسّامُ – متّعهُ اللهُ بالعافيةِ وألبسهُ ثيابَ الصحّةِ - ، والشيخُ الفقيهُ القاضي : عبدالمُحسن ِ الخيّالُ – أمدَّ اللهُ في عمرهِ - ، والشيخُ اللغويُّ النحْويُّ المؤدبُ : محمّدٌ المختارُ ولد سيدي الشنقيطيُّ – رفعَ اللهُ درجتهُ وأجزلَ مثوبتهُ - ، وشيخنُا المُحدّثُ الفهّامة ُ : إبراهيمُ اللاحم ِ – حفظهُ اللهُ - ، وشيخُنا الأصوليُّ : أحمدُ بنُ محمّدٍ النيجريُّ – أحسنَ اللهُ إليهِ - .

ويأتي على رأس ِ كلِّ أولئكَ شيخُنا الفقيهُ الواعظُ الأصوليُّ المُفسّرُ الزّاهدُ النّابغة ُ: مُحمدٌ بنُ محمّدٍ المختار ِ الشنقيطيُّ – أسعدَ اللهُ أيّامهُ ورفعَ ذكرهُ وأعلى قدرهُ - ، فهو ذو أيادٍ بيضاءَ عليَّ ، ولم أرَ في حياتي مثلهُ في دماثةِ خلقهِ ، وسماحةِ سجيّتهِ ، ولطافةِ طبعهِ ، وغزارةِ علمهِ ، ودقّةِ فهمهِ ، فهو بحرٌ لا يُنزفُ ، وغمرٌ لا يُسبرُ ، ولكلامهِ وقعٌ يأخذُ بمجامع ِ القلوبِ ، ويُلتمسُ في بيانهِ نوادُّ الحكمةِ ، أسألُ اللهَ الكريمَ العظيمَ أن يُديمَ عليهِ وعلى بقيّةِ الأشياخ ِ سوابغَ نعمهِ ، وقرائنَ مننهِ ، وتواليَ فواضلهِ ، وأن يجزيهُ عنّي وعن أمّةِ الإسلام ِ أوفر الجزاءِ ، وأحسنَ العطاءِ .

هذا عدى جمهرةٍ أخرى جالستهم ، وذاكرتهم ، وحضرتَ من مجالسِهم ما حضرتُ ، وإن لم أختصَّ بهم ، وذكرهم يحتاجُ إلى فُسحةٍ من الوقتِ ، وفراغ ٍ من الشغل ِ .

وجميعُ هؤلاءِ المشايخ ِ الكرام ِ ، هم من أهل ِ العلم ِ المعتبرينَ ، ورجالاتِ الفهم ِ المعدودينَ ، " كيفَ لا وهم إن ذُكرَ الشرفُ أهلُ بجدتهِ ، أو العلمُ فهم عاقدوا بُردتهِ ، أو الدينُ فهم ساكنوا بلدتهِ ، أو الجودُ فهم لابسوا جلدتهِ " – كما أبدعَ البديعُ في وصفِ نظرائهم - .

وإنّما ذكرتُ مشايخي – أحسنَ اللهُ إليهم – لأدفعَ عن نفسي سُبّة َ الجهل ِ ، وعثرَ الرأيِّ ، ممّا رماني بهِ – عفا اللهُ عنهُ – أحدُ الكتّابِ هنا ، وأخذُ يلمزُني بذلكَ ، و أنّهُ كذلكَ – بحولِ اللهِ - لن تؤتوا من قبلي بسوءٍ من الفهم ِ ، أو خبثٍ في الطويّةِ ، أو دغل ٍ وغِشٍّ .

وحتّى لا أنتحي جانباً عن لُبُّ الموضوع ِ ، وأحيدَ عن صلبِ القضيّةِ ، أقولُ :

إنَّ هنا أموراً أربعة ً لا بُدَّ من طرحها ، وجعلِها أصولاً ، لنكونَ – جميعاً – على بيّنةٍ من أمرنا ، ونحصرَ دائرة َ الحوار ِ حولها ، ونستبينَ فيها مستكنَّ الآراءِ ، ونجعلها معتركَ النقاش ِ ، فإنَّ اتفقنا فهو الحسنة ُ المنشودة ُ ، والضالّة ُ المفقودة ُ ، وإن كانَ لأحدنا رأيٌّ آخرُ ، كشفَ لنا عن حجّتهِ ، وبيّنَ لنا مسلكهُ ، فلربّما خفيَ لنا من الأمر ِ ما بدا لهُ ، وغُمَّ علينا ما اهتدى إليهِ : ( وفوقَ كُلِّ ذي علم ٍ عليمٌ ) .

أمّا أوّلها : فهو أنّني كنتُ أدينُ اللهِ تعالى – ولا زلتُ - ، بحرمةِ التفجير ِ في هذه البلادِ ، مهما كانتِ الدوافعُ والمبرّراتُ ، سواءً قُصدَ بذلكَ مسلمٌ ، أو كافرٌ ، وأنَّ هذا الفعلَ ليسَ من الجهادِ في شيءٍ ، وإنّما هو عبثٌ واعتداءٌ ، وأرى أنَّهُ جريمة ٌ نكراءُ ، وفعلة ٌ شنعاءُ ، وهو مؤذنٌ بفتح ِ بابِ الفتن ِ العظيمةِ ، ومؤدٍّ إلى الفوضى والقلاقل ِ ، فهو محرّمٌ أصلاً وفصلاً ، ذريعة ً وقصداً ، وهذا من الأصول ِ التي دلّتْ عليها السنّة ُ النبويّة ُ ، وتبرّأتْ من فاعلهِ ، كما ثبتَ في صحيح ِ الإمام ِ مسلم ٍ من حديثِ أبي قيس ِ بن ِ رياح ٍ ، عن أبي هريرة َ رضيَ اللهُ عنهُ ، عن النبيِّ – صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ – أنّهُ قالَ : " ومن خرجَ على أمّتي يضربُ برّها وفاجرها ، ولا يتحاشَ من مؤمنها ، ولا يفي لذي عهدٍ عهدهُ ، فليسَ منّي ولستُ منهُ " .

ثانيها : أنَّ أي طائفةٍ امتنعتْ بنفسها ، وحملتِ السلاحَ على المسلمينَ ، وقصدتْ إليهم بالترويع ِ ، وأعلنتْ عليهم العصيانَ ، فإنَّ تلكَ الطائفة َ باغية ٌ ، يجبُ كفُّ شرِّها ، وكبحُ جماحها ، وأنَّ القصدَ إلى دفع ِ أذاهم بالقوّةِ مشروعٌ بل واجبٌ على من ولاّهُ اللهُ أمرَ المسلمينَ ، حتّى يئوبوا إلى طائفةِ المُسلمينَ وجماعتهم ، ويكفّوا شرّهم وأذاهم ، وهذا منطبقٌ برمّتهِ على هذه الطائفةِ الموجودةِ لدينا ، فلا مناصَ من لحوق ِ هذا الأمر ِ عليهم ، ولصوقهِ بهم .

وإن رامتْ هذه الجماعة ُ أوغيرُها ، أن تجعلَ من سيفِ الحقِّ عدوّاً لها ، فإنَّ سيفَ الحقِّ لا تنبو مضاربُهُ ، ولا تكلُّ غواربهُ ، ولا يخونُ في كريهةٍ ، ولا ينبو عن ضربةٍ ، ولا تقي منهُ الدروعُ المُضاعفة ُ ، ولا الحللُ الوافية ُ ، وسيأتيهم منهُ شيءٌ لم يخطرْ ببالهم ، ولا تحرّكتْ بهم خواطرهم ، وهم وإن سالمتْهم الأيامُ حيناً ، وهادنتهم صروفُ الدهر ِ زماناً ، فإنَّ القدرَ المحتومَ بهم نازلٌ ، وسيدركهم شؤمُ فعالهم ، ويعركهم عرْكَ الأديم ِ ، ويطحنهم طحنَ الرَّحا ، وسيُقذفونَ من كلِّ جانبٍ دحوراً .

ثالثُها : أنَّ هذهِ الفرقة َ التي خرجتْ علينا بالقتل ِ والتفجير ِ ، إنّما حملها على ذلكَ فكرٌ خاطيءٌ ، وسلوكٌ مُنحرفٌ غيرُ سويٍّ ، تغافلَ عنهُ – فترة ً – بعضُ أهل ِ العلم ِ والفكر ِ ، وسكتوا عن أهلهِ ، حتى ازدادَ الأمرُ سوءً ، ووقدتْ جمرتهُ ، واستحكمتْ شكيمتهُ ، واستشرى شررهُ ، الأمرُ الذي يدعو إلى إعادةِ النظر ِ في ذلكَ ، وبيان ِ حقيقةِ الأمر ِ ، وكشفِ الشبهِ عنهُ وعن أهلهِ ، حتّى تؤمنَ غوائلهُ ، وتُحجبَ سبلهُ ، ويُحاطَ بسياج ٍ فكريٍّ متين ٍ ، يستعصي على من رامَ كسرهُ أو الولوجَ إليهِ ، وكما فرّطنا سابقاً ، يجبُ علينا التصدّي لذلكَ لاحقاً ، وتداركُ ما أمكنَ ، والتجلّدُ في مواجهةِ الثمراتِ المرّةِ ، والمكاشفة ُ الصريحة ُ للنفس ِ ، وأن لاتمنعنا سلطة ُ العوامِّ ، أو خوفُ النقدِ ، من بيان ِ الحقِّ والصدع ِ بهِ .

فهما يدان ِ من حديدٍ دونَ العبثِ بالأمن ِ والأنفس ِ : يدُ القوّةِ ، ويدُ الفكرُ والعلم ِ ، فلا بُدَّ أن يجتمعا ، ويتظافرا ، ويكونا عوناً على النوائبِ ، ولا غنى لأحدهما دونَ صاحبهِ ، وليسَ من الحكمةِ مواجهة ُ السلاح ِ والتهديدِ بالفكر ِ والحوار ِ فقط ، بل لا بُدَّ من دفع ِ القوةِ بالقوّةِ ، والصولةِ بالصولةِ ، كما قالَ مُلهِمُ الشعراءِ ، وأميرُ الأدباءِ أبو الطيّبِ المُتنبّي :

ووضعُ النّدى في موضع ِالسيفِ بالعُلى ********** مُضرٌّ ، كوضع ِ السيفِ في موضع ِ النَّدى

رابُعها : الوقوفُ مع هذه البلادِ المباركةِ وقادتهاِ وعلماءها ، في وجهِ الدسائس ِ الغادرةِ ، والمكائدِ الحاقدةِ ، الداخليّةِ والخارجيّةِ ، وإظهارُ التماسكِ والتلاحم ِ ، وردُّ كيدِ الحاسدِ والباغي ، وأن نكونَ يداً واحدة ً على من خالفنا ، بخاصّةٍ ونحنُ نرى هذه الهجماتِ الماكرة َ ، والطعناتِ الفاجرة َ، من العدوِّ والصديق ِ ، والقريبِ والبعيدِ ، من صهاينةِ الغربِ والعربِ ، ودهاقنةِ المكر ِ والخديعةِ ، ممّا يستوجبُ الوقفة َ الصادقة َ والجادّة َ في وجهها ، وعدمَ إصغاءِ السمع ِ لدعاةِ التفرقةِ والهدم ِ ، " فالوطنُ محبوبٌ ، والمنشأ مألوفٌ ، واللبيبُ يحنُّ إلى وطنهِ ، حنينَ النجيبِ إلى عطنهِ ، والكريمُ لا يجفو أرضاً بها قوابلهُ ، ولا ينسى بلداً فيها مراضعهُ :

أحبُّ بلادِ اللهِ ما بينَ منعج ٍ ********** إليَّ وسلمى أن يصوبَ سحابُها

بلادٌ بها حلَّ الشبابُ تمائمي ********** وأوّلُ أرض ٍ مسَّ جلدي تُرابُها "

كيفَ لا ونحنُ بيضة ُ الدين ِ ، وحوزة ُ الحقِّ ، وحِمى الإسلام ِ ، وموطنُ الرسالةِ ، ومهوى أفئدةِ المُسلمينَ ، وأهلُ هذه البلادِ هم حضَنة ُ الإسلام ِ ، وأعضادُ الملّةِ ، فإن انفرطَ عقدنا ، فقدَ اختلَّ نظامُ العالم ِ الإسلاميِّ كلّهِ ، وإن طُعنّا في أرضنا وعرضنا ، فإن جميعَ ديار ِ المسلمينَ ستثعبُ دماً ، وتسيلُ جراحاً .

ولن أكونَ – بحول ِ اللهِ – ممرَ عبور ٍ لشيعةِ الباطل ِ ، وجسر ِ الشيطان ِ ، ولسباع ِ الغارةِ ، وكِلابِ الفتنةِ ، وأهل ِ الفرقةِ والزيغ ِ ، أو عوناً لهم ، والموتُ على هذه الأرض ِ المباركةِ ، وفي أكنافِ أهلها ، أحبُّ إليَّ من العيش ِ الرغيدِ في أعطافِ عدوّها ، ومغاني مناوئيها ، ولئنَ كانَ الدفاعُ عن الوطن ِ والمحتدِ ذنباً وعاراً ، فلا معروفَ في الدنيا أبداً ، ولئنَ كانَ جناية ً وجُنحة ً ، فقدَ فنيَ الخيرُ وانتهى البرُّ .

فإن كانتْ هذهِ الأربعة ُجناياتٍ ، فيالها من جنايةٍ شريفةٍ ! .

وإن كانتْ عيوباً ، فأطيبْ بها من عيبٍ غير ِ معيبٍ ! .

إذا محاسني اللائي أدِلُّ بها ********** كانتْ ذنوبي فقلْ لي كيفَ أعتذرُ !

وأمّا دعاة ُ التغريبِ ، وأنصارُ العقلانيّةِ ، وسُعاة ُ الفتنةِ ، من أصحابِ المذاهبِ الهدّامةِ ، والأفكار ِ الزائغةِ ، فالوقوفُ في وجهِ شرّهم وكيدهم ، وكشفُ شبههم ، شرفٌ وفخرٌ ، وما كنتُ لأتركَ طريقاً سلكتهُ وكنتُ يوماً أحدَ جنودهِ : ( وما كانَ اللهُ ليضيعَ إيمانكم ) ، بل سأمضي فيهِ سائراً ثائراً ، حتّى أبلغَ المقصدَ – إن شاءَ اللهُ - أو أهلِكَ دونهُ .

هذا ما أردتُّ بيانهُ وإيضاحهُ ، وهي دونكم بعجرها وبجرها ، فمن رأى فيها ما يعتقدُ خطأهُ فليصوّبني ، فنحنُ نكمّلُ بعضنا ، ونسترُ عيبنا ، ونُصلحُ فاسدنا ، واللهُ المسئولُ أن يُصلحَ ما تغيّرَ من أحوالنا ، وأن يسللَ سخيمة َ قلوبِنا ، ويوهي بأسَ عدوّنا ، وأن يجمعَ قلوبنا على الحقِّ والخير ِ ، إخواننا متحابّينَ ، غيرَ متخاذلينَ ولا متهاجرينَ .

دمتم بخير ٍ .

أخوكم : فتى .

==========

تموتُ النفوسُ بأوصابِها ********* ولم تدر ِ عوّادُها ما بِها

وما أنصفتْ مُهجة ٌ تشتكي ********* أذاها إلى غير ِ أحبابِها

منقول من البريد.

منقول من الساحات للأهمية - أرجوا من المشرف عدم الحذف
__________________
(يابني أركب معنا ) ..


لم أعد أكتب بمعرف [ أبوفارس الخالدي ]
وذلك لوجود من انتحل هذا الاسم في منتديات كثيرة وهو ليس لي
مع فائق الود والتحية .
أبوفارس الخالدي غير متصل  


موضوع مغلق

الإشارات المرجعية

أدوات الموضوع
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 04:10 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)