[العمود]

العراق.. مأساة مسرحية تنتظر إسدال الستار

ما تزال العراق تقف حائرة على مفترق طرق، بين ماضيها المزدهر كواحدة من أمهات الحضارة البشرية، وحاضرة كبرى للدولة الإسلامية الفتية لأكثر من قرن في الألفية المنصرمة، وبين حاضرها المفعم بالأسى والحصار والمعاناة والفقر الذي نال من كل بيت في بلد كان مؤهلا لحصد ثمار النفط الذي أحدث تطورا هائلا للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في الدول العربية المجاورة ،، ثم هي وراء ذلك تواجه مستقبلا مظلما تترقب فيه في كل ثانية أن تكون المحطة الجديدة للولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، بعد أن كانت أفغانستان المحطة الأولى ، وهو عدوان يهدد البشرية والحضارة والتراث والتاريخ، والهوية الإسلامية.
نتوقف عند كثير من المحطات المهمة في تاريخ العراق المتوسط والحديث، ونتعرض لواقعه المؤلم تحت الحصار،



معلومات أولية

اسمها : الجمهورية العراقية
وعاصمتها بغداد..
استقلت عن الاحتلال الإنجليزي في 3 أكتوبر عام 1932،
وانضمت إلى الأمم المتحدة عام 1976..
ومساحتها الإجمالية 437072 كم مربع.
ونسبة الأراضي الصالحة للزراعة تبلغ 12% ،
أما مواردها الطبيعية فتتمثل في النفط والغاز الطبيعي والفوسفات والكبريت،
ويبلغ الناتج القومي بالمليون دولار حسب تقديرات العام 1999 نحو (59900)
ويبلغ تعداد قواتها العسكرية نحو 429 ألف جندي.
ويزيد عدد سكانها حسب إحصائيات العام 2000 عن 22 مليون نسمة يتوزعون عرقيا كالتالي: (75-80% عرب، و15% أكراد، و20% تركمان وآشوريون وعرقيات أخرى)،
واللغة الرسمية هي العربية إضافة إلى وجود اللغات الكردية والآشورية والأرمينية،
تبلغ نسبة المسلمين بين السكان 97%، وينقسمون ما بين سنة وشيعة،
أما السلطة في العراق فتقوم على النظام الجمهوري،




الأعراق والمذاهب

تمثل التركيبة العرقية والمذهبية في العراق مشكلة ليست بالهينة، فهي شديدة التعقيد حتى يطلق عليها البعض "الفسيفساء العراقية" ؛ فعلى المستوى العرقي هناك العرب من سلالة قريش، وذوو الأصول الكردية والفارسية والتركية والأرمنية، وبين هذه الفرق تكثر الخلافات، وتنتشر بين كل عرق أحاديث وروايات وحوادث تفضله على الآخرين، فالقرشيون على سبيل المثال يفضلون الجنس العربي على من سواه من الأعراق الأخرى، وينتشر بينهم آثار مثل "الناس والأرض بستان لقريش" و"الناس في العراق صنفان.. عرب وموال".وعَمّق الخلاف العرقي مجيء الاستعمار الإنجليزي في أوائل القرن العشرين.. حيث سعى إلى تكريس التفرقة القومية لمواجهة الصحوة الإسلامية التي كانت بدأت في الظهور في ذلك الوقت، وحرص على التفريق بين العراقيين ذوي الأغلبية المسلمة الكاسحة على أساس مذاهبهم فتعالت نبرة السنة والشيعة، وأوقع بقوة بين المسلمين السنة من أصول عربية والسنة من أصول كردية، وأدى في نهاية الأمر إلى تكريس الشعور لدى كل من الشيعة والأكراد بأنهم أقلية مضطهدة سواء على أساس عرقي أم مذهبي.



الأكراد



تواجد الأكراد

وتمثل ورقة الأكراد أحد أهم الأوراق التي استخدمها الاحتلال الأجنبي والقوى الدولية الغاشمة، وآخرها الولايات المتحدة الأمريكية لتبرير وجودها في المنطقة وخاصة القوات الأمريكية في جنوب تركيا.وحتى الآن وبعد أكثر من عشر سنوات ما تزال الولايات المتحدة تهيمن بشكل أو آخر على المنطقة الكردية في شمال العراق، وتسحبها شيئا فشيئا من سلطة الحكم المركزي في بغداد، ورغم أنه يوجد ما يشبه الدولتين الكرديتين المستقلتين في كردستان العراق - واحدة تتبع الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود برزاني ، وذلك في القطاع القريب من الحدود مع تركيا، والأخرى يسيطر عليها الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني، وذلك في الجزء الشرقي من كردستان الواقع على الحدود مع إيران - فإن كردستان العراق بجناحيه جزء من الوطن الكردي الأكبر الذي يحلم الأكراد بتأسيسه بعد أن قسمه الاستعمار الأجنبي بين 5 دول هي تركيا وإيران وسوريا والعراق والاتحاد السوفييتي.

أما أكراد العراق فقد تعرضوا لمآسٍ كثيرة كان أبسطها تهجيرهم جماعيا، وجرف مساكنهم بالبلدوزرات وصولاً إلى ضربهم بالأسلحة الكيماوية في "حلبجة" والتي راح ضحيتها أكثر من 5 آلاف من العجائز والشيوخ والأطفال.ويرجع تاريخ كفاح الأكراد في سبيل إثبات حقوقهم القومية إلى عهد الإمبراطورية العثمانية حيث كان السلاطين الأتراك يرحلون الزعماء الأكراد الثائرين بعيدا عن مراكز التمرد، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 وانهيار الإمبراطورية العثمانية ، تعهد الحلفاء الغربيون المنتصرون للأكراد بإقامة دولة كردية مستقلة خاصة بهم بموجب معاهدة سيفر عام 1920 لكن هذه الآمال ما لبثت أن تبددت حين أعيد التفاوض على نصوص هذه المعاهدة، ومنذ ذلك الوقت تحطمت كل مساعي الأكراد في المنطقة من أجل إقامة دولتهم المستقلة.



الحرب العراقية - الإيرانية

وتعتبر الحرب بين العراق وإيران هي المواجهة الأولى الكبرى التي خاضها النظام العراقي بقيادة زعيمه صدام حسين، وقد اندلعت هذه الحرب في سبتمبر 1980، وفشلت وقتها الأمم المتحدة في منع نشوبها بعد عدة تدخلات من الأمين العام في ذلك الوقت خافيير دي كويار.وانحسرت نقاط النزاع بين البلدين في ذلك الوقت في السيادة على منطقة شط العرب، وادعاء إيران أن العراق استخدم أسلحة كيميائية ضد قواتها أثناء الحرب وقام أيضا وقتها رئيس الوزراء السويدي اولاف بالمة بثلاث مهام نيابة عن دي كويار لكنه اصطدم بإصرار كلا البلدين على مواقفه وأحقيته في شط العرب.
وفي يوليو 1987 تم التوصل إلى اتفاق غير مسبوق في الرأي بين الدول الخمسة الدائمة العضوية، وهو ما دفعهم لاتخاذ القرار رقم 598 الذي دعا كلاً من العراق وإيران إلى وقف إطلاق النار، واستفاد دي كويار بهذا القرار على الفور ليقوم بإرسال بعثة مراقبين لمراقبة وقف إطلاق النار إلا أن البلدين لم يلتزما على الفور بوقف النار ، لكن تم هذا بعد عام من صدور القرار، وبعد أن أنهكتهما الحرب، وذلك في أغسطس 1988، وأعقب ذلك تشكيل مجموعة من المراقبين العسكريين، واستمرت هذه المجموعة حتى فبراير 1991 حتى أسدل الستار على ملف هذه الحرب.



العراق وحرب الكويت


~ في الثاني من أغسطس عام 1990 بدأت القوات العراقية غزوها للكويت ، وبعد ساعات من الغزو اجتمع مجلس الأمن الدولي ليطالب العراق بالانسحاب دون أي شروط ، وتبع ذلك قيام تحالف عسكري من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة شمل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ودولا أوروبية وعربية نشرت قواتها في منطقة الخليج برا وبحرا وجوا لإجبار العراق على تنفيذ القرار الدولي.
ومع رفض العراق تنفيذ قرار مجلس الأمن وبحلول الخامس عشر من يناير عام 1991 بدأت العمليات العسكرية والتي أطلق عليها (عاصفة الصحراء) والتي انتهت في 28 فبراير من العام نفسه ، بعد أن ارتكبت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة جرائم حرب كثيرة ضد المدنيين في العراق، باستخدام الأسلحة التي تعتمد على اليورانيوم المنضب والقصف داخل المدن، والذي وصل أبشع صوره بضرب ملجأ العامرية الذي كان مليئًا بمئات المدنيين من النساء والأطفال وبسبب هذه الحرب الشرسة أجبر العراق على الانسحاب وتم نشر قوات دولية على الحدود بين البلدين وتعرضت أسلحة الدمار الشامل التي كانت تملكها بغداد للتدمير وألزم العراق بإعادة الممتلكات الكويتية التي استولى عليها ودفع التعويضات اللازمة للدول التي تضررت بسبب الحرب وفرضت عليه عقوبات اقتصادية ما تزال سارية حتى الآن..



ملجأ العامرية

* وفى يونيو من العام نفسه فرضت دول التحالف حظرا جويا على شمال العراق وجنوبه ،
* وفى الخامس عشر من الشهر نفسه جرى أول تفتيش كيميائي دولي للمرافق العراقية والذي ظل مستمرا حتى قام العراق بطرد المفتشين الدوليين ؛ ما أثار حفيظة واشنطن وجعلها تهدد بضرب العراق وإصرارها على تغيير نظام الرئيس صدام حسين.

*وفى يناير من عام 1993 رفضت بغداد السماح لطائرات الأمم المتحدة بالتجول في سماء العراق فقامت أمريكا وبريطانيا وفرنسا بشن غارات جوية على مواقع عراقية.

*وفى عام 1996 قبلت بغداد بصيغة النفط مقابل الغذاء ،

* ومع إصرار الولايات المتحدة على تفتيش قصور الرئيس العراقي عام 1998 ورفض بغداد لذلك شنت واشنطن عدوانا جديدا على العراق في إطار ما أطلق عليه عملية (ثعلب الصحراء) واستمرت العمليات العسكرية أربعة أيام في شهر رمضان ؛ ما أثار العديد من الانتقادات تجاه الولايات المتحدة وبريطانيا.

*ومع تولي الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش رئاسة البيت الأبيض قام بتوجيه ضربة جوية للعراق في فبراير عام 2001 ، وتعد هي الأقوى منذ عام 1998 وتصر إدارته على أن العراق هي المحطة الثانية في حرب أمريكا ضد الإرهاب والتي بدأتها بأفغانستان مستغلة أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي شهدت ضرب برجي مركز التجارة العالمي والبنتاجون ووضع العراق ضمن محور الشر الذي يضم إيران وكوريا الشمالية، وتشير مؤشرات كثيرة إلى أنه المستهدف الوحيد على قائمة الولايات المتحدة في الفترة المقبلة.



العراق.. 12 عاما تحت الحصار

إن الحرب لم تنته بانسحاب القوات الدولية إلى ثكناتها بعد عمليتي عاصفة وثعلب الصحراء، ولكنها استمرت بصورة أكثر ضراوة من خلال العقوبات الدولية التي تسعى أمريكا إلى استمرارها على الشعب العراقي منذ ما يقرب من 12 عاما.ويكفي هنا أن ندلل على ذلك بإجابة مادلين أولبرايت على سؤال تلفزيوني وجه إليها عام 1996، يقول : " سمعنا أن نصف مليون طفل عراقي توفي نتيجة الحصار على العراق، وأنه أكثر ممن قتل في هيروشيما.. فهل يستحق الأمر هذا الثمن ؟ "
وقالت أولبرايت: " أعتقد أن هذا اختيار صعب، وباعتقادنا أنه يستحق هذا الثمن " (!!)

وقد اعترف أكثر من مسؤول دولي بفداحة الخسائر التي تعرض لها المدنيون في العراق تحت الحصار، فقد برر دنيس هاليداي مساعد سكرتير عام الأمم المتحدة استقالته من منصبه كمدير لهيئة تنسيق المساعدات في العراق بقوله: "إن العقوبات على العراق لا ينتج عنها سوى عواقب مرفوضة تماما تصيب الأطفال الأبرياء، وشعبًا بأسره لم يكن له يد فيما حدث، ولا يوجد أي تبرير لجرائم القتل والجوع التي تسببها هذه العقوبات " ، وقال : إن " العقوبات أثرت بشكل كبير على التركيبة الاجتماعية في العراق حيث التفكك الأسري وارتفاع نسبة الطلاق وهجرة الأسرة بدرجة لم يسبق لها مثيل " .
والواقع أن من أخطر نتائج الحصار والتجويع والعقوبات في العراق انهيار البنية الأساسية اللازمة لضرورات الحياة حيث يعاني الشعب العراقي من نقص في الكهرباء بنسبة 40% عما كانت عليه عام 90 كما أن هناك نقصا في المياه الصالحة للشرب، وتدهورًا في نظام الصرف الصحي، وفي كمية المياه الصالحة للشرب في الحضر والريف على السواء ، رغم وجود نهرين عظيمين يشقان البلاد.



انهيار الخدمات الصحية

~ حسب إحصائية أخيرة أصدرها قسم الإحصاء الصحي بوزارة الصحة العراقية فإن 7 آلاف و528 طفلا عراقيا توفوا في شهر يناير وحده تحت سن الخامسة لإصابتهم بسوء التغذية والتهابات الجهاز التنفسي الحاد والإسهال، والتهابات الأمعاء

~ بينما توفي 6 آلاف و562 طفلا في نفس الشهر فوق سن الخامسة نتيجة الأورام الخبيثة، وأمراض الكلى والكبد والقلب،

*وبذلك ارتفع عدد الوفيات بين الأطفال وكبار السن منذ بدء حصار العراق في أغسطس 1990، وحتى فبراير الماضي ليصل إلى مليون و956 ألفا و168 عراقيا.



*ويعتبر سوء التغذية المرض الأساسي المصاب به معظم أطفال العراق التي لم تعرف هذا المرض قبل 10 سنوات، وبسببه يموت ما بين 2610 إلى 5357 طفل عراقي شهريا بينما تؤكد دراسة لمجلس الأمن الدولي أن هناك 131 طفلا من كل ألف طفل تقل أعمارهم عن 5 سنوات يموتون سنويا بسبب نقص الغذاء.



طفل عراقي يعاني من السرطان بسبب اليورانيوم الذي خلفته حرب الخليج

*وفي الوقت نفسه تشهد العراق زيادة تصل إلى 55% في معدل الإصابة بأمراض السرطان المختلفة خاصة في الجنوب العراقي بسبب الأسلحة التي استخدمتها قوات الحلفاء في عاصفة الصحراء والتي تقدر بما يتراوح بين 700 إلى 800 طن من ذخائر اليورانيوم المنضب.


*إن حجم الأطفال المشردين في الشوارع يفوق الوصف بعد أن وصلت نسبة المتسربين من التعليم 20% سنويا بسبب خفض الإنفاق الحكومي على التعليم،

وعلى مستوى طبقات الشعب العراقي التي أثرت فيها العقوبات بشدة نجد أن طبقة الموظفين الذين يبلغ عددهم 3 ملايين أسرة من إجمالي الشعب العراقي البالغ 25 مليون نسمة، ومعظم هؤلاء الموظفين من خريج الجامعات والمعاهد العليا، وبعض العاملين السابقين في الحكومة.ويسمع هؤلاء عن "الدش" و"الموبايل" و"الكمبيوتر" و"الإنترنت" لكن لا يستطيعون شراءها بسبب دخلهم المحدود الذي يمنع بعضهم حتى من شراء صحيفة يوميا، وتزداد الصورة سوءا بسبب تعاظم ظاهرة المتسولين في الشوارع العراقية.أما فئة المثقفين في العراق فلجؤوا إلى بيع كتبهم وأوراقهم إلى باعة الكتب القديمة وبأسعار زهيدة سعيا لمواجهة تكاليف الحياة، كما لجأت أسر كثيرة إلى بيع أثاث منازلها والأجهزة المنزلية.



النفط مقابل الغذاء

وكانت أقسى سنوات الحصار على العراق هي السنوات ما بين 93 و97، ففي عام 93 كان مخزون القمح والأرز والسكر والزيوت فضلا عن الأدوية قد نفد وتدهورت بالتالي الأحوال المعيشية، وبعد تبني مجلس الأمن لمشروع قرار قدمته الأرجنتين بغطاء أمريكي يسمح للعراق بموجبه - وبشروط عديدة - ببيع حصة من بتروله بقيمة 2 مليار دولار بواقع مليار دولار كل 3 أشهر، وذلك لتمويل مشتريات البضائع الإنسانية فضلا عن دفع تعويضات وتمويل مشروعات الأمم المتحدة

وتم تنفيذ هذا القرار والذي عرف بالنفط مقابل الغذاء في ديسمبر 96 .