[أبوأسامة المكي]

فرنهوفر .
هذا الرجل امتهن الرسم ، فهو الرسام العظيم الذي أمضى عشر سنوات وهو يعمل ويعمل على لوحةٍ فنيةٍ تشكيلية ، أراد لها أن تحدث ثورة في الفن بتقديم " أكمل تمثيل للواقع " .

فأراد أخيراً أن يسمح لزميلَيه : بوسين وبوربوس ، أن يُريهمَا تلك اللوحة اللي برأيه قد انتهت ، فأرعبهما رؤية هذه اللوحة التي وكأنها عاصفٌ من الأشكال والألوان العشوائية متراكمة فوق بعضها بعضاً في اختلاف وفوضى في التشاكيل ( والشخاميط ) .
فدُهشَت أعينهما واتسعت من غرابة هذه اللوحة الغريبة .
فسمع فرنهوفر زميلَه بوسين وهو يقول لبوروبوس : " إنَّ فرنهوفر لابد أن يكتشف الحقيقة عاجلاً أم آجلاً ، وهي أنّ هذه اللوحة قد أُفرِطَ في رسمها مراتٍ كثيرة حتى لم يَبْقَ فيها أي شيء ....!؟ " .

فصرخ فرنهوفر وهو يقول :" لا شيء في لوحتي " ..!!!
قال بوربوس لزميله بورسين : " ماذا فعلت وماذا قلت حتى يغضب ؟! " .

أمسك العجوز فرنهوفر ذراع الشاب " بوسين " وقال له : " لا ترى شيئاً فيها ! ، أيها المهرج ! أيها الوسخ ! أيها الوغد ! النصاب ! ما الذي جاء بك إلى هنا ، إذاً ؟! ؟ " .

ثم التفت إلى الرسام الأكبر سناً بوربوس قائلاً : " بوربوس ياصديقي الطيب ، أيمكن أن تهزأ بي أنت أيضاً ؟ أجبني ! إنني صديقك ؛ قل ، هل أفسدتُ لوحتي ؟ " .

تردد بوربوس ، ولم يجرؤ على الكلام ، لكن القلق البادي على وجه العجوز الشاحب كان يقطع نياط القلوب مما دفعه لأن يشير إلى اللوحة قائلاً :" انظر ! " .

حدق فرنهوفر في لوحته للحظة ثم راح يترنح :" لا شيء ! لا شيء ! وقد عملتُ عشر سنوات !! " .
وبعد أن يُخرِج الرجلين من مرسمه ، قام فرنهوفر بحرق جميع لوحاته وانتحر ....!؟

-----------------------

فرانهوفر قام بعمل أستهلك عليه جهداً ووقتاً طويلاً .. ولكن : ما الذي حدث لهذا الجهد ، وماذا كانت النتيجة ..!
هي نهاية إبداعه ، ونهاية حياته .
لكن السؤال المحرج : من الذي أنهى حياته . أهو هو بنفسه ؟ أم زميله بوسين ؟
حينما تأملت هذه الحادثة لم يخالجني شك أنّ الرسام فرنهوفر كان يفتقد أهم آليات الشهرة والإبداع الذاتي ، وتقديم ما يتميز به الإنسان من أي مهنة يتقنها .. ويحاول أن يقدمها للناس بالشكل الذي يعتقد أنها تترقى ليراها مشاهير أهل الفن .
وطبيعة الإنسان في غالب أنواعه وأجناسه ، هو اهتمامه بالكم لا بالكيف ..! إذ تابع لوحته فرأى فيها الجهد والمدة التي استغرقت تفكيره وذوقه ووقته حتى امتدت عشر سنوات أمضاها من أجل إعتاق لوحة تشكيلية فنية كانت حبيسة لكل هذه السنوات لترى النور يوماً ما .

لكنه لم يفكر يوماً ما .. ويسترجع إلى عقله قليلاً ويعتقد أنّ القصور والنقص حاصل في الصورة وإن أجهد نفسه في تبييضها ! . فكيف إذا كان يعرضها على متخصصين في المجال ذاته .!! فسيكون لنقدهم بصرٌ أعمق .
فهو لم يضع بكل أسف خط رجعة . فلو أنه ابتسم حينما سمع كلمة ( لا شيء في لوحته !) من بوسين ، ورحب بنقده وأعطاه عفوية باردة لأمكن لفرنهوفر أن يعرضها مرة آخرى على عيونٍ جديدة ، قد يرحبون بها ويضعونها في متاحفهم ..!! ولكن في العجلة الندامة . كما قيل .

بوسين كان صريحاً في طرح رأيه ، لم يجامل أو يداهن كما يصنع الكثير ، وفرنهوفر لم يتحمل تحطيم بوسين لتلك اللوحة ، بل قابله بعنف .

إذاً .. فلن يسلم من الناس مَن عرض عقله عليهم عبر إبداعاته وفنياته بتأليف كتابٍ أو إنتاج مشروع ، أو عملٍ مؤسسي .. أو حتى لوحة فنية ..إلخ . لكن لا تكن كفرنهوفر يقابل الحق بالإنتحار ، بل بالتصحيح وقبول الحق إن كنت تروم له .

وقد كنت في طور تأليف كتاب جديدٍ في أحد الفنون لم يكن تكراراً أو اختصاراً أو نسخاً ، وكلما أعدت قراءته اكتشفت فيه نقصاً أو تعديلاً أو إضافة . لكنني إن عرضته على متخصصين فلن أستقبل تحطيمهم بالإنتحار . بل بالإبتسامة ثم التجديد .

أترككم مع إنتحار جديد مادمنا لا نستحمل بعضناً .

[ولد بريدة 1]

الله يعطيك العافية ويوفقك يااارب

[إبراهيم الضبيعي]

هو يعتقد إن الأبداع بوقت عمل الشيء
بل الأبداع بالفكرة و طريقة عمل اللوحة
شكرا لك اخي