بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » يداوي الناس وهو عليل(مقال ليوسف اباالخيل) عن الحجاب الفرنسي

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 09-03-2004, 02:26 PM   #1
ابن عساكر
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2003
المشاركات: 47
يداوي الناس وهو عليل(مقال ليوسف اباالخيل) عن الحجاب الفرنسي

منتدى الكتّاب> مقالات عامة > يوسف أبا الخيل

يداوي الناس وهو عليل

التاريخ: الثلاثاء 2004/03/09 م (جريدة الرياض)


كانت خلاصة المقالة السابقة حول الحظر الفرنسي للرموز الدينية وردة الفعل الإسلامي تجاهها تدور حول ما إذا كان ثمة حصيلة حداثية عربية كافية للمشروع العربي والإسلامي عموماً (نسبة للمسلمين وليس للإسلام كدين) لدرء المشروع الفرنسي بتفويت الفرصة عليه حيال تمرير خرافة إدعائه بتوافره على زاد حداثي يوفر علمانية ايجابية منفتحة تضمن انضاج صورة تعددية دينية يشكل الإسلام احدى أوجهها الممارسة على الأرض الفرنسية بذاتها ونيابة عما تمثله من الجغرافيا الغربية بكافة أطيافها السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية.
السؤال هنا بصراحة هل تشكل قيم الحداثة بنزعتها الإنسانية الحضارية من ديمقراطية وتعددية وحقوق إنسان قيماً أصيلة في جذر الثقافة العربية في غابر أيامها الأولى أو هل هي توافرت عليها نتيجة عصر تنويري عربي أفرزه مخاض عسر تبوأت معها تلك الثقافة مكاناً سامياً وسط قيم أنسنة عربية اضطرت معها الثقافة العربية المعاصرة أن تتدافع عليها تدافع اللئام على موائد الكرام العربية لتدعي الحداثة بقشور شفافة لا تسمن من جوع قيمي ولا تسقي من ظمأ حداثي مقابل الوثبة العربية الظافرة لامتطاء صهوة جواد الحداثة؟ الإجابة على هذه الأسئلة الشائكة تحدد سلفاً إن كان ثمة اكتفاء مستندي عربي لدعم عريضة الدعوى ضد الفعل الفرنسي بافتراض سلبيته واتجاهه الآحادي ضد الرمز الإسلامي بالذات.
على المستوى السياسي لم تكن هناك فرصة لبلورة نظرية سياسية عربية تدشن لنظام حكم ديمقراطي أو أي شكل من أشكال الليبرالية السياسية العربية بعد أن استنبت الأمويون نسخة كسروية ثيوقراطية للحكم على أنقاض الحكم الراشدي الذي شكل أملاً عربياً لبذرة سياسية تعددية تناضل لتعالي وثبات غاية عدلية الحكم مقابل تحريك وتطوير وسائله وفقاً لاملاءات ظروف الزمان والمكان. هذه النسخة المستنبتة استلزمت بالضرورة الاستناد على أيديولوجية تؤسس لثقافة الإقصاء في مقابل تجريم ثقافة التعدد في جميع المجالات بما فيها الفضاء السوسيولوجي العام والتي استلزمت بالتتابع المنطقي البراغماتي تهميش أي مسار يؤسس لثقافة المجتمع المدني باعتبارها مناهضة لثقافة الإقصاء المدبجة بدورها للحكم الفردي الكسروي. كما وأعادت ترتيب الأولويات السياسية بترقية الوسيلة لتكون غاية في ذاتها بعيداً عن استشعار ما تصبو إليه من تدشين قيمة العدل كغاية نهائية. ولذلك وبفضل هذا النهج الدوغماني فقد تشكل الفقه السياسي على مر العصور الإسلامية كأضعف أبواب الفقه الإسلامي لافتقاره للأسس القادرة على بلورة نظرية سياسية تؤسس لثقافة النزعة الإنسانية وتطور وسائلها الحكمية لتحاكي جدلية الزمان والمكان.
نتيجة لذلك كله فقد تجذرت ثقافة الإقصاء والجدية في اللاوعي والعقل الجمعي العربي حتى أصبحت كل أيديولوجية تتاح لها الفرصة للإمساك بزمام الأمور لا تجد لها متنفساً ومناخ وجود إلا على أنقاض الأيديولوجيات الأخرى بإقصائها ونفيها من الساحة تماماً، يستقرأ ذلك بوضوح عند الاستعراض التاريخي للمعارك الطاحنة التي تبادلتها الطوائف والمذاهب المختلفة على مر التاريخ الإسلامي، فالمعتزلة رغم تراثهم العقلي المجيد لم يجدوا بداً من نفي خصومهم من الحنابلة عندما كانوا في الواجهة أيام الخليفة العباسي المأمون( 198- 218) وظلوا كذلك خلال حكم المعتصم ( 218- 227) والواثق ( 227- 232) وبرغم تأوهات وتوجع الحنابلة من الإقصاء المعتزلي لهم إلا أنهم وفور صعود نجمهم ابتداء من حكم الخليفة العباسي المتوكل على الله ( 232- 247) قاموا وأقصوا خصومهم وأبرزهم المعتزلة تماماً وقضوا عليهم وزندقوهم وأنهوا وجودهم السياسي والثقافي واستغلوا تسميتهم بالمعتزلة التي تعني كما يقول الدكتور محمد أركون في كتابه (العلمنة والدين) أولئك القوم الذين وضعوا أنفسهم جانباً واعتزلوا بمحض إرادتهم للتأمل والتفكير بأن حرفوها عن هذا المعنى فأصبحت تعني المعزولين أو المفترقين عن الأمة وأطلقوا على الخليفة المتوكل الذي أتاح لهم فرصة بالانفراد بالساحة أيديولوجياً لقب ناصر السنة (ويعنون به تراثهم) وقامع البدعة (ويعنون به بالطبع تراث الفرق الأخرى وخصوصاً أهل الاعتزال).
يروي الدكتور جورج طرابيشي في كتابه (مصائر الفلسفة بين المسيحية والإسلام) نقلاً عن السيوطي في كتاب (الخلفاء) وابن الأثير في كتاب (الكامل في التاريخ) وابن الجوزي في كتاب (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) في معرض حديثهم عن المصادمات الطائفية التي كانت تجري في حاضرة الخلافة الإسلامية آنذاك (بغداد) في أواخر القرن الثالث الهجري فيقول بعد أن أشار إلى نماذج منها (كثيراً ما كانت الاحتفالات بالطقوس الدينية تتحول إلى مصادمات طائفية، ومما زاد في خطورة هذه المصادمات ان الطائفتين (يقصد الشيعة والحنابلة) زودت نفسها بميليشيات شبه عسكرية عرفت في كتب الحوليات باسم (عياري بغداد) إلى أن يقول (بل ان تلك المواجهات غالباً ما تتطور إلى حرب شوارع حقيقية مع ما يرافق ذلك من أعمال نهب وحرق. انتهى).
هذه المصادمات والخلافات لم تقتصر على أتباع المذاهب المختلفة بل حدثت حتى داخل المذهب نفسه وهو ما كان واضحاً في الخلافات المرهقة بين الأشاعرة والسلفية وهما قطبا المذهب السني. هذا ما في ماضي الثقافة العربية، أما حاضرها فلم يكن بأحسن حالاً من سلفه ولعل موجات الإرهاب الحالية التي تقذف بحممها في أماكن كثيرة من عالمنا الإسلامي لم تأت إلا نتيجة مباشرة لانعدام التعددية وحلول التعصب مكانها أبرزه التعصب الديني الذي برمج العقل الجمعي العربي على أنه لا مكان لأيديولوجية أو معتقد إلا على أنقاض منافسيه. صحيح أنه كانت هناك محاولات لتدعيم قيم النزعة الإنسانية والتعددية في بعض فترات القرون الكلاسيكية العربية على أيدي إنسانيين من طراز الجاحظ وتلميذه التوحيدي ومسكويه إلا أن محاولاتهم لم تجد لأنهم ظلوا خارج السياق الثقافي والاجتماعي بسبب ثقافتهم اليونانية (يتبع
ابن عساكر غير متصل  


موضوع مغلق

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 11:22 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)