[أبو سليمان الحامد]

( 1 )

كيف تتعلم العربية

الحمد لله الذي أنزل خير الكتب , بلسان عربي مبين فاق العَجب , والصلاة والسلام على أفصح العرب , وأكرمهم في النسب , وأعلاهم في الأدب , وعلى آله وأصحابه الذين استمسكوا بالدين بأعلى سبب , وسلم تسليما مزيدا .
أما بعد ,,
فتعلُّم اللسان العربي , وقواعده , ونظامه , وطرائق العرب في كلامهم وتعبيرهم , من أشرف العلوم وأجلها , وأنْفَسِها وأزكاها , ولقد عُني العلماء الأوائل في القرن الأول الهجري وما بعده بجمع اللغة وتعليمها , ثم حَدَب تلاميذُهم عليها تعلُّماً وتعليما وتأليفا , لا يردهم عن ذلك انشغال بعلوم أخرى مهما نفست , ولا يمنعهم من الغوص في أعماقها صوارف الدنيا , وبنيات الطريق .
كيف لا ؟ وهي وعاءُ الدينِ العظيمِ , ولسانُ الكتابِ المجيد , ولفظُ النبيِّ الكريم , ورسالة العرب الخالدة شعراً ونثراً وأدباً وأخباراً , ولا يُنْكِرُ أهمية تعلمها وإتقانها إلا جاهل أو جاحد .
ولست هنا لأسوق الأدلة على فضل العربية وأهمية تعلمها , فقد كُفِيتُ كثيرا([1]) , ولو لم يكن من أهميتها إلا أنها وسيلة لتعلُّم النص الشرعي , وما لا يتم الواجب إلا به فه واجب , والأحبة القراء بحمد الله لا يجهلون هذا الأمر .
ولكني أردت أن أبين لهم الطريقة المثلى لتعلم اللغة أو شيئا منها قدر الإمكان , وبناء على ما اقترحه عليّ بعض الأفاضل , فأجبتُ الداعي بهذه السطور اليسيرة , والكلمات الموجزة التي أسأل الله تعالى أن ينفع بها , فأقول :
لكي تتعلم اللغة العربية جيدا يجب أن تعلم أن اللغة قسمان :
1. قانون . 2. ومادة .
فأما القانون , فهي القواعد التي تسير عليها اللغة , وهي أنواع , ولكن أبرزها ثلاثة :
1. قواعد نحوية : وهي تعنى بالإعراب , وصحة تركيب الجملة .
2. قواعد صرفية , وهي تعنى بصحة الكلمة , وبنائها اللفظي .
3. قواعد بلاغية , وهي تعنى بالدلالة والجماليات اللفظية والسياقية .

وأما المادة , فيقصَدُ بها اللغة ذاتها , من مفردات وألفاظ وتراكيب , وهذه تؤخذ من مصادرها الأصلية , وأشرفها وأعلاها : لغة القرآن الكريم , ولغة سيد المرسلين r في الأحاديث الشريفة , ولغة العرب في الشعر والنثر والخطابة والرسائل .
ومن أهم مصادر المادة اللغوية إضافة إلى ما سبق المعاجمُ اللغوية التي حَوَت الكثير من المفردات العربية , وتكلمت عن دلالتها اللغوية , وصياغتها الصرفية , وربما مجازاتها الاستعمالية , ونحو ذلك .
ولعل كثيرا من طلبة العلم الشرعي قد غفل عن هذا الجانب , وظن أن اللغة محصورة في الجانب النحوي فقط , فيعمَدُ إلى نص صغير موجز كالآجرومية ليحفظه ويفهمه , فيظن نفسه قد بلغ شأواً كبيرا في هذا الفن , وما هو إلا مرتشفُ قطرة من بحر لا تبل الريق .
فالنحو جزء من منظومة عربية متكاملة , والآجرومية قطرة في بحر هذا العلم , فأنى لمثل هذا أن يكون متقناً جيدا لكلام العرب , وخصائصها في الكلام والتراكيب ؟؟؟
إن على الجادِّ في تعلُّم العربية أن يأخذ سبيل الاجتهاد فيها دون تعب أو كَلال , والعلم لا يعطيك بعضَه حتى تعطيه كُلَّك .
ولستُ هنا أدعو إلى أن يكون جميع طلاب العلم متعمقين متخصصين في العربية , فهذا محال , ولكني أدعو إلى التوسط الأمثل في طلبها , فليست اللغة آجروميةً يحفظها الصغار , بل هي علم واسع , على طالب العلم الحق أن يأخذ بأسباب إتقانها قدر استطاعته .


([1]) انظر كتاب : الصعقة الغضبية في الرد على منكري العربية لنجم الدين الطوفي الصرصري , ورسالة : فضل العربية لمحمد سعيد رسلان , وقد تكلم عن فضل تعلمها العلماء قديما في مبثوث كتبهم , كما في الكتب التالية : جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر , والجامع لأخلاق الرواي وآداب السامع للخطيب البغدادي , والموافقات للشاطبي , وابن خلدون في مقدمته ,, وغيرهم كثير .

[أبو سليمان الحامد]

( 2 )

إذا عرفنا هذا , أدركنا جيدا أن معرفة القواعد اللغوية , وخاصة النحوية يجب أن تكون متزامنة مع المخزون اللغوي الجيد , فلا يحسن بالمتعلم أن يدرس النحو , وهو لا يحفظ شيئا من القرآن أو الحديث أو الشعر , أو لا يُحْسِن فتحَ المعجم , ولا يقرأ في مصادر اللغة والأدب .
بل عليه أن يجمع بين القانون والمادة بالطريقة التالية :
أولاً : احفظ ما تيسَّر لك من كتاب الله تعالى , وإن حفظتَه كله , فهو النور العظيم , ومع الحفظ , حاول أن تفهم الآيات جيدا , وأن ترجع إلى معاني المفردات , وبعض التفاسير اللغوية المفيدة في هذا الجانب مثل : فتح القدير للشوكاني , فهو من أحسن من عني بلغة القرآن من المتأخرين .
ثانياً : احفظ ما تيسر لك من الحديث الشريف , مع التركيز أيضا على المفردات ومعانيها , فهي المخزون اللغوي النافع , وكتب معاني الحديث ولغته كثيرة , ومن أبرزها : غريب الحديث للخطابي , والنهاية لابن الأثير , ولا يلزم أن تقرأ هذه الكتب كلها , فهي ضخمة , ولكن اقرأ منها ولو شيئا يسيرا , فهي نافعة بإذن الله .
ثالثاً : احفظ ما شئت من الشعر , وابدأ بالمعلقات وشروحها , فهي الوقود اللغوي الهائل , لمن أراد التزود من كلام العرب , وأنصح بشرح المعلقات للتبريزي , وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي .
رابعاً : أنت من خلال هذا الحفظ لا شك أنك ستكون درست في المدارس شيئا من النحو والقواعد , فاحرص على أن تفتح عينيك لتصاريف الكلام , وسبب الإعراب , فأكْثِرْ من السؤال عن هذه الكلمة لِمَ رُفِعَتْ هنا , ونُصِبَتْ هناك ؟ وركِّزْ كثيرا في الآيات الكريمة وأنت تقرأ القرآن , فستجد إشكالات نحوية كثيرة لن يجيبك عليها إلا الرجوع لكتب الإعراب القرآني , أو سؤال مختص في هذا الفن .
وإياك والاستهانة بالسؤال , فإن ابن عباس رضي الله عنه لم يصل إلى ذروة العلم إلا بلسانٍ سَؤُول وقلبٍ عَقُول .
خامساً : النحو , وما أدراك ما النحو ؟
قال الشيخ عضيمة في خاتمة تحقيق المقتضب للمبرد : النحو صعبٌ وطويلٌ سُلّمُه([1]) , وصعوبة النحو في نظري تكمن في أمرين :
1. صعوبة المؤلفات النحوية القديمة , بأسلوبها وطريقة عرضها .
2. أن النحو علم تراكميّ , يرتبط آخره بأوله , فالفقيه يستطيع أن يتخصص في جزء واحد من الفقه فيتقنه , كأن يتخصص في العبادات فقط , ومن العبادات الحج فقط , ولكنك في النحو لا تستطيع أن تتخصص في المبتدأ والخبر مثلا , لأنك محتاج إلى باب الفعل والمعارف والإعراب ,, وإذا درست باب الحال فإنك لا يمكن أن تفهمه وأنت لا تعرف النكرة من المعرفة , ولا تعرف معنى النصب من الرفع , فلهذا كان آخر النحو مرتبطا بأوله , وأولُه بآخره , مما سبب صعوبة في كيفية الإحاطة بمثل هذه الأمور والمصطلحات .

([1]) أخذه من قول الحطيئة : الشعر صعبٌ وطويلٌ سُلّمُه ...

[أبو سليمان الحامد]

( 3 )

ومن أجل هذه الصعوبة , فإن الأمثل لدراسة النحو هو التدرج من الأدنى إلى الأعلى شيئا فشيئا عن طريق تكبير الدوائر , فتدرس النحو كله بطريقة موجزة , ثم توسع الدائرة قليلاً فتدرسه بشكل أرحب من قبل , ثم توسع الدائرة قليلا .. وهكذا حتى تصل إلى مرحلة الإتقان .
وبالمثال يتضح المقال :
فتدرس أولا الآجرومية بأي شرح أدرتَ , إما بشرح الأهدل الموسع , وإما شرح ابن عثيمين رحمه الله , وإما شرح ابن قاسم المسمى : حاشية الآجرومية , وأفضل شرح للآجرومية من وجهة نظري هو شرح العلامة محمد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله المسمى : التحفة السنية على مقدمة الآجرومية , ويمتاز بسهولة اللفظ , وجودة التمارين .
فإذا أتقنت الآجرومية , فإنك تنتقل بعدها إلى دائرة أوسع , ومن أحسن الدوائر في هذه المرحلة : كتاب قطر الندى لابن هشام , وشرحه للمؤلف نفسه , أو شرح الشيخ عبد الله الفوزان المسمى : تعجيل الندى ..
وكتاب : ملحة الإعراب للحريري , مع شرحه للمؤلف نفسه .
وكذلك كتاب : شذور الذهب مع شرحه , وكلاهما لابن هشام , ويمتاز هذا الكتاب بطريق العرض الجيدة .
فإذا حصل لك إتقان ولو نسبي لهذه المرحلة , فانتقِلْ إلى المرحلة التي تليها : مرحلة النضج اللغوي النحوي : ألفية ابن مالك , مع شروحها , وأحسن شرح لها هو شرح ابن عقيل , وأوسعها : شرح الشاطبي المسمى : المقاصد الشافية , وكذلك شرح الأشموني , وأعمقها معنى : شرح ابن هشام المسمى : أوضح المسالك أو التوضيح ,,, وأسهلها عبارة شرح الشيخ عبد الله الفوزان حفظه الله المسمى : دليل السالك .
وأنصحُ بحفظ المستطاع من الألفية , لأن في ذلك ترسيخا للنحو وقواعده وفروعه .
ولا ضير عليك بعد هذه المرحلة أن تقرأ في كتب المتقدمين أمثال : كتاب سيبويه , وكتب الفارسي وابن جني ونحوهم , فهي المصدر الأصيل لهذا العلم العظيم .

سادساً : يجب أن تكون قراءتك على شيخ أو معلِّم , وخاصة في البدايات , أما من جعلَ شيخَه كتابَه , فقد كثر خطؤه وقلَّ صوابُه .

سابعاً : أنصح طالب النحو الجاد أن يقرأ كثيرا في كتب اللغة والأدب , لأنها ترسخ العلم , وتوطن العربية في عقله وفكره , فليقرأ كتاب : الكامل للمبرد , وكتب الجاحظ , وكتب ابن قتيبة , والأمالي للقالي , والنوادر لأبي زيد , والعقد الفريد لابن عبد ربه , وزهر الآداب للحصري , والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني , والإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي , والأوراق للصولي , وثمرات الأوراق للحموي , وشرح مقامات الحريري للشريشي , وشرح لامية العجم للصفدي واسمه : الغيث المسجم في شرح لامية العجم , وشرح ديوان الحماسة للتبريزي , وغيرها كثير .
فقراءة مثل هذه الكتب أو بعضها يكسب القارئ الأسلوب الرفيع , واللغة العالية , وترسخ اللغة في عقله الباطن فتكون سليقة لديه حينما يكتب أو يتكلم أو يراسل ,, ولا سيما أن مثل هذه الكتب أشبه بالكشكول الأدبي الذي يجمع بين اللغة والنحو والأخبار والتاريخ والنوادر والطرائف والشعر والآداب , فأنت في بستان أفيح تنتقل من روضة إلى أخرى لا تمل ولا تكلّ .
وللأسف أني أجد عند كثير من طلبة العلم الشرعي عزوفا عن مثل هذه الكتب التراثية الرصينة بحجة أنها مليئة بقصص الغزل والنساء , أو أن مؤلفيها مطعونون في دينهم كالجاحظ وأبي الفرج وأبي حيان , أو أنها تعد من مضيعة الوقت في نظرهم .
والجواب عن هذا كله : أن هذه الكتب جمعت فأوعت , ولك أن تختار , ولا سيما أن مثل هذه الكتب لا تُؤَسِّسُ فِكْراً ولا عَقِيدَةً , بل هي مخزون لغوي أدبي لا غنى لطالب العلم عنه , ولم أجد أحدا من علماء الشرع السابقين قد حذر من قراءتها أو الاطلاع عليها , بل إن ابن خلدون رحمه الله حث في مقدمته على قراءة أربع كتب : البيان والتبيين للجاحظ , وأدب الكاتب لابن قتيبة , والكامل للمبرد , وأمالي أبي علي القالي , وجَعَلَ هذه الكتب أصولا وأركانا للأدب .

[أبو سليمان الحامد]

( 4 )

تجربة شخصية :
طلب مني بعض الأخوة التحدث عن تجربتي الشخصية في هذا الفن , وإني لأجد حرجا في التحدث عن الذات في مثل هذا المجال , ولا سيما أني لا أعد نفسي علما في هذا الباب , وإن كان مثلي علما في اللغة والأدب فكيف نقول عن محمود شاكر والطناحي وحمد الجاسر وشوقي ضيف ورمضان عبد التواب وعبد الرحمن العثيمين وتمام حسان وغيرهم من العلماء الأفذاذ في هذا الفن ؟؟؟؟؟
ولكن لا بأس أن أذكر شيئا من تجربتي البسيطة حول دراسة النحو لعل فيها فائدة لقارئ :
1. أحببتُ النحو منذ أن درسْتُه في رابع ابتدائي , وأذكر أنه كان عندنا اختبار شهري , وكان يراقب علينا أحد المدرسين في تحفيظ القرآن , فكان فوق رأسي يقرأ إجابتي , فوقف طويلا , ثم سالني عن اسمي , فاستغربت , ثم نادى معلم المادة , وقال بصوت خافت , ولكني سمعته : انتبه لهذا الطالب , فله مستقبل جيد في النحو .. فكانت هذه الكلمة كالدافع القوي لهذا الطالب الصغير , ولا سيما أني قابلت هذا الأستاذ في الصف الخامس , فدرّسني القواعد أحسن تدريس , وترسخ لدي حب المادة وحب الأستاذ , وكان الأستاذ جزاه الله خيرا يوليني الاهتمام الكبير , ولا أنسى فضله بعد الله تعالى , وهو الأستاذ والشيخ عبد الله التركي وفقه الله وجزاه عني خير الجزاء , علما أنه ما زال يعرفني حتى الآن حينما أقابله في جامع الخليج .
2. ثم انتقلتُ بعد ذلك إلى المعهد العلمي , فكان أبرز ما فيه ثلاثة أساتذة , جعلوا النحو لدي هما كبيرا , وهم : الشيخ دبيان الدبيان حفظه الله , درّسني النحو في الصف الأول متوسط , وكان يوقف الشرح إذا خرجتُ إلى دورة المياه , ولا أنسى حنق الطلاب ذات يوم على محدثكم حين غاب عن الدراسة في أحد الأيام فلما دخل الشيخ دبيان الفصل يريد أن يشرح درسا جديداً , تلفت فلم يجدني , فسأل , فقال : إنه غائب , فقال : ما دام علي غائب فلن أشرح اليوم !! فلا تسل عن حنق الطلاب على زميلهم الذي أولاه المعلم هذا الاهتمام الخاص .
3. أما المعلم الثاني فهو الأستاذ : عبد الله السهلي ( أبو سهيل ) الذي درَّسني في أولى ثانوي , وكان فضله عليّ بعد الله تعالى ليس في جودة تدريسه , وإنما بقسوته عليّ بحفظ الألفية , فحفظت عنده جميع المقرر , وأغلب محفوظي اليوم من الألفية كان من آثار ذلك الرجل , فجزاه الله خيرا .
4. ثم درسني بعد ذلك الشيخ عبد العزيز الزايد في ثاني ثانوي وثالث ثانوي , وكان نعم الأستاذ في ترسيخ المعلومة , والتوسع , وقبوله للنقاش , فكان في بداية كل درس يسأل ثلاثة أو أربعة طلاب عن الدرس الماضي , وكنتُ زبونَه الدائم في هذا المجال , وكان يقسو علي كثيرا حينما لا أجيب , ولكنها قسوة محب ناصح , فجزاه الله خيرا الجزاء .
5. خلال مرحلة الثانوية تعرفت على شخصية نحوية اسمها : ابن مالك , من خلال ألفيته , فأحببته حبا عظيما , وبدأت أشتري كتبه وأقرأ لهذا العلم العظيم رحمه الله , فكان من ثمرة ذلك بعد زمن أن رسالتي الماجستير كانت في إحدى مؤلفاته .
6. خلال مرحلة المتوسطة والثانوية كنت أسعى للحصول على بعض الكتب الأدبية لقراءتها , مثل : الكامل للمبرد , ومقامات بديع الزمان ومقامات الحريري وكتاب : وحي القلم للرافعي الذي اشتريته بمبلغ زهيد من حراج ابن قاسم بالرياض حينما كنت في صحبة والدي رحمه في إحدى السنوات , وأذكر أن زميلي وصديقي العزيز الشيخ : عبد الرحمن العقل , أبو ثابت سابقا , وأبو ياسر حالياً كان يعتب عليّ لقراءة مثل هذه الكتب , ويقول : احفظ من السنة ما تستطيع , وكنت أعلم حبه لي وحدبه عليّ جزاه الله خيرا , ولكنها إرادة الله تعالى , فكل ميسر لما خلق له .
7. قبل أن أتخرج من المعهد العلمي قيض الله لصاحبكم أن يتشرف بالدراسة على يد عَلَمٍ عظيم كان له الأثر البالغ بعد الله تعالى في مواصلة التخصص , ذلكم هو الشيخ العلامة : عبد الله بن صالح الفوزان , حيثُ درّسنا الفقه والأصول في الصف الثالث ثانوي ( الفصل الأول فقط , لأن الشيخ انتقل بعده إلى الجامعة مدرسا فيها ) , وكان الشيخ كما هو معروف عنه , محبا للعربية ومتقنا لها أيما إتقان , فكان يكثر من طرح الأسئلة في إعراب نص متن الزاد , ولم يكن يتفاعل معه غالبا إلا محدثكم , فكان الشيخ يسر بذلك كثيرا , فلما تخرجت من المعهد , احترتُ في الدخول إلى أي قسم , وكان خياري بين قسمين لا ثالث لهما : إما الشريعة , وإما اللغة العربية , وكانت رغبة والدتي حفظها الله أن أدخل الشريعة لتراني شيخا كبيراً بعد ذلك , ولكن رغبتي كانت غير ذلك , فالهوى كان شرقيا كما يقال , والقلب ميال إلى ابن مالك وأصحابه , فاستخرت كثيرا , واستشرت الأصحاب والأقربين , ومن ضمن المستشارين كان شيخي وصديقي الأستاذ : سليمان العثيم وفقه الله , فقال : اذهب للشيخ عبد الله الفوزان وشاوره , فدخلني من هيبة الشيخ الهم العظيم , ولكني عزمت وتوكلت على الله , فذهبت إلى الشيخ ظانا أنه قد نسيني , ولكني فوجئت به يرحب بي عن سابق معرفة , فلم أضيع وقت الشيخ بكثير الكلام , فلما عرضت عليه الأمر بادرني على الفور : اذهب للغة العربية ولا تَتَرَدَّد , فالشريعة مليئة بطلابها البارزين , ونحن نحتاج إلى بارزين في اللغة , فلعل الله أن ينفع بك , فأخبرته برغبة أمي , فقال : لعلك تطيب خاطرها , واللغة فيها علم , وليس في ذلك عقوق إن شاء الله , فأخبرت الوالدة بذلك فباركت خطوتي , ودعت لي بالتوفيق .

[أبو سليمان الحامد]

( 5 )


8. فانتقلت بعده إلى الجامعة , وهنا كانت الثورة النحوية , حيث النقاش الحاد , والجدل اللغوي , واللقاء بفطاحلة اللغة والنحو , كالدكتور رفعة الليثي والدكتور فخر قدارة والدكتور حسن هنداوي , والدكتور سليمان الحلفاوي , والدكتور صلاح الدين السيد , وأبرزهم وأعظمهم كان الشيخ العلامة صالح العبيكي ( أبو سليمان ) حفظه الله ووفقه لطاعته , فقد درسني هذا الرجل سنتين كاملتين ( أربع مستويات ) كنت معه أولا بأول , صاغ لي النحو صياغة جليلة , وعلمني كيفية التفكير النحوي , والمهارة النحوية , والسليقة العربية مما لا أنسى فضله بعد الله تعالى ما عشت حيا .
9. وكنت في الجامعة أكتب المذكرات في النحو أولا بأول مع كل دكتور , وكان الأساتذة يتركون الكتاب ويقررون مذكرتي بعد مراجعتها وتصحيحها , وما زلت أحتفظ بجميع المذكرات المخطوطة باليد إلى يومكم هذا ولله الحمد .

.10. درست في الماجستير على أيدي ثلة من عمالقة النحو كالشيخ محمد المفدى والدكتور عبد الله الخثران والدكتور تركي العتيبي والدكتور علي البواب , فكان لهذه الدراسة والاحتكاك بهؤلاء العمالقة الأثر الكبير في صياغة فكر صاحبكم اللغوية والنحوية .
11. نسيت أن أخبركم أني قبل أن أدخل الجامعة وحين استشرت الشيخ عبد الله الفوزان , أخبرني أنه سيبدأ بدرس شرح الألفية في المسجد , فجر كل خميس , فالتحقت بالدرس منذ ذلك اليوم , وكان الدرس قراءة في شرح ابن عقيل مع تعليقات الشيخ وإضافاته , فلازمتُ الدرس أربع سنوات حتى تخرجت من الجامعة , ثم بعد ذلك أخذتني صوارف الحياة العملية عن الدرس , ولم ينته الشيخ بعد من الألفية آنذاك , وأذكر أنه في آخر الوقت لم يكن يحضر مع الشيخ إلا ثلاثة أو أربعة بعد أن كانوا قرابة العشرين في البداية , وهذه مشكلة الدروس الطويلة , التي قد يمل الطلاب منها , ومن هنا اتجه كثير من المشايخ إلى الدورات المكثفة في عصر السرعة , وأذكر أنه كان من زملائي في الدرس عند الشيخ عبد الله , الشيخ خالد المشيقح , والشيخ عثمان العثيم , والشيخ أحمد الزومان , وغيرهم , ولم يستمر منهم مع الشيخ إلا أحمد الزومان وفقه الله .
12. أذكر أني حضرت دورة ميسرة في الآجرومية للشيخ أحمد العلوان , في مسجد الجاسر بحي السلام , ولم أستمر معها مع إعجابي بالشيخ أحمد , لأنها كانت دورة مبسطة جدا .
13. أثناء دراستي في الجامعة كانت تمر بنا مراجع كثيرة في النحو والصرف , فكان الطلاب يذهبون لمكتبة الكلية لتصوير المطلوب , وكنتُ أذهب لمكتبة الرشد لأشتري الكتاب كاملاً , فلم أتخرج من الجامعة إلا وقد كونت مكتبة نحوية لا بأس بها , وحين تخرجت وأصبحتُ معيداً فيها , لم أتوقف عن شراء الكتب النحوية حتى يومكم هذا , فتحصل لدي بحمد الله كتبا كثيرة في النحو واللغة والأدب والمعاجم ما يزيد على مائتي كتاب ولله الحمد والمنة , وقد قرأت في اللغة والأدب الشيء الكثير , فقرأت البيان والتبيين للجاحظ , وشيئا من الحيوان , والكامل للمبرد , وعيون الأخبار لابن قتيبة , وشيئا من أغاني أبي الفرج , وثمرات الأوراق للحموي , وبعض الأمالي للقالي , وبعض العقد الفريد , ومحاضرات الراغب , وغيرها من الكتب الأخرى التي استفدت منها لغة وأدبا ونحوا ومعاني .
14 . ليس شيء أنفع لطالب العلم من تدريس المادة , فحين تريد أن تتقن مادة ما , فعليك أن تدرِّسها لمن هم دونك , فتترسخ لديك , وهذا كان دأبي في علم النحو , فكنت أدرس بعض زملائي منذ المتوسط , وأدرس أخواتي في البيت , وقد أقمت دورة في الإعراب في مسجد الصمعاني بحي الخليج استمرت أسبوعا ونصف أول ما تخرجت من الجامعة , فكان لهذا الأثر البالغ في جمعي المادة والتحضير الجيد .
15. كنت كثير السؤال عن اللغة والنحو , وأذكر أني كنت أزعج مدرس الحلقة بالإعراب , فأسأله عن إعراب آية أو كلمة , فكان يتضايق كثيرا , فهو بين حالين يتجاذبانه , فهو مسرور بأن تلميذه يحرص على فهم الآيات ويطلب إعرابها , وهو في الوقت ذاته محرج من كثرة الأسئلة التي قد لا يجد لها جوابا حاضرا في وقتها , مع أنه كان من خريجي اللغة العربية .
16. أذكر أني كنت أعترض على مدرس التاريخ في المعهد حينما يكتب في السبورة فيخطِئ بالرفع أو النصب كأن يكتب مثلا : وقد انتصر الأيوبيين على الفرنجة ,, فأصرخ آخر الفصل : الأيوبيون يا شيخ , فيضحك دون أن يلتفت , ويعدلها قائلا : ولا تزعل يا شيخ علي !!
17. هذه تجربتي في النحو خاصة وعلم اللغة بشكل عام , ولا أزعم أنها تجربة فريدة تستحق الاهتمام , ولكنه اجتهاد من أخيكم بعد أن طلب منه ذلك , سائلا الله تعالى أن ينفع بها , وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل .
18. في الختام : أحب أن أنبه أني بصدد فتح درس لغوي نحوي , يكون مقسما بين النحو واللغة والأدب , حيث نشرح كتاب قطر الندى لابن هشام , وبعده نقرأ في كتاب : الكامل للمبرد , وسيكون يوم الأربعاء غدا إن شاء الله أول الدروس في مسجدنا بحي الخليج , بعد صلاة العشاء مباشرة , نسأل الله التوفيق والسداد .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخوكم : علي بن سليمان الحامد ( أبو سليمان ) ,

تم الفراغ منه صبيحة الثلاثاء : 27 / 3/1433 هـ .

[غربة غريب]

ثكلتك أمك أباسليمان ،،، ماكان أجدركَ وأقدركَ

[قائد المجد]

ماذا تركت لغيرك ابا سليمان
كل ميسر لما خلق له
وفقنا الله واياك

[صعب المحال..]

ليس لي أن أدع الكلمات تذهب هباء دون أن
أسطرها في متصفحك لأعبر لك عن مدى إعجابي بقلمك ..
بورك فيك أخي الغالي // كبير المحايدين
وفقك المولى أينما كنت



..

[الــنــســيــان]

اترك لنا .!! اترك لنا .!!

أستاذي.!! اللغة ثابته .!! حينما تلعب لعبة " الكراسي ".!! المثيرة.!!

{{ بعدين تعال ليش تغيب ارحمنا يارجل }}؟؟!

سبحان الله .!! أنجب الشيخ " فذ " مثله.!!

مسيرتك الشخصية.!! أو تجربتك مثيرة جدا .!! ذاك الصغير.!! أصبح كبير؟؟!!

تعال.!!

مكتبتك برأسك ياسيدي.!! لما الشراء من >> مكتبة الرشد <<.!!

أستاذي!!

فكرتك البكر راقية.!! وان شاء الله سأكون معكم.!! أتوق لذلك.!!

" ان سمحت لي الظروف فأنا لازلت طالبا جامعيا ".!!

جهدك "مرشد ".!! لتائه مثلي.!! يريد الهداية.!!

لا ثكلتك أمك يارجل || تسمع غربة ||.!!

شكرا لنزيف علمك أيها الشيخ.!!

[شخت البؤس]

بااارك الله فيك ونفع بك ايها الفاضل

[حفيد اعقيل]

.
.

ماشاء الله , تبارك الله

ســبحان من وهبك هذا العلم , أسـأل الله أن يزيدك

قرأت هذا الموضوع سـريعاً في المكتب فرأيت أن الموضوع لايمكن أن يقرأ

لمرة واحدة وإنما هو حقيق بالإعادة والتكرار أكثر من مرة

حفظك ربي وسددك ..

.
.

[نَوض]

أيُ جمال يكتنف هذه الصفحه !
قتر مابين الفآئدة والروعة ..


+
يانيّر المعرفه , قآفك بذآتها علم ..
سلمت وحرفك .

[أبو سليمان الحامد]

اقتباس المشاركة الأساسية كتبها غربة غريب ثكلتك أمك أباسليمان ،،، ماكان أجدركَ وأقدركَ

أما أنت فلا أيّمتَ أهلك ,

شكرا لك ... نَوَّرت ...

[أبو سليمان الحامد]

اقتباس المشاركة الأساسية كتبها قائد المجد ماذا تركت لغيرك ابا سليمان كل ميسر لما خلق له وفقنا الله واياك

بورك فيك أخي قائد المجد ,,,

شكرا لمرورك , وقد تركت لكم الكثير ...

والله المستعان .

اقتباس المشاركة الأساسية كتبها صعب المحال.. ليس لي أن أدع الكلمات تذهب هباء دون أن أسطرها في متصفحك لأعبر لك عن مدى إعجابي بقلمك .. بورك فيك أخي الغالي // كبير المحايدين وفقك المولى أينما كنت ..

شكرا لك أخي صعب المنال ,,

جعلك الله ياسرا ميسورا ومباركا أينما كنت ..

تحياتي .