[ع.السحيم]

يقول الله تعالى :(( أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ ))الأعراف.
ويقولُ عائباً فئةً من البشر غافلةً ساهية ، لم تأخذ العبرة والعظه مما تشاهده ليلاً ونهارا في أنحاء هذه الكون المعمورة :(( وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)))يوسف.
فياسبحان الله ، أفلا يرون الكواكب الزاهرات ، والأفلاك الدائرات ، والجميعَ بأمرِهِ مسخرات ، وكم في الأرضِ من قِطَـعٍ متجاورات ، وحدائقَ وجنات ، وجبالٍ راسيات ، وبحارٍ زاخرات ، وأمواجٍ متلاطمات ، وقِفارٍ شاسعات ، ثم هم يجلعون لله البنات ويعبدونَ من دونه من هوَ كالعزَّى واللات ، فسبحان الواحدِ الأحد خالِقِ جميعِ المخلوقات .

إنَّ المتأمِلَ في كثيرٍ من المخلوقات في هذا العالم المشهود ليرى أنها لم تعطى من العنايةِ والرعايه ، والعِمارةِ والإستخلاف كما أُعطيَ الإنســــان ، ولا كُـلِّفَــت كتكـليفِ بن آدم ، بـــل جعلهــا الله خادمةً مسخرةً له .
بــل حتى الملائِكــةَ سخرها الله لابن آدم ، فجعَـل منهم الكَــتَــبَــةَ عليهِــم ، والدافعينَ عنهـم من معقباةٍ من بينِ أيديهـم ومن خلفهـم يحفطونهم من أمرِ الله ، ومنهم المسخرينَ لإرسالِ الريحِ والمطر ، كما جعل الله من أكبرِ وظائفهم الاستغــفــــارَ لبني آدم .
(( وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ ))الشورى.
ومع ذلك فإن هذه المخلوقات عـدى بن آدم قد كملت في عبوديتها لله جلَّ شأنه وخضوعهــا له وذلهــا لقهرهِ وربوبيته وألوهيتِــه إلا بعضَ المخلوقــات العاصية كالشيــاطين ، وعُــصَاةِ الجــن ، وبعضِ الدواب كــالـــوزغ والذي قال عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم :(( أقـتـــلـوا الــوزغ فإنَّـــهُ كانَ ينــفُــخُ النــار على أبينــا إبراهيــم )) رواه أحمد.

مع أنَّ أُلئك مع عصيانِــهِـــم إلا أنهم لا يـبلغــون مـبـلــغَ عصيانَ بني آدم وما ذلك إلا أنه قد وُجِــدَ في بني آدم من يقول :
أنا ربكم الأعلى .
ووجد فيهم من يقول :
إنَّ الله هو المسيحُ بن مريم ، وإنَّ اللهَ ثالِثُ ثلاثـه
ووجد فيهم من يقول :
أنا أُحيِ وأُميت
ووجد من يقول :
إجعل لنا إلــهً كما لهم آلهه
ووجد فيهم من يقولُ عن القرآن :
إن هذا إلا قولُ البشر ، ومن يقول إن هذا إلا أساطيرُ الأولين
ناهيكُـــــم عمن يقول:
يدُ اللهِ مغلولــه ، ومن يجعل الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا.
فكيف إذاَ بمن يقول :
إنَّ الله فقيرٌ ونحن أغنيــاء
وهكذا تمتد حبالُ الطغيانِِ والجبروت في بني الإنسان إلى أن يخرجَ من يقول إن الشريعة الإسلامية غيرُ صاحيةٍ لكل زمنٍ ومكان أو من يقول بفصلِ الدينِ عنِ الدولة فلا سياسةَ في الدين ولا دينَ في السياسة أو من يقول الدينُ لله والوطنُ للجميع أو من يقول دع ما للهِ لله ومالقيصَرَ لقيصر ، أو من يصف الحدود والتعزيرات بالهمجية والغلظة أو من يصفه بالمقيدِ للمرأة والظالمِ لهــا والمـحـجِّرِ على هويتهــا ، أو من يرى حريتها وفكاكها من أسرها إنما يتمثل في خروجها من حدودِ ربهـا وإعلانِ عصيانِهــا لشريعة خالقها ومولاها وجعلهــا نهباً لكلِّ سارق ، وإناءاً لكلِّ والِــغ ، ولقيطاً لكلِّ لاقِــط ، جسدا لللإغراءِ والمتاجرة ، وحبَّ شيوعِ الفاحشةِ في الذين آمنوا .
هذه هيَ بعضُ مقولاتِ بني الإنسان .

فللهِ ما أعظَــمَ عِصـيــانَ بني آدم وما أشدَّ استكباره ومكرَهُ السيء .