كنت أتحدث إلى أحد المدخنين عن تلك الرغبة التي تجتاحه حين يمط شفتيه مخرجًا دخان لفافته , فكان أن تنهد تنهيدة حرّى , وأيقن أني طفولي أو هكذا توهّم !
في بداية الحديث معه أكبرني , وعلم أني ناصح لا محاله , فلم يلبث أن قتل لفافته بطرف نعله سحقًا , و أقبل إليّ يستمع ما أخال أنه قد سمع أضعافه من غيري !
لم تطل النصيحة كثيرًا , وفجأة ؛ قاطعني قائلاً : أحب هذه السجائر , ولكن للأسف , ينطبق عليها قول العاشقين : ومن الحب ما قتل !
ثم قال بمضاء : بعد أن تدلهم عليك الدنيا ترتشف منها نفسًا يتبعه أنفاس , وحين تتناول وجبة ولو لم تكن دسمة تتراءى لك الدنيا بما فيها كأنها سجائر بجانب قداحات , فلا تملك نفسك حتى تشعلها لتفرغ ما فيها في صدرك غصبًا بلا اختيار , إنها عالم مثالي كما يحكون عن مُثل أفلاطون وأرسطو !
صاحب الهم , ومن فيه قلة دين تراه يدمن صحبتها , ولا يهنأ له بال حتى يقتلها حرقًا كما تقتله بالهيئة نفسها , فويلي عليها وويلي منها !
ثم استطرد قائلاً بألم وحزن شديدين : دع عنك عذلي يا من كنت تعذلني , فلو كنت تعلم ما بي كنت تعذرني , دعني أعاقر تلك اللفافات ولا تشمت بي , فما كنت لأجد عنها حولاً , وما كنت أحسب أن غيرها مؤنسي بعد اليوم !
فتركته وانصرفت خجلاً ! !