[هاني كريم]

[c] [/c]

أنا اسمي : حيفا .

أقوم على ساحل بحر الشام ، الذي تدعونه في هذا الأيام البحر الأبيض المتوسط .

وأنا مدينة عربية تاريخية ، سماني العرب الكنعانيون (حيفا) منذ قديم الزمان .

أقف الآن في شموخ حزين ، ويرنو إليّ جبل الكرمل في شموخ حزين أيضاً ، وهو يراني أسيرة في أيدي بني صهيون الذين جاؤوا من أصقاع الأرض ، واحتلّوني ، وطردوا أبنائي العرب ، يريدون أن يجعلوني يهودية ، وهذا لن يكون بإذن الله القويّ العظيم ، لأنني ما كنت يوماً إلا عربية حرّة ، ثمّ حصناً عربياً مسلماً ..

لقد احتلني في غابر الأزمان ، فراعنة مصر ، كما احتلني الرومان من بعدهم ، ثم جاء أبنائي العرب المسلمون الفاتحون الأبطال ، وطردوا الغزاة الغرباء عن أرضي ، وحرروني من أسرهم ، وأعادوني إلى عروبتي وإسلامي .

ولكنّ الطامعين ما تركوني ، فأغار الغزاة الصليبيون عليّ واحتلوني ، وعاثوا فساداً على أرضي ، وعدتُ إلى الأسر الأليم ، حتى جاء البطل العظيم صلاح الدين ، وحرّر بيت المقدس وما حوله من المدن والقرى ، وكنت في جملة البلدات المحررات اللاتي أعاد إليهنّ الحرية والعروبة والإسلام ، فغدون مزهوّات جميلات .

ولكنّ الطامعين كانوا لي ولأخواتي من القرى والمدن والبلدات الفلسطينيات الشاميات العربيات المسلمات بالمرصاد ، فجاء الصليبيون الجدد من الإنكليز ، واحتلونا جميعاً عام 1918 ومنذ ذلك العام ، والمؤامرة الكبرى تتوضّح معالمها على فلسطين كلها ، بعد أن وعد الإنكليز أصدقاءهم اليهود بإقامة وطن لهم على أرض فلسطين ..

تدفق اليهود إليّ من سائر أنحاء الأرض ، فقد كنت الميناء الوحيد لفلسطين وبلاد الشام والعراق .. جاء اليهود ، وهدّموا البيوت على رؤوس أبنائي ، وطردوا الآخرين ، وأقاموا مستعمراتهم الحديثة على أنقاض تلك الدور العربية المسلمة .



ثار أبنائي على الإنكليز وعلى اليهود ، وخاصة بعد أن انضمّ إلى أبنائي الشيخ البطل عز الدين القسام ، وصار يعلمهم أمور دينهم ، ويفتح أعينهم على المؤامرة الكبرى على فلسطين ، واختار من أبنائي شباناً فقراء ، ولكنهم وطنيون مؤمنون ، ودرّبهم ، وقادهم وخاض بهم معركة في أحراش (يعبد) ضدّ الإنكليز المستعمرين ، واستشهد في تلك المعركة غير المتكافئة ، فقد كان الإنكليز بالمئات ، ومعهم أحدث الأسلحة والآليات ، وكان القسام البطل مع مجموعة قليلة من جند الله ، وحُمل جثمانه إلى ضاحية من ضواحيَّ الجميلة ، ودفن فيها ، واسمها قرية الشيخ .

وبعد قيام الكيان الصهيوني ، اعتنوا بي ، حتى صرت أكبر ميناء على الساحل الرملي للبحر الأبيض المتوسط ، لا يزاحمني إلا ميناء مرسيليا في فرنسا .

صرت مركزاً تجارياً مهماً ، ومنطقة سياحية جميلة ، يؤمّني التجار والسيّاح من كل مكان ، كما ازدهرت فيّ الصناعات الثقيلة ، كمصانع الإسمنت ، والأسلاك الكهربائية ، والزجاج ، وأعمال البناء ، وأقاموا على أرضي مصفاة ضخمة للبترول ..

كنت أباهي بجمالي الطبيعي ، حيث السهل البديع ، والجبل الشامخ ، والبساتين والبيارات .. ما أجمل أشجار البرتقال والليمون في تلك البيارات . وما أروع كروم العنب والزيتون ، وما أشمخ أشجار الصنوبر في سهلي وجبلي ..

أمّا الأحياء والحارات فكثيرة ، لعل من أهمها ، حيّ الحسبة ، والبوابة الشرقية ، وحارة المناطير ، وسوق الشوام ..

وعندي من الآثار الكثير : مثل تل السمك ، في المنطقة الشرقية ، وحي الخضر ، ويقع بين منطقة تل السمك ورأس الكروم ، وفيه بناء إسلامي قديم .. وأضمّ بين جوانحي الحزينة ، المسجد الكبير ، والسوق العام ، والمحلات التجارية ذات الطابع العربي الإسلامي الأصيل .

ولديّ محطّة كبيرة للقطارات التي بدأت بسكة الخط الحجازي الذي كان يربطني بدمشق ، قبل مؤامرة الحلفاء على الدولة العثمانية ، واتفاقيات سايكس ـ بيكو الإجرامية ..

ومطاري كبير ، هبطت فيه سنة 1944م مئة وخمس وسبعون طائرة ، أمّا الآن ، فلا يحصي عددها إلا أجهزة الكمبيوتر ..

أنا حيفا الأسيرة ، أنتظر الفرج من الله القويّ الجبار ، على أيدي تلامذة القسام الأبطال ، من المجاهدين الفدائيين الأحرار ..

ولن يطول انتظاري لتحرري وسائر المدن والأرض الفلسطينية العربية والمسلمة ، لن يطول انتظاري ، فأبنائي أحرار أبطال وأصحاب حق ، ولا ينامون على ضيم أبداً بإذن الله .



========================

م ن ق و و و ل