[صائد الطرائد]

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ولي النعمة ، دافع النقمة ، والصلاة والسلام على من زين الكلام ، وأذهل بفصاحته الأنام ، وطرت بوعظه الأيام ، وعلى آله والأصحاب ، ما لمع سراب ، و همع سحاب ، وقرء كتاب ... أما بعد :-
دخلت على جماعة من الشباب ، قد أسدلوا الشعر ، وأسبلوا الثياب ، ووقعوا في جدال وسباب ، فأقسمت بمن أنزل الكتاب ، وأجرى السحاب ، أن الشباب أمل الأمة المنشود ، وعلمها المعقود ، وسِجلها المحمود ، يا شباب الملة ، مالكم خالفتم السنة ، وهجرتم الجنة ، تركتم هدي النبي ، وتشبهتم بالأجنبي ، فقام أوسطهم طريقه ، و أعزمهم حقيقة ، فقال : لماذا وجهت الكلام إلينا ، وماذا تنقم علينا ؟
فقلت : سبحان الملك القدوس ، ما أغبى هذه النفوس ، في القيل و القال ،و إضاعة المال ، وهدر الساعات الطوال ،قصرتم في الطاعة ، و بالغتم في الإضاعة ، وفرطتم في صلاة الجماعة ، هجرتم القرآن ، وأطعتم الشيطان ، وغركم الشباب الفتان ، ألستم أحفاد المهاجرين والأنصار ، و أبناء الأبرار ، وعليكم تعليق الآمال الكبار ، فقام أصغرهم ، وهو في العين أحقرهم،
فقال : أيها الخطيب ، أعلم أنا في الصبا ، وجواد كبا فلا تشمت بنا العد ، ولا تكثر المر ، فقلت : عجب لك آيه الخب ، أتيت بعذر أقبح من ذنب ، أتعتذر بالشبيبة ، بعمل كل خيبه ، فهذه مصيبة ، هؤلاء الصحابة ، كلٌ حفظ شبابه ، وحمل كتابه ، وخاف حسابه ، يا شباب ، أين نور الهداية ، وحسن البداية ، و الاستعداد للنهاية ، المساجد منكم مهجورة ، والمقاهي بكم معمورة ، كل منكم ركب لهوه وطيشه ، و أقبل على الدخان والشيشة ، تسبلون الإزار ، وتطيلون الأضافر ، وتقلدون الكفار ، تضيعون الصلوات ، وتقعون في الشهوات ، وتسهرون الساعات ، وتزجون الأوقات ، لم تفلحوا دنيا ولا دين ، و أراكم في غيكم قاعدين ،لستم في صلاح وطاعة ، ولا سنه ، ولا جماعه ، ولا صناعة ، ولا جلب بضاعة ، أحدكم في الليل جيفة ، وفي النهار ريشة خفيفة ، فصلتم من الجامعة ، وهجرتم القراءة والمطالعة ، وجلستم على القارعة ، كل منكم قد أزعج شارعه ، شغلتكم الأغاني والأماني ، عن السبع المثاني ، للرياضة تشجعون ولا منتخب تتابعون ، وللملاعب تسارعون ، وفي اللهو واللغو ، بارعون ، حياتكم فوضه ، تتابعون آ خر موضة ، كأنكم أطفال الروضة ، هم أحدكم حذاء وساعة ، وميدالية لماعه ، كأنه شماعة ، صار هم أحدكم ثياب فاخره ، وجلسات سافرة ، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ، كأنكم أطفال بفرح أحدكم بركوب السيارة ، ومشاهدة الطيارة ، و معايشة السيجارة ، تحفظون أسماء اللاعبين ، وتغفلون عن أسماء العلماء العاملين ، اتركوا الشوارع ، واخرجوا إلى الجوامع ، نريد منكم علماء وحكماء وأطباء و أدباء ، فقال أحدهم وقد تسربل بالخجل ، فتكلم على عجل ، فقال : لسنا سبب الضياع ، وإنما آباؤنا الرعاع ، أهملونا من زمن الرضاع ، ما أعطونا من ماء التربة ولو الفطرة ، وفي الحديث كل مولود يولد على الفطرة ، ربونا تربية الدواب ، وعلمونا تعليم الأعراب ، فنفوسنا من الآداب خراب ، اشغلونا بالتلفزيون والتلفون ، وسيبونا مع شباب يهمزون ويغمزون ، ما عرفونا على عالم واحد ، ما حفظونا الآيات البينات ، ما علمونا الأحاديث النبويات ،أهملونا للمجلات الخليعات ، والأفلام الناتعات ، والسهرات الضائعات ، غرسوا فينا الرذيلة ، وكراهية الفضيلة ، فقلت : قد سمعت ما قلت ، وأنت بالحق نطقت ، وبالقول صدقت ، و لكن ما عذركم الآن ، قد وضح لكم الربح من الخسران والتوفيق من الخذلان ، جددوا التوبة ،و أصلحوا الأوبة ، اتركوا مصاحبة الفجار ، و مصادقة الأشرار ، ومرافقة الشطار ، والتشبه بالكفار ، أقبلوا على الحياة السعيدة ، واعكفوا على الكتب المفيدة ، وتخلقوا بالأخلاق الحميدة ، حافظوا على تكبيرة الإحرام ، واجتنبوا الحرام ، وتوبوا من العشق والغرام ، وارتفعوا إلى منازل الكرام ، تذكروا الموت وسكرته ،و القبر وظلمته ، وتفكروا في البعث والنشور ، يوم يبعث ما في القبور ، ويحصل ما في الصدور ، وينفخ بالصور ، ويفيض على كفه المقبور ، وتقصم الظهور .
اللهم يا قوي الأسباب ، يا كرم الجناب ، افتح لعبادك الأبواب ، وتب على من تاب ، وارحم هؤلاء الشباب ، فإنك تقيل العثرات ، وتغفر الزلات ، وتتجاوز من الخطيئات.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين