كثير من أصحاب المناصب لم يكونوا من قبل شيئًا مذكورًا , فلو لم تبتسم لهم الدنيا بحظها المتباين لما كان لهم نصيب من مفاجآتها , فابتسامة واحدة كفيلة بأن ينطلقوا نحو فضاء الترقي درجة درجة .
يقال إن البدوي إذا تحضّر فسد , حيث إنه يكون متمردًا على بيئته , وعلى طبعه في الحاضرة , فلم يعتد ما يراه في أيدي الناس من قبل , فكل ما تقع عليه يده يحسبه ملكه وحده , كما الطفل حين ينازع غيره في حقوقهم .
المدير العام مثلاً – أي مدير - , نجده يظلم من حيث يدري , وكان من قبل عادلاً لولا هذا المنصب المنحوس , فنراه يفزع إلى الظلم بغية تحقيق العدل الذي يختاره لنفسه , وليس العدل المعروف , فإن قيل له هذا ظلم . رفع عقيرته قائلاً : إنني أرى مالا ترون .
الفن الإداري سياسة , والسياسة لا تدخل في شيء إلا أفسدته , والناس مجبرون على اتباع هذا النظام أو ذاك , فيتساوى المجد والكسول أمام نظام جامد لا يُعنى بالفروق الفردية , حيث يسبق البليدُ المجدّ بلا تعب , وتتهافت عليه الحظوظ , بينما المجدّ ينتقل من نحس إلى أنحس منه .
الكرسي يغيّر النفس , ويكسبها شهوات تفوق الشهوات السابقة , ولا يملأ عين ابن آدم شيء , وإنك لترى من يضحي بدينه , أو بمعارفه من الناس , أو بطبعه الدمث الذي نشأ عليه بغية الحفاظ على المنصب أو الوصول إليه .
مشكلتنا في العالم العربي أننا نؤمن بالشخص لما يحمله من رصيد ضخم من العلاقات , أما النتاج فهو آخر ما نفكر به , فيكفي الشخص أن يعرف الوجهاء أو نصفهم ليكون من ذوي الشفاعات , وحسبه أن يقولوا فيه : فلان والنعم فيه . لكنهم لا يصدقون حين يمحّصون الأمر , فيسألوا أنفسهم : هل يصلح هذا الرجل لهذا المكان أو لا ؟
كثير ممن أعرفهم فسدوا في طباعهم , وتغيرت نفوسهم , وباتوا يحدثون الناس وأنوفهم شامخة بعد تولي المناصب , وكانوا من قبل كما العذراء وداعة وصفاء سريرة . . . إن هذا لا يحصل إلا في مجتمعنا العربي ! !