بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » أسباب التفحيط

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 30-04-2010, 03:45 PM   #1
ملك بريده1
عـضـو
 
صورة ملك بريده1 الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
البلد: بريده
المشاركات: 95
أسباب التفحيط

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد..

أدق وصف لما يحدث في عالمنا العربي اليوم على المستوى السياسي أو حتى الإعلامي أو الثقافي، هو حالة من «التفحيط» عالي الجودة. والتفحيط لمن لا يعرفه هو أن يقوم أحد المراهقين من سائقي السيارات المستعملة بالضغط الشديد على فرامل السيارة وهو يسوق بسرعة في واحد من شوارع الرياض الخلفية، أو احدى المدن الخليجية الاخرى، فتدور السيارة حول نفسها مائة وثمانين درجة، وربما العودة، مصحوبة بصراخ العجلات وكثير من الغبار وصياح المشاهدين من أهل الحارة الذين يُسعدهم ابتلاع تراب «المفحط». هكذا يسمون المراهق الذي يسوق السيارة بهذا الشكل، وهم سعداء وكأنهم في سباق الرالي للسيارات أو في سباق «الفورميلا ون». بالطبع هذه السباقات العالمية موجودة، لكن لا يملك «المفحط« لا السيارة المناسبة أو حتى القدرة على السباق، هو فقط يبهر أهله «بتفحيطة» كما يقول أهل الرياض، أو «تشفيطة« كما يقول بعض أهالي البلدان الأخرى.

ما يحدث في فلسطين مثلاً من قيام جهاز أمني مواز تحت قيادة «حماس»، بالطبع لن يحرر فلسطين، هو فقط يسعد مشجعي «حماس»، كما أن صواريخ «القسام» أيضاً لن تحرر شبراً واحداً من فلسطين. كل هذا يخلق غباراً حوله ويهلّل له المشاهدون من أهالي الشوارع الخلفية للسياسة مثله في ذلك مثل التفحيط في شوارع الرياض، أو مدينة خليجية أخرى.

السباق الحقيقي هو خريطة الطريق والمفاوضات إذا كانت النية نية تفاوض وسلام، أو بناء الجيوش الحقيقية لمواجهة جيش حقيقي لديه أسلحة تفوق أسلحة العرب مجتمعين، أما أن تلقي صاروخا بدائيا على مستوطنة وتظن أنك «جبت الديب من ديله»، ليتبع هذا الصاروخ بضرب حقيقي من طائرات إسرائيلية وصواريخ متفوقة، ثم تظن أن نقل الصور على «فضائية التفحيط» سيجعل أهل الحارة يصفقون لك، فهذه هي المراهقة بعينها، وهذه أيضاً أوضح الأمثلة على ما اسمّيه بـ «التفحيط السياسي».

أن تحتضن الأميركان داخل الخيمة وتخرج خارجها معلناً أنك مقاوم وشريف، وأن «قناة التفحيط» التي تمتلكها والغبار الذي ستثيره قد يعمي الناس عما يحدث داخل الخيمة، وأن تكون لديك دولة صغيرة محدودة القدرات وتحاول أن تبعث كثيرا من الغبار في المنطقة، فهذا تفحيط أيضاً ـ الدول تقاس بقدراتها الحقيقية وليس بحجم الغبار الذي تثيره.

أن تكون لديك أرض محتلة ثم تنادي بتحرير أراضي الآخرين، أو أن تغذي المقاومة في بلد آخر، وليس في بلدك.. أن يكون بلد به مقاومة ولا يوجد احتلال، وبلد به احتلال ولا توجد مقاومة، ثم تحاول أن تقنع كل المنطقة بأنك مقاوم، فهذا أيضاً تفحيط سياسي.

أن تخلق جوا من الغبار حول برنامج إصلاح غير موجود ويصفق له أصدقاؤك ويهلل له أهل الحارة، رغم أن جماعة الفورميلا ون، لا يعترفون بهذا الإصلاح أو لا يرون هذا النوع من قيادتك للسيارة، يسمعون كلامك فيصدقونك، ويرون أفعالك فلا تعجبهم، فهذا أيضاً تفحيط سياسي.

و«التفحيط» مفهوم شامل لا يقتصر على السياسة فقط، فلدينا أيضاً أنواع مختلفة منه، من التفحيط الثقافي إلى التفحيط الإعلامي، وسأذكر هنا أمثلة صارخة للحالتين.. وأذكر هنا أيضاً أن لا خلاص لمنطقتنا أو شفاء لها من هذا الداء إلاّ القضاء على ظاهرة التفحيط وتشجيع أبناء المنطقة للدخول إلى السباقات العالمية، كسباق الرالي أو «الفورميلا ون»، الموازيين في عالم السباق كأس العالم في كرة القدم. التفحيط أيضاً هو الموازي للعب الكرة «الشراب»، في الشوارع الخلفية والحارات القاهرية أو العربية الاخرى، بينما الملعب الحقيقي أو المقياس الحقيقي هو قدرة الدولة على اللعب في كأس العالم، وكما لدينا المثقف «المفحط»، والإعلامي «المفحط»، على مستوى الأفراد، لدينا دول تحترف التفحيط، ولدينا أيضاً جماعات من قادة التفحيط في المنطقة، قالوا لنا منذ خمسين عاماً إنهم سيحررون الأرض، وها نحن هنا قاعدون.

من أكبر حالات التفحيط الدولي هو ما يسمى في الخليج اليوم تعليقا على ايران بالتخصيب (3.5) أي ثلاثة ونصف، أو نصف تخصيب، كما تقول إحداهن بأنها نصف حامل. التخصيب النووي يعني القدرة على إنتاج قنبلة كما أنتجتها الهند أو باكستان دونما أن نسمع منهما كلمة قبل اختبار القنابل، أما أن تعلن أنك وصلت إلى هذه الدرجة أو تلك من التخصيب قبل أن يكون لديك قنبلة وتحشد الجماهير لإعلانك أنك نصف حامل، فهذا تفحيط لا تخصيب.

لدينا في العالم العربي اليوم ظاهرة التفحيط الإعلامي التي ابتلينا بها، ولدينا قنوات خاصة لنقل كل ما يحدث في عالم الحارة وعالم التفحيط السياسي، فمثلاً تأتي قناة التفحيط وتخصص أكثر من عشرين حلقة وخبرا وبرنامجا لمن سيخلف الزرقاوي في العراق، ثم تأتي بمحلل من مصر، كما يقول لنا إن الدرديري هو ليس أيوب، وتسمع كل هذا الكلام وتنسى الدرديري وأيوب، فقط تجد نفسك متنهداً لتقول «يا صبر أيوب»!، لأنك لا تشاهد إعلاماً، أو خبراً، فقط تشاهد تفحيطا إعلاميا أو نقلا إعلاميا لحالة من حالات التفحيط.

لدينا حالة المحلل، أو سمّه «المخلل»، العارف بشؤون الحركات الإسلامية، بالطبع ليس هناك تحليل ولا هم يحزنون، فقط لدينا حالة مفحط «خالي شغل»، تطلق عليه فضائية التفحيط المعروفة، أنه الدكتور فلان بن فلان.. وبالطبع الدكتوراه تفحيط لأن صاحبنا ليس لديه دكتوراه ولا يحزنون، وندخل في حالة الغبار والصريخ الذي يسمعه مشاهدو المفحطين في الشوارع الخلفية في إمارة دبي. القناة قناة تفحيط، المحلل، آسف المفحط السياسي من نفس المدرسة، والمشهد كله عن بكرة أبيه تفحيط في تفحيط، ثم يحاول أن يقنعك أصحاب قناة التفحيط بأنهم هزموا cnn، وأنهم ينقلون لك كأس العالم أو سباق الرالي على الهواء مباشرة، رغم أن كل من يرى المشهد يعرف انه تفحيط إعلامي، حيث يرى السيارة وهي تنخ أو تدور حول نفسها في الحارة، وترى المفحط من الشباك وتعرف أن السيارة مستعملة، لكن تصرخ فيك المذيعة لتذكّرك بأنك تشاهد سباقا عالميا.

تنتقل الكاميرا لتقول لك بسيطرة «طالبان» على جنوب أفغانستان، أو أن جماعات المحاكم الشرعية (ما زالوا يطلقون عليها المحاكم الإسلامية)، قد سيطروا على الصومال وأنهم هزموا القوات الموالية للولايات المتحدة.. أي شيء يحدث في أي حارة بالنسبة للمفحطين هو مواجهة بين أهالي الحارة والولايات المتحدة.. أصحابنا لا يقنعهم عدو صغير، هم دائماً في مواجهة مع اكبر قوة في العالم.

لدينا أيضا في العالم العربي ظاهرة التفحيط الثقافي، وهي ظاهرة رصدتها في كتاب سابق لي بعنوان «ما بعد الحداثة: مقاربة أولية»، وفيه رصدت الكثير من السرقات عند بعض المثقفين العرب الذين يتصدون للساحة الثقافية اليوم، خصوصا في مجالات النقد الأدبي، وأحيانا في الرواية والمسرح، وصنفتها. نشر هذا الكتاب منذ خمس عشرة سنة وليس الآن، وما زالت الظاهرة موجودة، لدينا سينما وأفلام مسروقة أو شبه مسروقة، وقد يتساءل البعض: لماذا لا يدخل كبار مخرجينا سباقات الأفلام في هوليوود، ليس لأنهم لا يستطيعون، لكن لأن كثيرا من الأفلام التي أنتجت في السنوات الأخيرة مأخوذة عن هوليوود الخمسينات والستينات وحتى السبعينات. لدينا حالة من التفحيط الثقافي يقدمها البعض على أنها من أصل بنات أفكارنا.

بالطبع في المنطقة العربية لن نستطيع القضاء على ظاهرة التفحيط السياسي أو الإعلامي أو الثقافي، لأننا أمة لا تفضل المواجهة، لا نفضل أن نقدم تقويما حقيقيا لأحد الأفلام لنقول انه مأخوذ عن هذا الفيلم أو ذاك، ولا نستطيع أن نتعرض بالنقد التفصيلي لبرنامج تلفزيوني على قناة التفحيط، لأن الذي بيته من زجاج... كما يقولون، كما أننا لا نستطيع أن نرد على مقال في صحيفة لأننا فقط نطلق المقالات وكأننا في حفلة عرس أو فرح عند أهلي في الصعيد، طلقات في الهواء، لا تتقاطع ولا تتفاعل.

إن لم نواجه التفحيط على مستوى السياسة وعلى مستوى الإعلام بحزم، وإن لم نواجهه أيضا على مستوى الأفلام، فسنظل نعيش في فيلم الأساس فيه هو التفحيط، لكننا نظن أننا في سباق «الفورميلا ون» أو في كأس العالم.
ملك بريده1 غير متصل  


 

الإشارات المرجعية

أدوات الموضوع
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 02:08 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)