صبَـاح الخيـْر .. يا شَـارع الصنـّاعَه !
صباح الخير :
بعد ساعاتٍ ولّت ، وذهبت ، وانتهت ..
بعد صمتٍ ، وسكونٍ ، وهدوء ..
بعد صوت الرياحِ ، والنسيم العَليل ، وسواد الليل ..
بعد نوم الطيورِ ، ولمعان النجوم ، وأحلام البشر ..
صباح الخير :
بعد صراخ الأقفال ، وتعَب العمّال ، وأكوام الدراهم ..
وأيدي هؤلاء تنفض غبار خطوات النساء وأثرها ..
وما جلبته من قراطيسِ المارّةِ وما تلفظه أيديهم ..
وما سكَن في العينِ من أقذاء ..
صباح الخير :
من تلك الأسعار المنطلقة من رُبع ريال ، إلى عشر ريالات ..
إلى خمسة وعشرين ، إلى أصوات تلك المرأة العجوز ..
وهي تتحدث إلى البائع : أرجوك ! اقذف بالعشرةِ وخُذ الأربعين .. !
إلى بكاء تلك الطفلة وتوسلها لأمها أن تشتري تلك الدّميَة ..
فقط من أجل أن : تُرضعها ، تداعبها ، تُؤنس وحشتها ، لتكون أمّاً .. !
بل صباح الخير :
مذ أن كنت صغيراً ، " أسير بين دكاكين هذا الشارع ..
أترنّم على : صوت صفيرِ البلبلي ..
ثم أُلحقها بـ هيّج قلبي الثّملي ، ولا أدري ماهو البلبل ..
ولا معنى الثمالةِ ، ولا زهرِ لحظ المقلي ..
ولا أدري ما الخود ، ولا سبب ولولتهَا ، وصياحها ..
وأجهل ماهو العُود ، وكيف يدندن ، والطبل ، وكيف يطبطب .. !
ولا : طَبْ طَبِ طَبْ .. طَبْ طَبِ طَبْ .. طَبْ طَبِ طَبْ .. طَبْ طَبَ لِيْ .. !
وأردد : شوٍ شوٍ وشاهشوا ، على ورق سِفرجلِ ، وما السِفرجل وما شكله .. !
وغرّد القمري يصيح ، من المللِ وقسوته ، وما يُدريني .. !
ولم أراه راكباً على حمارٍ أهزلي ، يمشي على ثلاثةٍ كمشيةِ العرنجلي .. !
وأجري خلف أمي من دكّانٍ إلى دكّان ، وغضبها يُلاحقني إذا ابتعدت عنها ..
ومازلت أردّد : لكن مشيت هارباً من خشية العقنقليْ .. !
من أنت أيها العقنقل ! وما تكون وهل أنت بشرٌ أم طير .. !
حتى هَرب الأصمعي إلى لقاء الملك المعظم المبجل ..
وأمي تصرخ وتَقبض على يدي ، وأنا لا أدري من يكون !
وإذا بهِ الخليفة المنصور " منذ تلك اللحظة ، وحتى لحظتي الآن ..
ومازلت أرسل الصباحات ولن تنتهي ، وأردد تلك القصيدة ، ولن أنثني ..
صباح الخير :
يا منارات الجامع الكبير ، يا صوت إمامه وتكبير مؤذنه ..
يا " قبّة رشيد " ويا ممرّات سوق الذهب ..
يا مباسط تلك النساء ، التي تَفترشها في الزوايا ..
وأركان البنايات ، وفوق الأرصفةِ ، وتحت " الكَبرة " ..
ويا عربَات هؤلاء الصغار ، مملوءة بالنعناعِ والبصلِ وألوان خضراء أخرى ..
صباح الخير :
يا تلكم الأمطار الساقطة على أسطح هذا السوق ، ومنازله البالية ..
يا قطرات الخير والدَّعة والسَّعد ..
يا بروق السماء ، وصوت الرعود ..
يا غيوماً فوق إنارة الشارع ..
صباح الخير :
يا كُتل الأقمشة ، وألوان الزينة ، ولوحات " كل شيء ريالين " ..
يا بوفيه الصباح ، ووجبة المساء ، وزاوية العصائر ..
يا ممرّ العطارين ، وبائعي الجُملة ، ومنافذ الخروج إلى سوق الخضرة ..
صباح الخير :
يا أيها الصبح الذي يُضيئه ..
الذي يُزيح الكسَل ويعيد المعاش كل يوم ..
الذي يمنع الراحة ، ويضعها في محلها الآخر ..
صباح الخير :
يا أيها الشارع ، يا ماضياً لم يذهب ، ولم يُنسى ، ولن يُنسى ..
كنت آتيك صغيراً ، أتجول فوق ظهرك بقبضة أمّي ..
تؤنسني الفُرجة على أنواعك وأشيائك ، ولا يستوقفني إلا .. !
إلا محلات الألعاب ، وكراسي الانتظار ، مودةً منّي لشراء " أورنجينا " ..
والآن ، صرت أزورك بدون ريالات أبي ، ولا صوت " مجاول " أمّي ، ولا قبضتها ..
وما صرت أسعد كما كنت ، ولا ألهو كما كنت ..
بل أصبحت أجيء كلما أردت ، وكلما وَدِدْت ، وكلما اشتقت ..
ولن أنساك ، حتى ولو كَثُرَت الشوارع ..
صباح الخير .. يا شارع الصنّاعة
أحببت وأيقنت ، أن يكون صباحي هذا اليوم لك ..
وأن تلتهمه ضوضائك ..
وأن يحتوي كتابتي إسمك ..
فـ صباح الخير ..
__________________
[POEM="type=1 font="bold large 'Traditional Arabic', Arial, Helvetica, sans-serif""]على مهلك .. ترى ذكراك ماتت = وأغصان الفراق اليوم حيّه
عيوني .. عن لقاك اليوم صامت = وحبّك زال عن دنياي ضيّه[/POEM]
سَلمان
|