[ هل هذا أب؟! ] - موقفٌ أدهشني وآلمني.
دخلت أنا وأحد الأصدقاء ليلة البارحة في مطعم كودو ثم طلبنا وجباتنا وجلسنا ننتظر انتهاء الطلب.
أثناء انتظارنا دخل أب ومعه ثلاثة من أولاده، ولفت نظر لقافتي أنه طلب وجبة واحدة، ثم جلس ينتظر هو وأولاده.. والذين كانوا متحمسين للغاية لهذا المطعم حيث أنه قد افتتح حديثا في مدينتنا الصغيرة.
انتهى طلبنا، ومن ثم انتهى طلبه.. ولم ينته استغرابي حين انتبهت للرجل أمامي وهو يبلع بالخمس من وجبته ويكرع من البيبسي ويغمس البطاطس في الكاتشب وأولاده ينظرون إليه تكاد تذوب ألسنتهم من اشتهاء الأكل والتهامه في غمضة عين، لكن الصمت كان سيد الموقف، مع حماس النظر.. .
أنا كنت فاغرًا فمي من المشهد، يكلمني صديقي وأنا قد التهيت عنه وعن الطعام غير مصدق ما يحصل أمامي، فلم يطرأ على بال والدهم أن يقسم الساندويتش بينهم، أو يضاحكهم، أو يسمح لهم بأكل البطاطس، بل كان صامتا، ثقيلًا، قد منعت هيبته الأطفال من الكلام.
ثم قام الرجل مباشرة نحو الباب دون المرور بالمغاسل، فما إن قام عن كرسيه حتى قفز الأطفال بسرعة (بكل ما تعنيه كلمة قفز) نحو الطعام ليأكلوا من فتات فضلته، لكن والدهم التفت إليهم وزجرهم بنبرة هادئة وعين حادّة (يلا.. مشينا!)، فقاموا يجرّون الخيبة ومروا من عندنا يلمحون طعامنا بنظرات مكسورة جدا، وقد تنزهّت في رأسي كل معاني الدهشة والغضب والقرف.
الرجل من سيارته.. ولبسه.. ولبس أولاده يبدو ميسور الحال.. وزيادة،
وأفرق بين الطبع.. وبين لحظات الغضب،
لذا أسأل: هل هذا أب؟!
كثيرًا ما مر علي آباء في المطاعم ينسون أنفسهم ويهتمون بكل لقمة يلقمها أطفالهم، فيمسحون وجوههم ويجهزون الكاتشب ويعطونهم من أكلهم ويوفرون كل أجواء المتعة لهم، وهذه اللحظات الجميلة تصور لنا طبيعة العلاقة الرائعة بين الأب والابن.
لكن للأسف يوجد آباء قتلتهم غرابة الأطوار؛ فلا تربية، ولا رحمة، ولا قدوة.. وإذا بلغوا من الكبر عتيا، وذهب الأصحاب، وأبعدوا عن العمل.. أخذوا يلومون أولادهم على عدم الجلوس معهم، والأنس بأحاديثهم، ولا أدري كيف يطالب هؤلاء أولادهم بأمر لم يعودوهم عليه منذ صغرهم، وكيف تطلب أن يكون أولادك أصحابك في الكبر، وأنت تذلهم وتخيفهم منك –بزعم الهيبة- في الصغر؟!
يعجبني ويفتنني كثيرًا منظر الآباء حين أراهم كالأصدقاء مع أبنائهم، علاقة لا يوجد أجمل ولا أروع منها، يتلاعبون فيما بينهم، ويتماسكون بالأيدي، ويتمازحون برسائل الجوال، وفي الماسنجر.. والنت، وينطلقون بالأحاديث عن كل شيء تماما كالأصدقاء.. .
مهما صنعوا فتبقى لهم حقوقهم العظيمة التي كفلها لهم الله -عز وجل-، ولكنه موقف مرّ أمامي فأثار تفكيري خلال الساعات الماضية.. وأدع التعليق لكم.
ومضة:
يقول الكاتب محمد خضر: (إن توفيق الآباء في إسعاد أطفالهم لا يتطلب تكويناً أكاديمياً عالياً ولا تخصصاً رفيعاً وإنما يحتاج الأمر إلى نظرة متبصرة بالحياة عامة وبالطفولة خاصة، مع التشبع بالحب الكبير والتفاؤل غير المحدود بالمستقبل).
نسأل الله تعالى أن يغفر لآبائنا وأمهاتنا كما ربونا صغارا، وأن يطيل في أعمارهم على الخير والعافية، ونسأله -سبحانه- أن يعيننا على برّهم. آمين
__________________
يا صبر أيوب !
|