[أبوعمر السحيم]

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , والصلاة السلام على أشرف الأنبياء والمرسلين , نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، ثم أما بعد :
أيها الأب الحبيب :
ما أظلم الإنسان وما أغدره ، في الضراء يلجأ إلى الله ، وفي السراء والرخاء ينسى الله .
كم نطلب الله في ضر يحل بنا * فإن تولت بلايانا نسيناه
ونركب الجو في أمن وفي دعة * فما سقطنا لأن الحافظ الله
ننساه بعد نجاح في امتحان غذ * وإن رسبنا وأكملنا دعوناه
أيها الأب :
والأمة تمتحن امتحانا يصنع تاريخها من خلالها .. غدا يخوض أبناؤنا وإخواننا ذكورا وإناثا غمار الامتحانات الدراسية .. وبهذه المناسبة تجد القلوب وجلة والأذهان قلقة .. والآذان تتلقف الأخبار عن الامتحانات .. قلما تجد منزلا لم تعلن فيه حالات الطوارئ .. كل أب ينتظر بصبر نتيجة ابنه في هذه الامتحانات .. لأنه يرجو له النجاح .. تراه يدعو الله بتوفيقه وتسديده .. يعده ويمنيه إن نجح .. ويتوعده ويهدده إن رسب .. وهذا إحساس من الأحاسيس التي فطر عليها البشر .. لكن أيها الأب الحنون : وقد اهتممت بابنك هذا الاهتمام .. هلا كان الاهتمام بآخرته كالاهتمام بدنياه .. هلا كان الاهتمام به بعد موته كالاهتمام براحته في حياته .. شغلت به في حياته وأهملته بعد مماته .. بنيت له بيت الطين والأسمنت في دنياه .. وحرمته بيت اللؤلؤ والياقوت في أخراه .. غاية مناك أن يكون طبيبا أو مهندسا أو عسكريا .. ويا لله كل الأماني دنيوية .. السعي والجد للفانية مع إهمال الباقية .. عملوا على تربية أبنائهم أجسادا وعقولا وأهملوا تربية القلوب التي بها يسعدون أو بها يشقون .. جزاك الله خيرا على اهتمامك به ماديا .. لكن ماذا فعلت لتؤنسه في وحدته إذا ما دفنته في التراب .. ما أنت صانع بشهادته ؟؟ قد يرسب الآن في مادة أو مادتين .. قد ينجح فيهما غدا أو بعد غد .. والمجال مفتوح للتعويض .. لكن لا تعويض في الآخرة .. أيها الأب الحنون .. هب أن ابنك تأخر في نومه عن وقت الامتحان .. ما حالتك وما شعورك ألا تسابق الزمن ليلحق الامتحان .. ألا تنام بعدها بنصف عين لئلا يفوته الامتحان .. كأن الجواب يقول بلا !. هل كان شعورك حين نام عن صلاة الفجر كشعورك حين نام عن امتحانه ؟؟ ألا تسأله كل يوم عن امتحانه .. وبماذا أجاب .. وعسى الجواب أن يكون صحيحا .. فهل سألته عن أمر دينه يوما ما ؟؟ ألا يضيق صدرك ويعلو همك حين تعلم أن ابنك قصر في الإجابة .. فهل ضاق صدرك حين قصر في سنن دينه وواجباته .. ألا تأتيه بالمدرس الخصوصي إذا لم يستطع تجاوز الامتحان ؟؟ فما عساك فاعل أيها الأب الحنون في امتحان ليس له دور ثاني و إعادة ولا حمل للمواد .. فقط نجاح أو رسوب .. والرسوب معناه الإقامة في النار أبد الآبدين .. ماذا تغني عنه شهادته ومركزه وماله إذا أوتي كتابه بشماله ثم صاح بأعلى صوته .. يا ليتني لم أوت كتابيه .. خسارة وأي خسارة .. تكون في الدنيا طبيبا أو مهندسا أو مدرسا .. أما الآخرة فمؤمن أو كافر .. لا نقول أهملوا أبنائكم ولا نقول دعوهم .. لا والله بل نقول إن الآخرة هي أولى بالاهتمام وأجدر بالسعي وأحق بالعمل ..
أيها الأب : من فيكم أعطى ابنه جائزة يوم حفظ جزءا من القرآن الكريم .. أو تعلم حديثا .. قليل من فعل ذلك .. لكن البعض منا يعد ابنه إن نجح بقضاء أمتع الأوقات على الشواطئ في أي البلاد .. وما وعد ابنه إن نجح بزيارة مسجد رسول الله  .. فماذا كانت النتيجة ؟؟ النتيجة أن نشأ منا نشأ .. من أبنائنا يعرفون بلاد الكفار أكثر مما يعرفون مكة والمدينة .. النتيجة أن اتجه شبابنا إلى الملاعب يوم نادى المنادي حي على الصلاة حي على الفلاح .. النتيجة أن حل محل المصحف مجلة .. ومحل السواك سيجارة .. النتيجة أن نشأ فينا نشء كالأنعام بل هم أضل .. أولئك هم الغافلون .. إن ابنا بنيناه جسدا حري بنا أن نربي عقله وقلبه ونهتم بحياته بعد موته .. وأول خطوة إلى ذلك أن نصلح أنفسنا .. ففي صلاحنا وبصلاحنا تكون استقامتهم ورعاية الله لهم .. قال الله تعالى :  وكان أبوهما صالحا  وثانيهما :أن نجعل التربية الإسلامية غاية وهدفا.. لا مانع من تعلم العلوم الدنيوية ..لكن ليس على حساب إهمال الآخرة .. قد تسعى وتتعب وتزرع فلا تحصد .. قد تدرس وتختبر فلا تدرك النتيجة .. أما وقد بلغت الرسالة .. فقد وجب الامتحان ووجبت النتيجة .
اسأل الله أن يقر عينك بصلاح ابنك وأن يوفقك ويرعاك