[أبوفارس الخالدي]

فيه .. أرى أني العذاب نفسه .. فيه .. تذوقت العذاب كما تذوقوه مني أيام مقدرتي
عليهم وعجزهم عني .. فيه مزقت نفسي ألف ألف مرة .. فيه تجرّعت آلام الوحدة
والعجز .. في السجن تعلمت أن النار التي أشعلتها في دارنا حينما ألقيت أمي
في دار العجزة أنتقلت لجسدي وزاد لهيبها الذي أضرم ناراً أخرى في فؤادي
المجروح .. في السجن تذوقت العذاب الذي أذقته أهلي الذين لم يرأفوا لحالي ولم
يأبهوا لطلبي مساعدتهم لي في محنتي .. بيئة السجن علمتني أن الجزاء من جنس
العمل .. قيودي التي لا زالت وحتى الآن تثقل كفيّ ورجليّ علمتني أن الله قال
لدعوة المظلوم لأنصرنك ولو بعد حين .. زنزانتي التي عشت فيها ولا زلت أسجّل
فيها كل يوم مأسأة تحيط بي من كل حدب .. هذه مساهمة لم تنجح ويطالبني كل من
ساهم فيها بحقوقه المالية وهذا إنسان يطلب مني ماله الذي أستدنت منه أيام بدايتي
في التجارة ، وتلك مؤسسة وقّعت عقداً معها من أجل صفقة مالية ترفع دعوى
ضدي من أجل تسديد ما علي من الديون وكلّ من الناس معي حق له.. يريدون
مني أن أسددها ولكن كيف ؟ وأنا أقبع في هذه الزنزانة الكريهة لكنهم أمهلوني
وأنا أسوّف حتى كان مآلي في هذا المكان السحيق .. أتصل بين الفترة والأخرى
على أقربائي فمنهم من يأبى ومنهم من لايريد أن يدخل في هذه المعمة ومنهم من
لا حول له ولا قوة إذ كيف يسدد ديوناً لا يستطيع عليها إلا أهل المال والجاه ..
وبقيت صديق زنزانتي التي زاملتها بالإكراه والإجبار .. بقيت عدة شهور حتى
أقنعتني نفسي بين عشية وضحاها أني أنا المخطئ وأنه يجب عليّ التوبة وسأترك
الباقي للباقي .. توضأت وصليت ركعتين ، بكيت فيهما لأول مرة ووجدت طعم
السعادة التي لم أجدها في أموالي التي أردتني شبه قتيل .. أعلنتها مدويّة وجاء
الفرج إذ وجد أهلي أرضاً لأمي فباعوها بعد إقناع أمي وسددوا ديوني وخرجت
إلى الحياة وأصبحت شيئاً آخر أنطلقت بكل ما أملك من قوة وقبلت رجل والدي ووالدتي فعفوا عني وبدأت حياة جديدة كما لم أتوقّع .. وتذكّرت ذنوبي كلها فتحللت
من أصحابها وعلمني السجن أني أنا المسؤول عن ذنبي الذي أقترفته وهذا العذاب
الأليم والمهين الذي عشته طيلة بقائي في السجن هو النقمة الإلهية الذي يقولون أنها
تصيب الذي يظلم الناس ويماطلهم حقوقهم في الدنيا قبل الآخرة ، وذق إنك أنت
العزيز الحكيم ..