[محمد بن منصور]

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

"ليته يموت في كلِّ يوم ٍ ملك ، ويهلك في كلّ ليلة زعيم "

بهذه الكلمات البريئة عقَّب ولدي الصغير على هلاك ملك ٍ حقير ومصرع زعيم عصابة خطير ... وإليكم قصة ذلك ففيها من العبرة الشيء الكثير ...

عدتُ مساء اليوم الذي أُعلِن فيه نبأ مصرع ِ جون قرنق وهلاك ِ فهد بن عبد العزيز .. عدتُ مساء هذا اليوم إلى منزلي وأنا مكدود ُ الجسم مرهَقُ الأعصاب بعد عمل ٍ شاق ٍ عسير ، فأقبل عليَّ ولدي مسرعا وهو يصيح : "أبتاه أبتاه .. ما خطْبُ الفضائيات والإذاعات اليوم في بلاد المسلمين ؟! " .

فنظرتُ في وجهه وقد ارتسمت عليه علامات العجب الشديد ، وقلت له مستوضحا : وما بها يا ولدي الحبيب ؟! فأجابني والدهشة لم تفارق محيّاه البريء : لم أعد أسمع فيها يا أبتي طربا ولا غناء ولا عزفا على أوتار الشياطين .. ولم أعد أرى فيها رقصا ولا هزا ولا عبثا ولا تمثيلا ولا تهريجا ولا ترفيها ولا أيّ منكر من هذا القبيل .. لم أعد أسمع فيها إلاّ قرآنا ً يُتلى أو يرتَّل أو يُجوَّد ، ولم أعد أرى فيها إلاّ لباسا "محتشما " ووجها "حزينا " من غير تبرّج ولا "تجميل" ولا تنكير !!

فقلت له : إنهم يا ولدي في حداد .. على من مات في الجزيرة وهلك في السودان "الشقيق" ...

فقال لي وقد زاد عجبه عجبا : ولكنه يموت يا أبتي في كل يوم ألوف ، ويُقتَل بنيران الصليبيين في كلّ ليلة من المسلمين خَلقٌ كثير .. فمالهم يحدّون الآن على من مات وهلك ولم نرهم يحدّون على ألاف الموتى والقتلى من المسلمين ؟! فقلت له مشفقا : ألم تسمع ما حدث اليوم يا ولدي ؟! لقد حدثَ اليوم حدثٌ لا يحدث في كل حين .. لقد مات في جزيرة العرب "ملكٌ " وهلك في السودان "زعيم" ...

فاطرق ولدي برأسه إلى الأرض برهة ً وهو يفكَّرَ ، ثم رفع رأسه إليَّ فجأة وقال لي والفرحة تغمر وجهه الصغير : ليته يموت إذن في كلِّ يوم ٍ ملكٌ ، ويهلك في كلّ ليلة زعيم !!

فربتُّ على كتفه برفق ٍ ، وطبعتُ على رأسه قبلة ً ، و قلت له وقد عقدت الدهشة لساني واغرورقت عيناي بالدمع : نعم يا ولدي الحبيب .. ليت الله يكرمنا في كل يوم وليلة بمصرع "ملك" أو بهلاك "زعيم" !!

منقول مع التحية ...

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته