حفر الظلام
قد تنساب منك دمعة رحمه ، و ربما يطول بك الصمت شفقة ، و لا تنبس ببنت شفة ، وقد تديم النظر رأفه بذلك الأعمى الذي يتوكأ على عصاه و دليله لمعاصرة الحياة ، فتشاهده تارة يهش بها على الماره خشية منه أن يحولوا بينه و بين طريقه أو أن يصطدموا به ! و تارة يتتبع بها البلقعة و يدق برأسها عليها يتجنب مواطن الحصى مع أنها قاعا صفصفا !!
وقد تتورم أشداقك ضحكا و سخرية من ذباب يلتمس الغذاء في شباك العنكبوت فيعلق بها و يصبح صيدا سهلا بلا عناء ولا مشقة ..!
إنها العتمة ! حتى و إن كان ضوء القنديل يشع و يمتد في أرجاء المكان عليك أن تحترس من حفر الظلام ! و لا تغرنك النبرة الوثوقية و عظمة الإقتدار , فإن الحياة أكبر بكثير من أن تمسك بها في قبضة يدك ، أو أن تحتويها بعقلك !
إن الجرذ قد يصنع من الجحر إخدودا ! و إن الفيل قد يخر صريعا من مجرد قرصة نملة ! و إن قلب الميت قد يهب الحياة من جديد !
إن القفازات الناعمة التي تحفر في الظلام ليقع مبصر النهار ، تخفي تحتها يدان قذرتان حينما تتمكن منه تغرس في جسده أظفارها ثم تواريه تحت ركام الخديعة و المكر ! و غالبا لا يقع فيها إلا الفطن الحاذق حتى ما يلبث أن يتجرع مرارة ذكائه الذي جلب له العار و الشنار الى الأبد !!
إذا إنتبه إنها حفر الظلام ..!!
أبوشهد
|