بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » الرحمة المحمدية

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 31-05-2002, 05:47 AM   #1
عاشق المجد
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: May 2002
البلد: في أرض الله وتحت سماه
المشاركات: 9
الرحمة المحمدية

الرحمة المحمدية
حينما نقرأ قول الحق تبارك وتعالى: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» ونقف أمام معطياته مليا، نجد تساؤلا يلح على الخاطر ويطفو على سطح الفكر، حول هذه الرحمة، أهي في الرسالة أم فيمن حمل الرسالة، وبلغها إلى العالمين؟!
وإذا استقرأنا نصوص الكتاب، وطوفنا بآفاق الشريعة وجدنا الرحمة الواسعة الفياضة في الرسالة، قدر ما نجدها كذلك فياضة واسعة في شخص الرسول، خلقا وسلوكا وأدباً وشمائل، ويا عجبا لهذا التناسب والتآلف بين الرسالة والرسول في هذه الرحمة، حتى لا يتصور أن يحمل عبء بلاغ هذه الرحمة إلى العالمين إلا رسول رحيم ذو رحمة عامة شاملة فياضة طبع عليها ذوقه ووجدانه، وصيغ بها قلبه وفطرته..
فإن هذه الرسالة تقوم عبادتها وشريعتها على أركان وأسس، رفع منها الحرج والمشقة تماماً، وجاءت مناسبة تماماً لطاقة الإنسان كيفما كانت سلباً أو إيجابا، فمثلاً الصلاة التي هي أهم أركان الإسلام بعد التوحيد تجد أنك إذا أردت الطهور للصلاة وتيسر لك استعمال الماء تطهرت به، وإذا لم يتيسر لك الماء تيممت صعيداً طيباً أو لو وجدت الماء وكان استعماله يضر بك لمرض أو نحوه شرع لك التيمم كذلك، وإذا تعذر عليك استعمال الماء والتراب كنت كمن فقد الطهورين، أي عفي عن ذلك كله، وصليت على حالك التي أنت عليها.. فأي يسر هذا وأي رحمة..؟! والصلاة ذاتها راعى الإسلام تناسبها لطاقة الإنسان واحتماله، إن استطاع الصلاة من قيام صلى، وان ثقلت عليه صلاها من قعود، فإن ثقل عليه القعود صلى من رقود، وإن كان على سفر جمع وقصر، بل ربما جمع وهو مقيم لمرض أو مطر أو خوف كل ذلك من التيسير على المسلم حتى لا تضيع منه الصلاة، وأكثر من ذلك إذا حضرت الصلاة والطعام قدم الطعام على الصلاة، وأيضا إذا غلب الإنسان النوم وقت الصلاة، فإذا استيقظ الإنسان صلى ما فاته وكتب عليه، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: «انه ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها (النسائي والترمذي) وهكذا نجد الصلاة التي هي أهم أركان الإسلام ناسبت جميع ظروف الإنسان وأحواله دون أدنى حرج أو مشقة، وصدق رب العزة إذ يقول: «وما جعل عليكم في الدين من حرج»! وكذلك الزكاة التي هي قرينة الصلاة وجوباً وأهمية، أسقط الإسلام وجوبها عن غير القادر عليها، الذي لا يتوفر لديه نصابها كاملاً طوال عام كامل فان تعرض النصاب لبعض النقص خلال العام فلا يحتسب الحول إلا بعد التمام، وقيمتها لا تعجز ولا تثقل على من يملك مثل ذلك النصاب، وكذلك الصوم أحد أركان الإسلام لم يفرض إلا على من يملك القدرة عليه ويستطيع أداء أركانه الشرعية فإن تعرض لسفر أو مرض أو حرب أحل له الفطر ثم يعوض الصوم بأيام أخرى.! كما شرع لمن لا طاقة له على الصوم مطلقاً أن يطعم مسكيناً بكل يوم أفطره، فهل هناك أيسر على الإنسان من هذا التشريع.؟! وكذلك الحج وهو خامس أركان الإسلام، لا يجب إلا على القادر المستطيع، المالك للنفقة والزاد والراحلة، وتسمح عافيته بتحمل مشاق هذه الرحلة القدسية، فإن لم يجد سقط عنه الركن وعفي عنه..! وما نظر إليه أعداء الإسلام وشانئوه فاعتبروه ضرراً ومشقة في بناء الإسلام هو في حقيقته رحمة لازمة هادية فمثلاً الطلاق الذي طنطن الأعداء حوله كثيراً، مفاخرين بأن دينا من الأديان التي هم عليها يحرمه على من تزوج، إلا أن تقوم ذريعة الزنا وتثبت فتحله لطرفيه مما دعا القوم يحتالون لإثبات الزنا، على أنفسهم، للتحلل من ربقة الزواج إذا فسد وصار قيداً لا مبرر له، وتحولت حياة الأسرة إلى جحيم لا يطاق، مما يدفع إلى الجريمة ونشر الفساد والبحث عن متعة الظلام، بينما الإسلام قنن المسألة على ضوء الإحسان والمعروف، فقال «فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» وقال «فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا» تحللت الزوجة من عقدة النكاح بعد الطلاق فلا جناح عليها أن تتزوج غيره برضاها، ما تم ذلك النكاح الجديد على ضوء دستور الإسلام ونوره، فهل هناك تيسير بعد ذلك؟ وأكثر من ذلك ما قيل في إباحة الإسلام لتعدد الزوجات بأنه إضرار للزوجة وتحقير لشأنها، وهذا قول يسير على ساق واحدة لا يستقيم مع المنطق السليم، فالتعدد في الإسلام لا يناسب كل الأشخاص ولا يضر بكل النساء، بل شرع الإسلام لمن تجد ضرراً أن تطلب الطلاق، ولا يسع الزوج إلا الإجابة إلى طلبها، وإذا نظرنا إلى الزوجة الأولى التي يتزوج عليها زوجها، بمظنة إلحاق الضرر بها أفلا يجدر أن ننظر إلى الثانية التي تقبل الاقتران برجل تعلم أن عنده زوجة غيرها وربما كان له منها الولد، ما الذي يدعوها إلى تقبل ذلك إلا أن تكون لها دوافعها وملابساتها الخاصة التي لايساغ معها الحياة بلا اقتران بزوج من هنا يقدر لها الإسلام هذه الأسباب ويضمن لها في تشريعاته جواز تلبيتها وإشباع رغبتها في مناخ طاهر زكي بعيداً عن الرذيلة والفاحشة والريبة، التي قد تدفع إليها دفعاً إن لم تجد ذلك السبيل المشروع والعرف المقبول..! وكيف لا يكون كذلك ونحن نرى أمام العيان شيوع الفاحشة واتخاذ الخليلات والمعشوقات والمعشوقين في المجتمعات غير الإسلامية، فكيف نطالب بالإقبال على الرجس والنجس وندفع الطهر والعفاف؟!! وكم تنادى الأعداء بالتشويش على حدود الإسلام، و تعازيره وتأديبه، ولكن ساقهم إلى ذلك الحقد والجهل والحرب للإسلام ليس إلا..!! فإن الحدود شرعها الله حياة للمجتمع، و طهرة للمخطىء الذي لو فكر وقدر توقيع الحد عليه بعد سقطته لراجع نفسه ألف مرة قبل أن يخطيء ويلبي وسوسة الشيطان إذ يعلم السارق أن يده أغلى عنده ألف مرة مما قد تتناوله سرقة أو غلولا مهما بلغت قيمته. وكذلك من يسقط في بئر الزنا أو يخرج على أمن المجتمع صائلا باغياً أو يقتل معصوماً أو يشرب خمراً أو يقذف بريئاً أو غير ذلك فهذه الأفعال إذا قورنت بعقوبتها الشرعية لردعت كل من يساوره الشيطان إتيانها، وقد علمنا أن اكثر من أقيم عليه الحد من النبي صلى الله عليه وسلم كان آتيا إليه معترفاً بنفسه على اقترافه للجريمة طالبا تطهيره مما لحق به من سقوط، ولقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يراجع المقر ويرده وكأنه يفتح أمامه باب التوبة بعد ندمه والتماساً للعافية فيقول للمغيرة بن شعبة وقد جاءه بغلام له قارف الزنا مؤنباً وموبخاً: «هلا سترت عليه بثوبك». ويقول لأمته «ادرؤوا الحدود بالشبهات» فلم يكن صلى الله عليه وسلم متعطشاً للعقوبة ولا باحثاً عن إنزالها بمن يضعف من أمته قدر بحثه عن معالجة النفوس وإصلاح التشوهات الخلقية فيقول لأصحابه وقد لعنوا رجلاً جيء به شاربا وتكرر مجيئه ليقام عليه حد الشرب، لا تكونوا أعوانا للشيطان على أخيكم، لا تلعنوه فإنه رجل يحب الله ورسوله..! لقد كان رحيماً ببني الإنسان جميعاً حتى أعداءه منهم وفيهم الذين آذوه وقاتلوه وضيقوا عليه وأخرجوه وتنافسوا على إراقة دمه، فحين تمكن بفضل الله من رقابهم قال كلمة العفو: «لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم اذهبوا فأنتم الطلقاء» كما كان رحيماً بأعدائه المنافقين بالمدينة، الذين ألبوا عليه وأضمروا له العداء، وحزبوا عليه الأحزاب، وشنعوا عليه ورموا أزواجه أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن بكل نقيصة حتى برأه رب العزة سبحانه من فوق سبع سماوات، وعادوا بثلث الجيش في غزوة أحد، وقالوا في غزوة تبوك تحريضا عليه وتعريضا به «لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون» ومع ذلك حينما توفي رأس المنافقين عبدالله بن ابي بن سلول استجاب النبي لرجاء ولده وأعطاه قميصه ليكفنه فيه واستغفر له وقام مصلياً عليه فقام إليه عمر بن الخطاب يجذبه من ثوبه قائلا: «أتصلى على رأس النفاق يا رسول الله؟ «فيقول «دع عنك ثوبي يا عمر، إن الله خيرني فاخترت، قال: «استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين» والله لو اعلم أني لو زدت على السبعين لغفر الله لهم لأزيدن على السبعين، وظل على ذلك حتى نزل قول الله تعالى: «ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره، انهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون».
ودعا فيما دعا وأوجب أن تقوم علائق أمته فيما بينها على الرحمة والمودة والتعاطف استجلاباً لرحمة الخالق «سبحانه وتعالى»، فانه عز وجل يرحم من عباده الرحماء، فقال «صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) فحقيق على المؤمن برحمة نبيه، والمؤمن بحاجته إلى رحمة ربه أن يرحم غيره، فان هذه الرحمة المبذولة تكون طاعة لله وعبادة يتقبلها الله منه ويجزيه عليها الجزيل..!! فقد روت صحاح السنة أن الله تعالى يقول يوم القيامة: «يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، فيقول: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! فيقول: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما انك لو عدته لوجدتني عنده، يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني..! فيقول: يا رب كيف أطعمك، وأنت رب العالمين؟؟! فيقول: أما علمت أن عبدي فلانا استطعمك فلم تطعمه؟؟! أما انك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي.. يا ابن آدم: استسقيتك فلم تسقني، فيقول: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟! فيقول: أما علمت أن عبدي فلانا استسقاك فلم تسقه؟! أما انك لو سقيته لوجدت ذلك عندي».
وان شيوع الرحمة بين مجتمع المسلمين المتمثل في المودة بين الأفراد من وجدان التعاطف والتعاون والتكافل لكاف لإنزال غيث الرحمة الربانية الندية التي لا تقف عند حد أو تصور، وقت أن يكون الإنسان في اشد الحاجة إليها.. حيث يقول رب العزة: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم».
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن رجلاً لم يعمل خيراً قط، وكان يداين الناس، فكان إذا أرسل غلامه للتقاضي يقول له: خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، فلما هلك سأله الله تعالى: هل عملت خيراً قط؟! قال: لا إلا أنني كنت أداين الناس فكنت أقول لغلامي: خذ ما تيسر واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، فقال الله له: قد تجاوزت عنك).. فهذه العلاقة بين المؤمن والمؤمن يحرص عليها النبي «صلى الله عليه وسلم» لأنها تهب الجماعة المسلمة قوتها وصلابتها فلا تهون ولا تتفتت ولا تعبث بها الفتن، فيقول: صلى الله عليه وسلم»: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) ويقول صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).. فان كل مؤمن هو لبنة في بناء المجتمع، ثم إن من فيض الإيمان تنبعث الرحمة الهادية، التي ترجو ما عند الله، وانه لحق، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه و لا يسلمه ولا يخذله، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة).. فيا لها من رحمة ندية تظلل هامة الجماعة المؤمنة، جاءت بها رسالة رحمة، على يد رسول قال عن نفسه: (إنما أنا رحمة مهداة).. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
__________________
عاشق المجد
عاشق المجد غير متصل   الرد باقتباس


 

الإشارات المرجعية

أدوات الموضوع
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 11:11 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)