بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » العثيمين ينسب لعنيزة زوراً رحلات العقيلات ؟

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 17-07-2006, 03:11 PM   #1
الموعد الثاني
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2006
المشاركات: 160
العثيمين ينسب لعنيزة زوراً رحلات العقيلات ؟

جيل "العقيلات".. وجيل "التصنيفات"

يوسف أحمد العثيمين*
في القصيم، وفي حفل جماهيري، وفي الهواء الطلق.. أطلق المليك، عبارات موجزة ومركزة، ما مضمونه ثناء عاطر على تاريخ ومجتمع القصيم، حيث قال عن هذه المنطقة: إنها منطقة انطلق منها رجال يبحثون عن الرزق بهمة صادقة، قبل أن يحلّ على هذه الأرض الأمان، ووصف أبناء المنطقة بأنهم كانوا "خير سفراء للوطن.. في إشارة لا تُخطئ إلى الرحلات المكوكية لـ"العقيلات" المشهورة، ثم واصل قائلاً:
...إنني أرى أنه لا يتناسب مع قواعد الشريعة السمحة، ومع متطلبات الوحدة الوطنية، أن يقوم البعض، بجهل أو بسوء نية، بتقسيم المواطنين إلى تصنيفات ما أنزل الله بها من سلطان، فهذا علماني، وهذا ليبرالي، وهذا إسلامي متطرف، وغيرها من التسميات، والحقيقة أن الجميع مخلصون، لا شك في عقيدة أحد، أو وطنيته، بهذه "الكُليمات" البليغة، وبهذه "العُبيرات" المباشرة، بدأ وانتهى الخطاب الملكي، وهي وإن لم يُقصد بها الإشارة إلى أفراد بعينهم، أو منطقة بذاتها، وإنما هي ظاهرة أطلت برأسها على مجتمعنا، هنا وهناك، وإسقاطها في سياقات محلية متعددة يلخص تحولات أجيال، تحولات فكرية جذرية، مشوبة بتجربة إنسانية مثيرة، في جيل لم يتجاوز عمره (70 عاماً) مما تُعدّون، زد عليه، أو انقص منه قليلاً.
فمثلاً، إذا فاخرت القصيم - منطقة ومجتمعاً - بشيء من تاريخها، فإنها - عادة - ما تفاخر بحالة خاصة من التسامح الاجتماعي، والانفتاح الثقافي، والتواصل الإنساني، مع العالم، في عالمنا الذي على الأقل في بعض أجزائه، كان عالماً منغلقاً على نفسه، جغرافياً وبشرياً، وصلته بالعالم والآخر تكاد تكون منحصرة في رحلات المستشرقين والجغرافيين والرحالة والبحاثة، وغيرهم ممن يبحث عن قصب السبق في اكتشاف المجهول في جزيرة العرب، أو البحث عن المغامرة في صحاريها، ليدخل التاريخ من أوسع أبوابه، باعتباره من المكتشفين لمجاهل هذه الجزيرة.
ويُجمع هؤلاء في كتاباتهم على ما تميزت به القصيم من ترحيب بالآخر، وتقبل للناس، وسعة في الأفق، وسماحة في السلوكيات. ومن هنا أُطلقت عبارات أصبحت مفردات أصيلة، وأمثلة شرود، في قاموس القصيم المحلي، ومخياله الشعبي، مثل "عنيزة باريس نجد"، فهذا حكم صادر عن رحالة أجنبي، وليس من قصيمي عاشق لمدينته، ومُتيم بها، ولكن المثل الأبرز على حالة الانفتاح والتواصل هذه - هي دون شك - رحلات "العقيلات" إلى مصر والشام وفلسطين، موجات وأفواج من المتوثبين الذين ضربوا أكباد الإبل، وقطعوا الفيافي، وطووا المفازات، وركبوا المخاطر، من أجل الاتجار والعمل. وكذلك الهجرات المتواصلة، شرقاً وشمالاً، طلباً للعلم والرزق، حتى أصبحت عائلات مثل: القاضي، والبسام، والزامل "ماركات تجارية"، وأسماء لبيوتات تجارية ذات وزن، في عشّار البصرة وفي الأحياء التجارية في الكويت والبحرين وعمان والهند.
ولقد تحولت منازلهم إلى "مضافات"، و"مراكز تدريب" للقادمين الجدد من أبناء جلدتهم، يهيئون من خلالها هذا القادم "الأشعث الأغبر" إلى الالتحاق بعمل "ضام عند فلان"، أو افتتاح "فرانشايز" جديدة لنشاط تجاري للتاجر الأصلي، بنفس الطريقة التي قام بها "الحضارم" في جدة ومكة، عند استقبالهم لأبناء موطنهم الأصلي، وتهيئتهم للحياة العملية الجديدة.
وصاحب هذه الموجات هجرات داخلية انطلقت للعمل في بقيق والظهران، ونتج عنها جيل "أرامكو" و"التابلين" الذين اشتهروا - رغم أمية بعضهم - بالقدرة على التحدث بالإنجليزية بلهجاتهم المحلية، وسهراتهم "البريئة" التي يسمونها "أنت عمري"، ويستعملون "السبيل"، ويدخنون "الشاور"، ويحلون الشاي بـ"السكر الأحمر" ويرتشفونه على أنغام "مبالغات أحمد سعيد" في صوت العرب.
ثم هناك مجموعات العلم والدراسة والتحصيل، عندما ظهرت أجيال قصيمية، امتهنت الطب، ومارست القضاء، وقامت بالتدريس والتعليم، فضلاً عن جيل بعد جيل من المفكرين، والعلماء، وأساتذة الجامعات، والأدباء، والبحاثة، والمؤرخين.
ثم أتى جيل "البيروقراطيين" الذين ملأوا بيروقراطية الدولة، وتسنموا مراكز عليا فيها، من مستشارين وسفراء ووزراء، نالوا ثقة ولاة الأمر، وأبدوا حساً وطنياً متميزاً.
زدْ على ذلك طواقم الجيش العربي السعودي، ورجال الأمن، والحرس الملكي، وهذا ما يُذكر به - دائماً - ولي العهد الأمير سلطان، في مجالسه العامة والخاصة، وعندما ذكر هذه الأطياف الطليعية التنويرية من أبناء المنطقة، ووصف الوطن بالجسم، والقصيم قلبه.
هذا هو جيل "العقيلات" والتجار والقضاة والعلماء والمهنيين والمفكرين، والبسطاء من "أبو نعيلة" الذين صوتوا بأقدامهم مغامرين - هذه الشرائح شكلت قسمات مجتمع وفكر القصيم آنذاك.
ولكن ما الذي حصل؟ وماذا جدّ علينا؟
أين هذه الأجيال النابضة بالحب والأمل والحياة، وماذا حلّ بتلك الحيوية التي تميزت بالروح الوثابة، وحب العلم والسفر والترحال و"التغرب".
وأين التفاعل مع قضايا المجتمع، وممارسة الفن، وتذوق الأدب والشعر - فصيحه ونبطه - وازدهار الفرق الشعبية التي طالما طرب لها السامر، وتغنى بها العاشق؟!
وعندما كانت الأندية الرياضية - في واقع الأمر - صالونات أدبية، تُعقد فيها الندوات، وتُلقى فيها المحاضرات، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون فعالية تتحول إلى منصة لعالم ومفكر، أو شاعر وأديب، يتحلق حوله المئات من المعجبين طربين جذلين، كل ذلك يتم دون تحفيز أو إعانة أو إيعاز من وزارة الثقافة.
ثم تأمل صور العمل الاجتماعي التطوعي، الذي انخرطت فيه جميع الشرائح والفئات، ولمختلف الفعاليات والأنشطة، لا ينتظرون إعانة من الدولة، أو إلحاحاً من مسؤول، يؤدونها بعفوية، ويقومون بها عن طيب خاطر، ويتابعونها برحابة صدر.
لقد كان المجتمع القصيمي مجتمعاً مدنياً على الطريقة القصيمية، "لا على الطريقة البُريّكية ولا القينانية"، ومع ازدهار هذا المجتمع المدني ازدهر معه العلم والثقافة والأدب، وفنون الرياضة، وألوان العمل الخيري والاجتماعي والإنساني والتطوعي.
ويكفي أن تسأل كيف نشأت بعض المشروعات الحكومية والخدمية في القصيم، كالتعليم والمدارس والكهرباء، التي كانت بداياتها بمبادرات فردية وجماعية من الأهالي أنفسهم.
ولا تنس المرأة القصيمية التي كانت مثالاً رائعاً للمرأة في مجتمعنا، حيث خرجت القصيم المعلمات الرائدات مثل "نورة الرهيط"، وكذلك النساء اللاتي عملن في التجارة والسوق، ونجحن فيه كسباً وعفافاً "دون ضوابط وزارة العمل وقرار 120"، ثم المرأة القصيمية التي وقفت - صابرة - بجانب زوجها حاضراً، وحفظته غائباً، وكأنها "رجل البيت" في المنزل والمزرعة والسوق.
وخرجت القصيم للوطن أطيافاً وقمماً فكرية، فمنهم من تجاوز الحدّ، ومنهم من تجاوز الحدود، ومنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، ولكنهم لم "يبدّلوا" جلودهم، ولا آراءهم، ولا أفكارهم، بتبدل المناخات الفكرية، أو الحظوظ السياسية.
وأخيراً، هناك سمة ومسحة عفوية من التسامح الاجتماعي، والسماحة الشخصية، لأُناسٍ "يصلون الفجر مع الجماعة"، ويخشعون للموعظة، وفي الوقت نفسه يطربون للسامري والحوطي والناقوز، ويستجيبون لشعار "حُبّة العيد ما فيها منّة".
ثم أطل على مجتمعنا شرائح من أبنائنا - هنا وهناك - ممن "عشق" التصنيفات، وطفق يوزعها - بكرم - يمنةً ويسرةً، جيل من شبابنا فقد، وأفقدنا معه، الابتسامة، وأشعرنا بالذنب عندما نختلف أو نخالف، أو نطرب، أو عندما نبتسم، ونحتفل، أو حتى عندما نسافر للخارج في أمور مباحة لغير العلاج، يريدوننا "طوابع بريدية"، بُصمت عليها "الشفرة الموحدة" في السلوك والمشاعر، والتصرفات والآراء، والحركات والسكنات.
جيل صنّف، وغرّب، وأمركَ، وفسّق، ولا بأس من التصنيف إذا كان الهدف هو التوصيف والتعريف، ولكن ما يحدث هو تصنيف يقود إلى الفرز والإقصاء، وإلى إصدار الأحكام بالأذى، وإلى سلب الحقوق، وإلى الرصد والملاحقة، وإلى التشكيك في العقيدة، أو الاتهام بالانسلاخ عن الدين والأخلاق، أو الانعتاق من الثوابت والأعراف.
كل ذلك في محاولة - يائسة - إلى استعداء المواطن على السلطة، أو السلطة على المواطن، مع خلق أجواء من الشك والريبة بين الناس، وبين أطياف المجتمع، حتى طالت محاولة الإجهاض والإجهاز على بعض الأفكار والمشروعات، التي فيها مساحة واسعة للاجتهاد الديني والاجتماعي والفكري، أو مجاراة مستحقة لضرورات الزمن، ومنطق العصر.
تصنيف قاد إلى المتابعة الشخصية، وإلى إصدار البيانات النارية، وإلى "النبش" في ماضي الأشخاص، حتى لو تبرأ منه ذات الشخص، وقاد إلى التنابز بالألقاب، ومحاكمة النوايا، هذا طاعون يهدد المجتمع، ويضعف تماسكه، ويخفت من وهج الوحدة الوطنية المبنية على التنوع المشروع.
وهذه حالة لا تصدر إلا عن بيئة اجتماعية حادة، وحالة فكرية صادمة، بدأت تنغلق على نفسها شيئاً فشيئاً، وأصبحت تضيق بالمخالف، ولا تؤمن بالتنوع الذي فطر الله الناس عليه، وجعلنا شعوباً وقبائل لنتعارف، أو أطيافاً وفئاتٍ لنتعاون على عمارة الكون، في إطار الثوابت الدينية والوطنية.
حتى أطبقت هذه الحالة الخانقة على جوانب متعددة من حياتنا، وبدأنا ندفع الثمن، من احترام العالم، ومن المساهمة الحقيقية في الحضارة الإنسانية، ومن هدرٍ للمواهب، وقتلٍ للإبداع، وعشقٍ للحياة، وحرمان من التمتع بمباهج الحياة المباحة. فطرة الله التي فطر الناس عليها، ولن تجد لسنة الله تحويلا ولن تجد لسنة الله تبديلا.
رحم الله زمان "العقيلات"، ولحى الله زمان "التصنيفات"!

*أكاديمي سعودي
الموعد الثاني غير متصل  


 

الإشارات المرجعية

أدوات الموضوع
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 01:50 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)