يقال إن اثـنين من الناس في شقاء دائم و مقيم , المعلم الذي يأخذ من عقله فيرقع به عقول الطلاب , فإذا أشرف على التقاعد وجد عقله مسلوبًا من هؤلاء الطلاب , ليظل بلا عقل , أما الآخر فهو مفكك المواد المتفجرة , من عبوات ناسفة أو من ألغام أرضية , فإنه لا يدري بأي واحدة تكون نهايته إذا انفجرت في وجهه .
لعل من الحق أن نضيف إلى ذينك الشقيين صاحبنا كاتب الضبط , فإنه لا يفتأ يبيِّـض ما يحرره شيخ المحكمة , وقد يرى الموت كما صاحب المتفجرات , وذلك حين تجبره كثرة التبييض على أن يكون – في حين الانصراف - آخر من تطأ قدمه خارج المحكمة من الموظفين , ولهذا نجده متمزق المزاج , عابس الوجه , يحسب أنه مظلوم بهذه الوظيفة من دون سائر الموظفين .
ليس أشد عليه من تعنيف الشيخ له حين يضع كلمة موضع أخرى في تبييضه , أو أن يقدم كلامًا على كلام , فيكون المنع مسموحًا , والمسموح ممنوعًا , فطالما نال من شيخه شيئًا من هذا التوبيخ , ناهيك – عزيزي القارئ - عن تلميحات شيخه باستبداله , فتراه ممسكًا بورق التبييض خيفة الطرد المباغت .
صاحبنا كاتب الضبط تبرم من تلك الحالة المزرية , فراح سريعًا يغوص في بحر الوساطة من هنا وهناك , فلم يلبث أن وجد ضالته عند شيخ آخر , كان هذا الشيخ ليس بحاجة إلى كاتب ضبط , فودع حياة العبوس والاكفهرار ؛ إذ وضعه في موقع أقل ما يقال عنه إنه : كاتب الضبط المنفوخ من شيخه .
أشواقي لكتاب الضبط جميعًا . . .