[أبـو العبـــاس]

.



غبرتُ زمنًا أشتري الكتب وأركمها أكوامًا في أقرب مكان في المكتبة ، ثم أتت عليّ صوارف شغلتني عن الكتب والمكتبات زمنًا ليس باليسير ، اشتغلتُ فيه بما يشتغل جل بني آدم من تنقّلٍ بين بيوت الديكور والأثاث إلى معانقة للأكواب والصحون في محلاّت الأواني إلى دكاكين السجّاد والملابس أعزّ الله طالبي العلم عن هذا الدنس الفظيع !

ومضت الشغول إلى غير رجعة – إن شاء الله – وعدتُ إلى مكتبتي العامرة فإذا هي ركام فوق ركام ، ركامُ الكتب في الأرض وعلى الطاولة ، وركام الغبار الذي غطّى أكعُب المجلدات وجوانبها في الرفوف !
ذُهلتُ في البدء من الفوضى العامّة ، وتلكأتُ في ترتيب وتنظيف ما أفسده الدهر ! . غير أنّ مما زاد في فُتُوري التنظيفي! شوقٌ اجتاح صدري للقراءة والاطلاع لم أعهده في أيامي السالفة ، فتركتُ المكتبة خاوية على غبارها ، ويممتُ شطر الكتاب أنهل وأعب .

فكنتُ آخذ الكتاب فأقف في المكتبة أقلّبه تقليب الصائغ للذهب ، أنفخ فيه فيثور الغبار من جانبيه فأمسحه بخرقة أو بالأرض إن لم يكن محترمًا ! ؛ فإن اشتدّت عزيمتي لقراءته خرجتُ لمسجدٍ قريبٍ من بيتنا لأقرأ ! ، لأنّك لن تجد مكانًا في المكتبة يصلح لجلوس .

لبثتُ على ذلك زمنًا ، أدخل فآخذ ما تيسّر مما قلّ شأنه وصغُر حجمه وزادت لذّته ، فأقلّبه في المسجد ما شاء الله أن أقلبه ثم أقرأ فيه وريقات ثم أطرحه جانبًا إلى غير رجعه ، وهكذا من فوضى القراءة..

غير أن الفوضى لم تقتصر على ما أقرأ ، بل عمّت الحياة كلّها ، فلا تعجب حين تراني قد استيقضتُ يومًا قبل الفجر ثم صليت وأخذتُ الكتاب أنهل إلى العاشرة صباحًا ، وفي غدٍ أنام إلى العصر ..! ، وحين أتّصلُ على أحدهم في الواحدة ليلاً لأخرج وإياه للعشاء ( وأنا متزوّج ولست عزوبي ! ) فنرجع قبيل الفجر ! ، وغير ذلك كثير من الفوضى الوقتيّة والجسديّة والفكريّة .

وقد مرّ بي في سالف عهدي أيام أشبه بأيّامي هذه كان مبدأ أمرها ومنتهاه على المكتبة فلمّا رتبتها حسُن كلّ شيء .. فعلمتُ أنّ الكثير من الفوضى التخطيطيّة إنما تكون بسبب فوضويّة أخرى لها تعلّق واتصال بالمخطط الكلّي ، ورُبَّ جزئي أفسدَ كلّيًا .

واليوم رتّبتُ كتبي وكنست مكتبتي ( وبخّرتُها ) فصارت كالعروس تختال في زينتها ، فهل ستترتب أيامي وأوقاتي كما ترتّبت من قبلُ ؟

الله أعلم


أبو العبّاس



.