من سوء طالعي أنني من سكان هذه الجزيرة الموحلة بالشيح والطلح والرمث أخس أنواع النباتات , فما لي ولهذه الجزيرة التي لم تعد على أصحابها إلا بالأمراض المزمنة من ربو وذبحات صدرية , وتقرحات لجداران الرئتين , وحساسية في كل شيء لا سيما الجيوب الأنفية , ناهيكم عن الحساسية في العينين !
من الغريب والمخزي في الوقت ذاته أن يأتي النقاد فيقولون : إن العرب اشتهرت بالشعر لما في أرضهم من سماء صافية , وصحراء واسعة رحبة , ونباتات تخلب اللب ؟ ! وكأن الدول الأوربية ليس فيها شجرة مثمرة , وأن سماءها بلا نجوم , وأن أرضها ضيقة كما فناء المنازل ! ! ليتهم يدركون أن العرب عنصريون من رأسهم لساسهم , وأنهم قوم جلاف لا يعرفون إلا الحرب , فكان الشعر يغذي هذه السلبية التي لا تزال مستمرة حتى اليوم !
نوبة السرايات التي تثير هذا الغبار من الشمالية من الجزيرة العربية هي التي تحدث هذه الأتربة التي تقتلنا رويدًا رويدًا , فلم تكن الأمطار بحائلة دون تصاعد تلك الأتربة المتطايرة في الهواء , فحين يقل المطر تتفتت التربة , فإذا جاءت الرياح أثارت تلك التربة اليابسة من قلة المطر , فحملت معها تلك الأتربة في طريقها إلى مناطق وسط الجزيرة !
يقال إن الرعي الجائر , وقطع الأشجار وعدم التشجير تؤدي إلى إثارة تلك الأتربة ! وما أدري كيف يتغلب الإنسان على جزيرة لم تعرف إلا بالصحاري ورعي الجمال وأكل الجرابيع !
إنها خلقة الله , فلا راد لحكمته , وإنما على المرء أن يهاجر إلى تلك البلدان التي تضوع فيها الطبيعة الجميلة من كل أنواعها , طبيعة الإنسان كما يجب أن يعيش , فلا رحم الله هذه الجزيرة حين ولدنا فيها ويُراد منّا أن نموت فيها شئنا أم أبينا ! !