يتوهم كثير من الناس أن المرء إذا كبر وبلغ مبلغ الرجال تخلى عن سلوكه إبّان طفولته , وما علم أن المرء مهما كبر فإنه يسير بالسلوك الطفولي ذاته كما وقع الحافر على الحافر .
حين يتخاصم الطفل مع طفل آخر حول لعبة من الألعاب ؛ فإنه يبكي بكاء من يريد أن يسمعه من حوله كيما يستنجد به على خصمه , لذلك نأتي نحن الكبار فنسوي أمر الخصومة , ونحاول أن نعيد له لعبته , وتلك غريزة في الإنسان سواء كان كبيرًا أو صغيرًا , حيث يفعل الكبير فعل الطفل , ولكن بأسلوب مختلف , كأن يرفع أمر الخصومة للجهات ذات العلاقة , فقد كان قديمًا يستنصر المرء بقبيلته حين لم يكن هناك حكومة مركزية , واليوم في ظل الحكومة يجد المرء جهة يرفع خصومته إليها .
الطفل لديه غريزة التملك , ولديه غريزة الاستكشاف , بمعنى كل ما يقع بيده فهو له , وكل شيء لم يجربه نراه يحاول لمسه لأول مرة , والكبير كذلك , ولكن الأسلوب يختلف , حيث نرى الكبير فيه ظاهرة تملك الأشياء محبب مع التمني لغير المحصول عليه , كما نجد أن من لم يستطع التملك ربما مال إلى الحسد , فيصدق عليه قول المصطفى " كل ذي نعمة محسود " , أما ما يريد الطفل استكشافه , فإن كان خطرًا كما إبريق الشاي أو أي شيء حار فإنه يتجنبه بعد أن يعرف أنه خطر منذ اللمسة الأولى !
حاول أن تصغي إلى طفلين يتنازعان فيما بينهما , فستجد أن الأخوين من أب واحد يقولان كلامًا ليس فيه إخاء , ولا رابطة , بل فيه أنانية , هذا يقول لي , وذاك يقول بل هو ملك أبي وليس لك ! فحين يكبر ذان الأخوان سيتجادلان ويتخاصمان على الأشياء ولكن بطريقة مختلفة , كأن يأخذه بالقوة , أو أن يأخذه بالمكر والدهاء !
إن سلوك الطفل دليل صارخ على سلوك الكبار , فإن أردنا دراسة سلوكيات الكبار يجب أن نضع في الاعتبار أنه لا يختلف عن يومه إبان طفولته إلا صورة اللحم والدم !
لو درسنا سلوكيات الأطفال ؛ لخرجنا بحلول متفائلة لكل المشكلات التي تصيب المجتمعات اليوم , حيث نفهم سلوك الطفل , فنطبقه على تلك المشكلات التي يتسبب بها الناس للآخرين , ففهم السلوك يدلنا على حلول ناجعة جدًّا .