|
|
|
06-06-2008, 11:11 PM | #11 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: May 2007
البلد: بين أحضان غرفتي الهادئة ..
المشاركات: 2,148
|
الكرم.. قال لهم: من سيدكم؟ قالوا:سيدنا فلان..على أننا نبخّله.. فقال:وأي داء أدوأُ من البخل؟!! بل سيدكم الأبيض الجعد فلان.. هكذا جرى النقاش بين إحدى القبائل وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسلموا فسألهم عن سيدهم ليُقره عليهم بعد إسلامهم أو يغيره.. نعم وأي داء أدوأ من البخل.. ما أقبح البخل وما أعرض الناس عنه..وما أثقله عليهم.. مساكين البخلاء..تجد أحدهم لا يكاد يقيم في بيته وليمة لأصحابه يتحبب بها إليهم.. ولا يكاد يهدي هدية.. ولا يدا يعتني بجمال مظهره.. ولا يهتم بزكاء رائحته..توفيراً للمال..ورضاً بالدون.. أما الكريم فهو مفضال على أصحابه.. قريب من أحبابه.. إن اشتاقوا للاجتماع ولأنس ففي بيته.. وإن نقص على أحدهم شيء تفضل عليه به.. فيأسر نفوسهم بكرمه... ويستعبد قلوبهم بإحسانه.. أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم *** فطالما استعبد الإنسان إحسان وينبغي عند إكرام غيرك أن تكون نيتك حسنة..للتآلف مع إخوانك المسلمين..وكسب مودتهم..والتقرب إلى الله بالإحسان إليهم.. لا لأجل شهرة أو رئاسة أو كسب مديحهم وثنائهم.. قال صلى الله عليه وسلم:أول من تسعر بهم النار ثلاثة..وذكر منهم رجلاً كان ينفق ليُقال جواد أي كريم..فلم يعمل ابتغاء وجه الخالق وإنما ابتغى وجه المخلوق..رياء وسمعة..وإليك الحديث كاملاً: قال سفيان:دخلت المدينة..فإذا أنا برجل قد اجتمع الناس عليه.. فقلت:من هذا؟ قالوا:أو هريرة.. فدنوت منه حتى قعدت بين يديه..وهو يحدث الناس.. فلما سكت وخلا .. قلت: أنشدك الله..بحقّ وحقّ..لما حدثتني حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وعلمته.. فقال أبو هريرة:أفعلُ..لأحدثك حديثاً حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم..عقلته وعلمته.. ثم نشغ أبو هريرة نشغة(شهق)..فمكث قليلاً..ثم أفاق.. فقال:لأحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم..وأنا وهو في هذا البيت..ليس فيه أحد غيري وغيره..ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى..فمكث بذلك..ثم أفاق..ومسح وجهه.. فقال:أفعل.. لأحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم..وأنا وهو في هذا البيت..ليس فيه أحد غيري وغيره..ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى..ثم مال خاراً على وجهه..وأسندته طويلاً..ثم أفاق.. فقال:حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم:إن الله عز وجل إذا كان يوم القيامة..نزل إلى العباد ليقضي بينهم..وكل أمة جاثية.. فأول من يدعو به: رجل جمع القرآن.. ورجل يقتل في سبيل الله.. ورجل كثير المال.. فيقول الله للقارئ:ألم أعلمك ما أنزلتُ على رسولي؟ قال:بلى يا رب.. قال:فماذا عملت فيما علمت؟ قال:كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار.. فيقول الله له:كذبتَ.. وتقول الملائكة له:كذبت.. فيقول الله عز وجل:أردت أن يقال:فلان قارئ.. فقد قيل.. (أي:حصّلت جزاءك في الدنيا لأنك مراء بأعمالك تريد ثناء الناس وقد أخذته لأن الناس أثنوا عليك وقالوا:فلان قارئ).. ويؤتى بصاحب المال فيقول:ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال:بلى.. قال:فماذا عملت فيما أتيتك؟ قال:كنت أصل الرحم..وأتصدق.. فيقول الله:كذبت.. وتقول الملائكة:كذبت.. ويقول الله:بل أردت أن يقال:فلان جواد.. فقد قيل ذلك.. ويؤتى بالرجل الذي قتل في سبيل الله.. فيقال له:فيم قتلت؟ فيقول:أمرت بالجهاد في سبيلك..فقاتلتُ حتى قُتلت.. فيقول الله:كذبت.. وتقول الملائكة له: كذبت.. ويقول الله:بل أردت أن يقال:فلان جريء..فقد قيل ذلك.. قال أبو هريرة رضي الله عنه:ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال: يا أبا هريرة..أولئك الثلاثة أول خلق الله تُسعر بهم النار يوم القيامة....رواه الترمذي والحاكم وهو صحيح.. فإذا أحسنت النية في كرمك فأبشر بالخير.. وأولى من تحسن إليهم ليحبونك ويكرمونك..أهل بيتك..الأم..الأب..الزوجة..الأولاد.. ثم الأقرب فالأقرب.. ابدأ بنفسك ثم بمن تعول..وكفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول.. ولا بد من التفريق بين الكرم والإسراف.. مشى رجل في شارع قديم فمر ببيت متهالك..فإذا فتاة صغيرة قد جلست على عبتة الباب بثياب رثة..وهيئة فقيرة.. فسألها:من أنت؟ قالت:أنا ابنة حاتم الطائي.. فقال:عجباً!!ابنة حاتم الطائي الكريم والجواد..على هذا الحال؟!! فقالت:كرمُ أبي صيّرنا إلى ما ترى!! والله تعالى يقول:"ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً مدحوراً"..فالكريم ممدوح..لكن المسرف مذموم..لذا نهاك الله عن القبض والبسط..وأمرك بالاعتدال..أمسك العصا من النصف.. ولا تك فيها مفرطاً أو مفرطاً ** كلا طرفي قصد الأمور ذميم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم الناس..ولم يكن جشعاً ينظر في مصلحة نفسه ولا يلتفت إلى غيره..كلا.. قال أبو هريرة رضي الله عنه:والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد على الأرض من الجوع..وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع.. ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه من المسجد..فمر أبو بكر.. فسألته عن آية من كتاب الله..ما سألته إلا لسيتتبعني-أي ليقول لي:اتبعني إلى بيتي_..فلم يفعل.. ثم مرّ عمر..فسألته عن آية من كتاب الله..ما سألته إلا ليستتبعني..فمرّ فلم يفعل.. كان الصحابة في جوع وحاجة شديدة..فكان إذا جاء لأحدهم ضيف..ربما لم يجد له ما يطعمه.. ثم مرّ بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم..فتبسّم حين رآني..وعرف ما في وجهي وما في نفسي.. ثم قال:أبا هر.. قلت:لبيك يا رسول الله.. قال:اِلْحقْ.. ومضى .. فاتبعته..فدخل بيته..فاستأذن..فأذن لي..فدخلت.. فوجد لبناً في قدح..فقال:من أين هذا اللبن؟ قالوا:أهداه لك فلان..أو فلان.. قال:أبا هر..قلت:لبيك يا رسول الله.. قال:اِلْحقْ أهل الصفة..فادعهم لي.. وأهل الصفة أضياف الإسلام..فهم قوم يدخلون في الإسلام..ويتركون ديارهم ويسكنون المدينة..في المسجد..لا يأوون إلى الأهل ولا إلى مال.. فكان صلى الله عليه وسلم يعطف عليهم..فإذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً..وإذا أتته هدية أرسل إليهم..وأصاب منها وأشركهم فيها.. فساءني ذلك.. وقلت في نفسي: وما هذا اللبن في أهل الصفة!! كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها..فإذا جاءوا..أمرني..فكنت أنا أعطيهم..وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن.. ولم يكن من طاعة الله..وطاعة رسوله بدٌ.. فأتيتهم..فدعوتهم..فأقبلوا..فأذن لهم..وأخذوا مجالسهم من البيت.. فقال صلى الله عليه وسلم:يا أبا هر.. قلت:لبيك يا رسول الله.. قال: خذ .. فأعطهم.. فأخذت القدح.. فجعلت أُعطيه الرجل فيشرب حتى يروي..ثم يرد عليّ القدح.. فأعطيه الآخر..فيشرب حتى يروي..ثم يرد علي القدح.. فأعطيه الأخر فيشرب حتى يروي..ثم يرد علي القدح.. حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ..وقد روي القوم كلهم.. فأخذ القدح فوضعه على يده..فنظر إليّ فتبتسم.. فقال:أبا هر.. قلت: لبيك يا رسول الله.. قال:بقيت أنا وأنت؟ قلت:صدقت يا رسول الله.. قال:اقعد فاشرب.. فقعدت فشربت.. فقال:اشرب..فشربت.. فما زال يقول:اشرب..حتى قلت: لا .. والذي بعثك بالحق..ما أجد له مسلكاً.. قال:فأرني..فأعطيته القدح..فحمد الله وسمّى..وشرب الفضلة....رواه البخاري.. وللكرم أسرار.. أحياناً لا تتكرم على الشخص مباشرة..وإنما تتكرم على من يحبهم..فيحبك.. زارني أحد الأصدقاء يوماً..وكان يحمل كيساً فيه عدد من الحلويات والألعاب.. أظنها لم تكلفه بضعة ريالات..ناولني إياها وقال:هذه للأولاد..فرح بها الصغار..وفرحت بها أنا لأنه أشعرني أنه يحب إدخال السرور على أولادي.. كان أحد السلف عالماً..لكنه كان فقيراً.. فكان طلابه يهدون إليه بين فترة وأخرى أنواعاً من الهدايا..تمر..دقيق.. وكان الطالي إذا أهدى إليه..لم يزل الشيخ مكرماً له مقبلاً عليه ما دامت هديته باقية..فإذا انتهت..رجع إلى طبعه الأول.. فكّر أحد طلابه بهدية يحملها إلى الشيخ..تكون معقولة الثمن..وتطول مدة بقائها..فأهدى إليه كيس ملح.. فالملح ثمنه قليل..ويطول بقاؤه في البيت لأنه لا يُستعمل منه إلا الشيء اليسير..فقد يكفي الكيس الواحد لمدة سنة أو سنتين.. ولو استشرتني في هديتين ستهدي إحداهما لصديق..أولاهما زجاجة عطر رائع..ثمين..أو ساعة حائطية تكتب عليها إهداء باسمه..لاخترت الساعة.. لأنها يطول بقؤها..ويراها دائماً..وربما يكون ثمنها أقل.. أذكر أن احد طلابي أهديته ساعة حائطية فيها إهداه باسمه.. تخرج من الكلية..ومرت السنين.. ثم زرت إحدى المدن لإلقاء محاضرة فتفاجأت به يحضر المحاضرة ويدعوني إلى بيته.. فلما دخلت مجلس الضيوف فإذا به يشير إلى الساعة المعلقة على الحائط..ويقول:هذه أغلى هدية عندي.. وقد مر على تخرجه سبع سنين.. بقي أن تعلم أن هذه الساعة لم تكلف إلا شيئاً يسيراً..لكن قيمتها المعنوية أعلى وأكبر.. وجهة نظر.. كسب قلوب الناس فرص قد لا تتكرر.. |
الإشارات المرجعية |
|
|