|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
13-06-2008, 07:17 PM | #1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Aug 2007
البلد: !!!
المشاركات: 2,024
|
مــن طـــرائــف الـــشــيــخ علــي الــطنــطــاوي ( 2 )
إكمالا لما بدأناه من الاختيارات الطريفة للشيخ الأديب علي الطنطاوي رحمه الله هذه هي الحلقة الثانية من الطرائف , يتحدث فيها عن رجل يدعى معروف الأرناؤوط ومعروف رئيس تحرير إحدى الجرائد التي عمل فيها الشيخ رحمه الله يقول الشيخ : " كان معروف أديبا ولم يكن صحفيا , لا أعني الأديب الذي أخذ من كل شيء كما قال ابن خلدون , فمعروف لم يأخذ إلا شيئا واحدا هو الأدب , أخذه من أطرافه كلها وترك له كل شيء . ولا أعني الأديب الذي روى الشعر وحفظ الأخبار ووعى التاريخ , فمعروف لم يكن راوية ولا حافظا ولا مؤرخا . ولا أعني الأديب في تعرف العامة , وهو الرجل المهذب الحواشي الرقيق الطبع العف اللسان , فما كان لسان معروف عفيفا ولا نظيفا , وكان إذا غضب نطق بأشنع السباب وأبشع الشتم , وكله من تحت خط الاستواء في جسد الإنسان . . .أي من تحت " الزنَّار " !! ولكن اعني الأديب الذي تجالسه فتجالس " طفلا " كبيرا , وتراه فترى صفاء الطفولة وجمالها , وتسمع له فينقلك ــ إذا كان راضيا رائق المزاج ــ إلى عالم ما فيه إلا الجمال والحب , عالم القلب . وتقرأ له فينقلك إلى دنيا غير دنيا الناس , يصور لك " في روايته " فيافي الجزيرة وأودية فلسطين ومفاتن اسطنبول مزينة بالسحر والشعر مضخمة بالطيب والعطر حتى لتظنها جنان الأحلام وتشك " إن كنت تعرف هذه البلاد " هل هي التي يصفها معروف أم في قلم معروف سحرا . فمن جالس معروفا فقد عرف الكاتب الأديب ومن قرأ لمعروف ولم يجالسه لم يعرف إلا جانبا من هذا الأديب الكاتب , ومن لم يقرأ له ولم يجالسه فقد فاته حظ من الأدب العربي الحديث . هذا كله على أن لا تعامله ولا تتخذه قدوة لك في الحياة . استغفر الله واسأل الله له الرحمة , فلقد كان مؤمنا لا يشرك بالله شيئا . وكان يظهر إيمانه على أسَلات ـــ قال في الحاشية : الأسلة هي العود الطويل أو هي طرف الشيء المستدق ــ قلمه : لما غلب اليونان بمعونة الحلفاء على أزمير في نهاية الحرب الأولى وجعلت عساكرهم تجول في طرق اسطنبول تنبه الصليبية في نفس كاتب نصراني في الشام , فكتب متشفيا معرضا بالسلطان العظيم محمد الفاتح . وتألم معروف كما تألم المسلمون ولكنه ماتكلم , حتى إذا طُرِدوا من أزمير وعادت إلى الترك المسلمين , كتب مقالة تستحق أن تسطر ــ كما كان يقول الأولون ــ بماء الذهب , وقَعَت على قلوب المسلمين بردا وسلاما وعلى قلوب " الآخرين . . . " جمرة وضراما . وكان في المدرسة أجهل الناس بالحساب , فلما كبر عُنيَ به حتى أتقنه وصار من كبار الحاسبين , وبلغ من حذقه أنه حفظ عن ظهر قلب عدد أيام الأسبوع وشهور السنة , وأدرك عُشر العشرة ومِعشار المائة , وعرف قطر الدائرة وقاعدة المثلث , وصار يعرف أن ستة في سبعة تساوي سبعة وثلاثين , وفي رواية سبعة وأربعين , ولم يحقق أيها الصحيح منهما فالمسألة فيها قولان ! ! ولكنه لم يصل إلى معرفة الباقي من الريال " المجيدي " بعد شراء علبة الدخان , فكان يشتم البياع كل مرة عشرين شتيمة , منها أربع على الأقل من الشتائم المبتكرة التي لم ينطق بها قبله أحد من الهجائيين , لا الحطيئة ولا جرير ولا دعبل ولا المتنبي , ويتهمه بالسرقة والاحتيال , حتى يجتمع ثلاثة من المارة ويعدوا القروش ثلاثا من المرات , ويحلفوا له ثلاثا من الإيمان على أن البياع لم يسرقه ولم يحتل عليه . وكان قليل البضاعة في الأدب العربي ولكنه كان مطلعا على الأدب التركي , وكان آية في معرفة الأدب الفرنسي لا سيما شعر الحب والعاطفة , وكنتَ تسمع منه تلخيص قصيدة لموسّه أو قطعة لشاتوبريان فتظنه أشعر من شاتوبريان ومن موسّه , ولقد سمعت منه قصة " جوسلان " للامارتين ثم قرأتها , فوجدت تلخيص معروف أحلى من شعر لامارتين !! ولما شرع يؤلف " سيد قريش " لم يكن قد جدد دراسته للتاريخ فكان مستشاره الحاج فلان " طمست اسمه بعد أن كتبته " وهو رجل قرأ في زمانه التاريخ ونسيه ثم نسي أنه نسيه , فكان معروف كلما سأله عن حادثه من الحوادث يكد ذهنه وينبش ذاكرته , ويتلمس من بين المعلومات القديمة التي غطى عليها غبار الزمان حقائق لم تصل إلى علم احد من المؤرخين فيقول له ما مثاله : طلع العرب يوم " ذي قار " من الرياض وهجموا على الظهران , وكان يقودهم أبو الأسود الدؤلي الذي وضع علم الفقه , وكان بطل المعركة الوليد بن هارون الرشيد الذي قال فيه المتنبي : قاد الجيوش لسبع عشرة حجة = كاد المعلم أن يكون رسولا ومعروف يدون هذه الحقائق ويجعلها دعائم لبنائه القصصي , ثم يصب فيها عبقريته الفنية ويجملها بفنه العبقري , حتى إذا أتم كراريس من الكتاب وطبعها جاء من ينبهه إلى هذا التخليط العجيب , فثار وفار ومزق ما طبع , وسمى صاحبنا " أبا جهل " وراح يخصه في الحضور وفي الغياب بأجمل ما تفيض به قريحته من السباب , وذاك يضحك منها ولا تزيده إلا شحما ولحما وزيادة وفي حب الأكل . رحم الله الشيخ رحمة واسعة وانتظروا في الحلقة القادمة قصة الشيخ رحمه الله في الحسينية الشيعية . . أتمنى لكم وقتا سعيدا وتقبلوا تحياتي
__________________
مَـنْ يـُعَـمّـَرْ يـَجِـدْ أَحِـبّـَاءَهُ فِـيْ الأَرْضِ أَوْفـَى مِمَّنْ عَـلَيْـهَا وَأَحْـنَـى ..!
|
الإشارات المرجعية |
|
|