الهجر مؤلم , فيه الوداع الذي قلما يقوى عليه مرهف الإحساس من الناس , حيث يشعر بأن قطعة من قلبه تفارقه , على أن هذا الهجر فيه الهلاك لمن ذاق مرارته , بيْنا الوداع أخف وطأة حين يكون إلى أجل معلوم , فنصيبه الدموع التي تعدها الخدود بالتوقف فيما بعدُ .
كثر في الشعر الطربي طلب الهجر من المحب لحبيبه بأدب جم , فهو يخبره بأنه لا يزال يحبه , لكن فراقه اليوم خير له , فتراه ينعته ويصفه بالغالي , أو يدعو له بالبقاء في هذه الحياة , أو أن تكون روحه فداءً له , ونحن نعجب من موجبات هذا الهجر حين يكون المحب يحمل هذه المشاعر العميقة لحبيبه !
يقول أحدهم طالبًا الهجران : ( يا غالي روح وانساني , وانا رايح كمان أنساك ) , ويقول آخر : ( أرجوك لا تحاول معايا , ابعد عسى ربي يخليك ) , ويقول آخر : ( أهواك واتمنى لو أنساك . . . وان ضاعت تبقى فداك لو تنساني ) .
إنه طلب بالبعاد والصد بأدب , وهجر فيه الروح الرياضية التي يجب أن تكون نهاية طبيعية بين متحابين , حيث كانت بينهما مواقف جميلة من الصعب تجاهلها وطمسها , فهي ستبقى ذكرى جميلة , على أننا نتمنى أن يكون مثل هذا في الخلافات الزوجية , فيكون الطلاق هادئًا بلا مشاكل وحزازات .