بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » أيــّامٌ قـضيـتـهـا بـيـن الإخــوان !

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 15-07-2008, 10:33 PM   #1
الــنــهــيــم
عـضـو
 
صورة الــنــهــيــم الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2003
البلد: بين دفات الكتب !
المشاركات: 11,880
أيــّامٌ قـضيـتـهـا بـيـن الإخــوان !







في حقبةٍ مَاضية من الزمن ، كنتُ أذهبُ في مَطلع كل فجر مع بَعض الأصحاب والخلان، إلى مَسجدٍ في جنوب بُريدة، يَحتضنُ العديَد من كِبار السِن والشيوخ، الذين يُعَدّونَ من الإخوان، وكانت لي معهم بعض المواقف والطرائف، أحببتُ أن أطلعكم على شيء منها .

شيخ هَرِمٌ يتربعُ في مِحرابِ المَسجد، ويتحلقُ حَولهُ جُملة من كِبار السِن ، يقرؤون عليهِ مَا تيسّرَ لهُم مِن كُتبِ السلف الصالح، في جَوّ ربانيٍّ مَهيب .

كانتْ القهوة تدارُ على الجالسين، وكانَ لها مَذاقٌ آخر، خصوصاً مع تمر السكري اللذيذ، وبين هذه الوُجوه الطاهرة، والتي تقرأ فيها خبرة سنين طويلة، فاللّحى البيضاء، والجلود الشاحبة، والظهور المُحدودبة، والثياب القديمة العتيقة، والتي قد أكل عليها الدهر وشرب ونامَ، وسَط خشوعٍ وخضوعٍ وتذلل للرحمن .

كانَ الزهدُ والتقشف؛ هوُ المظهرُ السَائد على الجميع، فلا مكان للحضارة والدنيا بينهم، فقد باعوها بثمنٍ بخسٍ غير آبهين بها ولا سائلين عنها ! يخافون عذاب الله وعقابه، ويأملون جزاء الله وثوابه!

رجلٌ كبيرٌ في السن، أسمر البشرة، متسع العينين، يشعُ من جبينه نور الطاعة والإيمان، لم أرَ ولن أرى أكثر منه ذِكراً لله، فلا أكاد ألحظ شفتيه تتوقفان عن ذكر الله أبداً، وأصابعه تتحركُ دائماً، لتعد التسبيح والتحميد ، وليتَ شعري لمَ يَعد وجل وقتهِ في ذكر الله ؟ ولا أظن حركة أصابعهِ إلا من كثرة اعتياده على الذكر، لا من أجل الحساب !

ذاتَ مرّة، كنتُ جالساً بجانبه، فسُكبَ لي كوبٌ من الشاي، ولم يكن مذاقه كما أحب، فشربتُ نصفهُ، وتركتُ النصف الثاني، فنهرني هذا الرجل الأسمر بشدة، وعنفني بقوّة، وقالَ كيفَ تترك نعمة الله هكذا ؟! أينَ شكر النعمة ! فخجلتُ من نفسي ، وشربت النصف الثاني، خشية أن يلطمني بكف لا أنساهُ طيلة حياتي !

نصف كوب شاهي، جعل مُحيّا هذا الرجل الصالح يتمعّر ويغضب ؟ فأينَ منهُ تلك الموائد والمفاطيح والأطعمة التي تملأ الدنيا، ثم ترمى بعيداً ، غير مَبالين ولا شاكرين لنعمة الله ؟ اللهم لا تعاقبنا بما يفعلهُ السفهاء منّا .

حينما ينتصفُ الصباح، يُقبل شيخٌ آخر، عليه ثيابٌ رثة ، من الزهد والتقشف، في وجهه عينان حادتان، يَبعثان في قلبك الخوف والوجل، فيجلسُ في مؤخرة المَسجد، بعد أن تحلق حولهُ جملة من طلبة العلم وكبار السن ، يقرؤون عليه من تلك الكتب القديمة ، والتي قد لُفّ بعضها بأقمشة حِفاظاً على صحتها، فأجلسُ معهم، ولكني لا أفهم شيئاً مما يقول، فهو يتمتم بصوتٍ منخفض للغاية، ولا تكادُ تميّز سوى كلمةٍ أو كلمتين .

كان يقوم في بعض الأحيان بحركات غريبة لا نفهم كنهها، فعلى سبيل المثال، في أحد المرّات كان يصلي النافلة في مؤخرة المسجد ، ثم أخذ يتحرك وهو يُصلي، ويمشي بضع خطوات، وهو في أثناء صلاته !!

وذاتَ مرّة، كنتُ جالساً في حلقته، فوجدتهُ يُبصرني بعينيه الحادتين، وكأني فهمتُ من تعابير وجهه أنهُ يُعنفني، فخفضت رأسي وقرّبتهُ منه، رجاءَ أن أسمع شيئاً مما يقول، فلعلي فهمتُ أنهُ يَسألني لماذا لا أحضرُ مَعي كتاباً وأقرؤه عليه ؟ ويقول لي : اقرأ حتى تُصبح مثل سليمان العلوان، شيخ وهو شاب ! هه الله المستعان .. أصبح كالشيخ سليمان ؟! أبشر بطول سلامةٍ يا مربعُ !

في أحد المرّات؛ كانَ أحدُ كبار السن جالساً معنا، فطلب منهُ ذاتُ الشيخ أن يقرأ عليه شيئا، فلعلّ كبير السن هذا لم يَجد في جعبته شيئاً، فما كانَ منهُ إلا أن قرأ الفاتحة عليه، فسلمَ من اللوم !

ما يُؤلمني حقاً، هو أن الذي يَسكبُ لنا القهوة والزنجبيل، هو شيخ عَجوز هرَم، مُحدودبُ الظهر بشكل كبير، فلا يكادُ يسيرُ إلا بصعوبةٍ وتثاقل، أبى إلا أن يخدم طلبة العلم ومحبي الخير .

كنتُ أرفضُ أحياناً احتساء الزنجبيل، فيُلزمني بابتسامة جميلة، تساوي الدنيا كلها ! فآخذ الكوبُ لأجل عينيه وابتسامته فقط، أجزلَ الله ثوابه وأعظم جزاءه ، وأطال بعمره إن كانَ حياً ، ورحمه ولطفَ بهِ إن كان في جوف الثرى .


لقد تبقى شيءٌ من الهذيان ..
في الرد القادم !



__________________
[POEM="type=0 color=#000000 font="bold medium 'Simplified Arabic', Arial, Helvetica, sans-serif""]لمتابعتي عبر التويتر أو الانستغرام: @ibradob[/POEM]
الــنــهــيــم غير متصل  


 

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 11:34 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)