المسائل الخلافيّة الشرعيّة
الخلاف في المسائل الشرعيّة لا يكاد يزول إلا بحجّة مجتهد يحسم للمقلد أمرهُ ، لذا فأبي حنيفة لا يقبل الأحاديث خشية وقوع الكذب على رسول الله ، فمال إلى الأقيسة وأخذ بالرأي ، ومالك يُقدم (عمل أهل المدينة) حيث أنه يراهم أقرب للصواب من غيرهم ، والشافعي يُقدم قول الصحابي على من دونهِ ، وأحمد يأخذ بالضعيف المرسل . فمن هذا كان الخلاف قائماً على أسس مُقعدة من قِبل هؤلاء الأئمة ، وكان أكثرهم صواباً الإمام أحمد ، فإنه إن تبيّن له حديث يصلح للاحتجاج لم يعدِل إلى غيره ، إلا أن مذهب الإمام أحمد لم ينتشر انتشاراً واسعاً ، إلا في العصور المتأخرة ، ثم بدأ التحرر من أقوال الأئمة وظهر التجديد فيها.
ومن هذا نجدُ مَن يحتج بالخلافِ تبعاً لاختلاف الأئمة الفقهاء ، فبيح ما طاب لهُ ، ويمنع ما كرهه ، متشبثاً بأن في المسألةِ خلافٌ ! ، وهذا من الجهل المركب ، بل هناك من يزعم أن الخلاف رحمة ، يُريد الإقلال من شأن الحكم . وآخرين تقيّدوا بأحد هؤلاء الأئمة ، فإن عارض قولهم حديث نبوي صحيح لم يعدِلوا عنه ! . والصحيحُ أن أقوال الأئمة يُحتج لها ولا يُحتج بها.
وأما من يبحثون عن قولٍ يُوافق رأيهم ، فهؤلاء ضلوا وأضلوا ، فهم أقرب للخطإ من الصواب هذا إن كان الخلاف لهُ حظه من النظر . فيتضح بهذا أن المحتج بوُجود خلاف إنما احتج على نفسهِ بالجهل ، ووصف رأيهُ بالضعفِ ، إذ أن المسائل في أكثرها خلافية ، ولو احتج بالخلافِ لما استقام لنا أيٌّ منها !
|