[أبوعمر السحيم]

بسم الله الرحمن الرحيم
على خطى الخليل ..

من يأمن بعده؟

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

إن مما يمتاز به الخليل  عِظم العبودية لله، والانطراح بين يديه، والخضوع العظيم له، والتعلق به، فلم يكن مُعجباً بنفسه، ولا كان يرى عمله ويغتر به، بل كان يتقلب بين مقامات الخوف، والحذر، والرهبة، والتوب، والأوب، والإنابة، والرجوع، يبين ذلك أعظم بيان: أنه كثيراً ما يدعو الله تعالى، ويلجأ إليه، ويبتهل إليه، تارة بأن يجعله مسلماً خالصاً {ربنا واجعلنا مسلمين لك}، وأخرى بأن ينجيه من الشرك وعبادة الأصنام {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام*رب إنهن أضللن كثيراً من الناس}، وتارة بقبول العمل وعدم رده {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} ، ومرة بمغفرة الذنوب {وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم}، {ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} ، وأخرى بأن لا يخزيه يوم يبعثون {ولا تخزني يوم يبعثون*يوم لا ينفع مال ولا بنون}، ومرة بأن يعينه على العبادة {رب اجعلني مقيم الصلاة}.

كل هذه الأدعية –وغيرها- ذكرها الله تعالى في كتابه على لسان من؟ إنها على لسان أبي الأنبياء {وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب}، وسيد الحنفاء، ونبي الرحمن، وخليل الله، وهو الصّديق الأعظم {إنه كان صدِّيقاً نبياً}، وهو إمام الناس جميعاً {إني جاعلك للناس إماماً}، ونوّه بذكره في العالمين، فمع مراتبه العليّة ودرجاته الكاملة؛ يدعو ربه بهذه الأدعية الجليلة، حتى وصفه ربه بقوله: {إن إبراهيم لحليم أواه منيب}، أي: متضرع إلى الله في جميع الأوقات، رجَّاع إليه بمعرفته ومحبته، والإقبال عليه، والإعراض عمن سواه، و قد كان إبراهيم التيميّ رحمه الله يقصُّ ويقول في قَصَصه: من يأمن من البلاء بعد خليل الله إبراهيم.

أيها الكريم: هل تُرانا نقتفي أثر الخليل  في خضوعه وإنابته، ورجوعه إلى ربه وتوبته، وتحقيره من شأن نفسه وتواضعه؟ أم يقتفي البعيدُ خطى الشقي إبليس في كِبره وعُجبه وغروره بنفسه وعمله؟ نعوذ بالله من الأخرى، ونسأل الله الأولى، { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ}.