لو كان الفلاسفة الغربيون مسلمين لترحمنا عليهم , فقد شخّص كثير منهم ظاهرة العزاء حينما يفقد المرء قريبًا أو صديقًا , وما رأيت أشد تشخيصًا لهذه الغريزة التي توجد في الحيوان والإنسان على حد سواء .
من الملفت للنظر أن طقوس العزاء لها اختلافات كثيرة حين عرضها كما طقوس الأفراح والمناسبات , فكلاهما ضدان , وكل ضد يظهر حسنه بأخيه الضد الآخر , فالضد يُظهر حسنه الضدُ , كما يقول شاعرنا العربي .
مصيبة طقوس العزاء في العالم العربي أنه تحول إلى ما يشبه العادة , حيث تحولت تلك الطقوس إلى صوامت وجوامد , فكان أن قالوا : " الحزن في القلب " ! فكدنا نصل إلى مشاكلة الحيوان الذي يعبر عن حزنه وألمه بصمته المعروف والمعهود .
حين جاء الإسلام ألغى النياحة , فكان أن أبدلها أصحاب البدع من المسلمين بقراءة القرآن , فكان القراء يتزاحمون على المآتم لأخذ الأجرة , فقرآنهم لا يتجاوز حناجرهم , فكأنها ردة فعل من النياحة الرجالية حين كانت نساء المبتدعين ينحن على موتاهن , فيشققن الجيوب , ويلطمن الخدود .
في مجتمعنا المحافظ يحق لنا أن نقول إن الحزن في القلب , فلا نعرف طقوسًا ولا غير ذلك , فكان العزاء باردًا لا يعبر عن حالة الفقْد المؤلمة , ولو رآنا الغربيون لظنوا أننا لم نكن نحب من فقدناهم , فلا تشييع يعج بالزهور , ولا كلمات تتلى أمام الميت تعبر عن شخصه حين كان بين الناس .
لا تزال ظاهرة العزاء في مجتمعنا المسلم خالية من التعبير الصادق لمن نحبهم , فقد طمس الإسلام تلك الطقوس , فكان القلب العربي المسلم يتسم بالجمود والجلافة , فكأنه قلب الأعرابي الذي لم يقبّل واحدًا من أبنائه العشرة لغلضة في قلبه الصحراوي .