[ابن صـالح]

تختلف وجهات نظر الإخوة الأعزاء في كيفية وطريقة الحوار مع المخالف .. وأقصد هنا الإخوة الفضلاء أصحاب التوجه الواحد ، الذين ينقادون لتوجيهات الدين الإسلامي الحنيف ويخضعون لتعاليم الشرع المطهر ..
فنجد بعضهم يشتد ويشتط ويغلظ القول في رده وحواره مع المخالف ، خاصة إذا كان المخالف من حملة الأفكار المشبوهة ، وممن تواترت وتكاثرت كتاباتهم حاملة هجوماً مقنّعاً ضد حملة الشريعة ، ورجال الدعوة ، والذائدين عن حياض الدين ، وأعمدة المؤسسات الشرعية من قضاء وفتوى وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر ، مع تشجيع الانحلال الخلقي ، والانفلات الديني ..
وحينما يشتد إخواننا ويغلظون القول في ردودهم وحوارهم يكون دافعهم الغيرة على دين الله ومحارمه وشريعته ، ويعتذرون بأن المخالف بُين له الحق وكرر عليه البيان والإيضاح ، لكنه أصر على ضلاله وتمادى في غيه ، ولهذا فإنه لايناسبه سوى الإغلاظ في القول والتشديد في الرد ..
ولعل هؤلاء الأخوة يتمثلون أمامهم موقف نبي الله نوح عليه السلام في تعامله مع قومه وتدرجه معهم حيث حكى ربنا عنه : {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً{5} فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً{6} وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً{7} ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً{8} ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً{9}.. وفي آخر الآيات : { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً{26} إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً{27}..
وكذلك مواقف الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه المتكررة والمشهورة ، فما أخبار درته عنّا ببعيد ، وكذلك في قصة الأسرى المشهورة ، حين استشار الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم الصحابة رضوان الله عليهم ، فأشار أبو بكر رضي الله عنه برأي فيه لين ورأفة ، لكن عمر رضي الله عنه أشار برأي مخالف ، ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم بادئ الأمر مال إلى رأي أبي بكر رضي الله عنه فإن القرآن الكريم نزل مؤيداً لرأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه : {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }الأنفال67.. ومع هذا الخلاف كله في ذلك الأمر الجلل لم يثرب عمر بن الخطاب أبا بكر ولم يثرب أبو بكر عمر بن الخطاب ..
وهذا يقودنا إلى أن نعرج على الرأي الآخر لبعض الإخوة الذين يرون استخدام أساليب اللين مع المخالف نفسه ذي المواصفات التي أشرنا إليها سلفاً ، ويرون مواصلة الحوار والاستمرار بنفس الأساليب اللينة والرقيقة ، طمعاً في صلاح المخالف وعودته إلى طريق الرشاد ..
وأصحاب هذا الأسلوب لهم سلف من صالحي هذه الأمة ، فقد حكى الله عن نبيه إبراهيم عليه السلام :{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }إبراهيم36 ..
وكذلك موقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه آنف الذكر ، ومواقف أخرى مماثلة له ولغيره من سلف هذه الأمة ..
وهنا أقول إن كلا الفريقين على خير إذا صلحت النية ، وكان الهدف نصر دين الله ، أو إصلاح عباد الله ..
والساحة الدعوية بحاجة إلى هذا وذاك ، فلنَدَع الجميع يعملون كلٌ بما فتح الله عليه به وبما يرى أنه أنفع وأجدى .
فإننا إذا تتبعنا آيات القرآن الكريم والأحاديث الثابتة عن نبينا صلى الله عليه وسلم وجدنا حثاً على الدعوة بالرفق واللين ، ووجدنا أمراً بالجهاد والقتال ، ووجدنا تشريعاً للحدود ، ولكل باب ومجالٍ مايناسبه .
هذه خاطرة جالت في نفسي فأحببت أن أبثها للإخوة الأفاضل ، فما كان فيها من صواب فمن الله وله المنة والفضل ، وما كان فيها من خطأ فمن نفسي والشيطان .. وأستغفر الله عن الزلل والخطل .
وفي النهاية لا أستغني عن رأي أونقد أومشورة صادقة من إخوتي الفضلاء . وفق الله الجميع لقول الحق واتباعه .