[الكـنـكـورد]

المئذنة ... تشرق بالدم .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

(1)
المئذنة ... تشرق بالدم

جاءت تمشي خارجة من الشارع التركي القديم لمدينتها تختلس خطواتها مسرعة …تمسك بيدها طفلها .. ظهر أحدهم .. عادت للخلف متقهقرة ومن ثم سارت في الاتجاه الآخر .. كان لوقع أقدامها صدى مرير يستفيق الآذان المحتقنة بالصديد .. تحسست بأصابع منتفضة غطاء رأسها ومشت تجر خلفها طفلها .. الصغير يركض جاهدا وساقاه القصيرتان يطوحان في الهواء عندما ظهر جندي آخر .. لم يكن لهذا من نهاية.. توقفت قليلا ثم استدارت بعزم مفتت من قلة الحيلة وانعدام النصير .. ركضت في الشارع الوحيد .. وفي نهاية الشارع الضيق كان هناك آخر يقف لها .. تلفتت في كافة الاتجاهات .. كان رأسها يدور كالمروحة ، نظرت بينهم لم يكن هناك أحد .. انتزع الرجل الأخير الصبي من يد أمه بقوة واقتاده إلى غرفة الحراسة .. مكث طويلا قبل أن يظهر رافعا بنطاله الملطخ بالدم .. كان الصوت في حلقها ضجيجا لانهاية له ، قفزت راكضة للمسجد .. تشققت عنياها بالدمع .. الإمام مصلوب فوق جثث المصلين .. وقفت قليلا قبل أن يسيل دمها بارد ا وينساب على الأرض كالماء …

1993

(2)
المغول.. يطيرون

استيقظت من الألم .. فوجئت بوجودي هنا ، لقد أمضيت الليل كله على هذه الصوفا.. والتلفاز لازال يهدر بالأخبار والأقاويل المضحكة حتى الموت .. كانت ذراعي تؤلمني لقد استخدمتها وسادة طوال هذا الليل .. شعرت بأنني أجذبها من قلبي.. تناولت جهاز التحكم.. تراقصت الشاشة بالصور واستقرت فجأة على ظهر الجنرال الأمريكي يقول : بأن الطائرات قد سدت أفق بغداد.. وأن سماءها ستمطر سبعة آلاف قذيفة من(ففتي تو) .
في أول قصف.. كان يبتسم بزهو والعلم الأمريكي خلفه.. ضغطت زرا صغيرا فعم المكان الظلام والهدوء .. نظرت للأعلى .. سقف الغرفة الصغيرة .. شعرت بدمي يفر من عروقي والهواء لايصل إلي .. قمت متهالكة استندت بالجدار .. فتحت النافذة .. اندفعت نسمات باردة من الفتحة الضيقة ، وشعرت بهوائها الزكي يصلني.. نظرت للسموات.. وتخيلت الستمائة جناح لجبريل عليه السلام ، التي لو فرد أحدها لغطت الأرضين السبع .. شعرت بتلك الأيدي الغليظة التي تقبض صدري ترخي قبضتها شيئا فشيئا.. يا أيها الذي تسمع وترى دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء ( ارحم أمة نبيك)... وفجأة علا صوت المؤذن لصلاة الفجر...

-------------
مع تحيات=الكـنـكـورد
konkord_4@hotmail.com