[الـصـمـصـام]

بسم الله الرحمن الرحيم


إن ديمومة الإسلام و شموليته للأعصار و الأمصار اقتضت أن يكون له الأسس العليا الثابتة ، و القيم المثلى الراسخة ، في قدرة على التفاعل مع الحياة في كل عصر ، و مناسبته للأحوال في كل مصر ، و إضافة إلى شموليتة المكانية و الزمانية ، فإنه شامل لكل لحظة من لحظات الحياة ، بل و ما بعد الحياة الدنيا { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (*) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الأعراف .

و قد كان الناس في الصدر الأول من الإسلام على منهج سديد ، و رأي سليم ، و صفاء في التصور و التعامل مع المصدر في العقائد و الشرائع و الآداب بسبب قربهم من عهد النبوة في الزمن الفاضل ، و مع مضي الزمن و تباعد السنين عن عهد النبوة الأولى ، دب النزاع في قضايا الأصول ، و ظهر خلل في المفاهيم ، و نشأت الطوائف المنحرفة عن نهج الأوائل ، حتى ظهرت بجلاء فرق و طوائف ، و هم ما بينَ مُقلٍّ من الضلال و مستكثر .

و ما من بدعة و لا ضلالة ظهرت ، إلا كانت بسبب البعد عن الأصول السليمة و عدم الاستمساك بماكان عليه النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه و الاغراق في استخدام العقل و تأليهه عن جهل أو زندقة أحياناً ، و كانت هذه البدع تتكاثر في أوقاتٍ دون أوقات ، و أمصار دون أمصار ، و تظهر الملل ، فينبري لها ورثة الأنبياء ، تحريراً و رداً و كبتاً لها و تحذيراً منها ، فتؤلف المؤلفات ، و تقعد المناظرات لقمع هذه البدع ، حتى إذا بان عوارها سقطت من قلوب الناس و انتهت .

و نحن في هذا العصر في كل يوم تخرج فرقة أو نحلة أو مذهب ، أو فكرة ، ترتبط عند التحقيق ارتباطاً وثيقاً بعلم المعتقد ، و تحتاج إلى تفنيد و تبيين ، و استخراج مافيها من الملاحظ ، و الحكم عليها وفق ما يقتضيه الشرع لأننا هنا نتحدث عن العقيدة .و لكن الذي أراه من خلال اهتمام بهذه القضايا أن استشعارنا لهذه القضية ضعيف يحتاج إلى مشاريع من أجل إقامته ، لا سيما و أن الأفكار الجديدة أو المذاهب المعاصرة تتقن فن تلميع المصطلحات ، و التمويه في الحقائق و المسلمات ، و تتزينُ ببريقٍ يُشع من الكلمات الناصعةِ التي تُصاغ لترويج هذه الفكرة ، و لكنها تؤدي إلى معانٍ خربة تنافي دين الله تعالى .

هانحن اليوم نعيش معمعة فكرية ، من خلال مذاهب تتسابق إلى الساحة ، و تتسارع إلى عقول الناس ، فيقنعوا بها على ما فيها خلط الحق بالباطل ، أو ربما الباطل الخالص ، و لم يتعرض لها علماء المعتقد ، و لم يُشيروا إلى بطلانها ، و لم يفقهوا حقائقها ، فسكتوا عنها - إلا جهود أفراد - فظن أقوام أنها مجرد أفكار عابرة ، لا علاقة لها بالعقيدة ولا بالشرع ، بينما هي عند التحقيق متصلة بالعقيدة ، و إن بدت بصيغة فكرية . فهي فكرية عقدية .

و قد قال أحد العلماء في هذا العصر : نحن نعيش اليوم خلافاتٍ قديمة في باب : الأسماء و الصفات و في فتنتها حتى صرنا نفقهُ في عصر أولئك السابقين أكثر من فقهنا لقضايا عصرنا . و صدق . فلو شُكلت لجان و مؤسسات تعتني بنقد المذاهب المعاصرة من قبل متخصصين في العقيدة ، يحملون الأهلية الكافية من خلال جمع بين فقهيّ الشرع و الواقع ، لنقف على حقيقة تلك المذاهب الفكرية المعاصرة ، و التي تطل علينا كل فترة لتأخذ لفيفاً من أبناء هذه الأمة ، و تعبث بعقولهم . ما أحوجنا إلى تجديد المعتقد السليم ، من خلال تأصيله في نفوسنا ، و سلوكنا ، ثم صياغته بلغة عصرية ، مع ضرورة إبقاء الجوهر نقياًَ كما أنزل على محمد صلى الله عليه و سلم .

و الحديث في هذا الباب ذو شجون و أهمية ..
دمتم بخير و تقبل الله منا و منكم صالح الأعمال .


أخوكم / عبدالله
3/12/1429هـ