|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
![]() |
#1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Dec 2008
البلد: السعودية، ، الرياض.
المشاركات: 72
|
عندما ضمتني إلى صدرها !؟.
إنقطعت رويدا عن والدها وإخوتها قرابة السنوات الثلاث، بكاملها، فقدت خلالها عطف، وحنان، ولذة، الأبوة، وأن يعيش الطفل، أو الطفلة، تحت كنف والدٍ، وإخوةٍ، يأنسُ لهم، ويسرُّ بهم.
رويدا تلك الصبية اللطيفة، وهاتيك البُنية الجميلة، غبتُ عنها، وغابت عني لأكثر من ثلاث سنوات، كدتُ أنسى خلال هذه السنوات أن لي أختٌ بارعة الجمال إسمها رويدا. رويدا هذه الطفلة التي لا يعرفها الناس إلا مبتسمةً، هي رائعة كما خلقا ربها، بلا تكلف، ولا تصنع، وهذا ما يزين الطفولة على سن الشباب، والكهولة. رويدا إرتحلت مع والدتها إلى القصيم، تاركةً في الرياض إخوةً، وأب، شاءَ لها القدرُ أن تعيشَ بركنٍ قصيٍ عنهم، (وفي الأقدار حكمٌ مخفيةٌ خلفَ ستار) ترعرعت خلال هذه السنوات لدى أمها، وهي تلوك مرارة العيش بلا أب. تقاسي الألم، والحرمان، لفقدها أحد ركني حياتها. . إنه والدها. رويدا تصحوا وتنام وهي تهيم بأودية الأحلام بمجاورة والدها . . واللعب على صدرهِ . . والقفز على ظهره. لكم آلمها حينما كانت في الفصل مع زميلاتها (في بداية العام الدراسي) وهنَّ يتحدثنَّ عن آبائهنَّ، وذهابهم، وإياهم إلى المكتبات للم حاجيات المدرسة، ومستلزماتها. رويدا طفرت دمعةٌ منها على خدها اللَّدن، الناعم، الجميل. أشاحت بوجهها ذات اليمين تجاه حائط الفصل، لتخفي خلف دمعتها ركام الألم والحزن. شاهدتها زميلتها سارة وهي تشيح بوجهها وقد ملأ العبوس خديها، وعينيها، لم تعي سارة لطفولتها المبكرة معنى التجهم في وجه صديقتها رويدا، إلا أن فطرتها، وأحاسيسها، ومشاعرها، أوحت إليها أن هناك في داخل ذلك القلب البريء، ألمٌ تخفيه الصبية عن زميلاتها؟؟. همسة سارة ببراءة الأطفال العذبة في أذن جارتها في الفصل رويدا: رويدا وريني الأغراض اللي شراها لك أبوك، دائماً أغراضك أحسن أغراض شكل أبوك يارويدا مدلعك!! يا حظك. أحست رويدا بطعنة نجلاء تشق عليها قلبها الرقيق شقاً، وتطعنها بعمق فؤادها (مسكينةٌ أنت يارويدا). بالغت رويدا بالإلتفاف تجاه الحائط، وهي تحرك بيدها اليسرى حاجياتها لزميلتها سارة لتستمتع بالنظر للحاجيات كما تشاء!. ببراءة الأطفال ظلَّت سارة عاكفةٌ على حاجيات رويدا تقلبها ذات الشمال وذات اليمين، وقد تركت رويدا وحيدةً مهمومة، بعدما فرغت سعادة الآنسة سارة، من تقليب حاجيات رويدا إلتفتت على زميلتها المكلومة، لتصب إنطباعها عن حاجيات زميلتها دونما مشاورةٍ، أو أذنٍ، من صاحبة الشأن، رويدا. ذهلت سارة لمنظر زميلتها الحزين، فما كان منها إلا أن خللت أصابع يدها اليمنى في شعر رويدا، والحزن قد لفَّ سارة، قالت سارة: وش بلاس يا رويدا أبوس (أي: أبيكِ) طقس (أي: ضربكِ) أمس؟؟. رويدا لم تتمالك نفسها حينما سمعت كلمة (أبوس) فشهقت شهقة ودت لوخرجت روحها معها، لكان أولى من وجهة نظرها من عيشٍ بلا أب. فزعت سارة، وارتهبت المعلمة من هول الشهقة، ففزت مسرعةً كالملدوغة تجاه الصبية الشاهقة، بادرتها رويدا: أستاذة أبي أطلع أغسل وجهي؟. المعلمة وكأنها نجت من تحقيق بين الطفلتين من ضرب من؟. قالت المعلمة: تفضلي يارويدا ولاتتأخرين المديرة مانعة الخروج وقت الحصص. خرجت رويدا لدورات المياه، وسكبت الماء على وجهها مراتٍ ثلاث. ثم تأملت عينيها في الزجاج فإذا هما حمراوان من الحزن والكآبة. سهت رويدا عن نفسها وعن مكانها الذي هي فيه، وبدأ يتردد صوت زميلتها سارة في أذنها: وش بلاس يا رويدا أبوس طقس أمس؟؟. وش بلاس يا رويدا أبوس طقس أمس؟؟. رويدا في مخيلتها: ياليت ياسارة أبوي طقني أمس؟؟ أصلاً أنا ماعندي أبو!!؟؟ ثم بدأت مرةً أخرى تردد نفس السؤال في خيالها: وش بلاس يا رويدا أبوس طقس أمس؟؟. وش بلاس يا رويدا أبوس طقس أمس؟؟. أييييه ياسارة . . زفرة زفرتها رويدا تقطع جلاميد الصخر. جنح برويدا التفكير عن ماهية ضرب الأب؟؟ وقفت مفكرة كيف يضرب الأب؟ قالت لنفسها: يبدوا أن الضرب هو عبارة عن قبلة يرسمها الوالد بشفتيه على خد إبنته؟ هكذا فكرت المسكينة رويدا، أو هكذا أرادت لنفسها أن تفكر. فجأةً ودون سابق نذير . . صرخ صوت العقل على صوت العاطفة لدى رويدا: أي قبلة!؟ الضرب هو: الإهانة والتأديب . . لكن ما أقول ألا الله يهديس (يهديكِ) يا سارة والله أني أتمنى أنه عندي أبو حتى لو كان يضربني!!؟؟. رويدا . . خرجت منكِ دمعةٌ أخرى فلمَ؟ أللأبوة كل هذا الحب؟ هل الفقد يعمل كل هذا يا رويدا؟. جنح برويدا خيالها شمألةً وجنوباً، تتصور أنها برفقت والدها وقد ذهبا للمكتبة سوياً، تتخيل أنها برفقت والدها وقد ذهبا للتنزه سوياً، تتخيل أنها برفقت والدها وقد ذهبا لمدينة الألعاب سويا، فترتسم إبتسامةٌ صفراء على شفتيها . . ثم تغسل وجهها مرةً رابعةً ، ثم تعود لفصلها. بعدها بأيام أذهب أنا ووالدي لتعزية بعض الأقارب في مدينه رويدا، بعدما خرجنا من بيت العزاء ذهبنا لزيارتها في بيت جدها لأمها، جدها دمثٌ في أخلاقه، بشوشٌ في حياته، حكيمٌ في كلامه. وصلنا إليهم فإذ بي أجد رويدا مستقبلتنا عند عتبة الباب، في عز الظهيرة، فرحةً جذلانة بزيارة أبيها. كان الشوق طيلة السنوات الثلاث الماضيات يأخذني كل مأخذ لأجالسها، وألاعبها، ولكن . . . !؟ لم أتمالك نفسي حين رئيتها على عتبة الباب حتى أُقف سيارتي، بل مباشرة صحت بها عبر النافذة بصوتٍ عالي: رويدا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا. فلم تتمالك نفسها . . وكأنها قالت في نفسها (الجواب ماترى لا ما تسمع) حتى أتت راكضةً . . وراكضةً . . ثم راكضةً تجاه الصوت. . فلم أعلم عن نفسي إلا وقد تركت السيارة كيفما إتفق، ففتحت الباب بسرعة ثم نزلت إليها مسرعاً واستقبلتها مشرعاً لها صدري، فاتحاً لها ذراعيَّ، فألقت إلي بجسدها على صدري . . وكأنها تريد أن تدمج جسدها، وروحها، في جسدي، وروحي. فأغلقتُ مباشرةً ذراعيَّ على جسدها وضممتها ضمة، أودعتها شوقي، وهيامي بها لسنواتٍ ثلاثٍ فائتات، وليعلم كل قارئ أني ماذقتُ في حياتي مثلُ هاتيك الضمة إطلاقاً. رفعتها وأنا ضامٌ لها، كما يرفع الأبُ بعد عودته من سفرٍ طويل طفلته، وقد انهلتُ عليها تقبيلاً وشماً، حتى أحسستُ بصدرها وقد تحشرج عن عبرة تجسدت فيها آلام الدنيا قاطبةً، في ذلك القلب المرهف، ذلك القلب الطفولي، الأنثوي، وقد قالت: يبه يبه مسكينةٌ رويدا تظنني والدها، لفرط سرعتها، وعظم إشتياقها، للوالد الغائب، لم تستطع أن تميز من الذي يجلس مكان السائق، هل هو والدها ؟ أم أخوها؟. فما كان مني إلا أن دمعة عيني بدمعةٍ، أحس لها طعماً في داخلي، لا أعرف كنهه، وماهيته !!؟. أقول لها شكراً لكِ، أختي رويدا على أن ضممتيني إلى صدركِ . أسعد بتواصلكم على البريد:hmeed000@hotmail.com |
![]() |
الإشارات المرجعية |
|
|