ما كنت أحسب أن أرى فئة من الأكاديمين في الجامعات لا يصححون أوراق إجابات طلابهم , فقد راعني ميلهم إلى عزل الأمانة التي أعطوها جانبًا , وراحوا يتقاعسون عن إعطاء الطلاب حقوقهم كلا حسب اجتهاده وبذله .
إنني – وأيم الله – لأعجب ممن رضيت به الجامعة أن يكون أحد أعضاء هيئة تدريسها المؤتمنين , فنراه فجأة يلمح إلى طلابه أنه قلما ينظر في الإجابات , وإنما حسبه العشوائية كما ضرب سير الناقة خبط عشواء , فيقف غير واحد من الطلاب حيران أسفًا لا يدري كيف يرد على من ملك حصانة تفوق حصانة غيره في التعليم العام .
إن من المعلوم محضًا وصرفًا أن غياب الأمانة عند أولئك الفئة أصبحت حربًا كما السيل للمكان العالي , وإنها لحرب غير مشرّفة بهم , فإن ضاعت الأمانة عند هؤلاء فأين يجدها الطالب الجامعي ؟ أتكون عند رئيس القسم , أم عند عميد الكلية , أم عند معالي مدير الجامعة ؟ فترى الطالب في ظلم ما بعده ظلم , وإن حاجج غير محاضره الأكاديمي لاقى العنت من أوسع أبوابه , وضاقت عليه جنبات الجامعة بما رحبت !
من لي بمرشد أكاديمي بسمته وحسن دلِّه أنيطت به مثل هذه الحالة بأن ينبري إلى تتبع أولئك المصرحين أمام طلابهم من أنهم قلما ينظرون – مجرد النظر – في أوراق طلابهم ؟ ولست أدري ما يريده ذيّاك المحاضر حين يمط شفته السفلى ناطقًا بمثل هذا القول الذي لا يصدر إلا عن سوء بلا ريب ؟
لو أحلنا فعل هذه الفئة إلى علم النفس لوجدنا ما يهول , حيث إن هذا السلوك ينبري تحت مظلة جنون العظمة التي أصيبت بها هذه الفئة , وأن الواحد منهم يخيّل إليه أنه فوق مستوى القراءة لطلابه , فهو مشغول في بحوث الترقية , وقد تعجب ممن يقول ببلاهة : أخشى أن يفسد أسلوبي الكتابي حين أقرأ إجابات طلابي ! !
وإن أنسَ لا أنسَ عزوف الجامعة عن المحاضر المتقدم من التعليم العام للانتقال إليها , بحجة أنه لم يتقدم إلا من أجل طلب الراحة فحسب ! وهذا – لعمري – إجابة غير مباشرة عن مدى الإهمال الذي يمتطيه كثير من أعضاء هيئة التدريس , حيث إنهم في راحة حسب زعم تلك الحجة !
على أن المحاضر الجامعي يجب أن يكون في شغل على الدوام بلا فتور يعتريه , فهو مسئول عن تفتيق أذهان طلابه , وحثهم على البحث العلمي من أقطاره , وحظهم على الاختلاف ما أمكنوا لذلك سبيلا , وألا يكون الخلاف مقصودًا لذاته , فلو تأملنا في الجامعات الغربية نجد أن كثيرًا من العلوم والمعارف تنبثق منها , وأن الاكتشافات الجديدة ديدنهم .
أملي المرجو أن تراقب تلك الفئة الله – جل علاه – فيما بين أيدبها ( أمامهم ) من فِلْذات أكباد يريدون أن يشقوا طريقهم نحو أمة عزيزة محصنة بالعلم الحق , وأن تعي الأمانة بمفهومها القرآني , فما ارتقت أمة ومعلموها في مسيس الحاجة إلى تعليم إنساني اجتماعي , ففاقد الشيء لا يعطيه .