بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » " .. ( . . الأيـّــااام الأخِـيـْــرَة . . ) ..، ( . . احجـز مقعـدك الآن . . ) .. " ‏

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 09-06-2009, 11:41 PM   #1
د / ماسنجر
طائر .. أتعبته الهجرة
 
صورة د / ماسنجر الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Apr 2008
البلد: مَع حِبر الأحـرُف
المشاركات: 822
" .. ( . . الأيـّــااام الأخِـيـْــرَة . . ) ..، ( . . احجـز مقعـدك الآن . . ) .. " ‏





،


،



" .. الأيـَّـامُ الأَخِـيْـرَة .. "


النَّظْرَة ..
سما ناظري إلى السماء .. لونها أسود موحش ، إلا أنه يُسلي ناظري وهاجسي بالنظر إليه ، ترقص النجوم طرباً كل ما يحين وقت الظلام ، ويُشع نورها على محياي فاعكس شكلها وبهائها ، أرمى نظري هنا وهنا وهناك ، كأن تلك السماء أرض امتلأت بالجواهر والذهب واللؤلؤ .. فيسبح خيالي معها ويذهب بي كل مذهب .

شَريْط الذِّكْرَيَات ..
ومازلت انظر إلى السماء .. حتى انعادت مشاهد في حياتي سالفة الأوان ، فرأيت مواقفي معه .. وسمعت حديثي إليهِ وحديثهُ إليّ .. وتراشق الضحكات فيما بيننا ، رأيتهُ قادماً فاسأله : أين كنت ؟ ، ثم نائماً لأقعده ، ثمّ واقفاً لأمازحه ، ثم باكياً لأواسيه ، ومشاهد أخرى مرّت كَلمح البصر .

طُفُوْلَتُنَا ..
كانت أعذب لحظات الحياة .. لا نلبث وقتاً حتى نضحك ، ووقتاً آخر نبكي فجأة .. ثم نضحك والمدامع تودّع أعيننا ، يُصبح علينا الفرح كل يوم وتنام السعادة على فرشنا كل ليل وتشق البراءة قلوبنا ، والمستقبل كالطائر بيننا .. سينقلنا من حياتنا تلك إلى ما بعدها .

رُوْح ..
كبرنا مع الزمن .. فكبرت نظراتنا وآرائنا وأفكارنا وتصوراتنا ، وأصبحت روابط الصلة فيما بيننا حميمة جداً .. بقيت روحي وروحه أن تتداخل مع بعضهما فتصبح روحاً واحدة .. وهل يوجد في هذه الحياة شيء أجمل من أن تكون هناك روحان ارتبطت مشاعرهما فأصبحت لقلبٍ واحد !! .

اللِّقَاء ..
نغيب عن بعضنا .. ثم نتقابل والمحبة قد سقت قلوبنا شوقاً .. كمن يشرب الماء عطشاناً بعد فقده له ، فأحكي له ما دار في الأيام الماضية ويحكي ما حَدث له ، لقيانا كالمطر وقلوبنا كالأرض القفر .. لم يَسقيها الله من فضله وبقيت جافة متشققة ما بها رشفة الماء .
يَوْمُ الاثْنَيْن ..
أتى إلى بلادي فجأة من أجل إنهاء واجبات لعمله ، سعدت عندما اتصل وأخبرني بقدومه .. حاولت إنهاء أشيائي التي ستشغلني عنه ، والتقيت به آخر الليل .. كعادتنا نتبادل الأخبار والمواضيع التي دارت وقت الغياب .. سألته عن راحته في العمل وأخبرني أن بدايته مريحة جداً وأن مستقبله مضمون للاستمرار به حتى يؤمن لقمة عيشه .

يَوْمُ الثُّلاثَاء ..
انتظرته على الغداء .. وأخبرني أن العمل لم ينتهي بعد ، قرابة الثلاثة أشهر لم أراه .. متشوقاً للجلوس معه ولكن العمل يبعده عني ويبعدني عنه .. مرت الأوقات : العصر والمغرب والعشاء .. الساعة العاشرة مساءاً سألته عن عودته وقال لي أنه سيعود بعد الثانية عشر ليلاً ، قضيت بعض الوقت مابين القراءة اليسيرة وتصفح الشبكة العنكبوتية .

يَوْمُ الأرْبِعَاء ..
الساعة الواحدة صباحاً .. أتى وأنست بحضوره أنا والأهل ، مكثنا وقت السحر بالحكايات بين أخبار العائلة .. وبين أخبار البشر .. وبين الأفراح التي زارتنا .. و الأحزان التي أرهقتنا ، بعد دخولي لحجرتي لحقني وقال أنه يريد أن ينام عند محمد قريبنا و شريك عمله .. حتى يذهبان إلى العمل سويه .. وافقت على ذلك وذهب ، وفي وقت الظهر اتصل ليخبرني أنه سيسافر لإتمام العمل في شمال البلاد .. ولكنه نسي بعض أمتعته عندي .. أتى وأخذها ثم صافحته مصافحة سريعة تحت حرارة الشمس المحرقة .. بعد أن أطلقنا ضحكةً سريعة .. ودعته وودعني .

يَوْمُ الخَمِيْس ..
الساعة الثالثة فجراً .. على ضوء القمر كنا جلوس أنا والأهل .. من بيننا أحد الإخوة صامتٌ لا يتحدث .. مطرقاً رأسه يفكر بعُمق ، ركزت بصري عليه .. وتغامزت أنا وبعض الأخوات .. كأننا نقول : مابه ؟! .. رآنا بعد أن صمت المكان .. انقلب وجهه إلى السواد .. يريد أن يحكي لكنه تلعثم .. وقف ثم ذهب .. وعاد بعد دقائق .. واختفى فجأة ثم عاد .. كأنه يريد أن يقول شيئاً ، قاطَعَتهُ إحدى الأخوات وقالت له أن هناك شيء يُخفيه .. ضحك ضحكةً مبعثرة .. ضحكةً لم تكن معهودة منه سابقاً .. ولكن سرعان ما اكتشفنا مابه .. قال بصوت حَزين : اثنين من أقاربنا .. قدر الله أن يحصل لهم حادث في سيرهم .. تغيرت الوجوه .. بدأت النظرات يميناً وشمالاً .. أسئلة سريعة : من هما ؟ هل هما فلان وفلان ، قالت إحداهن : هل هو أحد أبنائي ؟؟ ، قالت الأخرى : هل هما تركي ومحمد ؟؟ قال : نعم .. وهما الآن في غرفة العناية المركزة .. بدأ البكاء والصراخ .. والسؤال مرةً أخرى : هل أنت متأكد أنهما في العناية .. أم وافاهما الله ؟؟ ، رد بإجابة سريعة : حالتهما سيئة جداً ، أنا لم استطع الحديث كل ذلك الوقت .. بدأت الآن في حديثي بعد أن رفعت صوتي : هل أنت متأكد أن أحدهما لم يمت ؟ .. قال بصوت متكسر : تركي .. انتقل إلى رحمة الله .. ومحمد في العناية المركزة .

دَمعَةُ الفِرَاق ..
رحل تركي .. فجأة ، انتهت حياته بقضاء الله .. لم أعلم أن هناك لحظة سيقولون بها : كان تركي رحمه الله يفعل كذا ، لم يزُر فكري أني سأفقد صديقي وقريبي وحبيب قلبي ، بكيت .. حتى شَكَتني وجنتاي من انهمار الدموع عليها ، بكيت .. وأصبحت حينها لا أرى الأشياء إلا من خلف مدامعي ، بكيت .. حُرقة ، بكيت .. حُزناً ، بكيت .. ألماً ، إن الألم الذي عَصر قلبي كفيلٌ بأن يُميتني .. خشيت على نفسي من الجُنون ، أصبحت الدنيا أمام عيني .. كحبة الرمل الصغيرة لا تساوي شيئاً .. كَرهت الحياة .. كَرهت نفسي التي رافقت تركي .

قَبْل 14 سَاعَة ..
الساعة الثانية ظهراً .. يوم الخميس ، تركي يقود السيارة ومحمد بجانبه وفي الخلف رجلاً يتبعهم في العمل .. يسيران بسرعة لا تتجاوز المائة كيلوا متر في الساعة ، وفي طريق سيرهم .. انعطفت وبسرعة شاحنة ضخمة إلى اليمين .. لم يتمالك تركي نفسه في القيادة .. حتى ارتطموا بجانبها الأيمن الأمامي .. وانحرفت السيارة لليمين وانقلبت حتى أصبح عاليها سافلها .. وتناثروا على الأرض .. من بين حطام السيارة .. محمد ساقطاً لا يستطيع أن ينهض التفت إلى تركي ورآه ساكناًً يتلوّى بهدوء ، في لحظةٍ يسيرة حَضر الإسعاف .. نقلوهم جميعاً ، الرجل الأجنبي به كدمات خفيفة .. محمد رأى الأطباء يلتفون على سرير تركي .. ويأخذون أنابيب غريبة ..! ، وكأنهم يسحبون منه الدّم .. أو يعيدون له الحياة بقدرة الله ، صرخ عالياً : مابه تركي ؟ مابه ؟ .. أرجوكم لا يمت .. لا يمت ، أخذوه الممرضين وأخرجوه للغرفة المجاورة .

تُرْكِي ..
سأتحدث إليك .. وكما عهدت منك الإصغاء :
فارقتك ، وفارقت البسمة الصادقة .. وفقدت نسيم الروح العليل ، حملتك على كتفي وأنا أبكي وأنوح .. أراك على الألواح وكأنك تقول : الوداع يا صديقي .. الوداع أيها الرفيق ، كأني أسمعك تقول : لن تلقاني ولن تراني ولن تسمع حديثي إلا إن لحِقتَني إلى الموت ، كأني أسمعك تقول : أرجوك لا تنساني ، آآآآه يا تركي .. كيف لقلبي الذي ملأته بحبك أن ينساك !! .. وكيف لمشاعري التي امتلأت بحنان الصديق وعَطفه أن تنساك !! .. وكيف لدمعةٍ أحرقتني أن تنساك !! ، دفنتك .. ودفنت مع جثمانك السعادة في حياتي .. فلا المَلاهي تؤنسني .. ولا الأفراح تغشاني ، يراني الفَرح .. كأنني عدواً فيهرب من أمامي ، ثم يَرمقني الحزن من بعيد .. فيُسرع في قدومه إلي .. يضمني إليه حتى تتداخل أضلاعي ، في بحر الأحزان العميق .. أسبح وأعوم من شاطئ إلى شاطئ .. ومن جزيرة إلى جزيرة .. حتى أنهكني ، تركي .. رحلت عن الحياة وأنا راضياً عنك .. وإن ما يسليني الآن هو ذكراك .. ذكرياتك وماضيك الجميل .. وجميع مواقفي معك .. منذ أن كنا صغاراً حتى كبرنا ، في داخلي حديث كثير إليك ولكن اكتفي بذلك القدر .. واعتقد أنك لو رأيت حالي بعد فراقك سترحمني وتحنو عليّ وتطلب مني أن لا أحزن .. فالحزن من أجلك عذاب .. وسأتذوقه ماحييت .. أحبك .


قَصِيْدَةُ الأيَّامُ الأَخِيْرَة ..






انتقل إلى رحمة الله في شهر شعبان 1427 هـ
* * *

اللهُم وأبدله داراً خيراً من داره ..
وأهلا خير من أهله ..
اللهُم واجعله مِمن يرثون الفردوس الأعلى من الجنة ..
اللهم اجمعنا به ووالدينا في جنــّات النعيم..


* * *


الأيـّــام الأخِـيـْــرَة .. في المُدَوّنة .. هُنا .،

فائق تقديري ووُدّي
أخوكم / سلمان بن عبدالعزيز الجفن ( دكتور ماسنجر )
__________________
[POEM="type=1 font="bold large 'Traditional Arabic', Arial, Helvetica, sans-serif""]على مهلك .. ترى ذكراك ماتت = وأغصان الفراق اليوم حيّه
عيوني .. عن لقاك اليوم صامت = وحبّك زال عن دنياي ضيّه[/POEM]

سَلمان

آخر من قام بالتعديل د / ماسنجر; بتاريخ 10-06-2009 الساعة 12:16 AM.
د / ماسنجر غير متصل  


 

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 10:34 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)