بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » هل الدين يقود المجتمع ؟ أم العكس ؟!

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 04-07-2009, 01:52 AM   #1
Ali Ezzat Begovich
Guest
 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
البلد: بريدة العظيمة
المشاركات: 235
هل الدين يقود المجتمع ؟ أم العكس ؟!

في البدء تولد المجتمعات دون أديان فتشكل لنفسها قيم وتصورات وأحكام وأسلوب حياة، وقد تكون تشكيلاتهم وتصوراتهم إيجابية وعادلة ومستقيمة مع الحياة بالرغم من أن لابد أن يشوبها بعض النواقص وهذا أمر لابد منه في أي عمل، وقد يكون العالم الغربي مثال لذلك مع التحفظ على بعض أساليب حياته إلا أنهم متقدمون على كثير من الشعوب الإسلامية بالنظام والحياة والحق والعدل ولاينكر ذلك سوى مكابر، أما النوع الآخر من تنحرف قيمه وفطرته وأسلوب حياته كما حدثَ في الدولة الشيوعية أو كما حدث عند الأمم الضالة كقوم نوح وفرعون وعاد وثمود وأيام الجاهلية، لذلك يبعث الله الأنبياء والرسول ليدلوهم على الحق ويرسموا لهم منهج العدل ويأخذوا بأيديهم إلى طريق الهداية والصلاح .

والمجتمعات جميعها بطبيعتها مؤهلة للانحراف عن المنهج القويم أو الحق المتبع أو العقل المتمكن أو العدل القويم، لأجل ذلك لايمكننا أن نستغرب الكثرة الكاثرة من الرسل والأنبياء الذين لانعرف سوى قليل منهم لأن المجتمعات سريعة الانحراف فالله عز وجل يدركهم ويرسل رسله مبشرين ومنذرين ومبينين .

هنا يتبين لنا أن المجتمعات بطبيعتها تخلق الأفكار والمواقف حتى في ظل وجود المبشر والمنذر والمبين، والمطلع على السيَر يدرك ماحدث بين الصحابة من شجار ومن عصبية قبلية ومن أخطاء كبيرة وكثيرة، ومهما حاول البعض من تصوير عهد الصحابة رضوان الله عليهم بالصفاء والنقاء الشائب من أي خلل فإنه لايمكنه حجب الأحداث الصحيحة التي حدثت، وهو أي _ المصور _ يسيء إلى الصحابة من حيث لايعلم لأن منهج أهل السنة والجماعة هو ألا مقدسٌ ومعصوم من الناس سوى الأنبياء، أما غيرهم فيخطئون ويستغفرون ويتوبون وهم بشرٌ تبقى طبيعتهم الخطاء والنسيان والغفلة بالرغم من مكانة صحابتنا ورفعتهم التي نكنها في قلوبنا.

وإذا كانت الأخطاء والمواقف السلبية والأفكار البعيدة عن الدين قد حلت في ذلك العهد فإننا نتفهم تلقائياً الأخطاء اللامعقولة من لدن مجتمعاتنا سواء أكانت أخطاء انحرافية عن الدين أو كانت في فهم الدين، أما الأخطاء الانحرافية الخارجة عن الدين فليست داخلة في موضوعنا لأن فهم وقوعها سهلٌ ميسر، لكن حديثنا في الأخطاء التي تحدث في فهمنا للدين وأهدافه ومقاصده وواجباته ومنهياته وغاياته .

يولد الشيخ في مجتمعه طفلاً فينمو كأي طفل في العالم بين أحظان أمه وأبيه وأهله ويكبر هذا الطفل الذي سيصبح شيخاً يفتي للناس أمور دينهم ويبين لهم مراد الله ورسوله فيدخل المدرسة أو يتعلم تحت أيادي الكتاتيب الذي سيبزهم ويفوقهم يذهب هذا الإنسان الذي سيصبح شيخاً إلى المسجد والعمل والسوق فيمر في طريقه بين أناس تتحدث تتصارع تظلم تبطش تعمل الخير تنفعل تتعامل تتواصل مع بعض بخيرٍ أو بشر، يبيع يشتري يحدد يقيم ينتقد يؤيد يرفض يأمر، يزور أقاربه يسافر مع أصدقائه يعرف تفاصيل الحياة وأسلوب مجتمعه فينخرط معهم نفس التفكير نفس الاهتمام نفس المواقف نفس الرؤية نفس الفعل ورده، يجتاز هذا الشيخ سن العشرين والثلاثين والأربعين، يصبح مؤهلاً للفتوى إذ حقق شروطها وطلب العلم من أهل العلم وقرأ من كتب الفقه والعقيدة والحديث وغير ذلك من العلوم الإسلامية وحفظ القرآن وأصبح مفتياً وقد يصل إلى أعلى منصب في الإفتاء .

بهذه العوامل المختلفة الأنفة الذكر يتشكل الشيخ فيتأثر ببيئته ويقرأ العلم فيفهمه ويصبح فهمه متوافقاً مع النشأة التي تربى عليها، وإن كانت النشأة والتربية متشددة منغلقة خرج فهمه للنصوص بفهم منغلق متشدد، ففتاويه تأتي - دون أن يشعر - وفق محيطه ومجتمعه وبالتالي يصبح الدين أقرب للتهجين لتعكر الفهم الصحيح فالنصوص الدينية يلوى عنقها حتى تتوافق مع أسلوب الحياة والتفكير وطريقة سير المجتمع وتوجهه، ومن يتأمل كثير من الفتاوى والتحليل والتحريم يدرك أن الشيخ دون أن يعلم يفتي أحياناً بناء على الكينونة الكاملة التي كونته من أفكار وطبيعة شخصية ونشأة بيئية فينظر للنص بعين المجتمع والتصور العام له فتأتي الفتوى متعلقة بشوائب المجتمع المختلفة فتكون أبعد عن مراد الله ورسوله، ولكي نبرهن على حديثنا بالأمثلة الواقعة،نقرأ التالي .

حين كنا في مقاعد الدراسة وفي مساجدنا وفي المحاضرات الدعوية وخطبنا وحين نستمع للراديو أو نشاهد التلفاز ويأتي بالشيخ وتأتي قصة زيارة الرسول صلاة الله عليه وسلامه لجاره اليهودي حين فقده عليه الصلاة والسلام وسأل عنه وقال الناس إنه مريض قام من هو بأمي وأبي بزيارته والاطمئنان عليه كموقف إسلامي نبيل ينم عن رحمة الإسلام والسلام الذي يحويه والألفة للبشر بغض النظر عن دينهم، انتهى، يأتي الشيخ ليستدرك بسرعة ويفيدنا أن زيارة الرسول عليه الصلاة والسلام لجاره اليهودي لم تكن بدافع الرحمة وحقوق الجار والمعايشة السلميّة مع كافة البشر باختلاف أديانهم (بل) لكي يعتنق هذا اليهودي الدين الحنيف !!، وبالرغم من أننا قرأنا هذه القصة جيداً لم نقرأ يوماً أن الرسول عليه الصلاة السلام قال أنني زرته بهدف دعوته للإسلام ولم يقل ذلك الصحابة أن زيارة محمداً صلى الله عليه وسلم كانت لذلك الدافع بل لم نقرأ أن الرسول دعاه إلى الإسلام، كان مجرد موقف بريء فيه من القيم العظيمة ليبين لنا الرسول عليه الصلاة والسلام مدى التسامح والمحبة والألفة التي يحويها ديننا فيقوم بزيارة جاره اليهودي المريض في بيته ويطمئن عليه ويخرج منه، لكن كثير من مشائخنا يحاولون دون أن يشعروا أن يعلنوا لنا أنهم اكتشفوا أن الرسول أستغل مرض اليهودي وقام بدعوته للإسلام وأن نبينا لم يكن ليزوره لولا هذا الهدف !! ، إن هذا الفهم المُعَكر الذي يلقى على ملايين الناس من المسلمين فيتلقفونه ويؤمنون به ، ماكان ليحدث إلا لتأثير البيئة المحيطة بهذا الشيخ والتنشئة التي نشأ عليها، فهو في مجتمع يرفض الآخر ويمقته بل ومجتمع يرفض بعضه بعضا ويعيب بعضهم بعضا بحجة الانتماء القبلي أو المناطقي أو غيره، وخرجت لنا أفاهماً تفهم النصوص الدينية وفق مزاج المجتمع فتلوى أعناق النصوص وتبعد عن مسارها الطبيعي والبريء حتى يوافق مراد البيئة الاجتماعية، وقس على ذلك آلاف الفتاوى التي كانت نتاج تكوين الشيخ وفهمه للأمور من خلال مجتمعه .

هنا ندرك أن أنماط المجتمع ومواقفه هي الأكثر تشكيلاً لعقل الفرد وأحكامه وتصوراته أكثر من المقولات التي يتلقاها سواء دينية أو غيرها وحين يؤمن بها فهو في النهاية يتشربها ويفهم مرادها كما يفهم ويصور مجتمعه كافة الأفكار والمواقف فيكون فهمه متعكراً مختلاً ، لنصل بالنهاية إلى نتيجة أن المجتمع هو من يشكل ويقود الدين حتى يكون متوافقاً لمكونات وأسلوب حياة المجتمع، والله أعلم .

آخر من قام بالتعديل Ali Ezzat Begovich; بتاريخ 04-07-2009 الساعة 02:31 AM.
Ali Ezzat Begovich غير متصل  


 

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 07:01 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)