[شُرُوق المَسَاء]

دخلت البيت بالأمس .. فتألمت وبكيت بكاء الأطفال .. والله المستعان ..



دخلت البيت وإذا بي أسمع صوت بكاءٍ خافت .. فاتجهت نحو الصوت .. وإذا بي أدخل مجلس الرجال .. عندها صُدمت .. حينما رأيت أختي الصغيرة التي تبلغ من العمر 13 عاما .. تبكي بحرقة .. لم أعرف سبب بكائها .. لكن قلبي انشق وانفطر ..

اتجهت نحوها وقلت : مابك .. فلم أجد جوابا وأزداد بكائها .. رفعت رأسها وإذا بالدموع قد سالت هنا وهناك .. لم أتمالك نفسي .. فضممتها إلى صدري بقوة .. حتى أني قد آلمتها .. أغمضت عيناي وكادت أن تسقط دمعه .. جعلت يدي على شعرها .. وبدأت أقول .. أهدئي حبيبتي .. من ضرب صغيرتي .. وأخذت أهدئها طويلا .. حتى هدأت قليلا ..

تذكرت نفسي حينما أكون في مثل هذا القهر .. وأن الشخص أحيانا يمر بمحن ومصائب ويريد أن يلجأ إلى شخص يجعل رأسه في صدره .. شخص يهدأ من روعه .. ويقلل من مصابه .. لكن هيهات هيهات .. قد أسمعت لو ناديت حيا .. ولكن لاحياة لمن تنادي ..

المُهم .. لما رأيت هدوئها قلت مابك عزيزتي .. فقالت ولا تكاد تبين : أمممم ممي عي عي عيييت علللي أكلم بنات عمي يجن عندنا .. (( أمي لاتريدني أن أكلم بنات عمي للمجيء إلينا )) ..

أنا يوم أن سمعت السبب .. لم أتمالك نفسي .. قلت .. وكل هذا البكاء المُر .. من أجل ذلك ..
قالت : (( لا .. بس أنقهرت ليش تعيي علي .. كل ماطلبت شيء تعيون .. كلكم .. أنت أولهم .. تذكر يوم طلبت منك تجيب لنا ألعاب عشان نلعب بالإستراحة عند عماني .. وقلت لك .. وقلت لي أنت طيب ولا جبت لي .. وتذكر ذاك اليوم قلت لك أبي كيكة لنجاحي عشان أروح به لإستراحة خوالي .. وكلهم جابوا كيك إلا أنا .. وكل ماطلبت منكم تعييون )) .. وبدأت بذكر مواقف قديمة .. كثيرة جداً كنت تحملها لسنوات .. عندها عادت للبكاء ..

صُعقت في تلك اللحظة .. فأنا لم أكن أتوقع أن أختي الصغيرة تحمل كل هذا اللوم والعتاب .. كنت أضنها كالأطفال .. تبكي في ذاك اليوم وسرعان ماتنسى .. لكن كان تفكيري خاطئاً ..

لمت نفسي كثيرا .. فكم أنا أناني .. وكم أحب لنفسي مالا أحب لأختي ..

بالفعل كان موقف مؤثر جدا .. تمنيت لو أن الأرض انشقت وأبتلعتني في وقتها ..

هدأتها من جديد .. وقلت أسمعي حبيبتي .. أطلبي ماتريدين بعد اليوم .. لكن بحدود .. وسوف أنفذ كل ماتريدينه .. عندها رفعت رأسها وقالت .. (( أنت ما تكذب علي صح )) ..
قلت لا حبيبتي لا أكذب عليك .. وهذا وعد مني .. اتضح على وجهها الرضا الكامل .. فسررت لرضاها .. فكم هم رائعون أولئك الأطفال .. سرعان مايسخطون وسرعان ماتستطيع إرضائهم ..

عندها ذهبت بها إلى المغلسة .. وجعلت في يدي ماء وغسلت وجهها برفق .. وعندما أنزل يدي لأبلّلها من جديد بالماء .. نَظَرت إلي وابتسمت .. ابتسامة صادقة .. ابتسامة عذبه .. ابتسامة لا نفاق فيها .. فأحببت ابتسامتها .. أحببتها جدا ..

كم تمنيت أن هذا الموقف حدث من سنوات .. وليس في هذا اليوم .. صحيح أني قريب من أخواتي .. لكنه ليس بالقرب الكافي .. فالولد أحيانا يخرج مع أصحابك .. ويصارح هذا .. ويتحدث مع هذا .. أما البنت فلا ملجأ لها بعد الله إلا أخاها .. بحكم التقارب في السن بينهما .. لأن الكلام مع الأم أو الأب أحيانا .. لا يأتي بالنتائج التي تطمح إليها الفتاة ..

كانت تخنقني العبرة .. لم أستطع تحمل الموقف .. فذهبت إلى غرفتي .. بعد أن أدخلتها غرفتها .. وأرسلت مابقي من دموع .. فاتجهت إلى (( اللاب توب )) .. وكتبت هذه الخاطرة .. التي هي من ضمن عشرات الخواطر التي أكتبها في جهازي .. ولا أكاد أريها أحدا مهما كان .. لكني آثرت أن أجعلها هنا .. لعلها تجد آذان صاغية لطالما كان صاحبها رحيما بالناس .. لكنه فضاً مع أخواته وأهله ..


أرجوكم .. مثلما يكون تعاملنا حسنا مع الناس .. فلنعامل أهلنا كذلك ..
أرجوكم .. مثلما نكون ظُرفاء مع الناس .. فلنكن كذلك مع أهلنا ..
أرجوكم .. مثلما نكون وُضعاء مع الناس .. فلنكن كذلك مع أهلنا ..
أرجوكم .. مثلما نكون صُرحاء مع الناس .. فلنكن كذلك مع أهلنا ..

أرجوك أخي .. فتّش عن قلوب أخواتك .. اجعلهن يلجئن إليك .. دعهن يُخرجن ماكتمْنهُ لأيام بل ربما لسنوات ..

أنتي أيضاً أرجوكِ .. أكسري الحاجز اللعين الذي دائما نجده بين الأخ وأخته .. قولي ماتريدين له .. أكشفي عن أسرارك .. لمن تجدين فيه الحكمة والرفق من إخوانك .. ولا تكتمي ذلك في صدرك ..

هو مجرد حاجز .. نريد كسرة .. نريد أن نمد جسور الألف والمودة .. نريد أن نجعل الحب بيننا حتى الموت ..

وكتبه العبد الفقير إلى ربه
محمد ين عبدالله
في يوم السبت الساعة الواحدة ليلاً ..