[الـصـمـصـام]

بسم الله الرحمن الرحيم


[أبو صعصعة الطبرجلي ] اسم وهمي لا وجود له ، لكن أشباه هذا الاسم كثيرة ( بالكنية الرنّانة يتولها ذكر البلدة ) .. وهي فصيلة بدأت تتكاثر و لها مؤلفات لا يُعرف من هم أصحابها بأعيانهم ، و هي محور ما يُحرر هاهُنا :

لقد هيأ الله تبارك و تعالى لهذه الأمة رجالاً يقومون الحق ، و به يعدلون ، عُرفت مكانتهم في الإسلام ، و أصبح الناس يتواردون عليهم ابتغاء العلم ، و يصدُرونَ عن آرائهم المؤيَّدة بسلطان الوحي ، و المبرهنة بأنوار الرسالة ، و معالم الهداية ، ممن حباهم الله ميرث النبوة ، فسافروا من أجل هذا الميراث إلى البلاد ، و هجروا فيه لذيذ الرقاد ، و أنفقوا فيه الطارف و التِلاد ، و صبروا فيه على النوائب ، و قنعوا من الدنيا بزاد الراكب .

و حينما يتكاثر هؤلاء و يثق الناس فيهم ، تجد لدين الله على أعدائه سطوة ، و له عند أوليائه حظوة ، و تكون الأمة واضحة التصور ، موحدة المعالم ، واثقة في رأيها ، راسخة في تقدمها ، من أجل هذا عرف الناس الأعلام الذين كانوا بالحق قائمين ، و بعرى الدين مستمسكين ، فخلّد التاريخ مآثرهم ، و أعلى لهم مفاخرهم ، حتى دارت الأيام و انسخ بعض المسلمين عن هذا الأصل ، و أصبحوا يصدرون عن مجاهيل لا تعرف أعيانهم و لا أحوالهم . بعد أن كان الأئمة النقّاد من أهل الحديث لا يأخذون ممن هو معروف العين و لكنه مجهول الحال .. فهؤلاء يأخذون ممن هو مجهول العين و الحال و الله المستعان .

و يؤيد هذا ما أنبأ به النبي الكريم - عليه الصلاة و السلام - حيث قال : (سيـأتي على الناس سنوات خدَّاعات يُصَدَّقُ فيها الكاذب ، ويُكَذَّبُ فيها الصادق ، ويؤتمن فيها الخائن ، ويخوَّن فيها المؤتمن ، وينطق الرويبضة . قيل: وما الرويبضة؟قال: الرجل التافه ، يتكلم في أمر العامَّة) انظر السلسلة الصحيحة للألباني(1887) .

ووالله إن الإنسان ليتعجب من هذه الفوضى التي أجرمت في أمة الإسلام أيما إجرام ، و جعلت الكل يهذي بما لا يدري ، و يهرف بما لا يعرف في دين الله ، بأسماء تلمع و تُزين و ماهي إلا خاوية من الأسس .

و هذا الذي دنس كرامة الأمة ، و قوض معالم الشريعة في بقاع شتّى و عند أناس كثيرين ، بل و أفسد على الناس أمور معايشهم و آخرتهم ، بأسماء وهمية لم يُعلم من هم أصحابهم ولا على يد من طلبوا العلم ، حتى إن الأسى ليتملكك لما تجد فئة مستعدة للموت في سبيل تلك الفتاوى من هؤلاء المجاهيل .

أذكر أن نقاشًا دار بيني و بين أحد الأخوة قديمًا ، فذكر لي كتابا لمؤلفة ( أبو فلان .. الفلاني ) كنيته و مدينته ، باسم مشابه لماهو في العنوان ، و لا أدري كيف يعير هؤلاء عقولهم لمن لا يعلمون حقيقتهم ، بل و يجعلون آراءهم فيصلاً في قضايا الأمة العظمى ، و نوازلها الكبرى ..!

و قد شاع بين العلماء التحذير من الأخذ عن المجاهيل في دين الله تعالى منذ العصور الأولى المفضلة ، فهذا الإمام التابعي الجليل ابن سيرين يقول : ( إن هذا العلم دين فانظروا عن من تأخذون دينكم ). وقال الإمام النووي رحمه الله : ( و لايُتعلم إلا ممن تكملت أهليته و ظهرت ديانته و تحققت معرفته و اشتهرت صيانته فقد قال محمد بن سيرين و مالك بن أنس و غيرهما من السلف : هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ) . و قال ابن عون - كما نقله عنه ابن عبدالبر - : ( لا تأخدوا العلم إلا من شهد له بالطلب ) . و نقل ابن أبي حاتم الأثر الذي يقول : ( دينك دينك إنما هو لحمك و دمك فانظر عمن تأخذ خذ عن الذين استقاموا و لاتأخذ عن الذين مالوا).

و ما أقدم أصحاب الضلال - من الذين أفسدوا في أرض الله و أرهبوا ، و انتهكوا حقوق الناس - إلا بفتاوى المجاهيل و النكرات الذين لا يُعلم لهم سابقةٌ في بذل ، و لا بادرةٌ في فضل !

نسأل الله أن يعصم ألسنتنا و أسماعنا و عقولنا من الزيغ و الضلال و الله المستعان .

شكراً لكم أحبابي
أخوكم / عبدالله .