بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » الشيخ د.سعود الشريم معلقا: ما وقع في يومِ العقبة من وفيّات فهو مبنيٌّ على التفريط :

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 14-02-2004, 03:16 PM   #1
مهتم
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2003
المشاركات: 353
الشيخ د.سعود الشريم معلقا: ما وقع في يومِ العقبة من وفيّات فهو مبنيٌّ على التفريط :

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الثانية :

الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده.

وبعد: فيا أيّها الناس، ويا حجّاجَ بيت الله الحرام، إنّ من المسلَّم واقعًا أنّ التزاحمَ والتدافع في الأماكنِ الصغيرة والأوقاتِ الضيّقة مظنّة ولا شكّ للأخطار، وما وقع في يومِ العقبة من وفيّات فهو مبنيٌّ على التفريطِ في مثل ما ذكرنا من الرّفق والهدوء والسكينة وعدم الاستعجال وأخذِ السّعَة فيما فيه سعَة، وإلا فإن من قَضوا نحبَهم في ذلك اليوم كانوا على خاتمةِ خير نحسبها كذلك، لأنَّهم ماتوا محرِمين، ومن مات محرِمًا فإنه يبعَث يومَ القيامة ملبيًّا، لقول النبيّ في الرجل الذي وقصته ناقته وهو محرِم فمات: ((اغسِلوه بماءٍ وسِدر، وكفِّنوه في ثوبَيه، ولا تمسّوه بطيب، ولا تخمِّروا رأسَه، فإنّه يُبعَث يومَ القيامة ملبيًّا)) رواه البخاري ومسلم[1].

فاللهمَّ ارحَم موتى العقبَة، وارفَع درجاتهم في المهديّين، واخلُفهم في عقِبِهم في الغابرين، واغفِر لنا ولهم أجمعين.

ثمّ إن كان لنا من تعليقٍ على تلك الواقعةِ فهو في الأمور التّالية:

الأمرُ الأول: أنّ ما وقَع يومَ العقبةِ لا يرجِع سببُه إلى النّاحيةِ الشرعيّة أو قصورِ الفتوى في ذلك، وإنما يرجع إلى تزاحُم الناس وتدافعهم وقلّة الوعي لديهم، وإلاّ فأهلُ العلم قد بيّنوا أن وقتَ العقبة يبدأ من طلوع فجر يومِ العيد إلى فجرِ يوم الثاني، وأجازوا الرميَ قبلَ فجرِ يوم العيد بعدَ منتصَف الليل للظّعن والضّعَفة. وممّا يؤكِّد ما ذكرنا أنّ وقتَ الرمي في يوم النّفر الأوّل أضيقُ منه في يومِ العقبة، ومع ذلك لم يحصُل في ذلك اليومِ مثلُ الذي حصَل يومَ العقبة.

الأمرُ الثاني: أنّ على العلماء وأهلِ الفتوى إعطاءَ أمور المناسك شيئًا من جهودِهم وأوقاتهم وأبحاثهم، وعليهم أن يجمَعوا في فتواهم بينَ معرفةِ الدليل الشرعي ومعرفة الواقعِ والحال الجغرافيّ بالنسبة لعرصات المناسك، فإنّه كما تقرّر في القواعد والأصول أنه لا بدّ أن يجمَع العالم بينَ أدلّة الأحكام وأدلّة وقوعِ الأحكام، وصاحبُ الفتوى إذا لم يكن مدرِكًا لجغرافية المناسك إدراكًا جيّدًا فإنّ ذلك مظنّة للقصور في الفتوى، كما صار مثلُ ذلك لبعض علماءِ بعضِ المذاهب حينما رأوا السعيَ بين الصفا والمروة أربعةَ عشر شوطًا، وذلك لأنهم لم يكتَب لهم الحجّ إلى بيت الله الحرام، وقد ذكر ابنُ القيّم رحمه الله كلامَ ابن حزم في غلَطه في الرمل وأنّه يشرَع في الأشواط الثلاثة الأولى في السعي، فيقول ابن القيّم: "سألتُ شيخَ الإسلام عن ذلك فقال: هذا من أغلاط ابن حزم، وهو لم يحجَّ رحمه الله"[2].

كما أنّه يجِب على العلماءِ وطلبة العلم أن لا تكونَ فتاواهم في الحجّ مبنيةً على ردود الأفعال أو تأثُّرًا بكثرةِ الطّرح الصّحفي والمجالسي، كلاّ، بل لا بد أن تكونَ نابعةً عن فقهٍ وفهم وتروِّي وإدراكٍ للحجم الذي ستطالُه الفتوى لأنها تعمُّ جميعَ الحجّاج بلا استثناء، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وعِلمُ المناسك أدقُّ ما في العبادات"[3].

الأمر الثالث: أنّ مثلَ هذه المسائل تستدعي شحذَ الهمم في نفوس القاصدين للنُسُك بأن يتعلّموا أحكامَه ويتعرّفوا على أماكنه وعرصاتِه وكيفية التعامل معها، من خلال السُّبُل التوعويّة في بلَد الحاجّ قبل قدومه إلى مكّة، ما يساعد على إحسان التعامُل مع المناسك بالوجهِ اللائق، وهذا أمرٌ مُلقَى على عاتِق المؤسّسات والبعثات ذات الاختصاص، إضافةً إلى ما تقوم به جهاتُ الاختصاص في توعيّة الحجّاج إبّانَ الحجّ نفسه.

الأمر الرابع: أنّه لا يمكن أن تستقلَّ الفتوى بالحلول لبعضِ نوازل موسمِ الحجّ دون الرجوع إلى النواحي التنظيمية والتطبيقية والهندسية، فالتنظيم وحدَه لا يكفي، والفتوَى وحدها لا تكفي، والكمال كلّ الكمال في توافُق الفتوى الشرعية مع الجهات التنظيمية، مع عدم إغفال حال الوعيِ لدى الحاجّ، والله الموفّق وهو الهادي إلى سواء السبيل.

وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنْعَـٰمِ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشّرِ لْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّـٰبِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِى الصَّلَوٰةِ وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ [الحج:34، 35].

اللهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد...


من خطبة الشيخ د.سعود بن ابراهيم الشريم وفقه الله تعالى في تاريخ 15/12/1424هـ نقلا من موقع المنبر وفق الله القائمين عليه ..آمين:
مهتم غير متصل  


 

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 11:03 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)