[محمد الدخيل]

بسم الله . .

كلاً منا أثناء دوران عجلة حياته قد مر بحقبة زمنية رائعه محببة لنفسه قد عاش فيها ذكراياته الجميلة ولحظات عمره
السعيدة ؛ يتلذذ دائما حينما يتذكّر أيامها بقدر ما يتألم على ذهابها ، فهي راسخة عالقة في ذهنه لأنه كل ما حلت به مصيبة
و عاوده الهم والحزن تذكّر تلك الأيام وتمنى أن يعود إليها ..

وقد يتفق الجميع معي بأن أجمل وأطهر فترة قد مر بها كل من أمد الله بعمره ، هي فترة :

. . الصبا . .

نعم هي فترة الصبا فترة الطهر و النقاء ، فترة البراءة والجمال ، نعم إنها أيام الصِغـر . .

يوم أن كنا صغاراً . .
كان في القلب أمل . .
كنا نلهو لا نبالي . .
أينما كان الزلل . .

ما أجملنا يوم أن كنا صغاراً ، وما أجمل الكون من حولنا ، كنا نرى كل شيئ جميل لا لأنه فعلاً كل ما نرى
جميل ، بل إنه جمال أرواحنا التي لم تتعرف بعد على الحقد والحسد ، ولم تتعرف بعد على أي معنى للرذيلة !
وكأننا في ذلك الوقت مصداقاً لمن قال : كن جميلاً ترى الوجودَ جميلا ،
إننا قد عشنا في ذلك الوقت أجمل الأيام وأحلاها ؛ حتى أنني أظننا إستنزفنا رصيدنا من جمال الأيام
فلذلك لم يتبقى لأيامنا هذه شيئ !

الحديث عن الصبا ذو شجون ،،

دعوني أحكي عليكم بعض المواقف التي حركت مشاعري وجعلتني أشتاق لأيام الصبا ..

بينما كنت أتجول في فناء مدرستي الأبتدائية في وقت فسحتهم من تعب الحصص والدروس ، أرى الأطفال بقمة فرحهم
وإنسهم وأراهم يلعبون ألعاباً لا معنى لها ومع ذلك فرحين بها كثيراً ، ولسان حالي يقول : هنيئا لكم هذه اللحظات ،،

إنها قمة الطفولة .. حينما أرى من يقطع بكاءه بإبتسامه بمجرد أن أقول له : "عيب عليك أنت رجآل " ..!
وإنها قمة البراءة .. حينما أرى من يشج رأس صديقه ، وإذا سألته عن السبب قال : " كنـت أمـزح " !!


إن الذي يدفعهم لتلك الأفعال هو طهر نفوسهم وجمال أرواحهم ؛ وهي التي تجعلهم في فرح دائم ، بل إنه لبهم الصافي الذي
لم يعكر صفوه مشاكل الحياة وهمومها . .


ومن البراءة ما قتل .. كنت أُقص على طلاب الصف الأول الأبتدائي القصص بينما كنت أشغل مكان معلمهم الغائب
واستطردت في الحديث فتكلمت عن بر الوالدين وفضله وعن فضل الأم بالذات ، وإذا بإحد الصبيه يقاطعني
قائلاً لي : " يا إستاذ أنا امي ميته " فسكتت لوهله حائراً متعجباً غير متوقع لسماع مثل هذه الكلمات !
فسرعان ما تداركت نفسي وقلت له : " حتى أنا ابوي ميت ؛ والواجب علينا يا حبيبي ان ندعي
لهم عل الله يرحمنا برحمتهم " ..

كم قتلني هذا الموقف ، وكم قتلتني تلك العبارة التي تملئ حروفها براءة الطفولة وألـم اليـتم ..


هذه هي طبيعة أيام الطفولة ايام جميلة لاتُنسى كيف لا وأبطال هذه الأيام لا ينظرون إلى حاضرهم و لا إلى مستقبلهم
إلا بعين المتفائل السعيد ، إنهم ينظرون إلى الحياة بعين واحدة جميلة حيث ان الأخرى لم تُخلق بعد !